مقال خطر خطرللمهندس القلاف من جريدة السياسة

ALQALLAF

عضو
أزمة المياه في الكويت والخليج العربي أكاد اجزم بأن ما من احد يختلف معي على أن الكويت دولة فقيرة في المياه العذبة الصالحة للشرب , وهذا الشح في المياه يدل على ضرورة أن نعمل وان نتدارك ذلك سواء شئنا أم أبينا, فالغرض هو توفير المياه للجميع , وهذا التوفير لن يحدث في الكويت إلا إذا توفر مبدأ العدالة في توزيع المياه على الجميع, وهو الأساس.
ولكن نحن لم نتكلم عن كيف نحل مشكلة فقر المياه العذبة لدينا حتى الآن , بل إن حكومتنا الموقرة ومجلس الأمة الموقر لم يلتفا إلى أن الكويت احدى الدول العربية الثلاث الأكثر شحا في المياه هي والأردن , والبحرين, فالجميع لم يبد رأيا في مشكلة المياه لدينا وهي مشكلة سوف تطغى على أي مشكلة أخرى, بل سوف تفرض نفسها أما للمشكلات على جميع الصعد.
نحن كدولة صحراوية لا جبال فيها كي تنشأ سدودا للمياه ,كما انه ليس لدينا انهار أو مصدر آخر للمياه العذبة سوى التحلية من مياه الخليج , ولكن إلى متى سوف نستمر بالتحلية والى متى سوف يرحمنا أصحاب قطع غيار محطات التحلية ? ومن المفترض, بل من اللازم أن تمثل مشكلة نقص المياه هماً كويتيا وعربيا, خصوصا و هي من أكثر مناطق العالم المتوقع لها مواجهة المشكلات المائية لاعوام مقبلة , هذا مع العلم بأن وجود انهار مشهورة عربيا ولكنها في منابعها من أراض غير عربية, هذا مما يصعب مهمة العرب والخليجيين خصوصا.
ومن هنا تقدر كمية المياه الواردة من خارج الأراضي العربية بنحو 62 في المئة من إجمالي الموارد المائية المتاحة عربياً, أي أن غالبية مياه العرب تأتي من الدول المجاورة لها وهذه الطبوغرافية موضع جدال سياسي, علني , أو بالخفاء بين الدول التي تأخذ من منابع الأنهار من الدول غير العربية وهي تعتمد عليها كمورد مائي مهم بل بالغ الأهمية لها, بل قد يصل الأمر لأمنها القومي, هذا بالنسبة للدول العربية الشقيقة التي تدخل المياه فيها في المشكلات السياسية البالغة الحساسية لكل الأطراف.
ولكن الوضع مختلف في دول الخليج والكويت إلى حد كبير, فالمشكلة المائية مشكلة طبيعية وليست سياسية كما عند الأشقاء الذين تمر في اراضيهم الانهار , إذ تكمن الأزمة في نقص المصادر الطبيعية للمياه
في دول التعاون الخليجي, بالا ضافة إلى التصحر, وقلة معدلات الامطار ناهيك عن عدم وجود انهار , اضافة الى حجم الطلب على المياه الذي يتزايد بشكل مطرد وبمعدل متضاعف من سنة إلى أخرى, نتيجة زيادة السكان , واستنادا الى الزيادة تلك زاد الطلب على المياه في منطقة الخليج ككل من ستة بلايين متر مكعب العام 1980, إلى نحو 70,27 بليون متر مكعب في العام 2006 , ويتوقع أن يرتفع بحلول العام 2020 إلى أكثر من 50 بليون متر مكعب, والعام 2025 إلى 57 بليون متر مكعب, يستهلك قطاع الزراعة منها أكثر من 85 في المئة, مقابل 13 في المئة لمياه الشرب والأغراض المنزلية, في حين لا يزيد نصيب قطاع الصناعة منها على اثنين في المئة تقريبا !!
ويبلغ متوسط استهلاك الفرد في الخليج حالياً أكثر من ألف متر مكعب, غالبيتها من المياه الجوفية ناهيك عما نسبته 4 في المئة من المياه المحلاة, وتدل الب¯يانات على أن اع¯¯تماد الفرد الخليجي على مصادر المياه التقليدية والمت¯جددة محدود في ظل شح هذه المصادر, ولكن الأهم أن هذا النقص متزايد ومستمر, بمعنى أن المتاح من تلك المياه يقل تدريجيا بمرور الزمن, نتيجة الارتفاع المستمر في معدل الزيادة السكانية, وما يصحب ذلك من تزايد نطاق المشاريع الاقتصادية والصناعية, إضافة إلى السحب المستمر من مصادر المياه الجوفية سواء الثابتة أو المتجددة, إذ يتم السحب من الآبار ذات المياه المتجددة بمعدل يفوق كثيراً نسبة المياه الجديدة المضافة إليها حالياً بنحو 16 بليون متر مكعب, بعد أن كانت ما بين 8 و 10 بلايين في العام 1998, ستتسع لتصل إلى نحو 25 بليون متر مكعب في العام 2015, أي بعد ما يزيد على عقد من الآن, رغم أن دول الخليج هي من أكثر دول العالم استخداماً للأساليب التقنية الحديثة في معالجة مشكلة شح المياه, فالسعودية هي الأولى عالمياً في حجم المياه المحلاة المستخدمة لديها, إذ تملك 27 محطة تحلية تلبي 70 في المئة من الطلب على مياه الشرب لديها, كما أنها تقدم 27 في المئة من الإنتاج العالمي للمياه المقطرة, وتليها الإمارات ثم الكويت ويبلغ إجمالي إنتاج دول الخليج من المياه المحلاة ما بين 11الى 99 مليون متر مكعب يومياً و هذا يفسر وبكل وضوح وجلاء اعتماد كل من دول الخليج الست على المياه المحلاة في استهلاكها.
