الخطوط الأساسية للاقتصاد الاسلامي

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحياتي للجميع سوف أقوم بتنزيل كتاب قيم لأحد المراجع العظام وهو


آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي دام ظله


makarem.gif



الخطوط الأساسية للاقتصاد الاسلامي

الاهداء

إلى أولئك الذين يبحثون عن الاقتصاد الإسلامي الأصيل،

إلى أولئك الذين سئموا الأفكار الطفيلية (الشرقية والغربية)،

و إلى أولئك الذين ينشدون اقتصاداً مزدهراً ومتطوراً ومكتفي ذاتياً قائماً على أساس سيادة الاخلاق والمبادىء الإنسانية​
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نتابع الكاتب

الاستعمار الاقتصادي أبشع أنواع الاستعمار...

مؤامرة:


الاستعمار الاقتصادي أبشع أنواع الاستعمار تأثيراً

كيف السبيل للخلاص من هذه المصيدة؟

ماضي الاستعمار وحاضره:

الاستعمار مفردة استعمارية (حيث تعني لغوياً العمارة والبناء في حين لا تختزن عملياً سوى الخراب والدمار) وهو ليس بظاهرة طارئة تختص بعصر دون آخر.

غاية الأمر أننا نراه على صورته الحقيقية الواقعية كلما رجعنا إلى الماضي; أي أنّ الاستعمار يتضح بهيئته الهدامة البشعة لا مقنّعاً بثياب الأعمار حيث إنّ البشرية في الماضي لم تكن تستفيد من هذه النعمة! لتمارس قلب الحقائق لتحيل بزيفها ومنطقها المعسول الوحش ملكاً والملك وحشاً، وتظهر الخطايا والمحرمات المسلّمة فرائض واجبة على الإنسان، أو تلبس الجريمة لباس الأخلاق والقانون والعواطف الإنسانية،


وبسبب عدم توظيف هذه النعمة فإنّ البشرية سرعان ما تعود من هذا الطريق، وسرعان ما يستيقظ المستعمرون من سباتهم.

على أية حال... لا يمكن العثور على مقطع زمني سَلِم فيه البشر من نوع أو أنواع هذا الاستعمار المقيت.



الدوافع...


رغم أنّ الاستعمار حالة منحرفة في أسلوب الحياة الجماعية، لكونه يعمل على إلغاء أبسط المبادىء الأساسية وأكثرها بداهة في الحياة الاجتماعية أي «العدالة» و«التعاون» وليستبدلهما بالتسلط والغطرسة، مع ذلك نرى من الطريف أنّ «مفكري المستعمرين» الذين هم جزء من مجتمع مستعمر، يعملون بكل وقاحة لاضفاء الصبغة الفلسفية على هذا العمل على أنّه من إفرازات انتخاب الأصلح بعد تنازع البقاء بهضم حقوق الضعفاء وسيادة الأقوياء.

و تتناهى للأسماع همسات تصدر من البعض عن فطرية النزعة التسلطية لدى الإنسان وامتزاجها بروحيته، لتكون ذرائع مناسبة لتبرير الجرائم التي يرتكبها المستعمرون، فيقال إنّ الإنسان ومن أجل السير في حركته التكاملية بل ومن أجل الاستمرار في الحياة لابدّ له من العمل على تسخير القوى الموجودة في الطبيعة على تنوعها، وبالتالي فمن الطبيعي أن يمارس ذات الأسلوب تجاه نوعه، غافلا عن أنّ «الطبيعة» قد خلقت لتكون تحت تصرف البشرية وخدمتها، بل إنّها تبادر إلى خدمة الإنسان حتى لو دفعها إلى الوراء، إلاّ أنّ أمثالنا من بني الإنسان لم يخلقوا مطلقاً من أجل أن يصبحوا عبيداً وخدماً لنا.

فهؤلاء بشر مثلنا لهم مشاعر كمشاعرنا ورغبات كرغباتنا ولياقات كلياقاتنا، ولهذا فليس هناك مبرى لأن يسخروا لنا كخشب ومجرّد من ضمن الطبيعة.

و على أية حال فمن الأفضل أن نترك هذه الفلسفة المضحكة التي لا يخفى لونها الاستعماري على أحد والاهتمام بالموضوعات الرئيسية:



نهاية أم بداية؟

رغم الضجيج الذي أثارته المنظمات الدولية حول «انتهاء الحقبة الاستعمارية» و«تحرر المستعمرات» إلاّ أنّ بصماته تشاهد في كافة أصقاع العالم من خلال غزوه الفكري للثقافة، وخططه لاستثمار الاقتصاد والسياسة الاستعمارية في القضايا العسكرية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم، وكأنّها البداية وليست النهاية.

فهل من حركة عسكرية في زوايا هذا العالم لا ترتبط بنحو من الأنحاء بالقضايا الاستعمارية؟

و أي من الخطط والبرامج الاقتصادية في شرق هذا العالم وغربه ليس فيها لون من ألوان استعمار البلاد الضعيفة؟

و أين هي تلك المشاريع السياسية التي لا تبدو العروق الاستعمارية من خلالها؟ ففي يوم نفتح عيوننا لنجد سفارة أعظم دولة صناعية في عالم اليوم والتي اتخمت آذان العالم بضجيجها في الدفاع عن حقوق الإنسان تتحول إلى وكر خطر للجاسوسية لاستغلال المستضعفين، ويتحول أولئك الدبلوماسيون من ذوي الأدب والفهم والمنزلة الرفيعة إلى أعضاء في جهاز المخابرات المركزية!


و في يوم آخر نرى بلد «البلشفية» حامل لواء الحرية والاستقلال ومكافحة الامبريالية في الأمم المتحدة ضد أمريكا المستعمرة، والدفاع عن فلسطين مقابل اسرائيل الغاصبة، يبعث بجيشه الأحمر ليبتلع أراضي أفغانستان دون رغبة من شعبها ودون ضجيج و«حياء سياسي»! بل بكل وقاحة وصلافة.

فهل يجوز الاحتلال العسكري في عصر الفضاء؟ أليس هذا الأمر متعلق بزمان المغول؟ وهل يمكن القيام بمثل هذا العمل أمام أنظار شعوب العالم؟ نعم، يمكن ذلك، إنّهم يرسلون تمهيداً لذلك أحد مرتزقتهم أمامهم، فيدعوهم باسم شعب أفغانستان، فيهرعون لمساعدته ويحتلون هذا البلد مع رعاية القوانين الدولية واحترام تام لحقوق الإنسان وتطبيق كافة المبادىء الإنسانية!!

مَن هو هذا الشعب الذي يتحدثون باسمه؟ فهذا الشعب الذي يحارب في الجبال والوديان في المدن والقرى من أجل الحرية، ويقول: لا للأجانب ولا لعملائهم، ويكتبون هذا الشعار بدمائهم على جدران السجون، وتراب البراري واِسفلت الشوارع.

أجل، لقد دعاهم هذا الشعب ليسفكوا دمه إن دلّ هذا على شيء إنّما يدّل على أنّ ما يطلق من شعارات ضد الاستعمار تكون محترمة ما دامت تسير في سياق مصالح القوى الكبرى، وحينما تبتعد هذه الشعارات عن مصالح القوى الكبرى فلا تجد لها أية قيمة. ومن هنا ترى المستعمرون وقد وضع أحدهم يده بيد الآخر ليتقاسم مع فتات مائدة تارة بينما يتصارعون ويتقاتلون تارة أخرى.


فعلى سبيل المثال نلاحظ في منطقتنا أنّ الصين وأمريكا تتخذان مواقف متضادة تجاه قضايا المنطقة، فالأولى تدافع عن تحرير أراضي المسلمين المحتلة، بينما تدعم الثانية اسرائيل الغاصبة، ولكننا عندما ننتقل إلى أبعد من ذلك نجد أنّ هاتين الدولتين تتخذان موقفاً واحداً تجاه الاحتلال العسكري الروسي لأفغانستان، وتعزفان على وتر تحرير هذا البلد، والحال أنّ هؤلاء لا يملكون أدنى حرص على الشعب الأفغاني وإنّما خشيتهم تنبع من تمكن الروس من الوصول إلى مياه الخليج الفارسي والمحيط الهندي الدافئة، وينظرون بعين الطمع إلى شريان النفط الحيوي.

و الطريف أنّ الاتحاد السوفياتي نفسه يتظاهر مقابل ما يدور في الإذهان من نيّة أمريكا في احتلال ايران عسكرياً (الهواجس المحمومة التي تسود أذهان ساسة البيت الأبيض).

فيقولون: إنّنا لا نسمح أبداً بمثل هذا العمل اللاإنساني، بينما يقوم في الوقت نفسه وعلى بعد عدّة أقدام، بأوقح أنواع الاحتلال العسكري.

قد تبدو هذه الأعمال متناقضة لدى البعض، بينما لا تبدو كذلك قط في السياسة الاستعمارية، لأنّ حفظ المصالح الخاصّة هو المعيار في هذه السياسة.

أياً كان الاسم أو العنوان أو الشكل!


تحياتي لكم وسوف يكون المحور التالي الاستعمار الحرباء:وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحياتي للجميع :وردة:


الاستعمار الحرباء

والنقطة المهمّة التي تؤدّي الغفلة عنها إلى الندم، هي التنوع المتزايد

وغير العادي في أشكال الاستعمار وهذه هي الحرباء، فتارة يظهر بمظهر الابداع والحداثة!

وأخرى بمظهر الثقافة والعلم.

و أخرى بمظهر الدين والعقيدة.

و أخرى بمظهر التحرر وحقوق الإنسان!

و أخرى بمظهر تقديم المنح الاقتصادية.

و أخرى بمظهر المبشرين وتاركي الدنيا!

و أخرى بمظهر المساعدات الطبية والصحية وبناء المستشفيات والمكتبات.

و أخرى بمظهر تبادل الطلبة والأساتذة والبعثات والزمالات.

و أخرى بمظهر تطوير الصناعة الخفيفة والثقيلة.

و أخرى بمظهر المعارض الدولية.

و أخرى بمظهر مؤسسات المنظمات الدولية.

و خلاصة الأمر فالاستعمار يظهر في أي لحظة بشكل يختلف عن السابق. فيبرز تارة ويستتر أخرى، ويرتدي ثوباً أحياناً ويخلعه أحياناً أخرى

و لا تكمن الأهميّة في هذا الأمر، وإنّما في ضرورة التعرف عليه وعلى خصوصياته في أي مظهر أو شكل، فنقف بوجهه، ولا يحصل ذلك إلاّ إذا وقفنا على خصوصيات هذا البلاء.

قد تقولون إنّه عمل شاق وصعب، ولكنه ليس كذلك والسبب هو: أنّ الاستعمار يمكن التعرف عليه من خلال الخصوصيات الثلاث التالية.

1- تسميم الأفكار

إنّ «المخ» هو أول طعام يسيل له لعاب «أفعى الضحاك الاستعمارية»(أفعى الضحاك اصطلاح فارسي يشير إلى أسطورة أحد السلاطين الظلمة باسم الضحاك الذي كان من شدة ظلمه أن خرج من أعلى كتفيه أفعيان (المترجم).)وخاصة عقول الشباب والأحداث! وهو ما تقوم به دائماً وكل يوم.

و على هذا الأساس فأيما حديث تسمعونه عن تخدير العقول وعن قضايا ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بتعطيل العقول المفكرة والواعية وغسل الأدمغة، فاعلموا أنّ وراء ذلك الاستعمار خفية أو علانية.

فإنّ أولى المهمات التي يقوم بها الاستعمار لتنفيذ خططه، قتل «الفكر» و«العقيدة» ويكون تنفيذ هذه المهمة إمّا عن طريق تفريغ الثقافة الاجتماعية من محتواها، وإمّا من خلال جذب الأنظار نحو مسائل هامشية والابتعاد بالمجتمع عن أصل الحياة الحقيقية، وبالتالي تغيير «القيم» ومسخها، حتى يصل الأمر إلى وقوع المجتمع في أخطاء عندما يريد تشخيص ما هو حق مسلّم وما هو باعث للفخر والاستقلال والحرية، وتقبّله لأشياء أخرى فاقدة لأية قيمة حقيقية مكانها.

و لهذا لا نجد مكاناً للمفكرين الصلحاء والحقيقيين في المجتمعات المستعمرة، فهؤلاء يقبعون في الزنزانات أو يعيشون منسيين في الزوايا لا يرتفع لهم صوت وكأنّهم موتى، بينما يأتي الذين يتقمصون الفكر والشخصيات الكاذبة والفارغة لتأخذ مكاناً مرموقاً في إدارة دفّة المجتمع، وتتناقل الألسن ذكرها، وتعكس وسائل الإعلام السمعية والبصرية والصحف حركاتها.

أحياناً يدور في ذهني ما آل إليه مصير هؤلاء أبطال العهد البائد، ومفكري البلاط وفناني الشاهنشاه، أولئك الذين كان الناس يصبحون ويمسون برؤيتهم.

لقد ذهب اُولئك إلى نفس المصير الذي ذهب إليه مشاهير عصر الجاهلية بعد ظهور الإسلام «إلى مكان رمي العربي للرمح».(مثل ايراني معناه أنّه ذهب بعيداً.)


2- ايجاد التبعية

الخاصية الثانية للاستعمار «تقوية» و«توسيع» التبعية سواء في المجالات الصناعية والزراعية وتربية الماشية، أو في عالم السياسة وإثارة التيارات السياسية وخلق العملاء.

فأينما توجد التبعية السياسية والصناعية والثقافية والعسكرية وبالتالي الحياة التبعية فثم شيطان الاستعمار الكبير، سواء كانت هذه التبعية مرئية أم مخفية، وهناك يتطلب الأمر الحديث عن إزالة التبعية وطرد هذا «الشيطان الرجيم» بالتوكل على الله.

3- العزف على وتر النفاق

أمّا الصفة المهمّة الثالثة التي يمكن من خلالها معرفة الاستعمار مهما كان المظهر الذي بدا فيه، هي دعوته للتفرقة والاختلاف والتضاد والتمايز الطبقي، وأي شيء يؤدّي إلى الانشقاق بين الأمّة وإيجاد التناحر بين فئاتها.

و هنا تسكب عبرات الاستعمار حين الحديث عن الوحدة والتقارب وإزالة الحواجز والفوارق وتعميق أواصر المحبة والأخوّة.

و أعتقد أنّ بالإمكان التعرّف على هذا الشيطان المتلوّن بسهولة من خلال العلامات الثلاث السابقة، بغض النظر عن العلامات الأخرى، رغم الأقنعة التي يتستر بها وبالتالي يمكن كشف عناصره وأعوانه في الأمّة.

كما يمكننا التعرف على أنّ القائد الذي يتحدث دائماً عن «التحلي باليقظة» ويعمل دائماً على إزالة التبعية، ويدعو الأمّة إلى وحدة الكلمة هو قائد مناهض للاستعمار.

أمّا أولئك يسوقون ثقافتنا نحو الفساد والابتذال وافراغها من محتواها، وتبديل مراكز العلم الكبرى بميادين يتسابق فيها الأفراد للحصول على الشهادات التي لا تدل إلاّ على خزن مجموعة من المعادلات في العقول ويمنعون طلبة الجامعة من أي نشاط سياسي واجتماعي بنّاء مستفيدين في ذلك من حضور حرسهم وقواهم المسلحة، ويعقدون الاتفاقيات والمعاهدات التي تؤدّي بنا إلى المزيد من التبعية لناهبي الثروات ويعملون على تقوية أغلال التبعية عاماً بعد آخر، ويحاولون فصل الجامعة عن المسجد، والمسجد عن الجامعة، وفصل الشباب عن الكبار، وايجاد الفرقة بين الفئات المختلفة، ودمروا بقواهم الشيطانية كل مجتمع يؤمل فيه السير نحو الوحدة والتماسك، فاُولئك هم عملاء الاستعمار وأياديه، ونحمد الله على خلاصنا من شرّهم.

