زهرة اثيوبيا الجديدة

old traveler

عضو جديد
زهرة اثيوبيا الجديدة ( مقال صحفي منقول من مجلة العربي لعشاق اثيوبيا
مدينة أديس أبابا والتي تعني باللغة الأمهرية "الزهرة الجديدة" هي عاصمة إثيوبيا مدينة حديثة لا يتجاوز عمرها مائة وعشر سنوات، وهي تقع على ارتفاع 2400 متر عن سطح البحر، وتتمتع بجو يعد من أجمل الأجواء في العالم إذ لا ترتفع درجة الحرارة في الصيف عن 27 درجة مئوية ولا تنخفض في الشتاء عن 7 درجات مئوية، والمدينة تحيط بها التلال من جميع جهاتها، وقد بنيت وفقا للاعتقاد الإثيوبي القديم الذي كان سائدا آنذاك في بناء المدن على مثل هذه المواقع الجغرافية، من أجل الأغراض الدفاعية، وقد جاء بناء مدينة أديس أبابا في ظل ظروف تاريخية فريدة، فقد ارتبط بناؤها ارتباطا وثيقا بعقلية وحياة ملوك وأباطرة إثيوبيا السابقين الذين كانت علاقتهم تتسم بالمنافسة والعداء الشديدين، فلم تكن لإثيوبيا قبل عام 1887 عاصمة أو مقر دائم للحكومة، إذ كانت عواصمها تتغير تبعا لتغير الملوك والرؤساء، وكان اختيار المدينة التي تكون عاصمة يعتمد على الملك أو الرئيس الذي يعد قاهرا أو غالبا في حربه ضد الملوك الآخرين.
لقد وقع اختيار الإمبراطور منليك الثاني الذي حكم إثيوبيا سنة 1887 على أديس أبابا لتكون عاصمة لبلاده ومنطلقا لإعادة توحيد إثيوبيا المقسمة والمجزأة، وكما هي العادة في التقاليد الإثيوبية في بناء المدن فقد بدأ منليك الثاني ببناء قصره على ربوة عالية محاطا بسور منيع وأبراج للحراسة ثم بيوت أفراد أسرته وحاشيته، ومعسكرات جيشه، وقد لعبت الكنائس والكاتدرائيات دورا مميزا في بناء المدينة، فقد قامت الإمبراطورة طايتو زوجة منليك الثاني ببناء كنيسة في شمال أديس أبابا تكريما للعذراء المقدسة، ثم بنى الإمبراطور نفسه كنيسة أخرى تكريما للقديس راجونيل، ثم توالى بناء القصور والمنازل والعمارات السكنية في الأراضي المجاورة لينابيع المياه المعدنية الحارة التي تكثر في هذه المنطقة، وقد تهيأت ظروف مناسبة للطبقات الحاكمة والأرستقراطية والأغنياء أن يمتلكوا أراضي شاسعة فبدأوا في بناء البيوت والعمارات السكنية لغرض التأجير، فارتفع سعر المتر المربع من الأرض إلى أثمان عالية وتبعا لذلك ارتفعت إيجارات البيوت.
ومن المعروف أن المدن الكبيرة والعواصم مناطق جذب للسكان طمعا للكسب والثراء، ففي غضون سنوات قليلة أصبحت أديس أبابا من أكبر المدن الإثيوبية قاطبة، ومدينة عصرية تعد أكبر حجما وأكثر سكانا من كثير من عواصم إفريقيا التي سبقتها، فقد وصل عدد سكان أديس أبابا طبقا لآخر الإحصاءات 2,5 مليون نسمة وبكثافة 104 أشخاص في الهكتار الواحد، ومعدل نمو يصل إلى أكثر من 6%.
حدثنا المهندس سلمون دسفاي مدير التخطيط في بلدية مدينة أديس أبابا عن الخطط الخمسية التي اعتمدتها الحكومة الإثيوبية للارتقاء بمدينة أديس أبابا قائلا:
لقد وضع المجلس البلدي لمدينة أديس أبابا خطة خمسية طموحا للارتقاء بالعاصمة والوصول بها إلى مصاف الدول المتقدمة، فقد اعتمدنا في تخطيطنا للمباني السكنية على البناء الرأسي لأنه يختصر المساحة، كما يقلل من تكلفة الخدمات من شوارع وإضاءة ومجار صحية وشبكة مياه وغيرها من خدمات، كما أننا لم ننس في خططنا ترك مساحات من الأرض الفضاء بين العمارات السكنية كي تستخدم كحدائق ومنتزهات أو مساحات شعبية، ولا يخفى أن هذه الساحات تعد متنفسا للمدينة، وكذلك خصصنا مساحات من الأرض لبناء المدارس والمستوصفات والخدمات الأخرى. وأضاف المهندس سلمون دسفاي قائلا: لقد قدمت بعض البنوك الإثيوبية قروضا مالية وبفائدة زهيدة للموظفين أو الأهالي الذين يرغبون الاشتراك في إقامة مبنى سكني متعدد الأدوار لاستغلاله كسكن خاص.
