البداية
هل تؤيد فكرة أن الشعر على نوعيه الفصيح و النبطي بشتى مواضيعه الغزلية ،الاجتماعية ، الهجائية و غيرها ، من الممكن أن يكون خير اختصار لمشاعر عديدة بجوف الإنسان يمكن لها أن تحل محل النقاش و الحديث ؟
- المنجز الإبداعي بشتى أقاليمه هو حالة اعتراف مهما اختلفت الأسباب , فالشاعر يعترف بعاطفته والرسام يعترف بأحلامه وخيالاته والموسيقار يخبرنا بأجواء رسمها داخله قبل أن يشاركنا بها , وإذا كان فن الشعر يرتكز على الاختصار , بعكس الرواية التي تستند على السرد المطول , فلابد أن القصائد قادرة على اختصار الكثير مما يتحرك في وجدان مرتكبها .
لنتذكر معاً مجنون ليلى قيس بن الملوح حين تنهد وقال : (وما أكتب الأشعار إلا تداويا ) , علم النفس الحديث يقرر أهمية البوح ويؤكد دورها في الحفاظ على سلامة الصحة النفسية , بهذه الفكرة قد يتبادر إلى الذهن بأن الكتّاب هم الأكثر راحة بما أنهم الأكثر حديثاً , ولكن البوح ليس العامل الوحيد في ضمان الراحة النفسية وإنما هو عمود بين بقية الأعمدة التي تشمل الأمان المادي والروحي والاستقرار الوظيفي والجنسي , من ناحية أخرى هناك الكثير من الكتّاب الإنطوائيين اجتماعيا فلا يعبرون عن مشاعرهم إلا قليلا وعن طريق الكتابة فقط , لذلك لا يمكن أن يحل الفن محل الحوار الحي والنقاش اليومي المباشر , ولكن العلاقة بينهما علاقة تكامل , يقول فرنسوا بوسنار : (الفن هو معزي المآسي البشرية) .
2- لديك بعض القصائد التي تحوي أفكار أو مفردات جريئة بعض الشيء ، هل تعرضت للنقد و عرقلة في نشرها من الجهات المسئولة أم أنك مارست حقك الأدبي كشاعر بكل حرية ؟
- (أحببت الله وأبي والحرية) , نعم تمتعت بكامل الحق في التعبير دون مقص الرقيب , لكن ذلك لا يرجع إلى حنيّة الرقيب وعطفه علي , وإنما بسبب اختياري لوسيلة نشر خارجة عن صلاحياته وهي شبكة الانترنت , في موقعي أنشر ما أشاء , أما الصحف فهي مهددة بقانون الصحافة الجديد , إلى جانب أن المعدين لا يحملون قضايا , يستقبلون منا قصائد الحب والقصائد الوطنية فقط , تخيّل أنني أرسلت لأحد الصحفيين أربعة أبيات في موضوع تدني التعليم فارتعد واعتذر عن نشرها , فكيف لو أنني أرسلت له نقداً لقضية أكثر حساسية , تتمتع صفحات المقالات بحرية أكبر , ربما لأن المعدين في صفحات الشعر غالبا من النطيحة والمتردية .
ماجد دائماً تردد بقصائدك المرأة مظلومة فما هو الظلم الواقع عليها بمنظورك الشخصي؟
- قبل نصف قرن عندما صرحت المرأة بأنها مظلومة وطالبت بحقها في التعليم , سخر منها الكثيرون , وقالوا أنتِ لستِ مظلومة ومكانك البيت وتحججوا بأن الدين أنصف المرأة قبل ألف سنة والدين بريء من أفكارهم الرجعية , واليوم لا يختلف اثنان على أن حق التعليم مشروع لكل امرأة وأنها فعلا كانت مظلومة يوم حرموها من العلم وسمحوا به للذكور فقط , اليوم يعيد التاريخ نفسه فقد كابر الكثيرون قبيل منح المرأة حقها في التصويت والتشريح , وصاحوا وهاجوا لكي يعطلوا قطار العدالة .
في عام 2003 عندما صدر ديواني الأول (شيء يشبه التمرد) كان من ضمن ما فيه قصيدة في قضية المرأة العربية , وكابر الكثيرون واستنكروا القصيدة زاعمين بأن المرأة لا ينقصها شيء من حقوقها , لكن الحق ظهر في سنة 2006 وبعد 3 سنوات حين نالت المرأة حقها السياسي , وقتها كنت أبحث عن الذين استنكروا قصيدتي , ليس لأقول لهم بأن القصيدة صادقة , أبدا , بل لأطالبهم بتحريك عقولهم , فالذي غفل في السابق أن يستوعب حقها السياسي , لابد وأنه لا زال يغفل عن الكثير من الحقوق المهضومة الملغاة جهلاً أو عمداً .
حاليا من وجهة نظري أن المرأة لا تكفيها المساواة , بل هي بحاجة إلى أثر رجعي على هيئة كوتا أو غيرها من الحلول , فليس من العدالة أن يلعب فريق في أرض الملعب وحده شوطاً كاملاً ويسجل ما شاء من أهداف ويكوّن ما شاء من جماهير , ثم بعد أن يصفر الحكم معلنا عن نهاية الشوط الأول , أرحب بدخول الفريق المنافس في الشوط الثاني وأقول لهم استمتعوا بالمساواة , أين العدالة في هذه المساواة ؟ , الفريق الثاني الآن بحاجة إلى أن تحسب له أهداف مجانية تعوض له الغياب الطويل والتهميش , وغسيل المخ الذي تعرض له الجمهور .
