عزيزي الأخ / حنظله
أعجبني جمال اسلوبك وحسك الجميل وروعة السرد هنا في بدونيات
وحبيت ان أشارك بقصة كتبتها عن موضوع البدون
وهي قصة ادبية قصيرة
المروحـــــــة ..
يكاد صريرها الخشن أن يفتت رأسي .. لا يتوقف .. بل لا يريد أن يتوقف ..
مستمر كطاحونة هواء في ريف مهجور ..
تدور .. وتدور بلا هوادة أو رحمة ..
من تلك الغرفة القديمة في آخر الممر يصلني صوتها المزعج .
بضع وثلاثون عاما وتلك المروحة المشنوقة في أعلى سطح غرفة أبي تدور
بحشرجتها الصدئة تدور وتدور..
بينما هو فاردا ذراعيه إلى الهواء .. وبحركات مماثلة .. يدور ..يدور تحتها ..
ومن أول الليل حتى الصباح وفي كل ليلة .
حينما وصل ذلك الهدير الصاخب أول مرة إلى مسمعي . .
تسلل الشلل إلى أصابعي الرطبة . خر قلمي صريعا من بين يدي ..
أصاب الخرس قلبي لحظات لوقع ذلك الصوت القادم ..
كان المصدر من غرفته ...
لم أستطع البقاء مستسلما لذلك الصوت ..
خرجت متسللا أجس ذلك الممر الطويل الفاصل بين مكاني وغرفته..
خطوات متوجسة قلقة وأرجل غير متزنة ..
أصبح الصوت أقوى واكثر وضوحا وإزعاجا عندما اقتربت من الباب..
أحسست برأسي يكاد أن ينفجر من شدة الصوت ..
ومن طرف الباب رأيته ..
كان واقفا تحت المروحة التي تدور ببطء شديد ..مصدرة صريرا شديدا
وكان يقف تحتها فاردا ذراعيه بشكل أفقي ويدور كما المروحة بكل دقه ..
ذات ظــلام ..
وقفت معه وسط هذه الأرض
قبض على حفنة من ترابها .. صرخ بالحضور
: خلقنا من تراب هذه الأرض .. وعظامنا نسجت من طينها اللزج ..
وصاح الحضور : كاذب .. زنديق
واندلق فم آخر : مختل .. أفاق
الحاضرون ذو رائحة القمامة المحروقة ..رمونا بالقاذورات
القاضي بهندامه المميز ..
وعلى طريقة القصة القديمة _ يموت هو أو أموت أنا أو يموت الحمار _
ضرب بمطرقته الحديدية الكبيرة : يبقى الحال كما هو عليه .
وبقي أبي منذ ذلك اليوم يدور كل ليلة تحت تلك المروحة
حتى انتقلت العدوى أخيرا إلى باقي حجر الدار الضيقة ..
وعلى طول الممر ..
أجد في كل غرفة من حجر البيت ...أحد اخوتي يدور هو الآخر تحت مروحة صدئة طوال الليل...
الصوت المزعج بدأت رائحته تفوح من بين جدان المنزل ونوافذه ..
في حين يتلذذ الحاضرون في الخارج ..
ويتحولون إلى قمامة راقصة
وبينما أمي تقف كل ليلة بين السماء والأرض تنتحب مرارة طعم الماء القادم من الصنبور ...
تتقيأ الأمل على أول غيمة تمر بجانبها ..
تحصي نجوم تكاد أن تخفت إلى الأرض .. فتطفؤها بسيل ينهمر كما الألم
أجلس أنا مختبئا بين أوراقي الصغيرة ..
أندس بين الحرف والكلمة ...
غافيا بين سطر وآخـر ..
محاولا أن أصنع من تلك الاوراق زورق نجاة ..ينجيني من الغرق المحتوم
يجعلني أطفو على سطح القدرة على الاستنشاق .. على النطق ولو بصوت منخفض
على القدرة على البكاء ....من دون أن أهشم قلب أمي بصرخه من وقع ذلك الصوت الصاخب المنهمر من كل الغرف
حتى ......
سمعنا صوت دوي كبير قادما من غرفته..
هرع كل من في البيت إلى ذلك الصوت ..
لم تكن المروحة في مكانها على السقف .. ا
اختفى صوت الصرير ..
بينما كان صوت أبي مخنوقا يحتضن المروحة على الأرض
وهو تحتها ...
يحتضــــــر
===================
بقلم / وليد الهداد