ولكن عليكم بالحذر من هذه الأفاعي الجريحة، فانّها لم تمت، بل إنّها تقوم بتبديل جلدها دائماً، عليكم بالالتفات إلى الخصائص المذكورة، ثم اجعلوها محكاً لتمييز الأفراد والوقائع حذار من اللجوء إلى قناع آخر.

القرآن والاستعمار:

لقد رسم القرآن الكريم صورة رائعة للاستعمار واختار له اصطلاحاً يناقض ما ذهبوا إليه، فجعله قباء يناسب قامته ويبيّن محتواه كاملا وفي جميع أشكاله وجميع تفاصيله وجزئياته.

نعم، لقد جاء القرآن بكلمة «الاستضعاف» ذات المعنى الواسع التي تشمل جميع أشكال «الاستحمار» و«الاستثمار» والتضعيف الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي من أجل استغلال الفرد أو المجتمع، واستخدم القرآن هذه الكلمة في كل مكان ودعا «المستضعفين» للثورة ضد «المستكبرين» (و هم المستعمرون الذين يرون في أنفسهم التفوق على الآخرين) ويعدهم بالنصر والغلبة.

فمثلا يقول القرآن في معرض حديثه عن فرعون: (إنّ فِرعَونَ عَلا فِي الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَها شِيَعاً يَستَضعِفُ طَائفةٌ مِّنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحي نساءَهُم إنّه كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ)(سورة القصص، الآية 4.)

فقد أوضحت الآية على قصرها «دوافع» الاستعمار، بالاستعلاء، خطّته بالفرقة، والوسيلة هي تضعيف القوى البناءة والخلاقة في المجتمع، وبالنتيجة يؤول الأمر إلى الفساد والافساد.

ثم يدعو القرآن القوم المستعمرين للنهضة والثورة بجمل قصيرة مختصرة وصريحة وبليغة:

(وَ نُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استضعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُم الوارِثِين).(سورة القصص، الآية 5.)

طال الحديث وما زلنا في بداية الكلام عن الاستعمار وخاصة بُعده القرآني ولكننا نختم الحديث بجملة واحدة ونوكل الباقي إلى فرصة أخرى.

إنّ القرآن لم يمدح «الضعفاء» مطلقاً، ولم يعدهم بالنصر، وإنّما وعد «المستضعفين» وهم أولئك الأقوياء بالقوّة وإن آل أمرهم إلى الضعف نتيجة لضغوط الأعداء، إلاّ أنّهم في سعي دائم وحركة ونشاط، يثورون ويصرخون ولا يتوقفون عن ذلك لحظة.

نعم، هؤلاء هم المستضعفون، وهم الموعودون بالنصر والغلبة.

الوجه الاقتصادي للاستعمار:

على الرغم من الاعتقاد السائد لدنيا بأنّ الاستعمار الثقافي هو أخطر أنواع الاستعمار، إلاّ أنّ المستعمرين اليوم يرون أرجحية الاعتماد على الاستعمار الاقتصادي أكثر من أي شيء آخر، وقد يكون السبب في ذلك يعود إلى الأثر السريع والمباشر لهذا الاستعمار وكونه مقدمة لتمهيد السبيل أمام الاستعمار الفكري والسياسي.

و على كل حال فإنّ كل من المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي يسعيان لجعل الأمم المستضعفة «عبيداً» لهم من الناحية الاقتصادية وتحكيم تبعيتهم لهم اقتصادياً.

و المهم حالياً أن نكون يقظين كي لا نخدع بالمصائد البراقة التي تختفي تحت عقائد وشعارات ولافتات مختلفة، فنخلّص أنفسنا من مخالب سياسة اقتصادية الاستعمار.

إنّ أفضل الخطوط الاقتصادية لنا ولجميع الأمم المتحررة في العالم التي ترنو نحو مستقبل تعيش فيه بحرية واستقلال ولا ترزح تحت نير أية قوّة عظمى، هي السياسة اللاشرقية واللاغربية، وهي السياسة التي تدعونا لنبذ كافة أنواع التبعية، وتدفع بنا إلى الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات، وبالتالي فهي السياسة التي تثبت وجودنا وتنفي عنّا سلطة الأجنبي.

نحن نعتبر أنّ الاقتصاد الإسلامي هو أفضل الطرق المؤدية لهذه السياسة، هذا الاقتصاد الذي تبدو فيه الخصوصيات المضادة للاستعمار واضحة، ويخلو من أي نوع من أنواع التبعية للنظم الاقتصادية الغربية أو الشرقية.

و ستقف - عزيزي القارئى - على المحاور الرئيسية لهذا الاقتصاد في هذا الكتاب - الذي بين يديك - راجياً مطالعته دون إصدار الأحكام المسبقة.

قم - الحوزة العلمية

26/8/1981 م

ناصر مكارم الشيرازي


يتبع إن شاء الله مع المدرسة الاقتصادية الإسلامية أمام التساؤلات:وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المدرسة الاقتصادية الإسلامية أمام التساؤلات

لقد خطت بلادنا في اليوم مرحلة جديدة من تاريخها لا يمكن الرجوع عنها، فالتغييرات الجذرية التي حصلت والتطورات الكبرى التي شهدها مجتمعنا الإسلامي بعد الثورة، والدور الذي لعبته العقائد الإسلامية وخاصّة «المذهب الشيعي الثوري»، أدّت بأولئك الذين كانوا يمرون على القضايا الإسلامية مرور الكرام ولم يعوا النفوذ العميق المؤثر للإسلام في المجتمعات الحالية أن يبادروا إلى المطالعة والبحث من جديد في القضايا الإسلامية، وأن يعيدوا النظر في الإسلام!

وحتى أولئك الذين يعتبرون من أكثر الناس وفاء للإسلام أخذوا ينظرون إليه بنظرة جديدة، ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم إيمانهم بالتأثير العميق للدين - أي الإسلام والتعاليم القرآنية - ودوره المصيري والحاسم، وعلى أي حال فالجميع متفقون الآن على ضرورة التعرف بشكل أكثر وأعمق على الإسلام الصحيح، الإسلام الذي يبادر لنصرة الأمّة في أزماتها الحادة، ويتنكر للجمّ العظيم من المشكلات والنقائص أبداً، إلاّ أنّ الواعين من أبناء الامّة لايرون هذه المشاكل كامنة في التعاليم الإسلامية وإنّما هي وليدة طبيعية لكيفية إجراء هذه التعاليم من جانب، وأسلوب التعامل مع القضايا الاجتماعية من جانب آخر، ويأتي قسم آخر من هذه المشكلات كنتيجة طبيعية لكل ثورة، على أمل أن تحل هذه المشكلات بالوعي والاخلاص والنظرة المعمقة، وبالتعامل المنطقي مع القضايا، وعلى أي حال فانّ الشيء الذي هو معرض للسؤال أكثر من غيره في هذا الصدد هو: «المذهب الاقتصادي في الإسلام».

فالناس تتساءل هل يقتصر الإسلام على دور عام في «الحركة الاقتصادية» للمجتمع أم يسعه إضافة لذلك مسار هذه «الحركة» و«البرامج» و«المشاريع» التي تقود إلى الهدف النهائي؟

إنّهم يريدون أن يعرفوا، أنّ المجتمع بعد أن تهيأ لتطبيق «مشروع الحرية والعدالة» هل ينبغي عليه أن يمدّ يد الحاجة إلى المذاهب الاقتصادية الموجودة في يومنا هذا أم أنّه مكتف ذاتياً بشكل تام ولديه نظريته الاقتصادية النابعة من التعاليم الإسلامية؟

و لهذا تردد هذه الاسئلة:

1- هل أنّ للإسلام مذهباً اقتصادياً خاصاً به؟ هل للإسلام مذهب اقتصادي يختص به؟

2- هل تلبي البرامج الاقتصادية في الإسلام حاجات العصر الراهن أم أنّها تختص بالعصور والقرون الماضية؟

3- ما هي المحاور الرئيسية للمذهب الاقتصادي في الإسلام؟

4- هل أنّ للإسلام خطة حاسمة لمكافحة «تراكم الثروة» و«الفوارق الطبقية»؟ هل تعالج البرامج الاقتصادية الإسلامية «فائض الثروة» و«التمايز الطبقي».

5- هل يكتفي الإسلام بتقديم التوصيات في المجال الاقتصادي، أم لديه قوانين بهذا الصدد مع «ضمانات تنفيذية كافية»؟

6- أي من المذاهب الاقتصادية المعروفة في العالم (الرأسمالية أو الاشتراكية أو الشيوعية) يتشابه مع المذهب الاقتصادي الإسلامي؟ أو بعبارة أخرى أقرب إلى أي مذهب؟

7- ما الحيز الذي تشغله «الملكية الفردية» و«الملكية العامة» في المذهب الاقتصادي الإسلامي؟

8- هل للإسلام برنامج لمكافحة الظواهر الاقتصادية الخطرة في عصرنا، كالاحتكار وسياسة الكارتلات والشركات المتعددة الجنسية والبطالة والتضخم، وكل نوع من أنواع الاستغلال الاقتصادي؟

9- إنّنا نعلم أنّ هناك تناقضات حدثت وخطط وصلت إلى طريق مسدود في اقتصاد عالمنا الحاضر، فهل للإسلام برامج وخطط للتخلص من هذه التناقضات والطرق المسدودة؟

10- الخلاصة، هل بامكان المذهب الاقتصادي في الإسلام تأمين «العدالة الاجتماعية» مقترنة بـ«الحريات الإنسانية» للبشرية في عصرنا الحاضر؟

يتضح ممّا تطرقنا إليه أنّ الهدف الذي نتوخاه في بحثنا هذا ليس دراسة المذاهب الاقتصادية المختلفة بالأسلوب الكلاسيكي وبالتفصيل، وليس الهدف كذلك الاسهاب في شرح القضايا الاقتصادية، وإنّما الهدف هو إلقاء

الضوء على النظرية الاقتصادية في المدرسة الإسلامية، و«الفوارق» و«القواسم المشتركة» بين المدرسة الاقتصادية في الإسلام وبين سائر المذاهب والمدارس، ليتمكن الباحث المحايد من التعرف على موقف المدرسة الإسلامية في هذه المسائل بالمقارنة مع المدارس الاقتصادية الاُخرى، كما يتمكن من تقييم المواقف التي تتخذ في مقابل الاقتصاد الإسلامي بسبب عدم الاطلاع الكافي على ماهية هذا الاقتصاد.

إذن يمكن تلخيص الهدف النهائي للبحث في الموضوعات التالية:

1- التعرف على القواعد والبنى التحتية الإسلامية في المسائل الاقتصادية.

2- التعرف على البنى الفوقية للاقتصاد الإسلامي، وضمانات تنفيذها في بحث جامع وشامل.

3- الاهتمام بالجوانب العملية للمذهب الاقتصادي في الإسلام، وخاصة في الظروف الحالية التي يمرّ بها العالم وتلبية الحاجات والمتطلبات الضرورية.

4- تشخيص نقاط التقارب والتباعد بين المذهب الاقتصادي في الإسلام والمذاهب الثلاثة المعروفة في عصرنا الحاضر (الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية).

5- بيان التفسيرات الصحيحة والغير صحيحة للاقتصاد الإسلامي.

و على هذا الأساس سيأتي الحديث عن بعض المذاهب الاقتصادية بشكل مختصر وذلك لضرورة تتابع البحوث، إلاّ أنّ هذا الحديث سيكون بمقدار الحاجة إلى المقارنات الأصولية.

و هنا نرى من ضروري الانتباه إلى النقطة التالية:

ضرورة الحفاظ على اصالة المذهب!

يحاول البعض هذه الأيام طرح البحوث الاقتصادية الإسلامية بأسلوب حديث متأثرين - عن وعي أو بدون وعي - بسائر الترعات الاقتصادية كما يبدون بعض نزعاتهم الخاصة التي يتحفظون أحياناً عن كتمانها.

و ليس هذا هو الشيء المهم، وإنّما المهم هو أنّ هؤلاء يسعون إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي مع المذاهب التي يميلون إليها، رغم الفوارق والاختلافات التي تمتاز بها مذاهبهم عن سائر المذاهب الاقتصادية ومنها الشيوعية والرأسمالية.

أي أنّهم في حقيقة الأمر قد جعلوا المذهب الذي يعتقدون به «أصلا» وحاولوا إلحاق الإسلام به بصفته «فرعاً».

إنّ مثل هؤلاء الأفراد لا يعتقدون في الواقع بأصالة الإسلام، وإنّما ينظرون إلى المفاهيم الإسلامية كنظرة العامل إلى أدوات عمله، فهم يريدون أن يوظفوا التعاليم الإسلامية كأداة في خدمة العقائد التي يؤمنون بها.

و هذا النوع من «التفكير المنكوس» والذي ينبع من «فقدان الذات» يؤدّي بأصحابه إلى تقديم تفسيرات خاطئة أحياناً، بل ومضحكة بعض الأحيان!

و قد غفل هؤلاء عن حقيقة أنّ معرفة مذهب ما بشكل «أصيل» والابتعاد عن الميول السابقة شيء وفرض الأفكار عليه شيء آخر.

إنّ الباحث الذي يدّعي الواقعية عليه أن يتصف «بالشهامة» الكافية لكي يتعرف على الحقائق المرتبطة بكل مذهب كما هي، سواء كانت منسجمة مع الاتجاه الذي يؤمن به، أم مختلفة معه، أم مخالفته له.

و العمل الذي يقوم به البعض اليوم في الجمع بين مذهبين وتقديم تفسيرات تلفيقية ليس عملا علمياً ولا عقلياً وواقعياً، ولا هو خدمة لهذا المذهب، ولا استفادة صحيحة من ذلك المذهب! ذلك لأنّ مثل هؤلاء الأشخاص يضطرون لـ«التفسير بالرأي» من أجل القيام بتلفيقاتهم الخاطئة، والأمر الذي شجبه الإسلام بشدّة وعدّه أساس الهرج المرج في المصادر الدينية وفي أي وثيقة تاريخية.

و هذا الأسلوب من البحث يؤدّي إلى أن يقوم كل شخص بتطبيق الآيات والروايات الإسلامية «بالقوّة» على المذهب الذي يميل إليه ويتمسك بأسسه، وإذا تبدلت عقائد هذا الشخص واتخذ اتجاهاً جديداً، يقوم بتفسير نفس تلك الآيات والروايات بشكل آخر وانسجاماً مع مبدأه الجديد، فيجعل بذلك المفاهيم الإسلامية كرة يلعب بها كيف يشاء!

فيذهب تارة إلى «المعاني المجازية» دون أية قرينة عقلية، أو نقلية، وليستخرج تارة أخرى مسائل عينية وخارجية بشكل «كنائي ومثالي»، ومرّة يغور في أعماق الآيات والروايات، حتى إذا عثر في زاوية من إحداها على علامة تدل على المقصد الذي يتجه إليه تشبث به، أمّا إذا وجد ما يعارض هدفه في المئات من الآيات والروايات الأخرى فإنّه يغمض عينيه عنها، لأنّ هذه العلامة تنسجم مع ما يجول في خاطره، بينما لا تنسجم معه تلك.


