مقالة يجب ان تقرأ بقلم المحامي/ محمد عبد القادر الجاسم...

زيد البدر

عضو ذهبي
أفكار فاسدة!


قبل أيام معدودة, صرح النائب أحمد السعدون أن استجواب الشيخ ناصر المحمد رئيس مجلس الوزراء أمر وارد متى توفرت الأسباب التي توجب تقديم مثل هذا الاستجواب.

ويؤكد تصريح النائب السعدون, وقبله تقديم الاستجواب الشهير للشيخ ناصر بسبب قضية الدوائر الانتخابية, أن منصب رئيس مجلس الوزراء لم يعد يتمتع بأي حصانة "خاصة", وبالتالي فإن الاحتمالات قائمة بشأن اضطرار الحكم إلى تغيير رئيس الوزراء في أي مرحلة, ولم يعد هذا المنصب "خطوة" مؤكدة نحو تولي الحكم. وهذا الأمر يثير أسئلة مشروعة ومهمة حول وضع الأسرة الحاكمة وقدرتها على الاحتفاظ بمنصب رئيس مجلس الوزراء.

بعد أن ظهرت نتائج انتخابات مجلس الأمة الأخيرة التي جاءت معاكسة تماما لرغبتهم وأهوائهم, لم يتمكن بعض الشيوخ من استيعاب الصدمة. فقد كان تدخلهم في تلك الانتخابات غير مسبوق, وكانت الانتخابات بالنسبة لهم "معركة" بينهم وبين القوى السياسية التي حملت شعارات وطنية.. معركة من أجل البقاء السياسي.

كان انتصارهم في تلك "المعركة" لو تحقق سوف يخدم هدفين في الوقت نفسه. الهدف الأول, إبعاد الرموز السياسية مثل أحمد السعدون ومسلم البراك, وإقصاء نشطاء مثل عادل الصرعاوي وفيصل المسلم وناصر الصانع. ومن خلال إبعاد تلك الشخصيات يكونون قد أبعدوا "عناصر التأزيم" بالنسبة لهم وبالتالي تخلو الساحة لهم لمواصلة العبث الذي كانوا يمارسونه من خلال مجلس أمة ضعيف تابع لهم, وهذا هو الهدف الأول.

أما الهدف الثاني فهو أهم بكثير ويتعدى الأشخاص. فقد كان هناك بين الشيوخ من توجس خيفة من التجمعات الشبابية المعارضة لسياسات الحكومة, وكان لديهم قلق كبير من ارتباط القيادات الشابة برموز العمل السياسي في البلاد, وكانوا يخشون بروز حركة إصلاحية جادة تحرك الشارع السياسي وتفرض مطالبها وتحرج النظام وتضعفه, لذلك هم أرادوا القضاء على بوادر الحركة الإصلاحية الشبابية في مهدها قبل أن تكبر. ولا يمكن القضاء على تلك الحركة إلا بإلحاق الهزيمة برموز العمل السياسي.

وفي خضم صدمة نتائج الانتخابات, يروي أحد الثقاة, شعر بعض الشيوخ بفداحة الضرر, وتملكهم الخوف من المستقبل, فقد انتابهم القلق ليس بسبب فوز الشخصيات التي سعوا لإسقاطها فقط, بل بسبب "توحد" الشعب الكويتي.. فقد وصلت رسالة الشعب إلى الحكم من جميع فئات المجتمع في المناطق الشيعية والمناطق السنية والمناطق القبلية.

ولمواجهة هذا "التوحد الشعبي" تداول بعض الشيوخ الوسائل الكفيلة "بتشتيته" والحيلولة دون نموه وتطوره. وبالطبع فإن فكرة تشتيت الموقف الشعبي فكرة تسندها عقلية تافهة تضع الأسرة الحاكمة في كفة والشعب الكويتي في كفة, وهي عقلية أقل ما توصف به هو أنها فكرة "فاسدة", فالخلافات في الرأي والموقف السياسي في الكويت من جانب الشعب, لا تمس إطلاقا العلاقة بين الشعب والأسرة الحاكمة, ولم ينظر الشعب إلى الأسرة في يوم من الأيام على أنها أسرة حكم لا تنتمي إلى الشعب, بل هي جزء منه. وحين تحرك الشباب وصوت الناس لأحمد السعدون ومسلم البراك وفيصل المسلم وعادل الصرعاوي وأحمد لاري وغيرهم, لم يرغبوا في أكثر من توصيل رسالة إلى من يعنيهم الأمر من الشيوخ بأنهم قد "تمادوا". ولقد كانت الانتخابات الأخيرة انتخابات "تحكيمية" أي أنها لجوء إلى الشعب لاتخاذ القرار إن كان يقف مع توجهات الحكومة وسياستها بشأن الدوائر الانتخابية, أم أنه يقف في صف توجهات الأغلبية النيابية التي تقدمت باستجواب لرئيس مجلس الوزراء. وقد عبر الشعب عن موقفه, وكان بعض ذلك الموقف هو رد فعل على تدخل الشيوخ في الانتخابات, بمعنى أن الشيوخ الذين أداروا المعركة الانتخابية نيابة عن الأسرة الحاكمة هم الذين, بفشلهم, تسببوا أيضا في منح الأغلبية النيابية رصيدا شعبيا إضافيا.

