محطة في بلاد نوبل

البريكي2020

عضو فعال
محطة في بلاد نوبل


بقلم: أحمد مبارك البريكي

Twitter: @ahmad_alburaiki

Instagram: @qdeem




على امتداد ثعباني ملتوٍ بعيد، يدخلني الإسفلت في نفق ينحدر تحت البحر من أطراف كوبنهغن، ليودي بي إلى الجسر المربوط بالصواري الفولاذية العملاقة في عرض البحر، إنه جسر أوريسند الواصل بين شطري خليج كاتيغات وأنا باتجاه السويد بلاد العم نوبل، إنها دول التعاون البلطيقي، التي لا يحجزها حدود ولا يقفلها محاكم تفتيش جمركية.

أول قطعة من بلاد سيڤريج (وهو الإسم الشعبي لمملكة السويد) هي مدينة مالمو منشأ الأثاث والإتيكيت المنزلي والديكور ووطن اليافطة الزرقاء "ايكيا" التي طافت كل الحدود ووحّدت كل الأذواق المنزلية ومالمو هي أيضا بلد كثير من الأجهزة الخليوية التي ساد انتشارها في فترة ما قبل الآيفون.

النظر يتمدد في أفق أخضر مشبوكا بفضيّة الغيم، ومقطوعاً بسكين الطريق الذي أوصلني عند مشارف مدينة غوتينبيرغ عروس بحر الشمال وثاني مدن المملكة أهمية بعد ستوكهولم، وعاصمة الطهي الأولى وأعمال المطبخ في العالم وتشتهر بمينائها الكبير الذي تتقوّس عليه مطاعم السمك ومأكولات البحر ومتاجر التذكارات وبائعات التوت وفاكهة الفراولة، لأكمل حديث الطريق الذي يطول حتى أقف بعد عناء عند نزل في منتصف الرحلة تجمّلت بوتيكات ورداته الحمراء المعلقة على بلكونته حتى أقضي ليلتي بالقرب من قرية الصيادين "سموغن" التي بنيت أكواخ ساكنيها بشكل مدهش على صفحة الماء والمصنفة حسب (تريبأدڤايزور) ضمن قائمة أجمل القرى في العالم بمرساها الخشبي الذي ينبسط معتليا الخليج لمئات الأمتار، وتغزوه أقدام المتبضعين جيئة وذهاباً مع هواة ركوب القوارب الشراعية ومتذوقي "السي فود"، وفي أحدى الزنقات الضيقة أجد متحفاً لحياة أولئك الصيادين القدماء أخبرتني السيدة التي فتحت بابه للقادمين في الصيف بلا رسوم خدمة لقريتها بأنه كان سكناً لسلالتها منذ مئات السنين.. دلفته وعبق الموج يغشى جدرانه الخشبية وصنائع الصياد والدفء و ذكريات الشِباك وأناشيد النوارس كل ذلك العجين لوّن المكان بالأزرق وتحوّل الكوخ الصغير إلى قطعة من السماء تجاور شاطىء البحر.

في صباح يوم جديد بعد معركة الطريق، أهم مغادرا هذه المملكة التي عرفت بعدم الانحياز في كل الحروب قاصدا بلد المليون شلال والفيوردات الوافرة أرتحل إلى النرويج أقصى شمال الأرض التي من أقصى منتهاها يبدأ الجنوب، دربي يسير بي في حضرة الماء والخضار وذكرى الخل الوفي، والقطب يرسل نفخاته الباردة تحية كلّما هممت بالاقتراب هذه البلاد تعيش النهار بحذافيره صيفاً و الليل حتى آخره في الشتاء، و كما حدثني الطيب فإن الشمس فيها إما ألا تشرق وإما أنها لا تغيب، ولم أجد بعد ساعات الترحال الطويلة التي قاربت على نصف يوم إلا شلالاً ومجرى نهر وهذا الكوخ الخشبي باضاءاته الزيتية الدافئة في عتمة البرد.


 

تانيلا

عضو جديد
مقال جميل
السويد بلد رائع و مسالم اتمنى فعلا زيارته

df.gif
df.gif
 
أعلى