Anonymous Farmer
عضو مميز
الملحدين والانتحاريين ... وجهان لعملة واحدة
حقيبة المتفجرات تلتصق به ، عيناه البائستان يكاد لا يستشف منهما الحياة ، يسير في خطى ثابتة نحو مجموعة من الأبرياء فيسلب الأرواح التي منحها الله ، ليرتكب الجرم الذي حرمه تعالى والذي لن يشفع له أحد رغم الاستشهاد بسبحانه قبل الموت ، فتتصاعد التأوهات وصيحات الذعر إثر الحادث الأليم . هذا ما يقوم به الانتحاري عند قتله المدنيين الأبرياء ، لكن رغم بشاعة هذا الفعل هناك ما هو أبشع منه ألا وهو عدم التفات الجماهير المعارضة إلى أسباب ودوافع هذه الجريمة ومن ثم محاولة التدارك لتجنب وقوعها في المستقبل . فالعمليات الانتحارية ما هي سوى انعكاس ليأس شديد وقع في براثنه أفراد تم سلب جميع خياراتهم في تغيير حياتهم إلى الأفضل بوسائل سلمية من قبل سلطة جائرة لم تترك لهم سوى اليأس في الحياة وما يتبع ذلك من أساليب يائسة . والملاحظ بأن الكثير من الانتحاريين قادوا حياة صالحة قبل اليأس والوصول إلى الحالة التي قادتهم إليها الأنظمة الجائرة هذه نحو تلك العمليات ، فلنأخذ مثلا الانتحارية وفاء إدريس من فلسطين ، فقد كانت وفاء مثالا للصمود في وجه النظام الإسرائيلي الدموي ، ومثالا للعطاء ومساعدة الآخرين من خلال عملها كمسعفة لدى الهلال الأحمر تنقذ حياة الكثير بشكل يومي ، ولكن بعد تفجير نفسها لم يعد أحد يلتفت إلى ما كانت عليه وفاء من صفات خيرة بل باتوا لا يرون سوى الدماء التي تم إراقتها من جراء التفجير . وبالرغم من ذلك لم يذهب أحد إلى التساؤل عن الأسباب التي دفعت بفتاة تعمل كمسعفة بالأساس وتنقذ أرواح البشر إلى تفجير نفسها في حي مدني ! فالتساؤل في غاية من الأهمية لأنه يكشف عن مدى تأثير الأوضاع السيئة التي يتحملها ملايين من الأفراد في القطاع المحتل كل يوم ، ولن يكون هناك أي تدارك للأمور ومنع أي تفجيرات مماثلة في المستقبل إلا حينما يقف الجميع حول الأسباب الدافعة لهكذا تصرفات .
انعدام حرية الاعتقاد وسيادة التكفير واستباحة دم البشر
يا جماعه الخير ، إن الإنسان لا يقوم بهكذا أفعال يائسة دون سبب ، وأحد الأسباب التي تدفع بالكثير إلى اليأس الذي يؤدي لمهاجمة الدين بهكذا وحشية هو انعدام حرية الاعتقاد في زمننا هذا سواء بالإيمان أم عدم الإيمان ، وبالرغم من عدم رؤية الكثير لهذا الأمر نسبة لعدم التفكر فيه ولو بشكل يسير ، إلا أن انعدام حرية الاعتقاد وسياسة تكفير البشر واستباحة دمائهم يتنافى ومبادئ المنطق والإنسانية بل ومبادئ الإسلام ذاتها التي تنادي بحفظ كرامة الإنسان ودمه وحرية عقيدته فوق كل شيء ، فانعدام حرية العقيدة من أكبر الأسباب التي تدفع بالكثير نحو محاربة الإسلام من الداخل وهو أخطر بكثير من محاربته من الخارج . فعناصر الإكراه والإجبار ليسوا من سمات هذا الدين العظيم ولم يكونوا كذلك أبدا لسبب وجيه جدا ، فلو يتساءل البعض فقط عن طبيعة الإكراه وما يؤدي إليه من نتائج سلبية لعلم سبب خلو هذا الدين من عنصر الإجبار بالتمام والكمال ، حيث أن الإدراك السليم والفهم الصحيح - وما يتبعهما من إيجابيات - ينتفيان عند وجود عنصري الإكراه والإجبار الذين يؤديان دائما إلى انتفاء رشد الإنسان ، فلا يتسنى للإنسان اتخاذ أي قرار سليم مهما كان إلا عندما يكون