كما أننا لا نمانع في أن يستثمر التجار من البلاد المجاورة وحتى الدول العربية الغنية في خطة الإسكان، وأن يقوموا ببناء المشاريع الإسكانية وتأجيرها، وكانت أولى هذه الخطوات هي السماح لمستثمرين من الإخوة في السعودية ببناء الفنادق والمتنزهات السياحية في ضواحي مدينة أديس أبابا.
ومن الخطط الطموح التي وضعتها إدارة التخطيط في بلدية أديس أبابا والتي هي بصدد تنفيذها إقامة طريق دائري حول مدينة أديس أبابا تتفرع منه عدة طرق داخلية توصل إلى الأحياء السكنية، بالإضافة إلى مجموعة من الكباري والأنفاق لتلافي اختناقات المرور التي تعاني منها معظم عواصم دول العالم الثالث. وتتضمن الخطة كذلك إزالة المناطق الصناعية والتي تحتل حاليا جزءا من المناطق السكنية في وسط العاصمة، ونقلها إلى خارج المدينة، وقد باشرت بلدية أديس أبابا تنفيذ جزء من هذا المشروع، فعوضت أصحاب هذه المناطق الصناعية بقسائم صناعية كبيرة، على أن تبنى بطريقة حديثة ومستوفية لجميع الشروط المطلوبة لإقامة أية مؤسسة صناعية.
ومن المعالم البارزة في مدينة أديس أبابا "سوق مركاتو" وهو سوق شعبي كبير يحتل مساحة واسعة، تبلغ نحو أربعة كيلو مترات مربعة، يحوي هذا السوق الكثير من البضائع المتنوعة، فبالإضافة إلى الفواكه والخضراوات تجد الملبوسات القطنية والمصنوعات المعدنية والأواني المنزلية والسجاجيد والملابس الجاهزة، ثم المجوهرات، فكل قسم من هذا السوق مخصص لنوع من البضاعة، والسوق يعج بالمئات من الباعة الجائلين والزحام لا ينتهى.
وأثناء تجولنا في هذا السوق اقتربنا من أحد أصحاب الدكاكين الذي يبيع التحف والتماثيل الخشبية المحفورة، فرحب بنا بلغة عربية فصيحة قائلا: إخوتي خذوا حذركم من الصبية اللصوص في هذا السوق، إنهم كثيرون، وقد ازدادوا بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وهذه إحدى إفرازات الحرب التي خاضتها إثيوبيا في السنوات الأخيرة.
وقد اطلعنا على دراسة لهذه الظاهرة قامت بها اليونسيف- أو صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة- فذكرت أن زيادة عدد أطفال الشوارع تعد واحدة من أخطر المشكلات الاجتماعية التي تواجه إثيوبيا في الوقت الحاضر، وذكرت أن لدى إثيوبيا البالغ تعدادها 55 مليون نسمة نحو 23,5 مليون طفل تحت سن السادسة عشرة، وأن نسبة كبيرة من هؤلاء يعيشون في ظروف ستؤدي بهم حسب العرف السائد إلى الانخراط فيما يسمى بحياة الشوارع، وأرجعت اليونسيف هذه الظاهرة إلى عدد من الأسباب أهمها الفقر ثم الافتقار إلى التعليم، ثم الحروب والتشرد والانفصال الاجتماعي للعائلات. كما أوضحت الدراسة أن 65% من سكان إثيوبيا الذين يعيشون في المناطق الحضرية والذين يبلغ تعدادهم 6,2% مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر ما يعني أن 1,1 مليون طفل بالمناطق الحضرية هم نتاج لظاهرة الفقر. وأشارت الدراسة كذلك أن في أديس أبابا وحدها 13,5% من الأطفال ينامون معظم الوقت في الشوارع وأن 7,5% يستأجرون ملاجىء مؤقتة وأن 4,5% من الأطفال في أديس أبابا ينامون ما بين المنزل والشارع، وأن هناك ارتباطا بين المرحلة العمرية للطفل وبين مكان إقامته، وبالتالي فكلما كبر سنه زادت معدلات إقامته في الشوارع.
وتعكس أديس أبابا صورة حية من صور ومشاكل العالم الثالث أو ما يعرف بالدول النامية، فهناك مشكلة تكدس العاصمة بالآلاف المؤلفة من المهاجرين من القرى والمدن الصغيرة، ثم أزمة السكن الخانقة والتضخم، والاختناقات المرورية، ثم المناطق السكنية التي تبنى عشوائيا، فهناك آلاف المنازل المبنية من الصفيح وألواح الخشب من غير تناسق أو ترتيب، ومشاكل انقطاع التيار الكهربائي وشبكات المياه. ثم ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وقد قامت وزارة الإسكان والتعمير الإثيوبية في خلال السنوات العشر الماضية ببناء نحو ثلاثة آلاف وحدة سكنية، إلا أن الزيادة السكانية التي تواجهها المدينة تستدعي مضاعفة هذه الوحدات، بالإضافة إلى اتباع سياسة البناء الرأسي المتعدد الطوابق للتقليل من استهلاك الأراضي والاقتصاد في الخدمات.ففي ضاحية "كولف" والتي تقع غرب أديس أبابا قام الأهالي ببناء الشقق السكنية المكونة من ثلاث أو أربع غرف في مجمعات سكنية محاطة بالأشجار وتحتوي على كل المرافق الضرورية للسكن الحديث.