ــــــــــــــــــــــــــ
تحياتي للجميع وسوف ننتقل إلى دور الاقتصاد في حياة الأمم وزوالها في المشاركة التالية:وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نتابع معك أخي القارئ :وردة:

دور الاقتصاد في حياة الأمم وزوالها

لا تكمن أهميّة القضايا الاقتصادية في تحقيق الحرية والاستقلال والحياة المادية للأمم فقط، بحيث لا يمكن تحقيق ذلك بدونها، وإنّما لها علاقة وثيقة بالقضايا الأساسية للمجتمع، بل وتشمل حتى القضايا الأخلاقية أيضاً.

يخطىء أولئك الذين ينظرون إلى الأمور من زاوية واحدة، فيجعلون الاقتصاد كل شيء، ولا شيء غير الاقتصاد، كما يخطىء أولئك الذين ينظرون بعين الاهمال واللامبالاة للدور الحساس الذي تلعبه المسائل الاقتصادية في مصير الأمم وحياتها وموتها، وفي انتصارها وهزيمتها.


إنّ دوران «الاقتصاد السليم» في جسم المجتمع هو كدوران الدم السالم في عروق الإنسان، وهذا هو أبسط تفسير وأرصنه في ذات الوقت يمكن أن يقال في معرض بيان دور الاقتصاد في المجتمعات الإنسانية.

فقد لا نلتفت إلى دور الدورة الدموية في حياة الإنسان في الأوضاع العادية، ولكن حينما ينغلق مجرى أحد الشرايين الكبرى نتيجة لخلل في الجهاز المضاد للتخثر فإنّ أثر ذلك يظهر مباشرة وبشدّة، وبالتالي يشلّ العضو الذي إنسد مجرى دمه فوراً، وإذا كان هذا العضو من أعضاء البدن الفّعالة «كالقلب» أو «الجهاز التنفسي» ينتج عن ذلك موتاً مفاجئاً، و «الفقر الاقتصادي» له عوارض في المجتمع تشبه عوارض «فقر الدم» في البدن.


ففي مرض فقر الدم تصاب العين بضعف النظر، والأذن تفقد قدرتها على السمع ويصاب اللسان بالخرس، وتأخذ الأيدي والأرجل بالارتجاف، ويفقد العقل قدرته على التفكير، وهكذا الأمر بالنسبة للمجتمع الذي يتعرض للفقر الاقتصادي أو يسير في نظام اقتصادي غير سليم، فإنّه يفقد أية قدرة أو مهارة ويبتلى بنقائص ومشكلات هدامة على جميع المستويات.

فالسياسي الثوري.

و القائد الشجاع.

و الفيلسوف الكبير.

و العالم العامل.

و الشاعر البارع.

و الفنان الماهر.

و الفنّي المتمرس.

هؤلاء جميعاً ليسوا بقادرين على أداء رسالتهم في المجتمع مطلقاً ما لم يكن لديهم معيشة اقتصادية مناسبة بالحد الأدنى
(و لا نقول مرفهة).

يذكر أحد العلماء في مقدمة لأحد الكتب الاقتصادية المعروفة تعبيراً واضحاً لهذه المسألة فيقول:

«تخضع الحياة المادية والمعنوية لأي انسان ابتداء منذ ولادته حتى أنفاسه الأخيرة للاُسس والقوانين والأساليب الاقتصادية والاجتماعية، وأنّ الموقع الدولي الذي تحتله الأمم والاستقلال والرفاه الذي تتمتع به منوطة بمجموعها بالنتائج الاقتصادية والاجتماعية».[/COLOR](من مقدمة الدكتور بيرنيا على كتاب الاقتصاد لـ«بول صاموئيل».)

و أضيف على ذلك بالقول أنّ الإنسان يقع تحت تأثير هذا العامل القوي قبل ولادته أيضاً، حيث ثبت اليوم أنّ العديد من الأمراض الجسمية أو حالات التخلف الفكري التى يصاب بها الإنسان سببها سوء التغذية أو نقصها لدى الأب أو الأم، وكذلك بسبب المظالم الاجتماعية التي تنتج عنها آثار غير محمودة على النطفة والجنين.

و على أي حال، أي شيء أكثر بداهة من إرتباط آلاف القضايا التي نواجهها في حياتنا بنحو من الأنحاء بالمسائل الاقتصادية.



دور القضايا الاقتصادية في البنى الأخلاقية للمجتمع


و حتى القضايا الأخلاقية تتأثر أيضاً بقدر ملحوظ بالعوامل الاقتصادية وقد لا يروق هذا الكلام للبعض من علماء الأخلاق، فهم يتساءلون ما هي العلاقة التي يمكن أن تكون للمعنويات بالمسائل الاقتصادية؟

و لكن لاشيء يدعو للعجب إذا أخذنا بنظر الاعتبار هذه النقطة التجريبية والحسية القائلة بأنّ التمسك بالمبادىء الأخلاقية كالشهامة والصراحة ومناعة الطبع والصدق في الحديث والأمانة والاستقلال والشخصية، أمر في غاية الصعوبة بالنسبة لإنسان جائع; الأمر الذي يبدد الذهول والدهشة.

ولا نزعم الإنسان الجائع سيتجه حتماً إلى الكذب والغش والتزوير ويفقد إيمانه قطعاً، ولكني أقول أنّ الأرضية المناسبة للابتلاء بهذه الانحرافات الأخلاقية، ممهدة جدّاً في الإنسان الجائع، وهو أمر حسي وتجريبي.

و كذلك لا يوجد أدنى شك في أنّ الحاجة المادية والفقر تشجعان الإنسان على ارتكاب الأعمال القبيحة كالتملق، ومدح الأفراد الذين يستحقون الإدانة، والبحث عن عيوب أولئك الذين يستحقون الثناء.

كما أنّ الأمّة الجائعة تكون أكثر عرضة للوقوع في فخ الاستعمار، ويمكن ربطها بسلاسل الأسر والعبودية بسهولة، وبالتالي هدر جميع طاقاتها وثرواتها وأمجادها، حيث إنّ الجوع أحياناً لا يترك للإنسان القدرة على الصراخ فضلا عن أي شيء آخر!

زبدة الكلام، أنّ البحث في أهميّة القضايا الاقتصادية بالنسبة لـ
«الماديين» أمر زائد، لأنّ هؤلاء يعتبرون الاقتصاد خلاصة الأشياء، وأمّا بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى الإنسان من خلال بُعديه المادي والروحي والمعنى فإنّ أهميّة المسألة الاقتصادية أمر واضح بسبب أنّ أحد البعدين اللذين يتكون الإنسان منهما وهو البعد المادي يرتبط بالمسألة الاقتصادية إرتباطاً وثيقاً، هذا الإرتباط الذي يلقي بضلاله على البعد الإنساني الثاني (البعد المعنوي) بسبب إرتباط الروح بالجسد.

و على هذا الأساس فإنّ الاغماض عن القضايا الاقتصادية يعني إهمال نصف وجود الإنسان، هذا النصف الذي لا ينفصل عن النصف الذي يكمله أبداً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وسوف نتابع معكم ان شاء الله في المشاركة ا
لتالية مع اختلاف العقائد في المسائل الاقتصادية :وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخواني القرّاء تحياتي :وردة:


اختلاف العقائد في المسائل الاقتصادية



«إنّ الهدف النهائي للحياة وأصالة الإنسان واستقلال المفاهيم الأخلاقية ومفهوم الحرية كلّها مسائل تضفي على الاقتصاد الإسلامي لوناً خاصّاً وتميزه عن المذاهب الأخرى».

بينما يعتبر الرهبان والزهاد و«قدماء المتصوفة» أنّ وجود المال والثروة، وبشكل عام الإرتباط بين المادية والدنيوية مانعاً أمام سعادة الإنسان، بحيث إنّهم في بعض الأحيان ومن أجل التحرر من هذه الأشياء يرمون بأموالهم في البحر(نقلا عن الغزالي في كتابه احياء العلوم، حيث روى ذلك عن بعض شيوخ الصوفية)، نجد «الاقتصاديين الماديين» يرون أنّ الوصول إلى أوج تكامل الإنسان يكمن في العمل على زيادة المنتوجات الصناعية والاقتصادية.

و لكن العقيدة الإسلامية في الاقتصاد لا تتفق مع كلا الاتجاهين.

و لتوضيح ذلك نقول أنّ جميع المذاهب الاقتصادية الجديدة كالاشتراكية والشيوعية والرأسمالية وسائر المذاهب غير المعروفة تتحدث حول ثلاث مسائل:

1- ما هو نوع البضاعة التي ينبغي إنتاجها، وما هو مقدار (كيفيتها وكميتها).

2- كيف يجب أن يكون إنتاج نوع البضاعة المنظورة وما هو مقدارها (كمية الإنتاج) وما هي الوسائل والأدوات والطاقات البشرية اللازمة لذلك.

3- كيفية إيصال هذه البضائع بمجموعها إلى أيدي الأفراد الذين انتجت لهم هذه البضائع (كيفية التوزيع).

و على هذا الأساس فإنّ النظام الاقتصادي النموذجي هو ذلك النظام الذي يستطيع إعطاء أفضل الأجوبة على هذه الأسئلة.

أمّا الهدف من مجموع مفردات هذا النظام (الإنتاج والتوزيع والاستهلاك) فلا يوجد حديث عنه في علم الاقتصاد والمذاهب والنظم الاقتصادية.

قد تقولون إنّ هذا الأمر لا يرتبط بعلم الاقتصاد وإنّما له علاقة بعلم الفلسفة!

و جواباً على ذلك نقول صحيح، ولكننا لا نجد جواباً على هذا السؤال في المذاهب المادية التي اقتصرت فلسفتها على الاقتصاد، ولا نرى من ردّ على هذا السؤال سوى إلاّ أن نقول إنّ الهدف النهائي هو بقاء البشرية حيّة وتعيش حياة مرفهة، أمّا ما هو الهدف من هذه الحياة؟ فلا جواب لديهم على ذلك.

غاية الأمر أنّ البعض كالوجوديين يقولون بصراحة أنّ الحياة فارغة ولا هدف لها، بينما يصمت البعض حيال هذا السؤال.

و من هنا يأتي المثلث المعروف بـ«مثلث الخواء والعبث» «إعمل» حتى «تأكل الخبز» وكُلِ الخبز حتى «تبقى حياً» وابقَ حياً حتى لا شيء. أي «العمل» و«أكل الخبز» و«البقاء حياً» وأخيراً لا شيء!...

إنّ هؤلاء يتصورون أنّهم قد حلّوا أهم مسألة في حياة البشرية وهي «النظام الاقتصادي المثالي»، والحال أنّهم تركوا ما هو أهم منها وهو الهدف النهائي للحياة في عالم من الابهام والظلمة التامة، مثلهم كمثل الشخص الذي يصنع باخرة حديثة وقوية ويجهزها بجميع الوسائل اللازمة بدقّة وحرص ويملأ مخازنها بالمواد اللازمة ويدعو الناس للركوب فيها، ثم يدعها في البحر، ويبقى هو وسائر الناس حيارى بين الأمواج.

يبدو هناك اختلاف ملموس بين العقيدة الاقتصادية الرأسمالية وبين الاشتراكية، وهذا الاختلاف هو أنّ التمييز العنصري في العقيدة الاقتصادية والرأسمالية أمر محتم حتى بين ركاب هذه الباخرة التائهة والتي تسير بلا هدف.

فهؤلاء يقولون بصراحة: حتى لو تمّ الاستفادة من جميع «الثروات الطبيعية والطاقات الإنسانية الفعّالة» على أفضل وجه، فإنّ المستوى المتوسط للمعيشة سيكون أقل أكثر ممّا نرغب به ونطلق عليه «أسلوب الحياة الأميركية»! ونعلن للناس في الدعايات المزيفة... بل إنّنا سوف لن نتمكن من التوصل إلى مرحلة السعادة المنشودة (طبعاً المقصود من السعادة نوع من الحياة المرفهة الأميركية) حتى لو استفدنا من الطاقة النووية.(كتاب الاقتصاد، ص 29 لبول صاموئيل) .

و الشيء الذي يفهم من هذا الكلام هو أنّه لا بدّ من قيام بعض ركاب هذه الباخرة بالتضحية من أجل الآخرين وذلك في سبيل الاستمرار في هذه الحياة.

و في المقابل نجد أنّ عقائد الاقتصادين الشيوعي والاشتراكي تنصان على المساواة وإزالة التفرقة بين الأفراد، رغم الاقتصار على الشعارات كما سيتضح لدينا.

و مع كل ذلك نجد أنّ كلا النظامين متساويان في اللأهدف والعبثية في الحياة وعدم تشخيص الأهداف.

أمّا في العقيدة المدرسة الاقتصادية الإسلامية فقد تمّ في البداية تشخيص هدف هذه السفينة ومسيرها، ثم برمجت الخطة المناسبة للحياة الاقتصادية لربابنة هذه السفينة وركابها، وكذلك لمحتوياتها وحمولتها.

إنّ الإنسان في المذاهب الاقتصادية المعاصرة كائن ذو بعد واحد، بينما يعتبر هذا الإنسان ذا عدّة أبعاد في العقيدة الاقتصادية الإسلامية ونستنتج من ذلك:

1- في المذاهب الاقتصادية المعاصرة، لا يمكن، بل لا ينبغي إيجاد الموانع أمّام «الانتاج الأكثر مع العمل الأقل» و«استغلال الانتاج»، وبناءً على ذلك لا يمكن الاعتراف بأي قيد أو شرط إلاّ القيود والشروط التي تعتبر عوامل مساعدة غير مباشرة لتحقيق هذا الهدف، أي زيادة في الانتاج مع قلّة في العمل.

2- ليس «للإنسان» أصالة في هذه المذاهب، وإنّما يعتبر جزءاً من وسائل الإنتاج.

3- (المفاهيم الإنسانية والأخلاقية) في المنطق الشيوعي تكون مقبولة إذا تمكنت من دعم النهضة الاقتصادية، وأمّا في المنطق الرأسمالي فإنّ هذه المفاهيم ليست إلاّ مجموعة من الأمور الشخصية والغير ملزمة التي لا يمكنها الحصول على دعم لها في القوانين العامة مطلقاً ولا يمكنها أن تكون قانوناً واجب التنفيذ، إلاّ إذا كان لها دور مؤثر في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.

4- أنّ (الحرية) في أحد هذين المذهبين ضحية لمفهوم تعميم الماء والرغيف، أو تغييب هذا المفهوم في ظلّهما، أمّا في المذهب الآخر فتكون على شكلين الأول «الحريات الاجتماعية» ويفهم منها الرقابة الحرّة في مجال القضايا الاقتصادية أو ما يساعد على ذلك، والثاني هي «الحريات الفردية» التي تعني الحرية المطلقة في التمتع باللذات المادية شريطة عدم الاصطدام بحريات الآخرين!

وأمّا في العقيدة الإسلامية، فبلحاظ الهدف السامي الذي تمّ بيانه للحياة فإنّ جميع الأسس الأربعة الآنفة الذكر تصبح ملغاة وتعطي مكانها للأسس التالية:

1- إنّ الإنسان في هذه العقيدة كائن أصيل ذو عدّة أبعاد بحيث لا تشكل المسائل والحاجات الاقتصادية رغم الأهمّية التي تحظى بها سوى واحدة من هذه الجوانب في وجوده، وليست جميعها، فالاقتصاد بعض رأس ماله لاكله وحاجة من حاجاته التى تعد وسيلة لهدفه السامي.

