حين تتحكم الاقلية بالاكثرية

عجب بن معجب

عضو مميز
العقل عند المعتزلة !!!


يظل المعتزلة كحركة أو منظومة فكرية هم الأكثر ضجيجاً في عالمنا الإسلامي في بداية التكوين والانتشار ، وإن كان الشيعة لهم السبق في إثارة هذا الضجيج ، إلا أن الضبابية التي يضببها الشيعة حول أدواتهم وأفكارهم - وهي ماتسمى بالتقية - جعلهم في منأى من سخط العامة أو بعض العامة على وجه التحديد .
أما المعتزلة فقد كانوا أكثر شجاعة وأجسر إقداماً في الظهور على العامة بتوجهاتهم الفكرية ، والتي توجت بعد حين بالوصول إلى هرم السلطة في عهد المأمون .


وكان هذا الوصول للمعتزلة بمثابة استفتاء شعبي لأفكار المعتزلة ، فعمدوا إلى امتحان الناس بخلق القرآن وذلك تحت حكم و " سيف " ثلاثة خلفاء عباسيين .​


ورغم هذا التسلط والإكراه ، إلا أن جل العامة والخاصة قد ضاقت بالمعتزلة ذرعاً ، ولفظت الفكر المعتزلي كفكر وشخوص .​

وهذا الإكراه الإعتزالي للناس على القول بخلق القرآن يقضي على المرتكز الأساس للفكر المعتزلي وهو الإرادة وتحميل العقل الإنساني حرية الفعل والاختيار .​

وهذا بلاشك هو عين الاضطراب الذي لازم جميع الحركات التي نشأت بعد اسشهاد الزكي ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - .​

فالمعتزلة كما الشيعة كما الجبرية ، نشأت كردات فعل للنقض والثورة وليس للبحث والتصويب .​

فعند ظهور الجبر القائل بجبر الإنسان على أفعاله ، ثار من رفض هذا التطرف ، وجاءوا بتطرف مقابل فقالوا باختيار الإنسان وإرادة العقل للفعل ، فكانت المعتزلة هي رأس هذا التطرف .​

حاول المعتزلة ومن منطلق قدرة الإنسان على خلق أفعاله ، إلى رفع منزلة العقل ، فعطلوا مشيئة الله وقدرته وتدبيره لهذا الكون .​

يقول معمر المعتزلي " إن الله تعالى لم يخلق شيئاً غير الأجسام ،فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام " الملل والنحل ج 1 ص 66​

وبهذا وبتلك ، فقد جعل المعتزلة للخلق خالقين ، خالق باديء وخالق مكمل ، وهم - أي المعتزلة - يجترون أطروحاتهم اضطراباً إلى ألوهية العقل .​

وهذا الاضطراب والذي في حقيقته عجز عقلي وبلاهة تأملية ، قاد المعتزلة إلى نفي القدرة الألهية سواء في الحادث أو في القديم ، مبتغاهم بذلك مساوة المخلوق - العقل - بالخالق سبحانه وتعالى .​

يقول المعتزلي هشام الفوطي في نفي العلم عن الله عزوجل " إن الأشياء قبل كونها معدومة ، والمعدوم ليس بشيء ، وما ليس بشيء ، فلن يجوز أن يعلم عنده " فضل الاعتزال ص71​

هذا الاضطراب المعتزلي كان سيستشري في جسد أمة الإسلام ، لولا أن الله قيض لهذه الأمة إماماً عرف للعقل حدوداً وأنه - أي العقل - متدبر متبع ، يتدبر عظمة الخالق في تدبير كونه وبعث رسله ، ومن ثم يسلك السبل ويبذل الحكم في اتباع الرسل ، ويوازن بين المصالح والمفاسد وكل هذا فيمايؤدي إلى عبادة الله عزوجل على هدي من أمر ونهي خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله وعليه وسلم ، واستدلالاً على التكاليف بفهم سلف الأمة رحمهم الله تعالى .​

لقد كان ا أحمد بن حنبل - رحمه الله - خير حافظ - بعد الله - لسلامة العقل من اضطرابات المعتزلة والجبرية على حد سواء .​

فعرف نعمة العقل الموهوبة من الله عزوجل تكريما وتكليفاُ لبني البشر ، فطوع العقل لعبادة الله عزوجل وتصديق رسله ، وحرض العقل على طلب الفضائل ودحض الرذائل ، والتسليم بماخفي عن العقل من حكم الله عزوجل في التشريع والتدبير .​

لقد عرف الإمام - رضي الله عنه - أن للعقل حداً وطاقة إدراكية ، متأملاً قول الله عزوجل " ولايحيطون بشيء من علمه إلا بماشاء "​

فكان نعم السد المنيع في وجه فتن القدرية التي ماجت بالأمة في عصره وماتلاه من عصور ، فحمل تلاميذه الحنابلة - برد الله مضاجعهم - راية العقل العابد العامل ، المتبع المنابذ لكل مبتدع .​

يقول الإمام الحنبلي أبو الفرج الجوزي - رفع الله قدر في الجنان - في تلبيس أبليس "فينبغي لمن رزق العقل ألا يخلد إلى ضده وهو الهوى "
وهذا مشاهد في زمننا ، من عالم قد بلغ من علم الدنيا مبلغاً ، وحاز قصب التمديح والتبجيل ، يرتكس بعقله إلى بقرة يعبدها ، أو سياطٍ يفسخ جلده ، أو دياثة يتقلبها .​

يقول الله عزوجل

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }الصافات96



{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }النساء78

منقول
 
أعلى