ابن طُفــيْـل ورسالة "حي بن يقــظان"

محمد حسين

عضو مميز
لــــعّـــل إسم "حي بن يقظان" قد مرّ على مسامعكم من قبل !! وقد يكون ذلك في أيام الدراسة الثانوية أو في غيره من المهرجانات الثقافية التي تُقام بين الفترة والأخرى كالندوات والمنتديات والملتقيات الأدبية مثل مهرجان القرين الثقافي وغيره من المهرجانات الأخرى المشابهة !!

على أية حال أردت من خلال موضوعي هذا أن أُسلط الضوء على تلك الرسالة القيّمة (رسالة حي بن يقظان) التي انتقلت إلينا من القرن الثاني عشر ميلادي لمؤلفها العالم والطبيب ابن طُـــفيْل, لما لها من دلالات فلسفية غاية في العُمق وشرح للمراتب التي يتدّرج بها العقل الإنساني في سلّم المعرفة !!

قبل الولوج إلى قصّة حي بن يقظان لا بد لنا من نبذة موجزة عن حياة مؤلف الرسالة وهو : ابن طُفيْـــــل - أبو بكر محمد بن عبدالملك بن طُفيْل القيْسي......وُلد في أوائل القرن الثاني عشر للميلاد في وادي آش قرب غرناطة, ليس معروف كيف نشأ ولا على يد من تعلّم وتتلمذ, ولكن المعلوم أنه أصبح فيما بعد طبيب الخليفة آنذاك, ونرى في رسالته (حي بن يقظان) معلومات طبيّة وفلكيّة ورياضيّة بالإضافة إلى مذهبه الفلسفي مما يدّل على ثقافته العميقة الواسعة والشاملة, هذه الثقافة التي فرضته على الخليفة أبي يعقوب يوسف المعروف بحبه للعلم والحكمة فاتخذه طبيباً ووزيراً وقرّبه منه.

في سنة 1169 م. طلب الخليفة من ابن طُفيل عــــالماً يشرح له كتب آرسطو الغامضة ! وقد وجد ابن طفيل أن هذا الرجل الذي سيشرح آرسطو أحسن ما شرحه العرب هو ابن رُشد.

مثل ابن رُشد في حضرة الخليفة واطلّع على رغبته وشرع في العمل, أما ابن طُفيل فكان سبب عدم إقدامه على ذلك وهو الحكيم العالم هو تقّدمه في السن وانشغاله بأمور الوزارة !

بعد أن تقدّمت السن بإبن طُفيْل وثقُلت عليه الأشغال وزادت به الأعباء قام الخليفة باتخاذ ابن رُشد طبيباً له على أن يظل ابن طفيل محتفظاً بمنصب الوزارة فقط.

مات الخليفة فخلفه ابنه يعقوب الملقب بالمنصور وأبقى ابن طُفيل على ما كان عليه من مقامٍ وإكرام. على أن ابن طُفيل لم تطل به الأيام بعد موت الخليفة فتوفى بعده بسنة في مراكش سنة 581 هجرية.

لم يصل إلينا من كتب ابن طُفيل سوى رسالة حي بن يقظان والتي سأتناولها في موضوعي بشيء من الإيجاز والتلخيص.

يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
رســــــالة حي بن يقـــــــظان



الــقـــــــصـة في 10 أجزاء :-

(1)

يُصوّر لنا ابن طفيل, طفلاً رضيعاً يسمى "حي بن يقظان" أُلقيَ به في جزيرة نائية خالية من الناس, فحنّت عليه ظبية فقدت ولدها فأرضعته وتعهدّته حتى أينع وكبُر وتعــلّم أصوات الحيوانات التي رآها كاسية متوشحة متسلّحة وهو عارٍ أعزل فاتخذ من الورق والريش ستراً وكســاءاً ومن العصي والحجر سلاحـــاً . .

ثم ماتت الظبية فهاله ما رأى وراعه سكوتها وسكونها من بعد حركتها فأراد أن يعرف علّتها فلم يجد في ظاهرها تغيّرًا ملموساً فترجّــح عنده أن العلّة في عضوٍ محجوب عن بصره فشّق صدرهــا بالمُحدّد من الحجارة وشقاق القصب اليابس حتى اهتدى إلى قلبها فلم يجد في ظاهره آفـــة جليّة, فقام بشقِّه فوجد البيت الأيسر منه خالياً فاستنتج إن هذا الشيء الذي كان في البيت (القلب) وارتحل عنه هو الذي أفقد الظبية حياتها !! وأخذ يُفكر في هذا الشيء فأدرك أن الظبية هي ذلك الشيء المرتحل وما الجسد إلا آله, وزاده يقيناً بهذا بعد أن رأى الجسد يُنتن ويتحلل ! أزعجته الرائحة المنبعثة وعلِم كيف يواري الظبية في التراب بعد أن رأى غراباً يواري غراباً آخر.

يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
المــــــاّدة والـــــروح


(2)


ثم اكتشف النـــــــار وقبَس منها وأخذ يمتحنها وجرّب أن يُلقي فيها بعض ما لفظه البحر من أسماك وكائنات فاهتدى إلى عملية الشواء وإنضاج الطعام, كان إعجابه بالنار يزداد يوماً بعد يوم لما يرى من القوّة الكثيرة والقدرة التي تمتلكها تلك النار ! فخطر بباله أن الشيء الذي ارتحل من قلب الظبية قد يكون من جوْهر النار, فأخذ يبحث عن ذلك بتشريح الحيوانات فتعلّم كثيراً من وظائف أعضائها.


ثم بدا له أن يُعمّر بيتاً يأوي إليه وأن يتخّذ أسلحة يُدافع من خلالها عن نفسه ويصطاد بها الحيوانات.


وكان قد بلغ العام الحادي والعشرين من عمره فأخذ يتأمل في الكون وما فيه من مخلوقات وجمادات وكائنات, فرأى لها أوصافاً كثيرة وأفعالاً مختلفة وأنها تختلف ببعض الصفات وتتشابه في بعضها. وتكوّنت عنده فكرة الكثرة, ثم أخذ ينظر إلى الحيوانات والنباتات وما يتفق فيه كل منها وما يختلف فتكوّنت عنده فكرة النوع وفكرة الجنس, ثم رأى الحيوان والنبات يتفقاّن في التغّذي فاعتقد أنهما شيء واحد, ثم نظر إليهما وإلى الجماد فرأى أن الثلاثة تتفق في الجسميّة ولكن تختلف في الخواص الأخرى فظّن أن الكل شيء واحد وإن عمّته الكثرة. ثمّ تأّمل مرة أخرى ليرى أن تلك الأشياء تتحد في الجسميّة وتختلف في الشكل والصورة, ولاح له أن الروح الحيواني لا بد أن يكون شيئاً زائداً عن هذه الجسميّة ويصلح لأن يعمل تلك الأعمال والحركات الغريبة ويفهم الإدراكات الحسيّة, فعَظُم في عينه أمر الروح وعلِم أنها أعظم وأسمى من الجسد الذي يفنى ويبلى, ثم أخذ يُفكر في أصل الأشياء فزعم أن أبسطها ما حوله : الماء والتراب والنار والهواء, فنظر لعلّه يجد وصفاً جامعاً لهذه الأجسام فلم يجد إلاّ معنى الإمتداد ولكن خلف هذا الإمتداد معنى آخر وهو صورة الشيء الذي تبّدل وتحوّل !! فتكوّنت عنده فكرة المادة والصورة فأشرف بذلك على الوصول إلى مشارف العــــالم العقلي.


يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
حوادث وأفعال !! من هو الفاعل ورائها ؟؟


(3)


ثم عاد إلى الأجسام البسيطة فرأى صورها تتغيّر, كالمـــــاء يكون ماءً فيصبح بخاراً ثمّ يرجع ماءً, فأدرك أن اختلاف الصور لا يمكن أن يكون من أصل الشيء, وعلِم أن كل حادث لا بد له من مُحدِث, وتحقق له أن الأفعال المنسوبة إلى الأشياء ليست في الحقيقة لها وإنما هي لفاعل يفعل بها !! فحدث له شوْق لمعرفة هذا الفاعل, فجعل يطلبه من جهة المحسوسات ولكنه لم ير في المحسوسات شيئاً بريئاً من الحدوث والإفتقار إلى الفاعل فأّطرها كلُها وانتقل إلى الأجرام وتفكّر وتساءل ! هل هي ممتدة إلى ما لا نهـــاية ؟ فتحيّر عقله ثم أدرك بقوّة نظره أن جسماً لا نهاية له أمرٌ باطل وشيء غير ممكن ومعنىً لا يُعقل.