2- في هذه العقيدة تخضع «الاستفادة القصوى» لضوابط معيّنة بحيث لا تؤثر سلباً على سائر أبعاد الإنسان. فإنّ الإنسان كائن أصيل والاقتصاد إحدى نتاجاته، وفي خدمته.

3- القضايا الأخلاقية والإنسانية في هذه العقيدة ذات أصالة تامة فغالباً ما تقدم على المسائل الاقتصادية ضحية من أجل المسائل الأخلاقية والإنسانية.

4- أنّ الحرية مفهوم أسمى من الحريات الفردية والاجتماعية، بحيث يشمل جميع أبعاد الإنسان الوجودية، إنّها حرية مشروطة تحمل في طياتها جميع هذه الأبعاد.

هذه هي الاطروحة التي تميز الاقتصاد الإسلامي - والتي سنتطرق إلى تفاصيلها لاحقاً - عن سائر المذاهب والنزعات.




تحياتي للجميع ويتبع ان شاء الله ومع الاسلام يولي القضايا الاقتصادية أهمية خاصة :وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الله يعافيكم :وردة:BarbieQ8

نتابع معكم اخوتي :وردة:

الإسلام يولي القضايا الاقتصادية أهميّة خاصّة

إنّ مسألة «التوزيع العادل للثروة» ومكافحة «التراكم» و«التكاثر» و«الكنز» وتأمين «اقتصاد سليم ومستقل» في المجتمع الإسلامي يعتبر واحداً من الأركان المهمّة النظرية الاقتصادية الإسلامية.

لا أنسى أيّام عهد الطاغوت، حينما كانت الرقابة تتحكم بشدّة على الصحافة، ذات يوم المدير العام شكى للصحافة في ذلك الوقت ما كانت تنشره مجلة «مكتب الإسلام» (تلك المقالات التي لم تنل رضا بعض الناس، لأنّها على حد قولهم ليست حامية كثيراً من جانب، ولأنّها كانت متهمة من قبل حكومة الطغاة آنذاك بأنّها خطرة ومثيرة للمشاعر وتعمل خلافاً لمصالح البلاد العليا من جانب آخر)، فقال: من المعلوم أنّ امتياز مجلة (مكتب الإسلام) امتياز ديني وعلمي، وعلى هذا الأساس لا يحق لكتّابها التطرق إلى أبعد من ذلك ولا ينبغي لهم أن يتدخلوا في القضايا السياسية! ثم أضاف قائلا: عليكم بالكتابة حول الصلاة والصوم...!!

و عندما رأى سكوتي ونظراتي التي كانت تعني الكثير، وقبل أن أنطق شيئاً قال: أعلم أنّكم ستقولون: أنّ في الإسلام أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وجهاداً أيضاً، ولكن أيّها السيد... لا يمكن كتابة هذه الأشياء.

لقد رأيت أنّ هذا «المدير المأمور» يعلم أيضاً بأنّ الإسلام ليس منحصراً بمجموعة من المسائل العبادية (على أنّ نفس العبادات هي عامل محرّك لو تمّ اداؤها بالشكل الصحيح)، وإنّما هو مجموعة من المسائل الحياتية والمعيشية بجميع حاجاتها، وبالنظر إلى أنّ طريق هؤلاء ليس التسليم في مقابل الدين الحنيف، وإنّما أتباع عقيدة النفاق (نؤمن ببعض ونكفر ببعض) فهؤلاء يقبلون الإسلام ما دام ينسجم مع مصالحهم، وإلاّ ضربوه عرض الحائط، ولهذا فهم يسعون من أجل سلب الإسلام حيويته.

لقد قدم القرآن صورة رائعة ومعبّرة عن موقف الإسلام من مسائل الحياة: (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا اللهَ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحييكُم).(سورة الأنفال، الآية 24.)

و من البديهي أنّ التعاليم التي تتلخص بكلمة «الحياة»، وتبعث الحيوية في سائر الأفراد والفئات، لا يسعها إلاّ أن تقدم أدق الخطط لمسألة الاقتصاد الحياتية.

عندما يدور الحديث عن «المذهب الاقتصادي في الإسلام» يتساءل هؤلاء بذهول: وهل للدين مذهب اقتصادي أيضاً؟ من المسلم به أنّ هؤلاء قد اتخذوا من بعض الأديان كالمسيحية الحالية قدوة للدين، هذا الدين الذي مات عملياً نتيجة للتغييرات التي طرأت عليه، ولم يبقَ منه في الحال الحاضر سوى ما يتعلق بمراسم الزواج والولادة والموت ومراسم القداس المخدرة أيّام الأحد وغفران الذنوب صكوك الغفران، وفي بعض الحالات بعض التوصيات الأخلاقية الخالية من أي رمق.

و على أي حال، رغم هذه التصورات، فإنّ الإسلام لا يمتلك برامج للاقتصاد فحسب، وإنّما يعير هذا الأمر المهم أولوية خاصة، جديرة بهذا الموضوع الحيوي.

لقد عالج الإسلام القضايا الاقتصادية من زاويتين مختلفتين:

1- الدولة

فنحن نعلم أنّ أول خطوة قام بها الرسول(صلى الله عليه وآله) في المدينة هي تشكيل الحكومة الإسلامية، ذلك إنّ أي خطّة اجتماعية وإصلاحية لا يكتب لها النجاح عملياً دون الاعتماد على حكومة صالحة.

و ستبقى هذه الخطّة على شكل مجموعة من التصورات الذهنية، وعندما نرى عدم وجود إقدام على تشكيل حكومة في «مكة» فالسبب يعود إلى أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في المرحلة المكية كان مشغولا ببناء و إعداد العناصر الواعية والثورية لتتمكن من إدارة الحكومة الصالحة.

كما أنّ تأسيس «بيت المال» دون شك جزء لا يتجزأ من الحكومة.

و من خلال مطالعة مصارف «الزكاة» الثمانية يتبيّن أنّ الحكومة الإسلامية تعتمد على بيت المال في تجهيز الجيش، وكذلك في مكافحة الفقر الاقتصادي وتنفيذ المشاريع العمرانية وأمثال ذلك.

(إنّما الصَّدقَاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَسَاكِينَ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهم وفِي الرَّقابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبيل اللهِ وَابنِ السَّبِيلِ).(سورة التوبة، الآية 60)

ومن بديع الآيات القرآنية أنّنا نجد اقتران قضية «الجهاد بالنفس» بـ «الجهاد بالأموال»، أي أنّ هاتين النقطتين توأمان ينبغي الاهتمام بهما في نسيج الحكومة الإسلامية الثورية.

و من الجدير بالذكر أموال بيت المال لا تجبى من الناس بالرجاء والالتماس وإنّما بعنوان حق مسلّم ينبغي أخذه، فالآية تشير إلى وجوب الزكاة (خُذْ مِنْ أموَالِهم صَدَقَةً تُطَهِّرهُم وَتُزَكِّيهِم بِها)(سورة التوبة، الآية 103)، التي تبدأ بكلمة «خذ» أفضل شاهد على هذا المدّعى حيث تعتبر دفع الزكاة أمر يوجب الطهارة ويؤدّي إلى نمو المجتمع.

كما تصرّح آية الخمس (...فإنّ للهِ خمسَه وَلِلرَّسُولِ...) باشتراك بيت المال وأرباب الخمس بصفتهم مالكين مشاعين في الأموال العامة للناس، وهذا شاهد آخر على هذا الموضوع.

و بناءً على ذلك فإنّ للدولة الإسلامية سهماً وشركة في الأموال الخاصّة لجميع الناس طبقاً لضوابط معيّنة بالإضافة إلى الأموال الخاصّة التي تحت تصرفها، وسنشير إلى هذا الأمر في الابحاث القادمة وبهذا الشكل تحفظ الدولة إرتباطها الوثيق بالمسائل الاقتصادية للأمّة.

و إن ذكر اقتران «الصلاة» بـ «الزكاة» في آيات عديدة من القرآن الكريم يدلّ على أنّ التوجه نحو الخالق «الصلاة» والتوجه نحو الخلق «الزكاة» أمران متلازمان في شكل الدولة الإسلامية كتلازم خيوط النسيج.

و ما يجدر ذكره هنا أنّ الامساك عن دفع الزكاة للحكومة الإسلامية بمثابة التمرد على الحكومة والخروج من صفوف المسلمين، حتى ورد جواز شهر السلاح بوجوههم، وهذا الأمر يبيّن بوضوح أكثر موضوع العلاقة الوثيقة بين الحكومة الإسلامية والمسائل الاقتصادية.

2- الجانب الاجتماعي

بغض النظر عن مسألة تشكيل الحكومة الإسلامية، يمكن معرفة الأولوية التي تحظى بها المسائل الاقتصادية في نظر الإسلام بالنسبة لتشكيل «المجتمع الإسلامي» من خلال الأمور التالية:

أ: لقد صرّحت المتون والمصادر الإسلامية على أنّ الأموال والثروات ودائع إلهية لدى الإنسان وأنّها أمر من الأمور الخيرية وأحد الأركان الأساسية في المجتمع.

يقول الباري عزّ وجلّ في القرآن الكريم:

(وَ اَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُسَتَخلِفِينَ فِيهِ).(الحديد، الآية 7)

و قال: (فَكَاتِبُوهُم إنْ عَلِمْتُم فِيهِم خَيراً وَآتوهُم مِنْ مَالَ اللهِ الّذي آتاكُم).(النور، الآية 33)

و قال: (كُتِبَ عَلَيكُم إذا حَضَرَ أحَدُكُم المَوتَ إن تَرَكَ خَيراً الوَصيّة...).(البقرة، الآية 180)


و قد جاءت كلمة (خيراً) في الآية الأخيرة بدون أي قيد أو شرط لتبيّن حقيقة هي أنّ الأموال التي تستحصل بالطريق المشروع (و ليس عن طريق إستغلال الآخرين والسلب والنهب والاعتداء على حقوق الآخرين) هي خير مطلق، أي أنّها خير للدين، وخير للدنيا، وخير للنهوض بالخطط الثقافية، وخير لإقامة العدالة الاجتماعية، وخير للدفاع عن استقلال وحرية المجتمع، وخير لكل سبيل.

ب: لقد اعتبر الإسلام الفقر الاقتصادي من دوافع ارتكاب الذنوب، والغنى المادي عاملا مساعداً لتحقق التقوى والحالة المعنوية العالية.

فقد روي عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قوله: «نعم العون على تقوى الله الغنى».(وسائل الشيعة، ج 12، ص 16.)

و في حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام): «غنى يحجزك عن الظلم خير من فقر يحملك على الإثم».(المصدر السابق، ص17 )

ج: لقد جاء في بعض المتون الإسلامية أنّ الفقر اعتبر مصدراً للكفر والجحود، والحديث المشهور عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) «كاد الفقر أن يكون كفراً» خير دليل على ذلك.

د: إنّ جزءاً مهماً من الفقه الإسلامي الذي يستقي نصوصه من الآيات والروايات قد إختص بالأنظمة الاقتصادية وقوانينها ومقرراتها.

فقد ألفت العديد من الكتب الفقهية التي تناولت المسائل الاقتصادية مثل: كتاب الغصب، وكتاب الديون، وكتاب المزارعة، وكتاب المساقاة، وكتاب المتاجر، وكتاب إحياء الموات، وكتاب الشفعة، وكتاب الوقف، وكتاب الوديعة، وكتاب الرهن، وكتاب المصالحة، وكتاب اللقطة (الممتلكات الضائعة)، وكتاب الزكاة والخمس والأنفال وأمثال ذلك، وقد تمّ في هذه الكتب بحث المسائل الحقوقية والمالية بجميع جزئياتها وعلى أساس إشاعة العدالة الاجتماعية فيها، الأمر الذي يدل على الأهميّة الفائقة التي يوليها الإسلام للمسائل الاقتصادية.

هـ : لقد اهتمت التعاليم الإسلامية إهتماماً بالغاً بالمسائل المتعلقة بالسيطرة على الثروة ومكافحة تراكمها وتكاثرها وكنزها، والحيلولة دون إنقسام المجتمع إلى قطبين «غني» و«فقير» وسنقوم بعونه تعالى بتوضيح تفاصيل ذلك في البحوث المقبلة، وسيتبيّن لكم بلحاظ ذلك إنّ المجتمع الذي نعيشه حالياً ونطلق عليه اسم المجتمع الإسلامي ونشهد فيه انواع الاستغلال والظلم والاعتداء على حقوق الآخرين، أبعد ما يكون عن المجتمع الإسلامي الحقيقي.



يتبع إن شاء الله ومع محور العمل والجهاد في صف واحد :وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخوة القرّاء أستأنف معكم الكتاب من جديد :وردة:



العمل والجهاد في صف واحد

من كانت بطالته وقلّة عمله، أو عدم إتقانه للعمل سبباً في تبعية المجتمع الذي يعيش فيه إلى الآخرين من الناحية الاقتصادية، فانّه ملعون بنظر الإسلام ومطرود من رحمة الله تعالى.

إنّ الثورة السياسية لا تصل إلى تكاملها ما لم تستند على قاعدة اقتصادية غنية ومكتفية ذاتياً إضافة إلى نهضة ثقافية عميقة.

كان الحديث يدور حول الأولوية التي تحظى بها المسائل الاقتصادية في الإسلام، ومن أجل إكمال هذا البحث نتطرق إلى دراسة نظرية الإسلام في أهميّة العمل.

يمكن خلاصة جميع برامج الإسلام بالجهاد:

الجهاد ضد الطاغوت.

الجهاد ضد الجهل.


الجهاد ضد الفقر.


الجهاد ضد النزوات والأهواء الجامحة!

على العكس تماماً ممّا يقوله بعض قصار النظر أو المغرضين، فالجهاد إضافة إلى عدم كونه نقطة ضعف بالنسبة للتعاليم الإسلامية، فانّه بلا شك كان وما يزال أعمق هذه التعاليم وأكثرها حيوية. فهو قانون ينسجم مع نظام الحياة والخلقة، وروح الحرية والعدالة الإنسانية، وهو قانون تفقد الحياة معناها بدونه، وتتحول إلى حالة من حالات الموت.

أمّا النقطة الجديرة بالذكر هنا هي أنّ أي عمل مثمر كيفما كان بمثابة شعبة من الجهاد في سبيل الله، وقد عرف العامل في الإسلام بأنّه مجاهد في سبيل الله، بل انّه وصف أكثر من ذلك أحياناً.

فقد روي عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنّه قال:

«الذي يطلب من فضل الله ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله».(وسائل الشيعة، ج 12، ص 43)

إنّ إدراك السبب الذي يدعو إلى جعل هذه المنزلة الرفيعة للعامل ليس أمراً صعباً لما يلي:

-1 إنّ المجاهدين يقومون بدور الحفاظ على المجتمع أحياناً، بينما نجد أنّ العمال الصالحين يعملون دوماً من أجل تحسين أوضاع المجتمع الحالية وتطويرها في المسقبل.

2- إنّ أي نظام سياسي لا يكتب له الدوام والاستمرار ما لم يكن متكئاً على اقتصاد قوي ومزدهر، أي لاطائل من جهود الجنود دون عرق العمال.