وسألناه عن وجود أمراض مستوطنة في إثيوبيا فقال: إن بلادنا والحمد لله ليس فيها أمراض مستوطنة كتلك الأمراض التي تشتهر بها إفريقيا مثل الملاريا والحمى الصفراء والسل الرئوي، وربما يرجع سبب خلو بلادنا من هذه الأمراض إلى علو المنطقة واعتدال جوها، لكن هناك بعض الأمراض العادية مثل شلل الأطفال وبعض الأمراض التناسلية التي انتشرت بصورة كبيرة في الكثير من الدول الإفريقية مثل أوغندا وتنزانيا وزائير.
تقدر الإحصاءات نسبة المسلمين في إثيوبيا بنحو 60% ومع أنها نسبة عالية إلا أن الحكومات التي تعاقبت على حكم إثيوبيا لم تول المسلمين أية أهمية تذكر، فكانت عليهم ضغوط كبيرة، فلم تتح لهم الفرصة للعمل في الوزارات والمؤسسات الحكومية، وحتى لو وجدت هذه الفرصة فقد كانت بنسبة ضئيلة، وقد حرم المسلمون من دخول المدارس كسياسة اتبعها حكام إثيوبيا.
و جامع أنور وهو أحد أقدم المساجد في أديس أبابا إذ يعود بناؤه إلى عام 1360 هـ أيام الاحتلال الإيطالي للحبشة
وقد سألنا الحاج عبدالرحمن أبوبكر عن الطريقة المتبعة في تمويل المسجد وتلبية احتياجاته من صيانة وأثاث فقال: لقد قام أهل الخير والمحسنون منذ تأسيس المسجد بوقف بعض المباني والأراضي الزراعية للصرف عليه، إلا أن حكومة منجستو هيلا مريام قامت بتأميم هذه الأوقاف وأخذت تقدم للمسجد مبلغا بسيطا لا يفي باحتياجات المسجد وهو بالتحديد 7680 برا إثيوبيا أي ما يعادل 1250 دولارا أمريكيا، إلا أننا نعتمد على المحسنين وتبرعاتهم في تلبية طلبات واحتياجات المسجد. فقد تبرع أحد المحسنين العرب مشكورا بمبلغ مليون بر إثيوبي لتوسعة المسجد
وبعد أن أطاحت أثيوبيا بحكم منجستو هيلا ماريام، بدأت بعض الصحف والمجلات العربية الإسلامية تظهر في إثيوبيا حيث توافرت الحرية، فاستطاع المواطن الأثيوبي أن يعبر عن رأيه بحرية، فقد صدرت ثلاث مجلات عربية إسلامية مثل مجلة "بلال " الشهرية وهي مجلة إسلامية دينية تعكس وجهة النظر الإسلامية والمجتمع المسلم في إثيوبيا،وتعد إثيوبيا من البلدان التي تتعدد فيها القوميات والعرقيات فهناك نحو 85 قومية وعرقية، تأتي القومية الأرومية في المقدمة ثم تليها القومية الأمهرية والتجرانية، ثم السيدامو والشانكيلا والصومالية والعفر والجاراح. أما اللغة الرسمية لأثيوبيا فهي الأمهرية ولها جذور عميقة في اللغة الحميرية التي هي إحدى اللغات السابقة والأمهرية تمتاز بأنها تحوي الكثير من التعبيرات والمفردات العربية، وتمتاز الأمهرية بأنها لغة أدب وشعر وتأليف، كما أن لها أبجدية، وأبجديتها فريدة من نوعها لأن حرفا من هذه الأبجدية يتشكل من سبعة أوجه، وبذلك تعد اللغة الأمهرية من أكثر الأبجديات عددا، وتمتاز بسلاستها وعذوبتها وطلاقتها.

أما اللغة الثانية فهي الأرومية، وهي لغة قومية الأرومو، مع أن قبائل الأرومو تمثل الأغلبية في إثيوبيا إلا أن لغتها لم تنل شهرة وانتشار اللغة الأمهرية. أما اللغة التجرية فتأتي في المرتبة الثالثة، وهي لغة أهل شمال إثيوبيا في منطقة أكسوم، وهناك العديد من اللغات واللهجات التي يتحدت بها الإثيوبيون إلا أنهم جميعا يتفاهمون باللغة الأمهرية
 
أعلى