حرا في اتخاذ هذا القرار دون إجبار يحيده عن رشده ، بل إن أفضل القرارات التي يتخذها الإنسان من حيث تحمل مسؤوليتها ومن حيث التزام الصدق مع النفس والآخرين هي تلك المبنية على حرية الاختيار ، وعلى هذا الأساس نزلت الآية الكريمة "لا إكراه في الدين" فلو شاء الله تعالى لخلقنا جميعا مسلمين ، ولكن الكثيرين للأسف لا يتفقهون في الحكمة الإلهية من هذه الآية التي تستنكر وبكل صراحة عنصري الإكراه والجبار فيما يتعلق بإيمان البشر لأنهما لا يؤديان إلا إلى انتفاء إرادة الإنسان وما يترتب على ذلك من انعدام في الوعي والعلم والإدراك السليم دون أي ضغوط ، بل إن حرية العقيدة هي ما يؤدي إلى أصدق وأنقى أنواع الإيمان ، وما يؤدي إلى إكرام الدين والذود عنه . "لا إكراه في الدين" ، يا جماعة إذا كان الله تعالى لا يكره أحدا على الإيمان أناتي نحن لإكراههم وإجبارهم على ذلك ؟ أيصح أن نمنح الأمن والطمأنينة للمسلمين وحدهم دون غيرهم باسم حفظ الدين ؟ لا يستقيم هذا في عقلي أبدا ، فالله تعالى لم يكرم الإنسان بروح وجسد وعقل وإدراك إلا ليهتدي إليه من واقع تفعيل إرادته الحرة الصادقة ، لا المجبرة المنافقة . بل إن الإكراه دائما ما يولد ردود فعل معاكسة لما جبر وأكره عليه الإنسان ، فوجود حرية الاعتقاد مسألة ضرورية جدا لتفادي كثير من المشاكل والصعوبات التي تواجه العالم الإسلامي اليوم ومن ضمنها تلك الهجمات المقيتة على الدين الذي لم يحمل سوى الخير للإنسان الحر المخير المختار ، لا العبد المسير والمجبر .
الفهم والتطبيق الخاطئ للإسلام من جراء عدم التمعن بروح النص القرآني السمح
لا أحد يستطيع إنكار تفشي التخلف العلمي والأدبي وانعدام الوعي في مجتمعاتنا العربية المسلمة من جراء جير السلطات بحق مواطنيها فيما يتعلق بالارتقاء بالتعليم والمناهج الدراسية والحث على العلم بشكل عام ، وعلى الصعيد ذاته ، يتراجع فكر المسلمين بالأمور الدينية كذلك عن طريق عدم التفكر في الحكمة من وراء نزول نصوص القرآن الكريم وبالتالي عدم تطبيق الإسلام بما يحقق النفع الحقيقي للعامة . فباتت الصلاة مجردة من الخشوع الواجب توافره لإتمام الاسترخاء و تحقيق الانفصال الروحي عن الدنيا للانسجام مع الرب ، وبات الصيام مرافقا للألفاظ النابية وحوادث السير والتخمة ، وبات حج البيت موبوءا بالقبول الاجتماعي بدلا عن كونه استعدادا نفسيا لزيارة بيت الله في تجربة فريدة لا تتكرر ، وبات الحجاب زيا اجتماعيا بدلا عن مرحلة أخيرة تتوج حشمة المرأة ، وأصبح شيوخ الدين يستبعدون روح النص القرآني عن الفتاوى غير الإنسانية التي يطلقونها ، البعيدة كل البعد عن العقل والمنطق ورحمة القرآن على البشر بل وفي كثير من الأمور بات الصواب خطأ والخطأ صواب في مجتمعاتنا التي وهبها الله قرآنا حافظا لكرامة الإنسان وصحته النفسية والجسدية . ما نفتقده اليوم هو التفكر بروح النصوص الدينية والتمسك بها لا بقشورها كما هو الحاصل الآن من جراء الجهل وعدم تفعيل العقل ، فالتفكر بروح النصوص الدينية هو ما من شأنه الرقي بنا كبشر والتحول من أفراد غير واعية إلى أخرى ساعية لإحلال العقل والمنطق محل تهميشنا باسم الدين المسيس ، و تهميشنا باسم الحاكم الجائر ، وتهميشنا عن قيادة حياة عميقة المعنى يستحقها البشر جميعا .