و لأجل توضيح الاحترام والتعظيم الذي أولاه الإسلام للعامل، فلنا في قصة سعد الأنصاري العامل المكافح المسلم كفاية، حيث تذكر الروايات أنّ أسعداً كان في استقبال النبي(صلى الله عليه وآله) عندما كان عائداً من غزوة تبوك وصافح سعد النبي بيده الخشنة المليئة بالخدوش فسأله النبي عن السبب في ذلك فقال: إنّي أعمل واستعمل المسحاة والحبل لأعيل عيالي، فقام النبي(صلى الله عليه وآله)بعمل مدهش لم يصدر من أي من العظماء في هذا العالم: وكان نصّ الحديث كالتالي: فقبّل يده رسول الله وقال: هذه يدٌّ لا تمسّها النار!(أسد الغابة، ج 2، ص 469.)

نعم، لقد كان هذا العمل من العظمة والأهميّة بحيث لا يمكن بيان ذلك إلاّ به، ومن أجل التعرف أكثر على أهميّة العمل في الدين الحنيف، نرى من اللازم التوجه إلى أنّ العمل البنّاء والايجابي لا يعتبر من أهم العبادات في الإسلام فحسب وإنّما الآثار الجانبية التي تنشأ عن ذلك عبادة أيضاً، كما جاء في مضمون أحد الأحاديث الشريفة «إنّ العامل الذي يأتي إلى البيت وهو تعبان ويخلد إلى النوم وهو بأشد حالات الاجهاد بمثابة الشخص الذي يقيم الليل في العبادة».

كما ورد في الإسلام التأكيد بالتبكير في إنجاز الأعمال.

و قد أوصى الإمام الصادق(عليه السلام) أتباعه بما يلي:

«إذا أراد أحدكم حاجة فليبكر إليها وليسرع المشي إليها».(وسائل الشيعة، ج 12، ص 5)


يتبع إن شاء الله مع نماذج حية على أهمية العامل والعمل بالإضافة إلى أسئلة وجوابها :وردة:
. .
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

:وردة::وردة:

نماذج حيّة

لقد قام العديد من أئمّة الإسلام العظام بالعمل شخصياً وبأيديهم من أجل التأكيد على أهميّة العمل وتعميمه وتعظيم مكانة العامل، وهي الأعمال التي قد لايراها اليوم أغلب الأفراد تليق بشأنهم فيستخفون بها ويستضعرونها.

جاء أحد أصحاب الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) فرآه مشغولا بالعمل في زراعة أرضه، والعرق يتصبب من رجليه، فتعجب وقال: دع عنك هذا العمل! فقال الإمام(عليه السلام): «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأميرالمؤمنين وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين».(1. وسائل الشيعة، ج 12، ص 23.)

و أعجب من ذلك ما ورد في سيرة أئمّة المسلمين، حيث:

«كان أميرالمؤمنين يحتطب ويستقي ويكنس وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز».(المصدر السابق، ص 24.)


سؤال وجواب:

استناداً لما ذكرنا من أهميّة العمل فقد يتبادر إلى أذهان الكثيرين هذا السؤال:

لماذا لا يبدر زعماء الدين في يومنا هذا إلى الأعمال الإنتاجية كالزراعة وأمثال ذلك حتى يكونوا قدوة للآخرين؟

و جواباً على هذا السؤال نقول :

إنّ هناك نقطة ينبغي الانتباه إليها هي أنّ الاحترام الذي يبديه الإسلام للعمل اليدوي لا يفهم منه عدم الاهتمام بالأعمال الفكرية البنّاءة كالتعليم والتربية وقيادة الأمّة وتوجيهها، وعدم إعطاء هذه المهام قيمتها المناسبة، ليستغل الجهّال ذلك لاتهام العلماء وأساتذة الجامعة والكتّاب الكبار وكبار مفكري الأمّة بعدم قيامهم بأي إنجاز بنّاء، بل بالعكس، فإنّ الهدف الأساسي من الاحترام للاحترام الفائق للعامل هو الحيلولة دون إغفال دور العامل في تطور المجتمع الحي والتقليل من مكانته، وإلاّ فإنّ لزعماء المجتمع ومربي الأمّة دوراً كبيراً جدّاً في تقدم المجتمع مادياً أيضاً بغض النظر عن القيم الإنسانية، لأنّ هؤلاء ينهضون برسالتهم في إرساء قواعد المجتمع الصالح من خلال دعوة أيتائه للوحدة والتضامن والتعاون بوضعهم الحجر الأساس لمجتمع صالح، ودعوتهم للتضامن والعمل الصالح والتعاون وغير ذلك يساهمون في تقوية وتحكيم خطى المجتمع في سيره نحو الأهداف السامية، ولا يمكن نكران التأثير غير المباشر لهؤلاء (كالتأثير غير المباشر لعمل طبيب حاذق وحريص) في زيادة عائد العمال الاقتصادي.

فمن الواضح تماماً أنّ العامل الذي يمرض لا يكون فاقداً للعائد الاقتصادي فقط وإنّما يتحول إلى إنسان مستهلك، ولكنّه يستعيد سلامته على أثر الجهد الذي يبذله الطبيب، ويتمكن مرّة أخرى من العمل والإنتاج، فهل نقول لهذا الطبيب أو الطالب الذي يدرس الطب إنّك لا تنجز عملا بنّاء وينبغي أن تأتي وتعمل في الأراضي الزراعية، وكذلك العالم الذي يدعو الناس إلى الوحدة والعمل الصالح والتعاون والجد في الإنتاج ومكافحة الكسل والبطالة، فإنّه بذلك يضاعف إنتاج المجتمع مرّات عديدة.


الكسالى والطفيليون منبوذون في هذا النظام:

التعاليم الإسلامية واضحة وصريحة في استنكار التهرب من تحمل المسؤوليات والواجبات التي وضعها النظام الاقتصادي للمجتمع على عاتق كل فرد من أفراده، وذلك من أجل منع هؤلاء المتهربين وأمثالهم من التطفل على الآخرين دون المساهمة في بذل هذه الجهود، وكذلك منعهم من تقبّل الحياة الإتكالية والتابعة للآخرين.

نهت التعاليم الإسلامية عن «النوم الكثير» و«قلّة العمل» و«البطالة» بحيث أن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) قال:

«إنّ الله تعالى ليبغض العبد النوام. إنّ الله ليبغض العبد الفارغ[COLOR="blue"]».(وسائل الشيعة، ج 12، ص 37، باب 17 في مقدّمات التجارة، ح 4.)


كما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) حديث بمثابة شعار إسلامي، يبيّن بوضوح نظرة الدين الحنيف للأفراد والمجتمعات الكسولة والتي تعتمد على الغير، فقد

قال(صلى الله عليه وآله): «ملعون من ألقى كلَّه على الناس».(1. وسائل الشيعة، ج 12، ص 187)

و في رواية أخرى يحذّر الإمام الصادق(عليه السلام) أحد أصحابه قائلا: «لا تكسل عن معيشتك فتكون كلا على غيرك».(المصدر السابق، ص 37.)


أهميّة الأعمال الانتاجية:

لا شك أنّ الأعمال الانتاجية هي أساس العمل البنّاء، وتتوقف قيمة الأعمال الأخرى من الناحية الاقتصادية على مدى دورها في الانتاج.

و تحظى الأعمال الإنتاجية بأهميّة الأهميّة بحيث أنّ القادة الربانيين الذين يستحقون الاستفادة من بيت المال بحكم توليهم للمهام الاجتماعية الكبرى، كانوا يعملون ما في وسعهم من أجل الاستغناء عن بيت المال، وذلك عن طريق المساهمة في الأعمال الانتاجية بنحو من الأنحاء، لكي لايمدوا أيديهم إلى بيت المال.


فقد جاء في إحدى الروايات الإسلامية نقلا عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام)أنّه قال: «أوحى الله إلى داود أنّك نعم العبد لولا أنّك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك»(الكافى، ج 5، ص 74، ح 5.) مع أنّه كان زعيماً لدولة عادلة وواسعة وله الحق في تأمين معيشته من بيت المال.

فبكى(عليه السلام) أربعين ليلة فألان الله له الحديد فأخذ يعمل الدروع ويأكل من كدّ يده.

يقول الإمام الصادق(عليه السلام):

«إنّي لأعمل في بعض ضياعي حتى أعرق وإنّ لي من يكفيني ليعلم الله عزّوجل إني أطلب الرزق الحلال».(وسائل الشيعة، ج 12، ص 23.)

كما شوهد الإمام الصادق(عليه السلام) وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصبب من ظهره، فتعجب من رآه وسأله عن ذلك فقال(عليه السلام):

«إنّي أحبّ أن يتأذّى الرجل بحرِّ الشمس في طلب المعيشة».(المصدر السابق، ص 23.)

و على الرغم من عدم توسع الصناعة في ذلك الوقت كما هو الحال في أيامنا هذه إلاّ أنّ الأهميّة التي أولاها الإسلام للصناعة كانت كبيرة بحيث يمكن معرفة مداها من خلال العهد الذي عهده الإمام علي(عليه السلام)لمالك الأشتر.

ففي هذا العهد يوصي أميرالمؤمنين(عليه السلام) مالكاً بالاهتمام البالغ «بذوي الصناعات» وأنّهم «مواد المنافع وأسباب المرافق».

بل إنّه يأمره بتفقد أمور عمّال - الصناعة شخصياً سواءً أولئك الذين في المدينة أو مَنْ هم في البلاد النائية (و تفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك).

و أمّا بالنسبة لأهميّة الزراعة والاكتفاء ذاتياً بهذا الخصوص فيمكن الاكتفاء بما تحدث به أئمّة الإسلام، ووصفهم للزارعين بأنّهم «كنوز الله في أرضه»(الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام).). حيث تعتبر الزراعة من أحبّ الأعمال عند الله.

«ما في الأعمال شيء أحبّ إلى الله من الزراعة».(عن الصادق(عليه السلام)، وسائل الشيعة، ج 12، ص 25.)

ما ذكر لحدّ الآن غيض من فيض تعاليم أئمّة الإسلام ووصاياهم فيما يتعلق بالعمل وخاصّة الأعمال الانتاجية.

و قد يصاب أولئك الذين لم يعرفوا عن الإسلام إلاّ ما سمعوا به من الشارع والسوق أو من الأفراد غير الواعين، بالدهشة عندما يطلعون على مثل هذه البحوث.

و نحن بدورنا نوصي الباحثين في المسائل الإسلامية مرّة أخرى فنقول: إقتربوا أكثر فأكثر ولا تشربوا الصدى وعلى يديكم المنبع.
[/COLOR]
يتبع إن شاء الله ومع المفاهيم البناءة ممسوخة :وردة::وردة
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحياتي للميع :وردة:



المفاهيم البنّاءة ممسوخة

لم يقبل الإسلام أي عذر وذريعة في مسألة التهرب من السعي والجد والعمل، فلا بدّ للجميع من العمل حتى تصل الثورة إلى مقاصدها وعلى الجميع المساهمة في هذه النهضة الكبرى كلٌّ حسب مسعاه.

قلنا إنّ العمل هو جهاد اجتماعي وديني كبير، وهذا البحث تناولناه سابقاً وعلمنا تأكيد الإسلام هذه المسألة الحياتية والأساسية.

و قد يطرح هنا سؤال مهم هو:

أليس هناك تناقض بين هذه التعاليم الإسلامية الحيوية وبين ما جاء في الآيات والروايات التي تأمر بالتحلي بـ «الزهد» و«التوكل» و«الابتعاد عن الركض وراء الآمال العريضة» و«عدم العناية بالأمور الدنيوية»؟ فقد حدّث البعض نفسه.

بل إنّ بعض الأفراد يقولون إنّنا عندما نقرأ هذه الآيات والروايات يضعف فينا الدافع نحو العمل والسعي والنشاط فنحذر أن تكون من طلاب الدنيا فنحشر في زمرتهم.

و الحقيقة أنّ غياب الثقافة الإسلامية المتكاملة التي تمتلكها الأمّة والتي تسلّط الضوء على كافة المفاهيم هي التي تؤدّي إلى ظهور مثل هذه التناقضات.

و كما أشرنا في البحوث المرتبطة بدوافع ظهور الدين، فإنّ هذه المفاهيم (الزهد، والتوكل، وطول الأمل، وأمثال ذلك...) قد تعرضت للمسخ والتحريف واختلطت مفرداتها بالمزاجات الشخصية لقصيري النظر بحيث أدّى ذلك إلى تشويه هذه المفاهيم البنّاءة في أذهان الناس تماماً، وأخذ بعض المتظاهرين بالاسلام بجعل هذه المفاهيم غطاء يخفي وراءه نقائصه وكسله وقصر نظره.

و لا نرى من صعوبة في إدراك مراد الشارع من هذه المسائل لم أراد الواقع.

فمثلا عندما نواجه الرواية التالية: عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله تعالى: «(وَ عَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوكلونَ) قال: الزارعون».(وسائل الشيعة، ج 12، ص 25.)

ندرك فوراً أنّ التوكل لا يعني الانزواء وعدم النشاط وترك العمل والسعي فالمزارعين هم أكثر طبقات المجتمع نشاطاً وكفاحاً.

و عندما نقرأ قصة غزوة «حمراء الأسد» التي حصلت بعد معركة أحد التي مُني الجيش الإسلامي فيها بخسارة فادحة، نجد أنّ جيش المسلمين جمع قواه مرّة أخرى لمواجهة الضربة الثانية التي ينوي العدو توجيهها للمسلمين وقد اشترك في هذه الغزوة حتى جرحى معركة أُحد، ومن أجل أن يظهروا للآخرين استعدادهم للاستماتة والتضحية حتى آخر قطرة دم، جعلوا مجموعة من جرحى غزوة اُحد في الصفوف الأمامية.

و قد أثنى القرآن الكريم على هذا الجيش بالتعبير التالي:

(الَّذِينَ قَالَ لَهُم النّاسَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوهُم فَزَادَهُم إِيمانا وَقَالُوا حَسبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ).(سورة آل عمران، الآية 173)

و بالالتفات إلى هذه التعبيرات يمكن إدراك روح «التوكل» والذي يعني الاطمئنان بلطف الله وفي نفس الوقت السعي المستمر والدائم.

أو عندما نجد أمير المؤمنين(عليه السلام) ينصح الناس بالزهد وهو على رأس الدولة الإسلامية ويعيش في قلب المجتمع وبين أمواج الحياة الهائجة، نفهم أنّ الزهد لا يقصد منه الابتعاد عن المجتمع والعمل والنشاط وإنّما عدم الوقوع في أسر المال والمنصب، ولا يعني الانزواء والانعزال وإنّما يعني الاستقلال الروحي وعدم التبعية للماديات واطلاق العنان لها.

كما نفهم من الروايات الإسلامية التي اعتبرت «الحرص وطول الأمل» من عوامل الغفلة عن محكمة العدالة الإلهية في العالم الآخر أنّ المقصود هو إدانة أعمال طلاب الدنيا الذين يجمعون الثروة غافلين عن المفاهيم الإنسانية ولا يعيرونها أيّما إهتمام، ولا يعترفون بأي قيد أو شرط.

و الدليل على ذلك الأحاديث التي وردت في المصادر الإسلامية المختلفة بشأن «الاجمال في طلب الرزق، التي تحث المسلمين بعدم الحرص في كسب المال وعدم الركض وراءه».

