الجزيرة" وشبه "الجزيرة" قطر000 ودبلوماسية الاتجاه المعاكس

الملاس

عضو جديد
الجزيرة" وشبه "الجزيرة" قطر000 ودبلوماسية الاتجاه المعاكس

خالد عيد العنزي*

ولما صار ود الناس خبًا جزيت على ابتسام بابتسام
وصرت أشك فيمن أصطفيه لعلمي أنه بعض الأنام
أبو الطيب المتنبي

-1-
في الوقت الذي يسفك فبه الدم العربي في فلسطين من قبل وفي لبنان من بعد، ما زالت بعض الفضائيات العربية تعتمد الشعارات التحريضية وتتاجر بدماء العرب وأعصابهم ضمن حسابات تافهة تهدف لمكاسب هامشية ممعنة في السذاجة.
لم يعد سراً أن قناة الجزيرة بكل ما تمثله من تميز مهني محترف لا تعدو كونها القناة غير الرسمية لتلفزيون قطر، رغم كونها تتبع للخارجية القطرية بخلاف القنوات الأخرى التابعة لوزارة الإعلام، وكأن هناك تناغم بين مواقف القناة ومواقف الخارجية القطرية، فما بين المواقف المزدوجة بين "جزيرة قطر" القناة و شبه "جزيرة" قطر الدولة ما يلتبس على المرء فهمه.
لم يبقى لفضائية الجزيرة من مقومات الدولة سوى إعلان "الجزيرة" دولة مستقلة ذات سيادة، وقبول انضمامها إلى مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والأمم المتحدة، بل ربما يعود الفضل في انضمام قطر لمجلس الأمن الدولي إلى فضائية الجزيرة أكثر منه لجهود الخارجية القطرية!


-2-
تلفت الجميع تلك الازدواجية والثنائية المتكاملة في المواقف بين الخارجية القطرية وجزيرتها، حتى أن الجزيرة أضحت فعلياً "الذراع الإعلامي" للخارجية القطرية أكثر منها قناة تلفزيونية فضائية أو حتى شبكة، فيما يشبه ويستنسخ وجود الأجنحة العسكرية للحركات السياسية، ووظيفتها التكاملية والمتمايزة معها، فللجزيرة سياساتها ولشبه الجزيرة سياستها، وللجزيرة مواقفها ولقطر مواقف أخرى، حتى أن الجزيرة تقول من منبر الجزيرة وعلى الأثير ما لا تجرؤ "القنوات الرسمية الدبلوماسية" على قوله حتى في الاجتماعات المغلقة.
وكلما تم الحديث عن المواقف "الراديكالية" لقناة الجزيرة مقابل المواقف "المعتدلة" لدولة قطر، يتم تبرير ذلك بحرية الإعلام واستقلالية القناة وعدم تدخل الدولة في سياسات قناة "الرأي والرأي الآخر" التي دائماً ما تتخذ "الاتجاه المعاكس" تماماً لتوجهات الدول بما فيها قطر أحياناً!
ولا يخفى على أحد من يمول الجزيرة ولا من يمتلكها أصلاً ويقدم لها الدعم والنصائح، فضلاً عمن يتربع على عرش مجلس إدارتها ممن لا يحتاج إلى ذكاء لمعرفة تابعيته ومرجعيته كون اسمه يدل على هويته، ناهيك عن مواقف الجزيرة وما تنتجه من خطاب إعلامي والعرب قالت قبلاً أن البعرة تدل على البعير!


-3-
منذ بدايتها وحتى اليوم ما زالت الجزيرة تلعب بالنار وتهوى اللعبة الخطرة على قاعدة "خالف تعرف"، وهي التي تفهم التميز الإعلامي والسبق الصحفي في سياق تجريح الآخرين من دول وأنظمة ومواطنين وتمارس حريتها في سياق الترويج عن قصد أو غير قصد للتنظيمات الأصولية والراديكالية.
ربما تكون الجبهات الهامشية التي تحترف "الجزيرة" فتحها للتعمية على الجبهات الأساسية المفتوحة هي وظيفتها الأساسية لها والغاية من إنشاءها، فقطر وهي الحليفة لأمريكا ترعى بجزيرتها النقد اللاذع لأمريكا، و"شبه الجزيرة" التي تجرد مواطنيها من الجنسية هي ذاتها التي "تهوس" جزيرتها حول حقوق الإنسان وقضية البدون وحقوق اللاجئين بكل أنواع اللاجئين!
وقطر التي تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الخليج والمنطقة، والتي قيل بالمناسبة أن القنابل الذكية التي استخدمت بغباء في تدمير لبنان خرجت منها، هي نفس الدولة التي تروج للجبهة المعادية لسياسات أمريكا منذ غزو أفغانستان وتحرير العراق ومروراً بالوضع الفلسطيني والأزمة السورية اللبنانية وصولاً للعدوان الإسرائيلي على لبنان، كل هذا من مبنى لا يبعد كثيراً عن تلك القاعدة الشهيرة!

