ازدواجية الجنسية أم ازدواجية الوطنية ؟
شاع في أوساط الصحافة والإعلام قضية ملأت أسماعنا وأبصرنا وكادت تشرق بها حلوقنا من هول صداها ، ورنين صوتها ، فهي قبنلة مدوية بين صفوف المجتمع وما ذاك إلا أنها وجدت أرضاً خصبة في النفوس الرخوة ، رفعوا لوائها على هيئة مبتذلة غير متصفة بالشجاعة والشرف . إنها قضية " ازداوجية الجنسية "
هل من الممكن التصنيف والتقسيم للناس ، يديره زمرة من الأوباش والسفهاء ؟ أليس في المجتمع رجل رشيد ؟ وهل أضحى الناس ألعوبة بين يدي تجار العقول والقضايا ؟
أمسينا وأصبحنا على قضية كانت يوماً ما مغمورة في ثنايا النفوس ، لا يطلقها إلا منْ له مآرب في نشوء الطبقية ، أو ينهل من مشرب لا يورده كثير من الناس لنتانةٍ في لونه أو طعمه أو ريحه ، هذه هي حقيقة قصة الإزدواجية قبل عقود من الزمن ، كان الناس يرحم بعضهم بعضاً ، يصل بعضهم بعضاً – ولا زالوا – ويأوي بعضهم بعضاً ، يأنفون من كل فتّان طبقي حسود ، ولا يطرق سمعهم ترهات التصنيف الوطني على صورة قبيحة كما نشاهده ونعايشه اليوم .
لقد دفعت عجلة الإعلام المرئي بهذه القضية الى عقول المواطنين ، ظناً منها بأنها تمارس إعلاماً حراً ، ومنبراً للرأي والرأي الآخر ، وما درت البلهاء أين ساقتها ولا عرفت مصير شعلتها أين تنتهي ؟ وإن المتابع والمتفحص الدقيق ليجد حرارة نارها بين جنابته ، وعلى مكتب عمله حينما يضرب في شعاب الأحاديث مع زملاءه ، وفي حيّه الذي يقطن فيه ، وفي أصدقاء له قدامى ، بل وفي بيته أحياناً ، حينما تلوكها الألسن بين الأخ وأخيه والزوج وزوجته ، دائرة رحها في طحن كل غلٍ وتشفي ، لتخرج أعتى صور الكبر والتعالي على كل من يدخل في قضية الإزدواجية من قريب أو بعيد ، ألم يعلم من يفكر بهذا التفكير الدخيل أنه زارع للحقد والكراهية بين المجتمع سواء قصد ذلك أم لم يقصد ؟ .
تدبّر معي عزيزي القارئ قليلاً ما هي فروع القضية التي تتفرع عنها ، إنها تنبني على الأصالة في النسب من عدمها ، وتنبني على الأقدمية في القدوم الى الكويت من تأخرها ، وتنبني على منْ له نفوذ مالي متوارث كابراً عن كابر ، وحسبك فيمن اجتمعت فيه تلك الفروع ، فهو عند الداعين للقضية الساعين في استمرارها ، ذلك الأعز المكرم النبيل ، وحسبك فيمن لم تجتمع فيه تلك الفروع ، فهو الذليل المهان المشرد الذي يقتات على رزق غيره ، وكلاً من الأعز والأذل يحمل الدفتر الأسود ذاته.
أن حال هؤلاء المتشدقين بالوطنية والولاء وصفاء النسب (في ظنهم) ورغد المادة الأولى ، كحال زعيم المنافقين عبدالله ابن أبي سلول حين خلّد القرآن قوله البغيض الناضح بكراهية الحق ( ليخرجنّ الأعز منها الأذل) ولا أعني بذلك التشبيه بحال النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يفهم ذلك إلا ضيق العطن ، قليل الفهم.
إن ما نعانيه اليوم من أزمة في الجدل الدائر في قضية الإزدواجية ، هو أزمة الهوية والوطنية وليست أزمة الإزدواجية ، فكمٍ من شخص يعيش بين أظهرنا وهواه في الولاء أحد الجهات الأربع ، فليس له من حظ الوطنية إلا إثباتاته الرسمية ، ومظهره في الملبس واللّكنة ، بل تجده أحياناً في معزل عن هموم الوطن وقضاياه !
إن الكويت في حقيقتها ليست إلا مجموعة من القبائل والعوائل والأعراق اجتمعت من هنا وهنا وشكلت ذلك الوطن ، ولو أردنا المبالغة في القضية لنوسع رقعتها ، لقلنا لمن يحمل همّها : أليست بعض عوائل الكويت المسماة بـ (النجادة) أصلها سعودي نجدي ؟ بل تجد أحيانا من بين تلك العوائل الكريمة فيما بينها وبين قرابتها من ضواحي نجد المترامية في المملكة السعودية من التلاحم والترابط مالا تجده عند من يتقاسمون معهم الموطن. وليس هذا عيباً أو انتقصاً بل هو حجة على أولئك المتطرفين في قضية الإزدواجية ، بل إن الله تعالى أمر بهذا الترابط والتلاحم ورتّب عليه الأجر والمثوبة .
ولا يسع المواطن العاقل إلا أن يدرك خطر تلك الدعوات وعظيم أثرها في المدى البعيد ، وألا يستجيب إلى تلك الصرخات ، وتلك الأصوات النشاز في المجتمع بل عليه أن يعمل على نقدها وصدِّها ما أمكنه ، وهو في ذلك يحقق المواطنة الصالحة بين أفراد مجتمعه وإخوانه .