موائد الشرفاء
في احدى جلسات مجلس الأمة الماراثونية الأخيرة لمناقشة تقرير لجنة التحقيق في التعديات على المال العام، وقف النائب مسلم البراك
موجهاً كلامه إلى الوزراء: «لو كنت وزيراً لانسحبت من كل مأدبة تجمعني مع أحد سراق المال العام». نعم، هو الأمر كذلك يا عزيزنا
النائب الفاضل، فلو كان المعتدي على المال العام يجد النبذ والاحتقار والتجاهل من قبل أركان الحكومة، لفكر الكثيرون منهم مليون مرة
قبل أن يعتدوا على ذلك المال. ولو كان كل شخص يفكر في ارتكاب مثل تلك الجرائم البشعة في حق الكويت وأبنائها يرى كيف يحتقر وينبذ
ويبعد سراق المال العام لفكر هذا الشخص قبل أن تسول له نفسه المريضة بأن يحول أموال الشعب العامة إلى أمواله الخاصة. ولكن ما
يحدث في هذا البلد هو خلاف ذلك جملة وتفصيلاً، فسارق المال العام تفتح له الأبواب المغلقة وتقدم له فروض الولاء والطاعة من قبل
أركان الحكومة، وزراءً ووكلاء، وتوجه له وباسمه دعوات المناسبات الكبرى، لكي يتشرف بحضوره المهم على الذين دعوه إلى تلك
المناسبات.
موائد الشرفاء، يا عزيزنا النائب الفاضل، لا تضم إلا الشرفاء، بينما موائد الوزراء هذه الأيام تضم الشرفاء وتضم كذلك من هم دون ذلك
بكثير. فلا تتوقع منهم أن ينسحبوا أو أن يتركوا تلك النعم كلها التي تجمعهم بمن استهان بهم وبمن سبقهم من الوزراء والمسؤولين
وبحكومتهم واستهان قبل ذلك بالشعب الذي أقسموا على رعاية مصالحه وحمايتها. ولأن فاقد الشيء لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن
يعطيه، فإن من يتهاون عن تحصيل أموال الشعب ممن اعتدى عليها، فلن يمكنه أن يقدم على مثل هذا النوع من الاحتجاج الإيجابي. هل
هناك بينهم من هو بمثل شجاعة أنس الرشيد عندما قدم استقالته احتجاجاً على مجرد «التفكير» بتنقيح الدستور؟ أم هل هناك بينهم من
هو بمثل صدق سعد بن طفلة مع نفسه حين قدم استقالته من وزارة الإعلام؟ أو هل هناك بينهم من هو بمثل ثبات خالد الجميعان إبان
ترؤوسه لوزارة الشؤون؟ شخصياً لا أعتقد أن هناك من يمتلك مثل هذه الصفات بين وزراء يعتقد أحدهم أن متهماً في قضية مال عام يمتلك
من الصفات ما يؤهله لكي يكون «أستاذه» و«مستشاره» و«قدوته» التي يقتدي بها!
موائد الشرفاء، يا عزيزنا النائب الفاضل، هي التي تلتقي على حب هذا البلد والحفاظ على مصالحه وتنفض على ذلك أيضاً، بينما موائد الوزراء
هذه الأيام تلتقي على المصالح المتبادلة وسياسات «شيلني وأشيلك» و«أدعمني وادعمك»، حتى وإن كانت تلك السياسات تأتي على حساب
مصالح هذا الوطن ومواطنيه وأموالهم العامة! فكلما ارتفع مقدار المصالح المتبادلة، ارتفعت أهمية الضيف ومقدراه وتقديره، والعكس صحيح
للأسف. فلا تستغرب من وجود متهم بقضية مال عام في مأدبة يحضرها وزراء هذه الأيام، فالمستغرب هو أن يكون هناك من يرفض ذلك، أو
أن يكون هناك من يسجل اعتراضه بمثل هذا الطريقة الوطنية الواضحة!