يصعب القول إن دول "التعاون" لديها سياسة مائية خليجية واحدة, رغم أن المشكلة العامة بين دول الخليج وأسبابها مشتركة, فإن التعامل فردياً وليس جماعياً, وتتفاوت طريقة وأسلوب من دولة إلى أخرى, وفقاً لاعتبارات عديدة أهمها مدى تأثرها بالعجز المائي, ومدى مساهمة الموارد المتاحة لها في تغطية هذا العجز ورغم أن الاختلافات في كلا الاعتبارين ليس كبيراً إلا أن كل دولة من دول "التعاون" الست تبنت سياسة مائية خصوصا بها من دون الأخذ بعين الاعتبار بأن المشكلة خطيرة للغاية وبحاجة للقرار الموحد والمخطط المشترك, هذا وإن اشتركت جميعها في الخطوط العريضة من دون قصد, إلا أن هذا التشابه لم يأت نتيجة تنسيق أو تكامل في السياسات والإجراءات المعتمدة المرجوة لمواجهة المشكلة المائية, وإنما جاء ت لتشابه المعاناة من الأزمة التي تخص الجميع وليس أكثر من ذلك, أي بالحظ, والحظ فقط, وأرجو أن ينقذنا الحظ من هذه المشكلة رغم أن الحظوظ ضئيلة جدا , فلا تنسيق ولا إدارة بين دول "التعاون" في مثل هذا الأزمة الهامة والخطرة.
ويلاحظ أن بعض الفروق الجيولوجية بين دول الخليج قد اثرت في طرق تعاملها مع أزمة المياه سلبيا, فعلى سبيل المثال طبيعة الأراضي السعودية من ناحية وطول سواحلها المطلة على الخليج والبحر الأحمر من ناحية أخرى ,جعل تحلية المياه الوسيلة الأكثر ضماناً وجدوى اقتصادياً لزيادة المتاح من المياه الصالحة للاستخدام , وبالمقارنة فإن صغر مساحة الأراضي الكويتية , والطول المحدود لساحلها المطل على الخليج , دفع الحكومة الكويتية إلى البحث عن مصدر آخر لتوريد المياه, ولذلك اتجهت إلى إيران لاستيراد المياه منها, نظراً إلى قرب المسافة بين البلدين ولوفرة المصادر المائية العذبة في الأراضي الإيرانية , ولقد وقعت مذكرة تفاهم مبدئية بهذا الشأن بين الطرفين الكويتي والإيراني, ومن المحتمل إنشاء خط أنابيب طوله 300 كيلو متر لنقل هذه المياه إلى الكويت , وكانت قطر سبقت الكويت إلى التوجه ذاته إذ أبرمت اتفاقاً مع إيران لاستيراد المياه العذبة,( مع تحفظي على الطرف الذي سوف تجلب منه المياه حيث يتحكم بالمياه كيفما يشاء«.
وكل هذا يوضح افتقاد دول مجلس التعاون إلى سياسة مائية واحدة, وهو ما انعكس على الموقف من بعض المشاريع المائية التي اقترحت لتلبية الحاجات الخليجية من المياه, مثل خط أنابيب السلام التركي! كما أن هناك اقتراحات بنقل المياه من العراق إلى الكويت ثم تباعاً إلى بقية دول الخليج, وكذلك نقل مياه نهر النيل إلى غرب السعودية خصوصاً في فترات الفيضان وارتفاع منسوب المياه في النهر.
ويمكن لهذه المشاريع سد الفجوة المائية الخليجية بسهولة, بيد أن هذا لا يعني إغفال التحفظات والمحاذير السياسية المحيطة بها, كما أن ثمة نقطة أخرى تؤكد ضرورة التنسيق المائي بين دول الخليج, وتتمثل في أن هناك نوعاً من التداخل ولا نقول التضارب بين مشاريع تحليه المياه أو معالجة مياه الصرف بين دول المجلس الخليجي, مع العلم بأن التنسيق بين هذه الدول كفيل بان يجنبها المشكلات, هذا إذا ما علمنا أن كلا منها أي دول التعاون لا يفي حتى الآن بحجم الطلب داخل كل دولة على حدة كما إن النسبة الكبيرة التي يستهلكها قطاع الزراعة أكثر من 85 في المئة تطرح سؤالاً مهماً عن مدى التنسيق الزراعي بين دول المجلس!!, وهو أمر يرتبط بدوره بالفجوة الغذائية التي تمثل خللا جوهرياً في الأمن الغذائي الخليجي والعربي كذلك.
يمكن القول إن الوضع المائي الخليجي لا يصب بحالته الراهنة في الرصيد الإيجابي الخليجي, وهو ما ينذر بمزيد من الخطورة في هذا الجانب الحيوي على المدى البعيد , وإذا كانت بعض مناطق العالم مرشحة لنشوب صراعات فيها بسبب المياه, وإذا كانت منطقة الشرق الأوسط تحتل مكانة متقدمة بين تلك المناطق, فإن الصراعات المحتملة في المنطقة ستكون بين أطراف عربية وأخرى غير عربية تتحكم في مصادر المياه ,لكن الوضع الأخطر في منطقة الخليج هو أن التنازع حول المياه لن يكون مع طرف غير عربي يتحكم في المياه المتاحة لدول المجلس الخليجي, لكنه سيكون تنازعاً بينها وبين الطبيعة وهو بالتأكيد أشد تعقيداً وأكثر تهديدا لدول" التعاون" الخليجي.
 
أعلى