-4-
لقد تسربت أساليب وطرق عمل "الجزيرة" إلى السياسية الخارجية لدولة قطر، التي أعجبتها اللعبة كما يبدو، فالجزيرة "تدق العالم"، وهم يتصلون بقطر متساءلين ومتوسطين، ويكبر بذلك ثقل قطر في نظرهم وحسبما يعتقدون، حتى أن الدبلوماسية القطرية التي طالما رفعت شعار "الرأي والرأي الآخر" و "الحوار بين الأديان" و "الديمقرطية" أصبحت أكثر ميلاً لأسلوب "الاتجاه المعاكس" في عملها!
ومنذ فترة "هوست" الجزيرة مهاجمة السعودية بموضوع تجاري يتعلق بنزاع قانوني ومالي بين مواطنين عاديين في السعودية، وتم الترويج للموضوع وكأنه تدخل سياسي في قضية اقتصادية، وكثر الحديث وزاد ونقص ليكتشف الجميع فيما بعد أن الأمر الذي تخاصم فيه الجزيرة قد "قضي" فيه مسبقاً بحكم قضائي مبرم، واتضح كم من التحليل والمتابعة لخبر ما قد يحرفانه ويشوهان القضية برمتها عندما يكونان مبنيان على مواقف مسبقة وتوظيف سياسي رخيص.
واليوم وبعد أن رقصت الجزيرة كثيراً ألماً أو فرحاً على الجرح العراقي، تكمل الجزيرة دورها وديماغوجيتها في تنفيذ أجندتها الخاصة في تغطياتها الإعلامية لما يجري في المنطقة عامة وبلبنان خاصة، محاولة الترويج لنظرية المؤامرة وللتخوين واشعال نار الفتنة بين الأشقاء والأصدقاء، وكل ذلك لأهداف رخيصة تتراوح بين تضخيم دور "الولة-القناة" وابتزاز الآخرين واستفزاز الشارعين العربي والإسلامي بدغدغة المشاعر واللعب على الكلمات.
والغريب أن قناة "الرأي والرأي الآخر" تسلب دولاً اقليمية كبرى حقها في أن يكون لها رأياً مخالفاً وأن تمتلك وجهة نظر خاصة في التطورات وتستنكر عليها أن تختلف معها في الرأي وفي قراءة المعطيات رغم أنها قناة تلفزيونية بينما تلك دولة، فهي مؤسسة لا يتعدى موظفيها عدد أصغر دائرة في تلك الدولة، بينما الدولة مسؤولة عن مواطنيها وسيادتها وأرضها ولها حسابات استراتيجية، فما بالك إن كانت تلك الدولة "شقيقة كبرى" إقليمياً وذات مكانة روحية إسلامياً وقوة اقتصادية بارزة؟!
-5-
أقامت قطر علاقات تجارية مع إسرائيل واستضافت مكتباً تجارياً إسرائيليا في الدوحة، دون استشارة أشقائها في مجلس التعاون أو الجامعة العربية أو التنسيق معهم، في الوقت الذي استكثرت فيه على دول عربية كبرى اتخاذ قراراتها السيادية بالمشاركة في مؤتمر دولي كمؤتمر روما يهدف لوقف العدوان على لبنان، وهو الموقف الذي لا يستحق الوقوف عنده أو الرد عليه لو أنه صدر عن قناة "الرأي والرأي الآخر"، لكن ان اجتمع الخطاب الجزيري الذاهب دزماً في الاتجاه المعاكس مع الموقف الرسمي لدولة قطر فهذا ما يستحق التوقف عنده والانتباه إليه، فمخطئ من يسمح لقناة فضائية أن تتضخم على حساب دولة، وواهم من يعتقد أن الدول تكبر بحجمها ودورها بقناة فضائية مهما كانت قوية وناجحة، فهل كبرت بريطانيا بالبي بي سي أم أصبحت أمريكا قوة عظمى بالسي ان ان وفوكس نيوز؟!
كان رد الأمير سعود الفيصل على الموقف القطري متزناً ومحقاً ودبلوماسياً أيضاً، وذلك حين قال أن قطر لم تسألنا عن موقفنا، خاصة وأن قطر عضو في مجلس التعاون والجامعية العربية، فلماذا إذن لم تستفسر قطر مباشرة عن الموضوع، ومن المملكة بنفسها إن حسنت النوايا؟!
فالسعودية تتحرك لوقف العدوان منذ اليوم الأول وهي قالت "كل إنسان حر في رأيه، ولكن ضميرنا مرتاح لأننا نقوم بواجبنا"، وهي كانت انتقدت تجاوز المقاومة اللبنانية للدولة والحكومة اللبنانيتين في جر لبنان للتدمير والمنطقة للانفجار، وهو موقف اللبنانيين أنفسهم وأشقائهم العرب أيضاً ممن فضلوا عدم نكء الجراح رحمة بلبنان وفلسطين وشعبيهما في هذا الوقت العصيب الذي يسفك فيه الدم اللبناني والفلسطيني.

