بعض كتابات الهرمي
ستة على ستة
رجل الدين .. سوبر مان العصر
حمد الهرمي
ظاهرة عجيبة تنتاب البحرين حيث تحول رجل الدين إلى سوبر مان فهو شيخ دين وفقيه ونائب وقانوني وكاتب ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية قبل ذلك هو منظر سياسي وتشريعي ونقابي، بل إن احدهم بلغ به الأمر إلى الجمع بين كل تلك الصفات إضافة إلى قدراته الغنائية حيث يشارك في أغنية عن التدخين وبكل تأكيد اثبت قدرات تمثيلية غاية في الاحتراف.
حينما يصبح رجل الدين موسوعي إلى هذا الحد ومستحوذا على عدة ادوار ومناصب فان المنطق يقول بان المتخصصين والموهوبين لن يجدوا لهم مكانا في مواقع العمل، وستصبح البلد فجأة وكأنها أصيبت بعقم جعلها تحشد المهام وتوكلها إلى نفر قليل من أصحاب الحضور الديني السياسي، فيما أبناء البلد المبدعين يعانون من البطالة أو التهميش أو الإحباط أو جميع ما تقدم .
تلك الظاهرة حينما تصيب شخص أو فرد من المجتمع فإننا نطلق عليها نرجسية لكن حينما تكون صفة مشتركة لدى عدد ليس بقليل من الكوادر الدينية التابعة للتيارات السنية والشيعية على حد سواء فإننا نطلق عليها جنون العظمة ولا اعتقد أننا في البحرين رغم رغبتنا الصادقة في أن يمن الله على أولائك المصابين بجنون العظمة بالشفاء العاجل لا اعتقد أننا مضطرون لتحمل نتائج تبعات أمراض كوادر تلك التيارات على حساب الوطن ونهضته وقدرته على المحافظة على الانفتاح والتطوير الشامل.
ربما شعور التيارات بأهمية الولوج للمجتمع عبر وسائل الإعلام دفع رجل الدين إلى أن يقتحم مهن مختلفة مثل أن يكون مذيعا وصحفيا وكاتب مقال ومعد برامج ومخرج مسرحيات وممثل وكذلك تجرأ على فنون الغناء فابتكر فكرة الأناشيد التي هي لا تقل عن الغناء في شيء من حيث اللحن والأداء، وأغنية زين التي تغنى بها العفاسي خير مثال.
في ذات السياق فان رجل الدين أصبح اقتصاديا لان التيارات اكتشفت أن الأموال هي التي تضمن نجاحه في الانتخابات وهي التي تحافظ على مكانته في المجتمع، كما أصبح رجل الدين سياسي ومنظر تشريعي وقانوني بمجرد أن تهافتت التيارات الدينية على مقاعد السلطة التشريعية، و ما لبث مع زيادة الوعي بأهمية الوظائف المفصلية في السلطة التشريعية حتى أصبح شيخ الدين إداريا فطحلا إلى درجة أن من يجلس على قمة الجهاز المشرف على مجمل الحياة الإدارية في المؤسسات الرسمية حاليا هو احد قياديي التيارات باعتباره شيخ دين وصاحب حملة شهيرة للحج والعمرة.
يبدو أن ظاهرة شيخ الدين الموسوعي بدأت في التحول إلى كارثة ووبال على البلد حيث بدأت الأجهزة تعاني من تلك الكوادر حيث لا يمكن معالجة الإشكاليات الإدارية عبر صحيح البخاري كما لا يمكن وضع الخطط الاقتصادية حسب معايير العصر من خلال تفسير الجلالين وليس بالإمكان تطوير وسائل الإعلام عبر مذيعين ومعدين تتمحور خلفياتهم العلمية حول تدريس مادة الإسلاميات في المدارس واللغة العربية، كما ليس من المعقول أن تشيد البنية التحتية للبلد على أكتاف وفكر أشخاص لا يملكون من العلم والمعلومات سوى صيغة إقامة الصلاة وشذرات من فوائد عسل النحل وتجارب في الحجامة النبوية والحد الأدنى من كيفية أداء شعائر الحج.
ليس اقل من شفير الهاوية ما نحن مقبلون عليه على يد رجل الدين الموسوعي الذي يستطيع أن يدير وزارة بأكملها بعد خبرة كم سنة في إدارة دكان لبيع العسل، أو بعد إشرافه على احد المساجد المحسوبة لحساب التيار الذي يتبع له، ستكون سقطتنا مدوية وأول ما سيفعله رجل الدين الموسوعي حيال هذه السقطة وتوريط الدولة في الأزمة تلو الأزمة هو الوضوء والذهاب إلى المسجد في حالة إيمانية تمثيلية فيما هو يلوذ بالفرار مستجيرا بالمسجد يحتجب بعض من الوقت حتى تهدأ الأمور ثم يخرج من المسجد في هيئة جديدة طارحا نفسه سوبر مان العصر مرة أخرى وهكذا دواليك لتبقى بلادنا في آخر الركب على مختلف الأصعدة بفعل رجال الدين الموسوعيين المرضى النفسيين.