سعود عبدالعزيز العصفور
الرأي
http://www.alraialaam.com/20-05-2007/ie5/articles.htm#3
في احدى جلسات مجلس الأمة الماراثونية الأخيرة لمناقشة تقرير لجنة التحقيق في التعديات على المال العام، وقف النائب مسلم البراك
موجهاً كلامه إلى الوزراء: «لو كنت وزيراً لانسحبت من كل مأدبة تجمعني مع أحد سراق المال العام». نعم، هو الأمر كذلك يا عزيزنا
النائب الفاضل، فلو كان المعتدي على المال العام يجد النبذ والاحتقار والتجاهل من قبل أركان الحكومة، لفكر الكثيرون منهم مليون مرة
قبل أن يعتدوا على ذلك المال. ولو كان كل شخص يفكر في ارتكاب مثل تلك الجرائم البشعة في حق الكويت وأبنائها يرى كيف يحتقر وينبذ
ويبعد سراق المال العام لفكر هذا الشخص قبل أن تسول له نفسه المريضة بأن يحول أموال الشعب العامة إلى أمواله الخاصة. ولكن ما
يحدث في هذا البلد هو خلاف ذلك جملة وتفصيلاً، فسارق المال العام تفتح له الأبواب المغلقة وتقدم له فروض الولاء والطاعة من قبل
أركان الحكومة، وزراءً ووكلاء، وتوجه له وباسمه دعوات المناسبات الكبرى، لكي يتشرف بحضوره المهم على الذين دعوه إلى تلك
المناسبات.
موائد الشرفاء، يا عزيزنا النائب الفاضل، لا تضم إلا الشرفاء، بينما موائد الوزراء هذه الأيام تضم الشرفاء وتضم كذلك من هم دون ذلك
بكثير. فلا تتوقع منهم أن ينسحبوا أو أن يتركوا تلك النعم كلها التي تجمعهم بمن استهان بهم وبمن سبقهم من الوزراء والمسؤولين
وبحكومتهم واستهان قبل ذلك بالشعب الذي أقسموا على رعاية مصالحه وحمايتها. ولأن فاقد الشيء لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن
يعطيه، فإن من يتهاون عن تحصيل أموال الشعب ممن اعتدى عليها، فلن يمكنه أن يقدم على مثل هذا النوع من الاحتجاج الإيجابي. هل
هناك بينهم من هو بمثل شجاعة أنس الرشيد عندما قدم استقالته احتجاجاً على مجرد «التفكير» بتنقيح الدستور؟ أم هل هناك بينهم من
هو بمثل صدق سعد بن طفلة مع نفسه حين قدم استقالته من وزارة الإعلام؟ أو هل هناك بينهم من هو بمثل ثبات خالد الجميعان إبان
ترؤوسه لوزارة الشؤون؟ شخصياً لا أعتقد أن هناك من يمتلك مثل هذه الصفات بين وزراء يعتقد أحدهم أن متهماً في قضية مال عام يمتلك
من الصفات ما يؤهله لكي يكون «أستاذه» و«مستشاره» و«قدوته» التي يقتدي بها!
موائد الشرفاء، يا عزيزنا النائب الفاضل، هي التي تلتقي على حب هذا البلد والحفاظ على مصالحه وتنفض على ذلك أيضاً، بينما موائد الوزراء
هذه الأيام تلتقي على المصالح المتبادلة وسياسات «شيلني وأشيلك» و«أدعمني وادعمك»، حتى وإن كانت تلك السياسات تأتي على حساب
مصالح هذا الوطن ومواطنيه وأموالهم العامة! فكلما ارتفع مقدار المصالح المتبادلة، ارتفعت أهمية الضيف ومقدراه وتقديره، والعكس صحيح
للأسف. فلا تستغرب من وجود متهم بقضية مال عام في مأدبة يحضرها وزراء هذه الأيام، فالمستغرب هو أن يكون هناك من يرفض ذلك، أو
أن يكون هناك من يسجل اعتراضه بمثل هذا الطريقة الوطنية الواضحة!
سعود عبدالعزيز العصفور
الرأي
http://www.alraialaam.com/20-05-2007/ie5/articles.htm#3