بيد أن "قصر النظر" وضعف الخبرة وغياب الحكمة والحنكة, دفع هذا كله بعض الشيوخ إلى التفكير في ضرورة "تشتيت" الموقف الشعبي بدلا من الاستجابة الواعية له.

كانت الفكرة "الفاسدة" التي فكروا فيها هي "قط عزيزو" بين القوى السياسية, وكان "العزيزو" المقترح هو إسناد رئاسة الوزراء إلى أحد أفراد الشعب, أي إخراج المنصب من دائرة الأسرة الحاكمة, تحت مظنة أن هذه الفكرة سوف تتسبب في تفريق الكتل السياسية وتتسبب في إشعال الخلافات حول من يكلف برئاسة مجلس الوزراء, وأن هذه الخلافات كفيلة بمنح الأسرة الحاكمة زمام المبادرة وإثبات أن القوى السياسية "مو كفو". وبالفعل وبحسب ما تروي المصادر الموثوقة تم طرح الفكرة على أقطاب في الأسرة الحاكمة, فكان الرد أن رئاسة الوزراء سوف تذهب إلى الشعب, أو باللهجة الكويتية "راح ياخذونها أول وتالي" فلماذا نتبرع بها! لماذا نستعجل الأمر!

إن هذه القصة محزنة, فهي دليل على أن هناك من بين الشيوخ من يفكر بعقلية "إحنا والشعب", ومن يسعى لتشتيت الموقف الشعبي, ومن ينظر إلى الأسرة الحاكمة كأسرة حكم في مواجهة, وليس في صف الشعب, وهذا ما يجعلني شخصيا أشعر بالقلق العظيم على مستقبل الكويت حين تغيب آخر مصادر الحكمة في صفوف الأسرة الحاكمة.

لقد كتبت أكثر من مرة حول وضع الحكم في الكويت بعد غياب شيوخ الصف الأول, وأشرت إلى أن مرحلة حكم الشيخ نواف الأحمد سوف تكون مهمة في تاريخ الأسرة الحاكمة, وقلت غير مرة وفي كتابي الأخير "آخر شيوخ الهيبة" أن حكم الأسرة سوف يضعف اعتبارا من تلك اللحظة. نعم فالأسرة الحاكمة, وأكثر تحديدا فروع ذرية مبارك, تعاني نقصا شديدا في الكفاءة, وليس لدى من هو بارز من تلك الذرية حاليا مؤهلات تكفي لبث الاطمئنان في النفوس بشأن مستقبل الحكم والبلاد. وهذه المسألة كانت محل حوار بيني وبين شخصية وطنية واعية ومدركة, وإليكم ما قادنا الحوار إليه.

كنا نستعرض أسماء الشيوخ الذين يمكن أن تسند لهم مناصب عليا في مرحلة الشيخ نواف, كمنصب ولاية العهد ومنصب رئاسة الوزراء. وقد كانت نتيجة الاستعراض مخيبة, فعيوب ومساوئ أغلبية من تم استعراض أسماءهم أبرز من محاسنهم, وهم جميعا في النهاية لا يتمتعون بخبرة حكم ولا فطرة الحكام, ولم تتم تنشئتهم سياسيا على نحو صحيح, فبينهم من يحمل أفكار "فاسدة" كتلك التي تحدثت عنها قبل قليل.

بعد ذلك تحاورنا في مسألة إسناد رئاسة الوزراء إلى أحد أفراد الشعب, واختلف الرأي بيننا, فأنا لا أحبذها في المدى القريب بسبب فساد الطبقة السياسية الحالية. وهنا برزت فكرة بديلة وهي لماذا لا يتم إسناد رئاسة الوزراء إلى أحد الشيوخ من غير ذرية مبارك؟ ما الذي يمنع ذلك؟ إن في الفروع غير الحاكمة كفاءات أكثر مما هي موجودة في ذرية مبارك!

لكن هل من المحتمل أن تقف "الهواجس التاريخية" المتصلة باستلام الشيخ مبارك الحكم عائقا أمام تنفيذ تلك الفكرة؟ إن الحكم محصور في ذرية مبارك حسب نص المادة الرابعة من الدستور, والدستور يمنع في المادة 175 تعديل مواده ذات الصلة بالنظام الأميري في الكويت. فما هو مبرر تلك الهواجس إن كانت موجودة؟

إن الأسئلة السابقة مهمة جدا, لكن حوارنا كان قد توقف عند هذا الحد!​
المصدر: http://www.meezan.aljasem.org/
 

ستانفورد بينيه

عضو بلاتيني
نعم مقاله رائعه .. وهو محق بذلك .. القياده تحتاج الى مؤهلات وشخصيه ذات قدرات قيادية للأسف الى الأن لايوجد احد في الصوره نتمنى ان نرى في الجيل القادم رجال كالرجال الذين خدموا الكويت سابقاً وعملوا على رفعتها وسموها ...
 
أعلى