ثم تفكّر في العالم بجملته, هل هو شيء حدث بعد أن لم يكن وخرج إلى الوجود من العدم ؟ أم هو أمر كان موجود ولم يسبقه العدم ؟؟ فتشكّك في ذلك ولم يترّجح عنده أي الحُكمين, وذلك أنه كان إذا أزمع على إعتقاد الــقِــدَم اعترضته عوارض كثيرة من استحالة وجود ما لا نهاية له, وأن هذا الوجود لا يخلو من الحوادث فهو مُحدَث بالتالي أيضاً, وإذا أزمع على اعتقاد الحدوث اعترضته عوارض أخرى وذلك أنه كان يرى أن معنى حدوثه بعد أن لم يكن لا يُفهم إلاّ على معنى أن الزمان تقدّمه, والزمان في جملة العالم وغير منفك عنه, فإذاً لا يٌفهم تأّخر العالم عن الزمان !!! ثم كان يقول : لِـــمَ أَحــدَثَهُ المُحدِث الآن ولم يُحدثه قبل ذلك ؟ هل طرأ عليه طاريء أم لِتغيّر حدث في ذاته ؟؟


يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
حـــــيرة فــ تفَكُّر تقود إلى معرفة !!


(4)


وما زالت تتعارض عنده الحجج حتى تحيّر وجعل يُفكر ما الذي يلزم عن كل واحد من الإعتقادين ؟ فلعل اللازم عنهما يكون واحداً !! فرأى أنه إن اعتقد حدوث العالم وخروجه إلى الوجود بعد العدم فاللازم عن ذلك ضرورة أنه لا يمكن أن يخرج إلى الوجود بنفسه, وأنه لا بد من فاعل يُخرجه إلى الوجود, وأن ذلك ليس بجسم لأنه لو كان جسماً لاحتاج إلى مُحدِث ولو كان المُحدث الثاني جسماً لاحتاج إلى مُحدث ثالث والثالث إلى رابع ويتسلسل إلى غير نهاية, وهو باطل. وإن اعتقد قِدم العالم فإن اللازم عن ذلك أن حركته قديمة وكل حركة لا بد لها من محرّك ضرورة, والمحرّك إماّ أن يكون قوّة سارية في جسم من الأجسام وإما أن لا يكون كذلك, وكلّ قوة سارية في جسم تنقسم بإنقسامه فتضعف بضعفه وكل جسم لا محالة مُــــتَــنـــــاهٍ, لأن كل قوة متناهية فلا بد أن يكون المحرك بريئاً من المادة وعن صفات الأجسام !!

فانتهى نظر حي بن يقظان من هذا الطريق إلى ما انتهى إليه بالطريق الأول ولم يضره تشككه في قِدم العالم وحدوثه.

ثم رأى أنه يتوجب عقلاً لهذا الفاعل العظيم جميع صفات الكمال من علم وقدرة وإرادة واختيار ورحمة وحكمة.


يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
إدراك الفـــــاعل .. ثم معرفته للجسم الحيواني / المادة / العقل

(5)


ولما حصلت له المعرفة بهذا الفاعل العظيم أراد أن يعرف بأي شيء عرفه ؟ فلم يجد في حواسه الخمسة وسيلة لإدراكه, فالبصر يدرك الأجسام والفاعل العظيم بريء من صفات الأجسام !! فتبيّن له أن ذاتــــه التي أدرك بها هذا الفاعل بريئة من الجسم, ثم تحقق له أن هذه الذات البريئة من الجسم لا يعتريها الفنـــاء, وأنها ستبقى في حياة خالدة منعّمة أو معذّبة بحسب ما كان لها من حظ الإقبال في حياة الدنيـــا على معرفة الفاعل العظيم ومراقبته, وحمله هذا الإعتقاد على أن يُفكر بطريقة جديّة ينّظم بها حياته وينصرف إلى المزيد من التأمل في أسرار المخلوقــــات.