نقدوا قصائدك و شخصيتك فماذا تقول لهم؟
لا ترمى إلا الشجرة المثمرة .
ألا ترى أنك متحرر بتطرف و هذا غير مقبول بمجتمعنا فكيف تواجه المجتمع؟
أنا في دول أخرى قد أعتبر متدينا متطرفا , لكن في مجتمعنا أعتبر متحررا بسبب الانغلاق الشديد في هذا المجتمع الذي تم خداعه من خلال تيارات سياسية استغلت الدين لتستمتع هي بالسلطة والمال , إلى جانب جهل الفقهاء بشكل عام , الفقهاء لدينا شوهوا صورة الدين .
هل تظن أنك ما زلت متأثر بقصائد نزار قباني و سيأتي يوم و تظهر بشخصية أخرى؟
- ظل نزار ينحت خمسين عاما في القصيدة العربية , فهو يعد مرحلة مهمة من الأدب العربي , وأنا إن لم أتأثر به فذلك يعني أن في ذائقتي خللا ما , الذي يربطني بالشاعر الكبير عدة أفكار منها البحث عن لغة سهلة تقرّب الناس من الشعر , كلذلك يجمعنا الاهتمام بقضية الحب والاعتراف بها , إلى جانب الزمن , فنحن نعيش في نفس العصر ولذلك لا تتوقعوا مني مثلا أن أشبه البحتري , إن شعبية نزار الكبيرة جعلت الناس يربطون كل شاعر فصيح به , لذلك لا يزعمون تأثري بالبياتي والسياب والماغوط ودنقل , لأنهم ببساطة ليسوا بشهرة نزار .
نقله من الشعر الفصيح إلى الشعر الشعبي ألا ترى إنك ظلمت نفسك؟
ليست نقلة , هي زيادة تجربة , لن أتردد حتى عن كتابة الشعر بالروسية والفرنسية والإسبانية لو أنني أتقنت تلك اللغات .
ما الذي يشدك للفصيح و لماذا أنت مهتم به؟
- الأشياء التي تشدني إليه هي الأشياء التي تشد الإنسان نحو اسمه ووطنه , أنا أتفاعل وجدانيا مع الشعر الفصيح كما لو أنه كلامي اليومي , أنسى للحظات أنها لغة محصورة في الكتب ووسائل الإعلام .
بعيداً عن الدبلوماسية
ما الذي قدمه لك الإعلام غير الأضواء؟
- أحب التقاء الناس الذين يتمتعون بثقافة وموهبة , الإعلام عرفني عليهم واختصر لي الطريق .
هل أنت نادم على قصائدك الجريئة؟
- أبدا , كيف أندم على حقيقتي ؟ , إنني جريء بالفطرة .
هل صحيح انتقالك للشعر الشعبي من أجل الشهرة؟
- أكرر , الشعر الشعبي والشعر الفصيح والشعر الهندي والأفريقي والفارسي , كلها قصائد في نظري , أنا كتبت الشعر الشعبي لأنه كلامي اليومي الذي أستمع إليه منذ ولدت , لا أحتاج إلى إغرائي بالشهرة لكي أكتب بلهجتي الخليجية .
- متى ستطلق العزوبية؟
- حين يتوقف المتزوجون عن النعيق اليومي والشكوى , فهم يخوفوننا حين يلعنون اليوم الذي تزوجوا فيه .
ما هو مفهوم الصداقة لديك؟
- إنها دولة صغيرة ينتمي لها عدد صغير , وبها تبادل منافع غير مشروط .
قالوا أنك مغرور فهل هذا صحيح؟
إذا كان هناك شخص غير موهوب ولا يتقن أي صنعة مفيدة فهو لن يكون معتادا على الاعتداد بنفسه ولذلك سوف يستكثر على الآخرين أن يثنوا على أنفسهم , أي أنه يريد مني أن أقول مثلا أنا لست شاعرا بحجة أن ذلك من باب التواضع , فهو لا يفرق بين التواضع والظلم , ولا يميز بين الغرور والعدل , فمن الظلم أن أقول مثلا أنا لست مثقفا , هذا ليس تواضعاً أبداً بل فيه تغيير للحقائق , لكن البعض لا يستوعب معنى التواضع .
- كيف تتعامل مع شخص ظهر فجأة بأحد أمسياتك و انتقدك ؟
حصلت معي ذات مرة , حضر أحد الشعراء أصبوحتي التي أقيمت في كلية الآداب وكان الشاعر يكبرني بعشرين عاما , وحين نزلت من المنبر سلم علي وأخذ يمشي بجانبي ويطلب مني الاستماع إليه لأنه لديه أوراق فيها نقد فني لما قرأته من قصائد , لا أدري أي نقد هذا الذي يكتبه الناقد بعد قراءة واحدة للنص , فنصوصي كانت جديدة , والنقد الجاد لا يشبه الوجبات السريعة بل يقوم على أبحاث مدروسة لا انطباعات أولية , جلست معه دقيقتين أمام باب القاعة لأجامله ثم تركته ووقفت لأغادر , فوقتي ملكي ومن حقي أن أمنحه إياه أو أحتفظ به لنفسي , قال لي وقتها اجلس فأنا تجربتي طويلة تمتد عشرين عاما ويجب أن تستفيد مني , قلت له تجربتك امتدت عشرين عاما ولم تنفعك فكيف ستنفعني أنا ؟ وغادرت .
هل أثقلنا عليك بالأسئلة؟
أسئلة ممتعة وتستحق السهر معها .
.
كلمة لأعضاء منتدى الشبكة الوطنية؟