"الإسلام بين الشرق والغرب" .. "بيكوفيتش" وثنائية الروح والجسد

نادرا ما ينجح ممارس للسياسة في التوفيق بين الفكر ومتطلباته والزعامة السياسة، وهو ما اجتمع في علي عزت بيكوفيتش، الرئيس السابق للبوسنة، وزعيمها الروحي والفكري الذي وصفه المفكر عبد الوهاب المسيري بأنه "مجاهد" حلل الحضارة الغربية، وبين النموذج المعرفي المادي "العدمي" الكامن في علومها وفي نموذجها المهيمن، ثم تصدى لها وقاوم محاولتها إبادة شعبه.

علي عزت بيكوفيتش، الذي تصدى لمحاولة إبادة شعبه من المسلمين في البوسنة، وتعرض للاعتقال والمضايقات، خلف وراءه صرحا فكريا مهما، منه كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب"، الذي قال عنه المفكر المصري المشهور أنيس منصور إنه "حوار مع الغرب بلغته"، وقال عنه عبد الوهاب المسيري إنه لو قرأ هذا الكتاب في بداية حياته لتمكن من تغيير العديد من أفكاره بشكل مبكر.

والمميز في كتاب الرئيس البوسني السابق أنه درس العالم الغربي الرأسمالي عن قرب.. ومن الأمور الذي نالت إعجاب المسيري، الذي قدم لهذا الكتاب، أن بيكوفيتش له "إلمام غير معتاد بالفلسفة؛ فهو متفلسف حقيقي يقف على أرضية فلسفية راسخة، ويطل على الآخر فيدرك جوهر النموذج المعرفي الذي يهيمن عليه، وهو ما يظهر من خلال حديثه بطلاقة وأريحية عن "نيتشه"، و"ياسبرز"، وغيرهم".

ويرى علي عزت بيكوفيتش أن هناك ثلاث وجهات نظر عن العالم؛ الأولى رؤية مادية ترى العالم باعتباره مادة محضة، وهي فلسفة "تنكر التطلعات الروحية للإنسان"؛ أما الثانية فهي الرؤية الدينية المجردة، وهي ترى في الدين تجربة روحية فردية خاصة لا تذهب أبعد من العلاقة الشخصية بالله، وهي أيضا تنكر الاحتياجات المادية للإنسان؛ أما الرؤية الثالثة فتعترف بالثنائية الإنسانية، وتحاول تجاوزها عن طريق توحيد الروح والمادة، وهذا الأمر ينطبق على الإسلام، الذي يقول عنه على عزت: "كما أن الإنسان هو وحدة الروح والجسد، فكذلك الإسلام هو وحدة بين الاتجاه الروحي والنظام الاجتماعي.. وكما أن الجسم في الصلاة يمكن أن يخضع لحركة الروح، فإن النظام الاجتماعي يمكن بدوره أن يخدم المثل العليا للدين والأخلاق".

ويؤكد الرئيس البوسني السابق أن الإسلام، وانطلاقا من إدراك ثنائية الإنسان، "لا يتعسف بتنمية خصال لا جذور لها في طبيعة الإنسان.. إنه لا يحاول أن يجعل منا ملائكة، لأن هذا مستحيل، بل يميل إلى جعل الإنسان إنسانا"، مضيفا: "في الإسلام قدر من الزهد، ولكنه لم يحاول به أن يدمر الحياة أو الصحة، أو الأفكار أو حب الاجتماع بالآخرين، أو الرغبة في السعادة والمتعة.. هذا القدر من الزهد أريد به تحقيق التوازن في غرائزنا، أو توفير نوع من التوازن بين الجسد والروح. إن القرآن يتناول الغرائز متفهما لا متهما؛ ولحكمة ما سجدت الملائكة للإنسان.. ألا يشير هذا السجود إلى معنى تفوق ما هو إنساني عما هو ملائكي؟".

ويعتبر بيكوفيتش أن هذه الثنائية التي يقوم عليها الإسلام هي سبب سوء فهم العقل الغربي لهذا الدين، وهو سوء فهم لازال مستمرا إلى هذا اليوم، مضيفا: "فمن جانب الدين اتهم الإسلام بأنه أكثر لصوقا بالطبيعة والواقع مما يجب، وبأنه متكيف مع الحياة الدنيا، واتهم من جانب العلم أنه ينطوي على عناصر دينية وغربية"، بينما يعتبر علي عزت أن "هناك إسلاما واحدا وحسب، ولكنه شأنه شأن الإنسان له روح وجسم..فالماديون لا يرون في الإسلام إلا أنه دين وغيب، بينما يراه المسيحيون حركة اجتماعية سياسية"، حسب تعبيره.


منقول
 
أعلى