نظر إلى نفسه فرأى فيها شيئاً من سائر أنواع الحيوان بجزئه الخسيس وهو البدن المظلم الكثيف الذي يطالبه بالمحسوسات, وعلِم أن هذا البدن لم يٌخلق له عبثـــاً وأنه يجب عليه أن يُصلح من شأنه ويرعاه وهذا الأمر لا يتحقق إلا بفعل يشبه أفعال سائر الحيوانات, كالأكل والشرب والنوم ....الخ. ورأى أيضاً أنه يشبه الكواكب من حيث أن لها أجساماً وذراّت عارفة تعرف موجدها, ورأى من جهة أخرى أنه يشبه الجزء الأشرف الذي عرف به الفاعل العظيم ! فوقر في نفسه وجوب التشبه الدائم بهذه الأجزاء الثلاثة : فيتشبه بالحيوان في فعل ما يضمن صلاح بدنه وبقاء جسده بقدر الضرورة والكفاية فاقتصر على التغذي بالنباتات وإن لم يجدها أكل من الحيوانات مع إحتفاظه ببذور النبات مع حرصه على اختيار أكثر الحيوانات وجوداً محافظة منه عليها من الإستئصال, وقام يتشبه بالأجرام السماوية فأعجبه وراق له نورها وتأثر بشفافيته وحركتها الدائمة ودورانها الذي يعطي ما تحتها من النور والحرارة, فهي تشاهد واجب وجودها وتتصرف بحكمته ولا تتحرك إلا بمشيئته !! فألزم نفسه أن لا يرى ذا حاجة أو عاهة أو مضّرة من سائر الحيوان والنبات إلا سعى في دفع الضرر عنه, فمتى وقع بصره على نبات قد حجبه عن الشمس حاجب أو تعلق به نبات آخر يؤذيه أو عطش عطشاً شديدا يكاد يفسده إلا وسارع في إزالة ذلك عنه !! ومتى وقع بصره على حيوان قد أرهقه سبع أو نشب به ناشب أو تعلّق به شوك أو حسّهُ ضمأ أو جوع إلاّ وتكفّل بإزالة ذلك عنه فقام وأطعمه وأسقاه. ثم ألزم نفسه بنظافة جسده ولباسه وألزم نفسه من ضروب الحركة والإستدارة كمثل استدارة الكواكب فكان يطوف بالجزيرة ويدورعلى ساحلها مشياً أو هرولة, وكان يديم التشبه بتلك الأجرام وهو يتفكر بالموجود الواجب الوجود ويحاول أن ينقطع عن عالم المحسوس وأن يستغرق في التفكير العميق مستعينا بذلك بسّد حواسه وقمع شهواته حتى يغيب عن إحساساته ويتخلّص من عوائقها فيتاح له مشاهدة الفاعل العظيم.



يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
الفنـــاء عن النفس طلباً لرؤية الحق !

(6)

بعد أن علِم حي بن يقظان أن الفاعل العظيم متّنزه عن الجسمية أراد أن يصل إلى الواحد الموجود فطفق ينزع عن نفسه كل صفة سلبية طلباً منه التجرّد من جسمانيته منقطعاً إلى التفكير في الله فكانت تمضي عليه الأيـــام وهو مستسلم إلى هذه الغيبوبة ومازال يطلب الفــناء عن نفسه ويروم الوصول إلى الحق بإخلاصه المنقطع حتى تـــأّتى له ذلك وكان له ما أراد فقد غابت ذاته في جملة الذوات ولم يبق إلا الواحد الحق الموجـــود الثابت الوجود, وحصل له من اللذة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتلك حــــــالٌ لا يمكن وصفها ولا التعبير عنها ومن رام شيئاً من ذلك فهو بمنزلة من يريد أن يصف تذوّقه لطعم الألوان أو يطلب السواد حلواً أو يطلب السواد حـــــــــــامضاً . . .

ثم يذكر ابن طفيل بلسان حي بن يقظان وصفـــــاً خيالياً غريـــباً عجيباً لما شاهده في الفلك الأعلى والعوالم الأخرى لكلام يعترف هو نفسه أنه كلام غير مفهوم ويقول فيه أن مجال العبارة ضيّق وأن الألفـــاظ توهم غير الحقيقة !!!!!!!!

يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
تطابق المعقول والمنقول !

(7)