-6-
باسم الرأي الحر تذبح الجزيرة مبدئية الرأي، وتحت شعار الرأي والرأي الآخر تنحر الجزيرة الأخوة الخليجية والعربية، وعلى أنغام الشعارات التي خطفت عالمنا العربي لأكثر من نصف قرن يتم الرقص على جراح العرب ودماءهم وعلاقاتهم فيما بينهم، وتتم محاولة اختطاف وعيهم ومستقبلهم.
يرى أحد الاقتصاديين القطريين البارزين إن أهم ثروات قطر هي الغاز الطبيعي وقناة الجزيرة، وفي صورة كاريكاتيرية للتحالف بين أهم سلاحين قطريين نجد أن "قطر للغاز" هي المعلن الأساسي في الجزيرة، وبعبارة لا تقل كاريكاتيرية لكنها أكثر واقعية أيضاً يضيف الاقتصادي "نحن أرباب الغاز... وللديماغوجيين رب يحميهم"!
لا أحد ينكر كون "الجزيرة" قناة ناجحة مهنياً، لكن ما ينتقص وما يحد من هذا النجاح هو تسييسها وانحيازها، فهي ستنجح أكثر لو التزمت الحيادية مهنياً وسياسياً، ولو تغلب فيها الحس الصحفي الحقيقي بالتزام الحقيقة المجردة ونقل الخبر وتحليله على ما تمارسه من توجيه معنوي ومن صياغة تعليقها السياسي الموظف ضمن أجندات اقليمية رسمية وشبه رسمية.
كادت الجزيرة أن تكون حزباً سياسياً، إن لم تكن فعلاً كذلك، وأصبح لها كوادرها ومواقفها "المبدئية" وخطابها السياسي وديماغوجيتها الشعاراتية المتميزة، وكأن القناة مازالت منذ بدايتها ولليوم هي في طور تأسيس قواعد شعبية لهذا الحزب الفضائي!
-7-
للأسف فإن قطر التي صنعت سلاحاً ذو حدين بإطلاق قناة الجزيرة لم تحسن استخدامه، ولم تستغل هذا السلاح المزدوج في تحقيق أهدافها، ويعلق أحد المعنيين أن الجزيرة كانت يجب أن تكون قناة متخصصة اقتصادياً تعنى بالترويج الاقتصادي لقطر لو أراد القطريون بناء قوة اقتصادية، لكنها بصورتها الحالية أكثر ميلاً للابتزاز ولاستكمال عمل الخارجية القطرية في سبيل بناء قوة سياسية وهمية، فهل الجزيرة تستخدم لابعاد النظر عن العلاقات مع اسرائيل، فلا أحد يخفى عليه الضرر الذي تسببه الجزيرة لقطر وللخليج وللعالم العربي ، فكم من المشاريع الاقتصادية الخليجية "معطلة" بسبب "السياسة الإعلامية" للقناة، وكم من حرج يجده البعض "ألم لذيذ" جاءت به على قطر، حتى كاد مقرها الذي لا يبعد كثيراً عن قاعدة العديد الأمريكية أن يقصف من قبل الأمريكان على ذمة الجزيرة نفسها!

* كاتب كويتي-
al_malaas@yahoo.com
 
أعلى