ولكن ما هو الهدف النهائي الذي تؤكد عليه هذه الروايات عندما نتمعنها؟ لقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) في أحد هذه الأحاديث أنّه قال في إحدى خطبه في حجة الوداع «آخر حجّة له(صلى الله عليه وآله)»:

«اتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه من غير حلّه»


فالهدف النهائي لهذه الأحاديث هو الإشارة إلى أولئك الحريصين الذين يرتكبون أعمال الاعتداء والغصب لحقوق الآخرين من أجل رفاه أحوالهم، ويطلقون على أعمالهم الشنيعة هذه تسميات مختلفة مثل «ضمان المستقبل» لتكون ذريعة لجمع الثروة واكتناز الأموال، أو يعتبرون مسألة الثراء السريع جوازاً لهم في السير في الطرق الغير مشروعة.

فالإسلام يدعو جميع هؤلاء إلى ضبط النفس والسيطرة على أهوائهم الجامحة ورعاية أسس العدالة والتقوى، وتوظيف التعاليم السابقة ككبح للسيطرة على الانانية وحبّ الذات التي تفشت للأسف في المجتمعات وقبّحت وجه الإنسانية.

وناهيك عما تقدم فللعمل بُعدان; أحدهما فردي ذات صلة بدخل الفرد، والآخر اجتماعي مرتبط بتطور المجتمع وإزدهاره فالصفات المذمومة المذكورة آنفا ترتبط بالجانب الفردي للعمل، أي جعل السعي والنشاط وسيلة للاستثمار والاستغلال للآخرين، واستخدام ذلك حربة للممارسات الأنانية أو التفكير بالنفس فقط على الأقل.

أمّا العمل الذي يصب في خدمة المجتمع وسيرته التكاملية فليس مخالفاً للزهد والتوكل ولا يعتبر دليلا على الحرص وطول الأمل ولا حبّ الدنيا، بل هو عين الزهد والتوجه للآخرة، وعين العبادة والتقرب إلى الله سبحانه.

فإذا قال لك شخص أنا لا أعمل لئلا أكون دنيوياً! فقل له فوراً: إذهب واعمل لرفاه المجتمع ولا تطالب بالاجور لكي يتبيّن من خلال ذلك أنّها ذرائع للتهرب من العمل والسعي، وليست زهداً وتركاً للدنيا، خاصّة وأنّنا اليوم نمرّ بلحظات حساسة من تاريخنا بحيث إذا تركنا هذا الجهاد الإسلامي الأكبر، أي العمل في جميع المجالات ولم نحيي هذه الروح فإنّ ثمار ثورتنا تتعرض لخطر حقيقي.

فعلى جميع المسلمين في العالم أن يشمّروا عن ساعد الجد، وأن تعمل جميع فئات الأمّة وتكافح من أجل استمرار حركة الثورة، وإلاّ ستتعرّض أسس استقلالنا إلى ضربة يصعب تداركها.



يتبع إن شاء الله ومع المذاهب الإقتصادية الثلاث
:إستحسان::وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عدنا :وردة:

المذاهب الاقتصادية الثلاث

ثلاثة مذاهب اقتصادية معروفة في العالم


لقد جرّت الرأسمالية باعتمادها أسس الحرية الكاذبة في جميع المجالات لتقود العالم نحو الفناء، وجعلت شعوب العالم تئن تحت أسر هذا النظام.

رغم أنّ المذاهب والنزعات الاقتصادية كثيرة متشعبة في الماضي والحاضر، إلاّ أنّنا نرى أنفسنا في غنى عن الخوض في تفاصيلها جميعا فهي ذات صلة بعلم الاقتصاد.

و لهذا سنقتصر البحث والتحقيق بثلاثة مذاهب معروفة من بين جميع هذه المذاهب لكونها تمتاز بكثرة أنصارها وحماتها في عالمنا الحاضر، فأينما نذهب هذا اليوم نواجه غالباً أتباعاً لواحد من هذه المذاهب الثلاثة.

و من الجدير بالذكر أنّ البحث حول المذهب الاقتصادي في الإسلام يفقد خصوصيات البحث التطبيقي والمقارن، وسيفقد بطبيعة الحال الوضوح الكامل مالم يحصل هذا التحقيق والدراسة.

و هذه المذاهب الثلاثة هي:

الرأسمالية.

الاشتراكية (تأميم وسائل الانتاج)

الشيوعية (الاشتراكية الكاملة).


فهناك وجود عيني وخارجى للمذهبين الأوليين - الرأسمالي والاشتراكي - في حين يقتصر المذهب الشيوعي على الوجود الذهني، حيث يزعم أنصاره أنّه مازال في طور التكون والظهور ولكن يبدو من خلال القرائن الموجودة انعدام الأمل في تحقيقه!

و على أي حال فإنّ التسلسل التأريخي للمذاهب الثلاثة يوجب البدء بالرأسمالية ومن ثم الانتقال
إلى الاشتراكية وبعد ذلك نتناول الشيوعية.


بحث إجمالي حول الرأسمالية

لا بدّ وأنّكم تعلمون أنّ المقصود من الرأسمالية ليس هو جميع أنواع الملكية الشخصية، والرأسمالية الخاصّة بمفهومها اللغوي، وإنّما هي الملكية الشخصية في شكلها الصناعي والممتزج بالتكنولوجيا الحديثة ونظام المعامل والعمّال وأرباب العمل.

و بتعبير آخر فإنّ المجتمع سينقسم طبعاً إلى طبقتين أثر تطور الصناعة والإنتاج هما «أصحاب المعامل» و«العمّال» ويطلق على الطبقة الأولى اسم الرأسمالية (البرجوازية)، والثانية العمّال (البروليتاريا).

أمّا أولئك الذين لديهم معامل صغيرة والمنتشرين في زوايا هذه المجتمعات فيطلق عليهم اسم «البرجوازية الصغيرة».

و من خلال التحقيق في جذور هذا المذهب يتبيّن أنّه يستند على أربعة أسس رئيسية:

- 1-الملكية الشخصية بشكلها اللامحدود وبدون أي قيد أو شرط.

2- الاعتراف برأس المال بصفته العامل الأول للقيمة.

3- حرية الاستثمار بأي شكل وبأية كيفية لرأس المال.

4- حرية الاستهلاك في أي طريق وبأي مقدار وبدون أي قيد أو شرط.



و لا شك أنّ هناك قوانين في الدول الرأسمالية هدفها تحديد كل من الأسس الأربعة الآنفة الذكر (كإشراف الدولة المحدود على كيفية الإنتاج وكميته، وإشراك العامل قسراً في عائدات المعامل في بعض الدول، أو منع الاستثمارات في قسم من الحقول الاقتصادية الاُسس لا تتعدى).

ولكن لا ينبغي نسيان نقطة مهمّة هي أنّ أياً من هذه الاُسس لا يتعدى حدود الاستثناء في مقابل الأصل والقانون العام، وما دامت الضرورة لا تستوجب هذا الاجراء فإنّ الأساس والقاعدة هي تلك المبادىء الأربعة التي ذكرناها سابقاً.


الجذور الرئيسية الرأسمالية:

إنّ نظرة إجمالية للاُسس الأربع المذكورة يتبيّن أنّ جميعها يعود إلى أساس واحد هو «الفردية» و«الحريات الفردية» أي الليبرالية بنظرة أشمل.

فأولئك يستندون في الحقيقة على مرتكزات «الحرية» و«القوى الطبيعية للإنسان» لإثبات هذه الأسس ويقولون:

إنّ الإنسان خلق حرّاً ويجب أن يبقى حرّاً.

حرّاً في الإنتاج.

حرّاً في الاستثمار.

حرّاً في الاستهلاك.


و لهذا يعتبر شعار الحرية والعالم الحرّ (طبعاً بالمفهوم الذي يفسرونه من كلمة الحرية وليست الحرية بمفهومها الواقعي)، أهم الشعارات في حياتهم، وكما سنرى فإنّ جميع حالات التناقض والاحباط التي واجهوها ناشئة من الحرية الكاذبة التي دعوا إليها (الحرية بهذا المفهوم الخاص).

و ما اعترافهم بالملكية الفردية المطلقة إلاّ بسبب اعتمادهم هذا النوع من الحرية.

بالاستثمار والإنتاج بأي شكل من أشكالها وهذا نوع من الحرية لديهم أيضاً وإنّ حرية الاستهلاك لديهم وصلت حدّاً يوصي فيه للحيوانات التي تربى على أيديهم (كالكلاب والقطط) بحيث إنّ تخصيص الملايين للحيوانات في هذه البلدان يعدّ أمراً قانونياً، فهذا الأمر تجسيد للأساس العام الذي يطلقون عليه اسم الحرية!

و يعتقد أنصار الاقتصاد الرأسمالي أنّ «الاقتصاد الحرّ» أو ما يعبرون عنه بـ «الرأسمالية في ظل التنافس الحر» قادر بشكل تلقائي على حلّ المشكلات الاقتصادية بشكل مدهش، فهم يقولون: «في الاقتصاد الحر لا يتعامل أي فرد بمفرده أو مؤسسة بمفردها مع المبادىء الأساسية الثلاثة في الاقتصاد، أي «ما هو الشيء؟» و«كيف؟» و«لأي شخص؟» وأنّه لأمر طريف حقاً..

بل هناك نظام خاص وتلقائي في هذا المذهب، بحيث يحلّ أعقد المسائل المتصورة التي تتضمن آلاف التغييرات وآلاف الإرتباطات دون أن يحسّ بذلك».(خلاصة لكتاب الاقتصاد، تأليف ساموئيل سن، الصفحات 61 و62.)




آثار آدم سميث اللامرئية (لابدّ من الدقة)


يقول «آدم سميث» أب الاقتصاد الجديد: «يسعى كل فرد في هذا النظام الاقتصادي إلى إستثمار رأس ماله بحيث يحصل على أرفع قيمة على مثوى الإنتاج.

و بشكل عام لا يقصد هذا الإنسان من هذا الكلام تقديم النفع للمصلحة العامة ولا يدري كذلك كم يعود عمله هذا بالنفع على هذه المصلحة العامة، وإنّما يقصد من ذلك حفظ نفسه وضمان مصالحه فقط، وفي هذا الأمر يأتي دور «اليد اللامرئية» لتكون موجهاً له، كي يتتبع هدفاً معيناً لم يكن في ذهنه قبل ذلك (لابدّ من الدقّة هنا ثانية).

إنّ هذا الفرد حينما يتابع العمل على ضمان مصالحه فهو في كثير من الأوقات يقوم بتأمين مصالح المجتمع أيضاً، وقد يكون ذلك أكثر تأثيراً من الوقت الذي يقضيه صرفاً في تأمين مصالح هذا المجتمع».(من كتاب (ثروات الشعوب) تأليف آدم سميث (نقلا عن كتاب الاقتصاد لساموئيل سن).)

و بهذا الشكل، يعتقد هؤلاء أنّ النظام الرأسمالي يتجه تلقائياً نحو مصالح المجتمع، وأنّ تأمين المصلحة الفردية يؤدّي بالنتيجة إلى تأمين المصلحة العامة.

ويصف بعض علماء الاقتصاد هذه اليد اللامرئية بقانون نظام «العرض والطلب» الذي ينقل رؤوس الأموال والطاقات الإنسانية بشكل تلقائي من مجال اقتصادي تكون حاجة المجتمع إليه قليلة إلى مجال آخر أكثر حاجة.

و لا نهدف - من ذكر هذه المطالب - إلى البحث في صحة هذه الادعاءات وسقمها، وأنّ هناك يداً لا مرئية أو نظاماً تلقائياً يقوم بتحريك النظام الاقتصادي الحرّ بشكل صحيح ومؤثر ولصالح البشرية جمعاء، وأن سلطة قانون العرض والطلب هل هي قيادة صحيحة ومقبولة أساساً، لا؟ وإنّما نهدف من ذلك فهم كنه النظام الرأسمالي والحرية التي يؤمن بها من خلال هذه المقولات، وكيف يفكر هؤلاء بشأن الاقتصاد الحّر.


أبعاد الحرية
وحدودها


لقد تبيّن أنّ الرأسمالية تعتمد مسألة الحرية في جميع المجالات، الحرية في التنافس بشأن الإنتاج والتجارة، والحرية في الاستثمار الأكثر من الرأسمال والقوى ومصادر الدخل، والحرية في كيفية الاستهلاك.

كما تعتقد الرأسمالية أنّ موقف الحرية الذي يصب في المصلحة الفردية يأتي النتيجة في مصلحة المجموع، بل إنّ هذا الموقف أفضل ممّا لو كان الهدف هو مصلحة المجموع!

و لهذا السبب فإنّ المرحلة الأولى من البحث والتحليل حول نتاجات هذا المذهب يجب أن تبدأ من هنا.

شعلة عشق الحرية الخالدة:

حبّ الحرية من أكثر رغبات الإنسان أصالة وطبيعة، فلا يوجد إنسان يرضى بالذل والعبودية في الظروف الطبيعية، ويستأنس بالقيود والأغلال التي تفرض عليه، ويفرح بالطوق الذي - يخنقه.

و لا تقتصر هذه الرغبات الفطرية على الإنسان وحده، فجميع الكائنات الحيّة تهرب من الأسر، فالحيوانات الموجودة في حدائق الحيوان غالباً ما تكون مريضة أو منطوية، عمرها قصير ونموها بطيء، فاقدة للنشاط، وبعضها تضرب عن الطعام حتى تموت، كل ذلك لأنّها فقدت حريتها على الرغم من وجود الغذاء الكافي وشخص يعتني بها ومنظّف وطبيب خاص.

فهذا الحب الحار، وهذه الشعلة المتوقدة على الدوام متجذرة موجودة في جميع القلوب، ولا يستثنى من ذلك حتى النبات، فهذه الكائنات تطالب لنفسها بالهواء الطلق، وجذورها تمتد في أعماق الأرض وهي في حرب دائمة مع ما يعيق حريتها وبعض الأحيان تقوم هذه الجذور الناعمة بثقب الصخور كالمثقب الكهربائي والخروج منها، وتقوم أغصان هذه الأشجار بالتمايل نحو الجهة التي تتمتع بالحرية أكثر فيها.

كما أنّنا نعلم أنّ كل ما يتجذّر في عواطف الإنسان يتجذّر أيضاً في عقله ومنطقه، وأنّ التناسب بين هذين العاملين في جميع الاتجاهات أمرٌ محسوس تماماً، فانّ أحدهما يمثل القوة المحركة والثاني هو بمثابة المرتكز.

فإذا تقوم الغريزة الجنسية بجر الإنسان نحو الجنس المخالف، فالمنطق أيضاً يقول بضرورة الجماع المشروع من أجل استمرار النسل.

و إذا استعرت شعلة الغضب لدى الإنسان أثناء تعرض حقوقه ومصالحه للخطر، فالمنطق أيضاً يرى ضرورة ابراز ردّ الفعل الشديد هذا من أجل استمرار الحياة.

و هذا التناسب موجود أيضاً في مسألة حبّ الحرية، لأنّ «التكامل في جميع الجوانب» - وهو الهدف النهائي لوجود الإنسان - لم يتمّ إلاّ في ظل تأمين الحرية.

فالقابليات تظهر في جو الحرية.

و الطاقات تتفجر في ظل الحرية.

و الجو المفعم بالحرية هو الذي تترعرع فيه الأفكار.

و أنّ أجواء القمع وسلب الحريات تعمل في روح الإنسان ما يعمله الجو المملوء بالدخان والغبار في غرفة مقفلة برئة الإنسان، وبهذا الشكل فالعاطفة تنظم شعراً تحت عنوان «حبّ الحرية» يكمله «العقل» بنثر منطقي.