ثم ينتقل ابن طُفيل في القصّة إلى وصف جزيرة قريبة من جزيرة "حي بن يقــظان" فيها ملّة تدين بدين بعض الأنبياء, وأنه كان من جملة المؤمنين لهذا الدين الجديد فــتَـــيَـــان أحدهما يُدعى "أبــســـال" والآخر "ســـلمــان" فأخذا يتفقهّان في الدين الجديد ويحاولان إدراك ما وراء تلك الشريعة من صفات الله والملائكة وأخبار المعاد. فكان أبسال أشد غوصاً على الباطن وأطمع في التأويل, فانصرف أبسال إلى اعتزال الناس آخذاً بما ورد فيها من أقوال تحمل على العٌـــزلة ! أمـــاّ سلمان فقد انصرف إلى معاشرة الناس آخذا بما ورد في تلك الشريعة من أقوال تحمل على مدارة الجماعة. وكان اختلافهما سبب افتراقهما, فقد قرّر أبسال الإرتحال إلى الجزيرة المجاورة النائية والتي كان يقطنها "حي بن يقظان" ليعتزل الناس وينقطع إلى العبادة. واجتمع هناك بحــيّ ! فلماّ سمع حي قراءة أبسال ورأى صلاته وتسبيحه ودعاءه أدرك أنه من الذوات العارفة - وإن لم يفهم كلامه - وعلّمه أبسال أسماء الأشياء حتى استطاع النـُـطق والكلام, وأخبر حي صديقه الجديد بتاريخ حياته من حين موت الظبية وكيف أنّه ارتقى بالتفكير حتى انتهى إلى معرفة الله تعالى ! فلما سمع منه أبسال وصفهُ لذات الحق, لم يشك في أن جميع الأشياء التي وردت في شريعته هي نفس ما عرفه حي بن يقظان وأدركه بعقله, فتطابق عنده المعقول والمنقول وقربت عليه طرق التأويل, ولما أخبر أبسال صديقه حيّــــاّ بما ورد في شريعته لم ير حـــيّ فيه شيئاً على خلاف ما شاهده وعرفه بنفسه, فعلم أن الذي وصف ذلك وجاء به مُحق في وصفه صادق في قوله رسول من عند ربه, فآمن به وصدّقه وشهد برسالته, ثم قام بتعلم ما جاء به هذا الرسول من أمر ونهي فالتزمه كله.


يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
تساؤلان . .

(8)

بعد أن آمـــن حي بن يقظان بالـــدين الجديد بــقيّ في نفسه أمـــران لم يتضح له وجـــه الحكمة فيهما !!

الأول : لــِـــــمَ كان هذا النبي يضرب للناس الأمثال في أكثر ما وصفهُ من أحوال العالم الإلهي, ولِــمَ أضرَبَ عن المكاشفة حتى وقع بعض الناس في مسألة التجسيم واعــــتقدوا في ذات الحق أشياءاً هو مــنّــزه عنها ؟؟

الثاني : لِـــمَ اقتصر هذا الرسول على هذه الفرائض وأباح إقتناء الأموال والتوسع في المكاسب حتى تــفـّـــرغ الـــنــاس للـــباطل وأعرضوا عن الحق ؟؟


يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
حي بن يقظان يلتقي بقوم أبسال . .

(9)

حــدّثت (حي بن يــقظان) نفسُــــه أن يتصل بالناس ويحدثهم بما اتضح له من الحق بمشاهدة الفلك الأعلى والعوالم الغيبيّة ووصوله للحق بعد انقطاعه في تلك الأيام التي خلت, وفاوض صديقه أبسال بذلك فوافق وأعجبته الفكرة, وقــيّـــض الله لهما سفينة مارة بالقرب من الجزيرة, فأقلتهما إلى جزيرة أبسال, وهناك اجتمع أبسال بأصحابه وعرّفهم بحـــال "حي بن يـقظــان" ومقامه, فأعظموه وبجلّوه وأقبلوا عليه, فشرع حيّ في تعليمهم وبث أسرار الحكمة إليهم ولم يكد يخرج عن الظاهر إلا قليلاً حتى جعل القوم ينقبضون عنه وينفرون من كلامه الذي جهلوه ! فيئس من إخلاصهم وهم خــاصّة القوم فكيف بحال العـــامّة ؟ الذين وجدهم متكالبين على الدنيا بمادياتها, منغمسين في الجهالة !!!!!!

يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز
الحقيقة التي توّصل إليها حي بن يقظان آخـــراً . .


(10)


تحـــقــّـق لــ حي بن يقظان أن مخاطبة عــــامّة الناس بطريق المكاشفة لا ينفعهم ! وأن تكليفهم من العمل فوق القدر الذي كُـــلّــفوا به لا يمكن ! وأدرك أن الحكمة كلها والهداية والتوفيق فيما نطق به الأنبياء والرسل ووردت به الشرائع ! وأن لكل عملٍ رجالاً, وأن كلاً مُيـــسر لِـــما خُـــلِـــقَ له !! فانصرف إلى سلمان وأصحابه من أهل الظاهر واعتذر إليهم عما كان قد تكلّم به معهم من حوادث المكاشفة, وأعلمهم أنه قد رأى مثل رأيهم واهتدى لمثل هديهم وأوصاهم بالتزام ما هُـــم عليه من الوقوف عند حدود الشرع, والإيمان بالمتشابهات والتسليم بآياتها واجتناب الخوض فيما لا يعنيهم والإعراض عن الأهواء الخادعة المُضّلة, وأنه لا نجاة لهم إلا بهذه الطريق, وأنهم إن ارتفعوا إلى يفاع الإستبصار, اختّل ما هم عليه من أمر دينهم وتذبذبوا وانتكسوا وساءت عاقبتهم !
ثمّ ودّعهم وعاد مع أبسال إلى جزيرته وبقيا فيها هناك, يعبدان الله ربهما حتى أتــــــاهما اليقين.