كم شخص منا تفكر أثناء صيامه عن مغزى الصوم ؟ لم جاء الصيام صياما عن الطعام بالأساس بدلا عن غيره من أمور ؟ لأن الإنسان يمكنه أن يعيش دون ملبس ، ودون مأوى ، ودون رفقة ودون أي شيء ... إلا الطعام ! فلا يستطيع الإنسان العيش دونه ، وهنا تكمن عظمة هذا النص الذي ينبهنا الله من خلاله بأن من يستطيع أن يمنع نفسه عن الطعام - ألا وهو من أساسيات الحفاظ على الحياة - سيستطيع بالتالي منع نفسه من ارتكاب أي شيء آخر والقيام بما هو صحيح ككظم الغيظ ، وغض النظر ، والعمل المتفاني ، وجهاد النفس في سبيل القيام بالصواب . وكم منا تفكر بالمغزى من وراء الحجاب ، الذي يتمحور حول الحشمة لا الكبت ، الحشمة في المظهر الخارجي وفي الجوهر كذلك ، وهذا هو المقصود من وراء هذا النص . كثيرا من النصوص الدينية لا نفقه لها ، نولد ونحيا دون التفكر في مغزاها ، وهذا أمر خطير لما يولد من إسلام ظاهري لا يتعداه إلى الإيمان الحق ولا حتى إلى العبادة الحقة . فلنأخذ مثلا موضوع الرضاع ، كثيرا تحدثنا وأفتينا فيه ، أجزناه وحرمناه كما نشتهي دون التفكر في روح النص "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة" ، فليس المغزى من النص هنا التحريم فقط ، بل جاء لتبيان عظمة حليب الأم وأثر الرضاعة الجم لكل من الأم وطفلها ، فتحريم الله سبحانه لم يصدر إلا لحث الأم على المكوث في البيت وارضاع صغيرها لما في ذلك من فوائد صحية لها وللطفل ، وما يحدث الآن من تسفيه لهذه الآية الكريمة بتلك الفتاوى هو ما يستوجب المعاقبة . لقد حرص الله على بيان الأهمية الشديدة للعلم ، انظروا إلى أول كلمة نزلت في القرآن ، لم تأمر بالصلاة ولا الصيام ولا الركوع ولا السجود ، بل قالت "إقرأ" .. إقرأ .. قبل إسلامك ، قبل ركوعك ، قبل شهادتك . وها نحن الآن بعيدين كل البعد عن القراءة التي خصها الله كفعل بالمقدمة دون غيرها من أفعال . "استغفر الله ، استغفر الله" ، كلمات نصدرهما دون وعي ، كلمات تتعرض للاعتداء اليومي بوضعها على لوحات في الطرق العامة بدلا من صونها في العقول والقلوب ، ثم لم تستغفر الله ؟ ما الجدوى من قول تلك الكلمتين إن لم يتبعهما التفكير بما قمنا به من أخطاء نستغفر الله عليها بدلا من القائها هكذا والإعتقاد بأنها جلابة للأجر الفوري ؟ هذا هو استغفال العقل من جراء عدم التفكر في روح النصوص الدينية .
نتيجة للجهل المتفشي بيننا في العالم العربي اليوم ، لم نعد نستخدم عقولنا في التفكير لا بما يخدم مصالحنا فقط بل بما يخدم الإسلام كذلك ، وهذا بحد ذاته معصية في نظري وجحود لنعمة العقل التي وهبها الله لنا ، وطريقا ممهدا لخلق "الإرهاب الإلحادي" الذي بإمكاننا تجنبه وحماية أنفسنا منه . إن القرآن صالح لجميع الأفراد ولكل زمان ومكان ولا خلاف في ذلك أبدا ، ولكنه نزل مخاطبا عقل الإنسان وعلى ذلك وجب تفعيل عقولنا لا الاتباع الأعمى لأي أحد سوى الله وكتابه وسنة رسوله بما يتلاءم وروح النص القرآني العظيم ، اعذروا لي الجرأة في موضوعي هذا فلم أكتبه إلا لشدة تأثري بما يحصل اليوم من تعد على الإسلام من قبل الكثير .