الحرية، أول دليل على تناقضات الرأسمالية:

من أكبر الأخطاء التي قد نقع فيها هنا هي أن نعتقد بعدم وجود أية حدود للحرية، أو أن يكون الشرط الوحيد لها هو عدم ايجاد الأذى والازعاج للآخرين وهو المنطق الذي وقعت في حبائله العوالم المادية والمبنية على عنصر الآلة، فظهرت التناقضات وسُنّت آلاف العقوبات والغرامات بسبب هذا الأمر، وممّا يدعو للعجب أنّها لا زالت وفيّة لهذا المنطق بل وتفتخر به!

لو كان الإنسان كائناً ذا بعد واحد، لأمكننا الحكم «بتجريد» الحرية من «كل قيد أو شرط»، أما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الإنسان بوصفه كائناً ذا أبعاد مختلفة، من الناحية الروحية والجسمية، وأنّ «حبّه للحرية» ليس حبّه الوحيد، وإنّما هناك أشكالٌ أخرى من الحب تتحكم في وجوده كحبّه لتكامل العشق وللأعمال الصالحة ولطهارة الروح، وحبّه لأبناء جلدته، وحبّه للعلم والفكر، وحبّه لله تعالى، فكيف يمكننا تجاهل حدود الحرية أو جعل مسألة عدم إزعاج الآخرين هو الضابط الوحيد للحرية؟

فالحرية المشروعة والمنطقية هي أن لا يصاب أي من المتطلبات الضرورية للإنسان بالضرر، وبتعبير آخر تركيب من جميع أشكال العشق، وتناسب مع جميع الأحاسيس الفطرية والرغبات.

و على هذا الأساس فإنّ الحريات التي تقعد بالإنسان عن التكامل أو تسوقه نحو الانحطاط الفكري والاجتماعي أو تطلقه من قيد لتربطه بقيد آخر، وتحرره من قفص ثم تحبسه في قفص آخر أكثر استحكاماً; فهذه في الحقيقة ليست من الحرية في شيء. وإنّما هي طغيان وعبثية، ذل وتخلّف، وإذا أحسنا الظن فإننا نقول إنّها لا تعدو عن الحصول على المقصود والاستغلال المقيت ومميت نابع من غريزة وعشق، وإذابة جميع المثل الأصيلة في وجود الإنسان.

بل إنّ الحرية نفسها ذات أبعاد وشعب شتى إذا طغت في جانب خلقت عبودية في آخر كالحرية الفكرية والحرية الفردية، والحرية الاجتماعية والحرية الاقتصادية وأمثال ذلك.

و سنرى كيف تؤدّي «الحرية في التنافس» في المجالات الاقتصادية والاستغلالات الفردية إلى أنواع من التناقضات. كما سنرى وخامة الأغلال الاستعمارية التي أصابت شعوب العالم من جراء هذا النوع من الحرية التي تبّنته الاطروحة الرأسمالية وكيف جرّت العالم نحو الحروب والدمار .

الرأسمالية تناقض ودمار في جميع المجالات

إنّ الرأسمالية الغربية تمتص آخر قطرة من رمق الأغلبية الساحقة الكادحة لشعوب العالم في ظل «الاقتصاد الحر».

ذكرنا أنّ «الحرية المطلقة» والتي لا قيد ولا شرط فيها وكذلك «الفردية المفرطة» تشكلان قاعدتين أساسيتين لصرح «الرأسمالية» الإسطوري، وهذا الأمر كاف لأن يؤدّي بهذه المجتمعات إلى النخر من الداخل وبالتالي فناء هذه المجتمعات.

فلا يوجد للرأسمالية طريق سوى السير باتجاه الاستغلال والعبودية الاقتصادية الجماعية.

و أمّا أن نتصور وجود يد غيبية في الرأسمالية تسوق المصالح الشخصية نحو مصلحة المجموع بل أفضل وأسرع كما يقول «آدم سميث» فهذا التصور من أعجب حالات المبالغة والاغراق، وكأنّما يراد القول أنّنا عندما نتجه إلى الغرب بطائرة ذات سرعة تفوق سرعة الصوت فإنّ يداً لا مرئية خاصة تسوقنا نحو الشرق، بل وحتى أفضل من المكان الذي نروم الذهاب إليه في الشرق!!

إنّ هذا الكلام لا يتعدى حالتين، الاُولى أن يراد منه الخداع وايقاع الناس في الشراك، والثانية أن يكون خطأ فادحاً، فلا يمكن أن تكون حصيلة الفردية سوى ضمان تأمين مصالح الفرد واستغلال الآخرين.

صحيح أنّه يمكن الاستفادة من الدوافع الفردية كعامل لتحقيق أهداف الجماعة، إلاّ أنّ ذلك أمر ممكن إذا لم يكن مطلق العنان يدمّر ما حوله، وإنّما يكون تحت سيطرة المجتمع وإشرافه وغطائه تماماً.

و لهذا السبب نجد بوضوح أنّ الرأسمالية اليوم قد افترق مسيرها عن المصالح العامة للبشرية واتجهت بكل قواها نحو مصالح مجموعة صغيرة وفي ضرر شعوب العالم، وهذه الهوة أخذت تزداد تتسع يوماً بعد يوم.



يتبع إن شاء الله مع الاعراض التي تبين ضرر الرأسمالية على الشعوب :وردة::وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

:وردة::وردة:

تابع للرأسمالية تناقض ودمار في جميع المجالات


و لهذا السبب نجد بوضوح أنّ الرأسمالية اليوم قد افترق مسيرها عن المصالح العامة للبشرية واتجهت بكل قواها نحو مصالح مجموعة صغيرة وفي ضرر شعوب العالم، وهذه الهوة أخذت تزداد تتسع يوماً بعد يوم.

و هذه الحقيقة يمكن مشاهدتها في الأعراض التالية.


1- الطبقية المقيتة

صحيح أنّ التنافس الحر يمكن أن يساعد بشكل مؤثر في تحقيق مصالح المجتمع، ولكن هذا الأمر يصحّ في حالة عدم اطلاع المتنافسين على الفوائد الكثيرة التي تنشأ من تشكيل الطبقات وأعمال العصابات الاقتصادية، وإلاّ سيتفقون فيما بينهم ويستبدلون التنافس بالفئوية، وينشأ عن ذلك شركات كبرى، ومؤسسات دولية تسرح في العالم بشرقه وغربه من أجل تحقيق مصالحها على حساب الشعوب الفقيرة، كما نشاهد في عصرنا الحاضر.

لقد أدرك هؤلاء أنّ التنافس الحر كانت حصيلته ضرراً مادياً بالنسبة لهم ومنفعة بالنسبة للمستهلكين، فمن الأفضل لهم ترك هذا العمل الذي لا حاصل منه بل أصبح وبالا عليهم، وحتى لو كانت هناك منافسة فيما بينهم في السوق، فإنّها جاءت باتفاق مسبق خلف الكواليس ومن أجل الضحك على ذقون المستهلكين، فيحصلون من جرّاء ذلك على فوائد جمّة، ويمتصون دماء الآخرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.


2- الاحتكار بدلا من الاقتصاد الحر


إنّ نظام «الانتاج الاحتكاري» أو «الوكالات الاحتكارية» أو أسواق الاستهلاك الاحتكارية» الذي يتمّ تحت مظلة حرية التجارة، وتفلسف علّة وجود هذا النظام بشكل يوحي بأنّه في مصلحة المستهلكين، هو في الحقيقة تضييع سافر لمصلحة المجموعة والتضحية بها في مقابل المصلحة الفردية، ولذلك تتعرض أسعار السلع ذات الحاجة إلى التغيير وفقاً لمصالح المنتجين والسماسرة والوسطاء، وبضرر المستهلكين، وبذلك تكون قصور المستكبرين أكثر عمارة وأكواخ المستضعفين أكثر خراباً.


3- إزدياد الفوارق الطبقية


إنّ العلاقة التصاعدية بين «رأس المال» و«الربح»، وعدم وجود أي نوع من السيطرة والرقابة على هذه العلاقة في مجتمع رأسمالي، يؤدّي إلى اتساع الهوّة بين أرباب الصناعة الكبار وبين العمال والفلاحين، وتزداد هذه الهوّة اتساعاً يوماً بعد آخر وليعود ضررها على الأكثرية الفقيرة، ونفعها على الأثرياء، أمّا أولئك الذين يعترضون على هذه الأوضاع فانّهم يتجمعون شيئاً فشيئاً، ثم يتحولون إلى دعاة أشداء لتغيير النظام الرأسمالي وإلغائه بحيث ينكرون أصل الملكية الخاصّة حتى في حدودها المعقولة والبناءة.


4- سلب أفكار المستهلكين


من السياسات الاقتصادية التي يتمّ ممارستها تحت غطاء حرية «الإنتاج» و«الاعلام» و«التجارة» والتي يعود ضررها على المستهلكين إيجاد الاحتياجات الكاذبة عن طريق العزف على أوتار الاعلام الكاذب واستخدام جميع الوسائل النفسية من أجل تشجيع العوائل رجالا ونساءً، صغيرها وكبيرها وجرّهم نحو السوق لشراء البضائع الغير ضرورية والمواد الكمالية وغير ذلك من الأساليب التي تستجلب آخر رمق في الشعوب المستضعفة.

و من جانب آخر فإنّ التعاون المباشر وغير المباشر بين المنتجين وأصحاب الموضات يعتبر من المظاهر السيئة لهذه الخطة الهدامة، وعن طريق هذه الأساليب الإعلامية والوساوس يقوم هؤلاء بالعمل على إسقاط قيمة الكثير من الوسائل المفيدة التي يمكن الاستفادة منها لسنوات طويلة (كالسيارة والملابس والسجاد وغير ذلك) بحجّة أنّ موديلاتها وموضاتها قد سقطت وانتهت وتمّ استبدالها بأنواع أخرى بحجّة كونها موضات جديدة.

و لو توفرت الاحصاءات والأرقام التي تحكي هذا الأمر لعرفنا كمية الوسائل القابلة للاستفادة التي يتمّ تدميرها نتيجة هذا الأمر (الموضة) أو العناوين الزائفة الأخرى وإسقاط هذه الوسائل من قيمتها، وبالتالي يمكن معرفة الثروة الهائلة التي يتمّ هدرها عبثاً، صحيح أنّ الاعلام بمعناه الواقعي يعني الارتفاع بمستوى الوعي لدى الناس بالنسبة لما تمتاز به بضاعة ما وبالتالي قد يؤدّي إلى آثار إيجابية حتى في رخص الأسعار، حيث إنّ هذا العمل يمكن أن يرفع الطلب إلى مستوى تكون صناعة البضاعة المرغوبة فيه على أوسع المجالات، ونحن نعلم كلما اتسعت دائرة الإنتاج أصبحت البضاعة أقل سعراً، وبذلك تكون النتيجة لصالح المستهلكين.

ولكن من المسلّم به أنّ الإعلام التجاري السالم قليل جدّاً في العالم الرأسمالي، وغالباً ما يكون هذا الإعلام إعلاماً مضلّلا ومعداً بشكل يسلب فيه أفكار المستهلكين.


5- الاقبال على انتاج البضائع التجميلية

عملت الرأسمالية على سحب الكثير من العقول الصناعية المبدعة نحو اختراع وإنتاج البضائع التجميلية وباغراءات مادية كبيرة مستفيدة في ذلك من حرية الإنتاج والتجارة، وحتى إذا لم تستطع إنتاج محصول جديد فانّها تعرض المحصول السابق نفسه ولكن بحلَّة جديدة لايهام الناس بأنّه محصول جديد، ثم تقوم بالاطراء عليه في الإعلام، وبهذا الشكل تمتص دماء الشعوب المكافحة.

و لهذا السبب نرى أسواق الدول الصناعية - ولعل أكثر منها في بعض الدول الثرية غير الصناعية كدول النفط - مملوءة بأنواع البضائع التجميلية ووسائل تجميع الأجسام الكاذبة والديكورات الجذابة والزخارف الأخرى التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتعمل هذه الوسائل وبقوّة الإعلام الكاذب على جرّ الناس المغفلين نحوها كي يبعثروا ثرواتهم في شراء هذه البضائع، ويملأوا أكياس هؤلاء اللصوص بهذا الشكل من أموالهم التي جاءت من عائداتهم النفطية.

أليست هذه الأمور مصداقاً واضحاً للتضحية بمصالح المجتمع من أجل مصلحة الفرد.


6- التسلط على الأسعار


إنّ قيمة البضائع في النظام الرأسمالي ليست بيد الرأسماليين الكبار فحسب وإنّما سوف يتحكمون عملياً باسعار المواد الأولية التي يبتاعونها من الآخرين، حيث يمكن لهؤلاء الرأسماليين الابقاء على الأسعار البخسة للمواد الأولية من جهة والابقاء على ارتفاع أسعار محصولاتهم مستفيدين في ذلك من سطوتهم المالية الكبيرة وضعف البنية الاقتصادية لأصحاب المواد الأولية، ولهذا السبب نجد مادة قليلة الثمن تباع بأسعار باهظة جدّاً إذا ما طرت عليها بعض الرتوش التقنية.

إنّ أصحاب رؤوس الأموال الكبار يضعون الخطط المعقدة والمدروسة بدقة ويتواطئون فيما بينهم من أجل الحفاظ على رخص أسعار المواد الأولية ليواصلوا نهبهم بأفضل وجه.

و لا تنطوي مثل هذه الأعمال التي ذكرنا ستة نماذج منها بالاضافة إلى التفاعلات المعقدة الأخرى التي لا يعلم بمعادلاتها إلاّ العقول الاقتصادية البارعة، إلاّ إزدياد شعوب العالم فقراً من جانب، وتراكم الثروة لدى أقلية أنانية ومستبدة من جانب آخر.

فهل يمكن لمثل هذه المنافسة الحرة ومثل هذا النظام الاقتصادي الحفاظ على مصالح أكثرية شعوب العالم؟

و هل يقود ذلك سوى إلى تنامي ثورة الأقلية الثرية تجاه الأكثرية المعدمة.

أليست الرأسمالية الغريبة ببرامجها المعادية للإنسانية تحولت إلى بؤرة كبرى للسلب والنهب والظلم والفساد والتآمر؟!

طبعاً الحديث عن الجرائم والفجائع الأليمة والأوضاع المأسوية التي ولّدتها الرأسمالية في هذا السبيل أكثر بكثير من حصره في بحوث مختصرة وقصيرة كالبحث السابق، ولكن لحسن الحظ أو لسوئه فإنّ مشاهدة هذه النتائج في العالم بالعين المجرّدة، وفي بلادنا أيضاً يغنينا عن الاسهاب في هذا البحث .


يتبع إن شاء الله مع آفاق الاشتراكية :وردة::وردة:
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تحياتي للجميع :وردة:



آفاق الاشتراكية



تتمركز جميع القوى الاقتصادية والسياسية في البلدان الشيوعية بيد مجموعة صغيرة وليس هناك أي ضمان يحول دون استبداد وتسلط هؤلاء والأضرار التي يكبدوها الشعوب.

و المذهب الاقتصادي الثاني الذي له أتياع وأنصار كثيرون في عالمنا المعاصر هو «النظام الاشتراكي» المتسلط على جميع الدول الشيوعية.

فالشيوعية الواقعية - كما سنذكر ذلك لاحقاً - التي تلغي الملكية الفردية في جميع أبعادها، وسلطة الحكومة لم يتمّ تطبيقها في أية منطقة من العالم لحدّ الآن، والشيء الموجود حالياً في هذه البلدان هو الاشتراكية فقط.