إنتـــــهى.
 

محمد حسين

عضو مميز

شكراً زميلتي أوركيدا لإطراءك والمرور ...

أتمنى أن أكون قد وُفقت في سردي وتلخيصي لرسالة حي بن يقظان لصاحبها الطبيب والعالم الأندلسي ابن طــُـــفيل !!

في هذا الرابط ترجمة حياة ابن طفيل من الموسوعة الحرة لمن أراد الإستزاده,

http://ar.wikipedia.org/wiki/ا%...81يل

سأتطرق في مداخلاتي القادمة في هذا الموضوع إلى غاية الرسالة والحقائق التي أراد ابن طفيل أن يبيّـــنها من خلال حي بن يقظان !

تحياتي للجميع :) ,,,
 

محمد حسين

عضو مميز
غاية الرســـــالة !!



أراد ابن طُفيْل أن يُبيّن من خلال قصّة حي بن يقظان الحقائق التالية :


- المراتب التي يتدّرج بها العقل في ســُـــلّم المعرفة من المحسوسات الجزئية إلى الأفكار الكليّة.


- أن العقل الإنساني قادر من غير تعليم أو إرشاد على إدراك وجود الله بآثاره في مخلوقاته وإقامة الأدلة الصادقة على ذلك.


- أن العقل قد يعتريه الكلال والعجز في مسالك الأدلة عندما يريد تصّور الأزلية المطلقة والعدم المطلق واللانهاية والزمان والقدم والحدوث وما شاكل ذلك.




يتبع . .
 

محمد حسين

عضو مميز

تتمة للحقائق المستفادة من قصة حي بن يقظان :



- أن العقل سواء ترّجح لديه قِــــــدم العالم أو حدوثه فإن اللازم من كل واحدة من الإعتقادين هو شيء واحد وهو وجود الله.


- إن الإنسان قادر بعقله على إدراك أُسس الفضائل وأصول الأخلاق العملية والإجتماعية والتحلي بها وإخضاع الشهوات الجسدية لحكم العقل من غير إهمـــال لــ حق الجسد أو تفريط فيه.


- إن ما تأمر به الشرائع السماوية وما يدركه العقل السليم بنفسه من الحق والخير والجمال يلتقيان عند نقطة واحدة بلا خلاف.


- إن الحكمة كل الحكمة هي فيما سلكه الشرع من مخاطبة الناس على قدر عقولهم دون مكاشفتهم بحقائق الحكمة وأسرارها وأن الخير كل الخير للناس هو التزام حدود الشرع وترك التعمّق.
 

الأعرابي

عضو فعال
كل الشكر والتقدير للزميل محمد حسين . لاشك ان مثل هذي المشاركات تثري المنتدى وتعم الفائدة .
الأعرابي
 

أوراد الكويت

عضو بلاتيني

- إن الحكمة كل الحكمة هي فيما سلكه الشرع من مخاطبة الناس على قدر عقولهم دون مكاشفتهم بحقائق الحكمة وأسرارها وأن الخير كل الخير للناس هو التزام حدود الشرع وترك التعمّق.


موضوع رائع ويستحق القراءه والتأمل ..
ألف شكر أخي محمد حسن ..


تحياتي لك ..

:وردة:


 

محمد حسين

عضو مميز

- إن الحكمة كل الحكمة هي فيما سلكه الشرع من مخاطبة الناس على قدر عقولهم دون مكاشفتهم بحقائق الحكمة وأسرارها وأن الخير كل الخير للناس هو التزام حدود الشرع وترك التعمّق.


موضوع رائع ويستحق القراءه والتأمل ..
ألف شكر أخي محمد حسن ..


تحياتي لك ..

:وردة:



شكراً زميلتي اوراد الكويت ...

إهتم الغرب أشد الإهتمام برسالة حي بن يقظان واستلهموا منها الكثير ... كما يقال ايضاً أن قصة طرزان وروبنسون كروزو وماوكلي كلها مستوحاة أو مقتبسه من قصة حي بن يقظان !
 
أعلى