على أي حال فانّ هذه المفردة للمجتمع حيث اُقتبست من «SOCIAL» التي تشير إلى الملكية الاجتماعية العامة.

و تستند الاشتراكية على أربعة مبادىء، إثنان منها تمثلان أسساً رئيسية والآخران بمثابة الأداة التي تشخص الجوانب التنفيذية لها.

1- إزالة الطبقية

إيجاد مجتمع ليس فيه أي أثر لطبقتي «المستغِل» والمستغَل» (لاحظوا المقصود من الطبقية).


2- توزيع الثروة:

لكل حسب مسعاه وكل حسب طاقته.


3- تحرير وسائل الانتاج

سواء في المصانع أو الأراضي أو المياه أو المناجم وأمثال ذلك.


4- ديكتاتورية البروليتاريا (الطبقة العاملة)

و بتعبير آخر «حكومة العمال».

و بعد أن تعرفنا بشكل إجمالي على الأسس المبادي الأربعة، التي يستند إليها القطاع الاشتراكي نرى من اللازم أن نتناول كل مبدأ على حدة:

إنّ الأساس الأول والثاني إضافة إلى الصورة الجذابة التي يتمتعان بها، فانّهما يمثلان حقائق يطالب بها كل فرد يدعو للحق.

فما أفضل من اجتثاث جذور استغلال الإنسان لأخيه الإنسان من المجتمع البشري، ليحل مجتمع لا طبقي، مجتمع توحيدي وإنساني بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى محل المجتمعات المبنية على أساس الطبقية والاستغلال والظلم والاضطهاد.

و أي شيء أفضل من وجود علاقة بين «القابليات والنشاطات والجهود» وبين «العائد والأجرة».

إنّ هذين الأساسين هما نفس الشيء الذي نطالب به فى الإسلام في «مقولة المجتمع التوحيدي» والمبدأ القرآني (و أن لَيسَ للإنسانِ إِلاّ مَا سَعى).

إلاّ أنّ المهم هو إدراك الهدف الأساسي لأولئك الذين يطرحون هذه المبادي.

وما هي الصورة الحقيقية التي تختفي وراء هذا القناع الجميل؟ والأهم من ذلك أنّ المبدأين الثالث والرابع اللذين يمثلان عوامل تنفيذية للمبدأين السابقين هل بمقدور هما تحقيق ذلك؟ أم عكس ذلك حيث يؤدّي إلى اِستفحال النواقص والتناقضات الرأسمالية؟!

و من اللازم توضيحه:

طبقاً لاطروحة النظام الاشتراكي، وبغية الوصول إلى المجتمع اللاطبقي فلابدّ من مصادرة كافة مصادر الانتاج الفردية وتفويضها إلى العامة.

ولكن مَن هم هؤلاء العامة؟ فمن المسلم به أنّ المجتمع بمجموعه لا يمكنه التصرف بمصادر الإنتاج، وإنّما لا بعد من وكلاء ينتخبهم نيابة عنه يسمون بالدولة، حتى يتمكن بواسطة هذه الدولة من التصرف بهذه المصادر.

و بدون شك فإنّ الدولة وليدة حزب الاشتراكية، أي الحزب الواحد والأقلية من الشعب هم الذين يتمكنون من الانتماء إليه والانسجام مع شروطه الصعبة.

ولكن هذه الدولة على أي حال ليست سوى أفراد بعدد أصابع اليد تسيطر تماماً على جميع هذه المصادر.

وهنا يطالعنا شبح العقول الرأسمالي، وأفراداً يذكروننا بالملاكين الأسطوريين وأثرياء التاريخ الكبار، ذلك أنّ زعماء حكومة دكتاتورية البروليتاريا، يتصرفون بجميع مصادر الانتاج ويملكون عملياً كل شيء!

ستقولون حتماً أنّ الدولة ليست مالكة لهذه الثروات، فهي كسائر الأشخاص الذين يتقاضون الأجرة والمرتب بالنسبة لاستثمار هذه الثروات، فهذه الثروات من الناحية الحقوقية ملكاً لعموم الناس وليست عائدة لفرد أو مجموعة صغيرة أو كبيرة، فالدولة ممثلة للشعب لا غير.

نحن معكم ونقر بذلك نظرياً، أمّا من الناحية العملية فلا يمكن اغفال حقيقة ولكن لا الاشتراكية والنظام الحكومي الناشىء منها والقائم على أساس دكتاتورية البروليتاريا ونظام الحزب الواحد هو لا يتضمن سوى تمركز القدرات الاقتصادية والسياسية بشكل غير منطقي ومحفوف بالخطر بيد أفراد معينين.

و إلاّ فما معنى الملكية؟ أنّ الملكية ليست تسجيل شيء باسمك في مكاتب الأملاك، وإنّما هي أن يكون الإنسان حراً في التصرف بشيء ما.

فعلى سبيل المثال، ألم يكن ستالين عملياً أحد كبار الملاكين والأثرياء، وهو الذي كان يمسك بجميع مرافق اقتصاد روسيا ويصرف مبالغ ضخمة بسلط نفوذه المطلق الذي كان يطمح إليه والوقوف بوجه خصومه وممارسة الدعاية لشخصه في وسائل الاعلام ؟!

و ما بالك بقيادي الحزب، ورؤساء الحكومة في هذا النظام القائم على أساس التعتيم ومركزة القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بشكل غير عادي بيد أفراد معدودين، ما الذي ينقصهم حتى يعدوا ضمن الأثرياء الكبار؟

و ما الذي يضمن عدم قيام هؤلاء بصرف الأموال العامة في تحقيق رغباتهم وأهوائهم؟!

و نلفت هنا إلى أنّنا قضينا على الرأسمالية المشتتة لنفاجىء برأسمالية جبارة وعنيفة متمركزة.

ففي النظام الرأسمالي تبدو القدرة السياسية بمعزل عن القدرة الاقتصادية والعسكرية على الرغم من التحامها باطنياً، ولكن في النظام الاشتراكي تتمركز هذه القدرات الثلاث في الظاهر والباطن في شيء واحد ولا ينتج عن ذلك سوى نوع من أنواع الرأسمالية وهو رأسمالية الدولة المقيتة .


يتبع إن شاء الله مع الشيوعية جنان في الخيال :وردة::وردة:
 

TORNADO

مشرف منتدى القلم
الرجاء من الأخوة الأعضاء أن تكون مداخلاتهم بصلب الموضوع كمناقشة الموضوع مع أو ضد، أما مشاركات الشكر يجب أن تكون عن طريق الرسائل الخاصة.

نحن نحاول قدر المستطاع أن نجعل منتدى القلم منتدى علمي تكون كل المشاركات به فيها فائدة تضاف للقارىء بأسلوب رزين معتدل.

نعتذر منكم لهذا الإجراء ولكنه يصب في مصلحتنا كلنا في النهاية.

تم حذف رد مخالف.

شكراً لتفهمكم......
 

خادم العترة

عضو مميز
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تحياتي للجميع لا سيما الأم الكويتية :وردة::وردة:

الشيوعية جنان في الخيال

إنّ المشروع الذي طرحته الشيوعية للمجتمع الإنساني، شبيه بقصص الأطفال التي يسير أبطالها على الغيوم وينتقلون بين شرق الأرض وغربها بلحظة واحدة، ويحولون صحراء قاحلة إلى حديقة غنّاء بإشارة واحدة!


قبل البدء بالبحث نرى من اللازم إلقاء نظرة فاحصة ولكن قصيرة وعابرة على أسس «الشيوعية» وننظر إلى الفوارق بينها وبين «الاشتراكية» ولنحصل على جواز الدخول إلى الجنّة الخيالية، لنتجوّل فيها ساعة.

تتصف الشيوعية كنزعة اقتصادية بمايلي:

1- إلغاء الملكية الفردية مطلقاً، سواءً في مجال «الإنتاج» أو في «الاستهلاك» من مميزات الشيوعية. فالشيوعية تدعو إلى إلغاء الملكية الفردية في جميع المجالات ولا يقتصر ذلك على وسائل الإنتاج (الذي يشمل الأرض والمياه والمناجم والمصانع والورشات ووسائل الزراعة وسائر وسائل الإنتاج) فقط وإنما تعتقد الشيوعية أنّ كل شيء هو ملك للعامة، كالبيوت ووسائل المعيشة، والمحاصيل الزراعية والحيوانية والصناعات.

و من هنا يبرز أحد الفروقات المهمّة بينها وبين «الاشتراكية»

فالاشتراكية تلغي الملكية الفردية في مجال «وسائل الإنتاج» و«مصادر الانتاج» فقط، بينما تقرّ مثل هذه الملكية في مجال «الاستهلاك» والمنتوجات الصناعية والزراعية، ولكن الشيوعية لا تعترف بالملكية الفردية في أي من هاتين الحالتين ومحترمة على أساس مقدار «العمل»، كل شيء عائدٌ للمجتمع أو بتعبير آخر «للدولة».

2- إلغاء العلاقة بين «العمل» و«الدخل» أي أن كل شخص عليه أن يعمل بقدر استطاعته، قليلا كان أم كثيراً، ويأخذ لقدر حاجته قليلة كانت أم كثيرة.

و بهذا الشكل فإنّ العلاقة التي تعتقد بها الاشتراكية بين «العمل» و«الدخل» والتي تقول: «على كل العمل حسب طاقته ويأخذ حسب مسعاه ولكل فرد أجرة بمقدار عمله» تفقد بريقها، والمعادلة السابقة تترك مكانها لهذه المعادلة «كل شخص بمقدار عمله، ولكل بمقدار حاجته».

3- إلغاء الدولة تماماً - حيث إنّ الدولة موروثة من النظام الرأسمالي ومن نتاجات الملكية الفردية ومن حماتها، وحينما ينتهي هذا النظام وتلك الملكية تماماً فلا حاجة إذن الدولة من أجل حمايتها.

و باستيفاء هذه الأسس الثلاثة، ندخل جنّة الشيوعية:

...كم هي رؤيا مشوقة؟!

لقد وردنا على محيط لا يوجد فيه أي أثر لكبار الملاكين وصغارهم ولا للاقطاعيين الجبابرة والطفيليين ولا للجنرالات الطغاة ولا للسياسيين ذوي النفوذ!

ليس هناك حرب ولا نزاعات، لا دولة ولا محاكم ولا سجون ولا سجانين، فالجميع مؤدبون، رحماء، هادئون!..
الجميع يكدح، ويبذل قصارى جهده، ويوظف كل ما لديه من قدرة وطاقه من أجل تطور وتقدم أهداف المجتمع.

كما أنّهم قانعون جداً، ولا يطمعون بالمزيد، ولا يستفيدون من المحصولات الصناعية والزراعية إلاّ بقدر احتياجهم، ويتركون الباقي للآخرين من الأخوة والأخوات لجميع المحتاجين والفقراء!.

لا أثر بعد ذلك للطمع ولا للبخل والحسد، وليس هناك شخص يؤذي آخر، فهذه هي الجنّة بعينها، ذلك أنّ «الجنّة هي تلك التي لا أذى فيها...»

إنّ هذا الوصف لمستقبل المجتمع البشري لا يحظى بالأهميّة إذا كان قد صدر من شاعر ينسج الخيال، أو كاتب يؤلف الأساطير، أو إنسان خيالي، ولكن العجيب أن يتبنى فيلسوف أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي هذه الفرضيات، التى تفيد الغربة المطلقة عن الحقائق، وعن البناء الجسمي والروحي للإنسان، ورغباته وميوله وغرائزه وأبعاده الروحية.

و أفضل دليل على كونها فرضية خيالية مهملة، العلاقات العينية في هذه القضية تعيش الحالة الذهنية والتصورية، هو أنّ حركة المجتمعات الاشتراكية الموجودة حالياً لا تتجه في أي جانب نحو المجتمع الشيوعي، وإنّما العكس هو الصحيح، فإنّ أغلب الدول الاشتراكية قد بدأت حركة رجعية سريعة نحو الرأسمالية، وتقترب كل يوم المسافة بينها وبين المعسكر الرأسمالي الغربي، بل إنّ هذه الدول تتنافس فيما بينها وتتسابق نحو «التقرب إلى الغرب»!

هذا التراجع عن السير باتجاه الجنّة الخيالية، والعودة إلى جحيم الرأسمالية يدل على الفشل العملي لهذه الترعة، على أنّه لن يجد ضالته في جحيم الرأسمالية.

ففي الوقت الذي تبدو فيه الجنّة الشيوعية جميلة ومزهوة من بعيد تفقد عن قرب حيويتها ومضمونها، بل تفتقر أبعادها العملية والعينية.

و من العجيب أنّهم يعتبرون «الاشتراكية» ممراً للشيوعية، ولكن بمجرّد دخولهم لإيوان هذه الجنّة ورؤيتهم لأُفقها الجميل والجذاب يبدأون التراجع قهقرياً.

فهذه الفرضيات الحالمة ليست عاجزة عن حلّ أية مشكلة في المجتمعات الإنسانية فحسب، بل تحمل معها آثاراً سلبية، لأنّها تبعد الإنسان عن الحلول الواقعية، وتجعل المجتمعات عاجزة عن الصمود أمام وفي المعضلات للحوادث والمواقف الصعبة.

فالشيوعية بالمعادلة التي ذكرت سابقاً ليست ببعيدة في شبهها عن الأفلام السينمائية أو قصص الأطفال.

ففي هذه القصص يوجد رجال أبطال يركبون الغيوم ويقطعون مسافات شاسعة في برهة قد تستغرق من الآخرين عدّة أسابيع بمشقاتها وعناءها.

أو يحولون صحراء قاحلة إلى حدائق خضراء بعصا سحرية، أو يجعلون شجرة واحدة تنتج العديد من أنواع الفاكهة بقوّة العين المغناطيسية الخارقة للعادة.

و نحن أيضاً نرغب كثيراً بتحويل صحراء قاحلة إلى حديقة غنّاء بإشارة واحدة، ونركب الغيوم ونذهب إلى كل أنحاء العالم.

نحن أيضاً نحلم بدنيا يعمل فيها الجميع ما استطاعوا باخلاص وحبّ وعزم وجد، ويضعوا حاصل جهودهم - عدا ما يحتاجونه - تحت تصرّف الآخرين.

ولكن المسألة ليست ما نريده، وإنّما المهم بحث «الحقائق العينية» و«الامكانات» و«الواقعيات» وهذه الحقائق تدل على أنّ العالم الشيوعي ليس إلاّ أحلاماً وخيالات، ولو كان بناء مثل هذه الجنان أمراً ممكناً في هذا العالم فانّه يتطلب مبادي غير المبادئ الشيوعية.

فقد أثبتت الشيوعية ومبادئها أنّها تعيش لحدّ الآن في عالم الذهن والخيال، وكما تشير القرائن الموجودة إلى أنّ مستقبلها ليس بأفضل من حاضرها، وحتى في عهد «لينين» عندما أرادوا قطع العلاقة بين «العمل» و«الدخل» بشكل مؤقت في المزارع الاشتراكية واعطاء كل شخص ما يحتاجه فقط، أصيبت روسيا بركود وشلل زراعي كبير بحيث اضطروا لتعديل خطتهم والعودة إلى اعطاء الأجرة حسب مقدار العمل!

و الآن احتفظوا بهذه العبارات لنخوض في تفاصيلها في الأبحاث القادمة.
—–
يتبع إن شاء الله مع الشيوعية عالم من الأحلام :وردة::وردة:
 
أعلى