نحن والعراق

سيفكس

عضو مميز
زايد الزيد
حاولنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة أن نستعرض الجذور التاريخية للدعاوى العراقية في ضم الكويت ، وحددنا الظروف التي كانت تعيشها المنطقة في مرحلة ثلاثينيات القرن الماضي ، حيث بروز دعوات إنشاء الدول القومية الكبرى ، وحيث الحراك السياسي الكويتي ، ومن ثم إلتقاط الملك العراقي ' الصغير ' غازي لهذه الظروف ، وهو الحالم أصلا بإعادة حلم جده الشريف حسين بن علي ملك الحجاز في إنشاء دولة عربية كبرى ، واطلاق أول دعوى عراقية بضم الكويت .
وأعتقد أنه من أهم النقاط التي أغفلها الباحثون في قضية دعاوى العراق في ضم الكويت ، عدم الانتباه – أو بالأحرى عدم الاشارة - إلى أن مطلق الدعوى الأولى وصاحبها ، وهو ملك العراق ' الصغير ' غازي بن الملك فيصل بن الشريف حسين بن علي ، ليست له ولا لأسرته أدنى علاقة بأرض العراق ، وبالتالي فإن دعواه لاتتسم بالجدية بقدر ما أن المصلحة هي دافعه ومحركه ، ولو كان للدعوى أساس من تاريخ أو جغرافيا لنطق بها العراقيون قبله !! فاعتلاء أبيه الملك فيصل الأول عرش العراق جاء فقط نتيجة تسوية عقدها الانجليز مع جده الشريف حسين بن علي ، بعد أن نكث الانجليز بعهودهم مع الشريف ! فلقد كان اتفاقهم الأساس معه أن يقود بمساعدتهم ثورة العرب ضد الدولة العثمانية في الحجاز وبلاد الشام والعراق ، وإذا نجحوا في طرد العثمانيين من تلك المناطق ، فإنهم سيمكّنون الشريف حسين من إقامة دولة عربية كبرى تشمل بلاد الحجاز وبلاد الشام والعراق ، يكون ملكا عليها ، ولم يكن الشريف حسين حينها يعلم أن الانجليز وحتى قبل الثورة العربية الكبرى ( 1916 ) التي قادها ضد العثمانيين ، كانوا قد انتهوا من صياغة اتفاقية ' سايكس بيكو 1916' بشكل سري مع الفرنسيين ، وبمصادقة من حكومة روسيا القيصرية ، وهي الاتفاقية التي تم على أثرها تقسيم ما يعرف ب ' الهلال الخصيب ' أي بلاد الشام والعراق بين الانجليز والفرنسيين ، وربما كان سيتأخر كشف تفاصيل هذه الاتفاقية زمنا أطول لولا قيام الثورة البلشفية ( 1917 ) التي أطاحت بالنظام القيصري في روسيا ، وقيام الشيوعيين بكشف تفاصيل هذه الاتفاقية السرية !
وكانت التسوية مع الشريف حسين تتضمن بالاضافة إلى منحه عرش العراق ، منحه أيضا عرش سوريا ، وقد نصّب الشريف حسين ابنه الملك ' فيصل الأول ' على هذين البلدين ، كما تضمنت التسويه إهداؤه أراضي شرقي نهر الأردن التي وضع عليها الشريف حسين ابنه الملك ' عبدالله ' ، كل ذلك في مقابل خروج الشريف حسين من أرض الحجاز ، بعد الصعود السياسي الكبير لعبدالعزيز بن سعود ' سلطان نجد ' في ذلك الزمان ، الذي استعاد الرياض من ' ابن رشيد ' في العام 1902 ، وكان ماضيا في توحيد أجزاء الجزيرة العربية .
إذا ، نحن أمام معطى مهم في الموضوع ، وهو أن من يقول أن الكويت تعود تاريخيا إلى العراق ، ويريد أن يضمها للبلد الذي يعتلي عرشه ، هو شخص لاينتمي أبدا لهذا البلد ، وكان همه الرئيس توسيع نفوذ عرشه ليمتد إلى أكبر قدر من الدول العربية لإحياء حلم جده ، فليس الموضوع متعلق بتبعية الكويت للعراق بأي شكل من الأشكال ، فلقد عجزت لاحقا كل الأنظمة السياسية في العراق أن تثبت من خلال التاريخ أو الجغرافيا تلك التبعية المكذوبة !!
وللتدليل على ذلك ، وكما قلنا من قبل ، أن الدول المجاورة للعراق - وقتذاك - كانت عصية على حلم الملك ' الصغير ' غازي ، فقد شهدت سوريا طرد والده ( الملك فيصل الأول ) من الحكم ، وطرد جده ( الشريف حسين ) من مسقط رأسه ومنطقة نفوذه وارتكازه الديني وهي الحجاز ، أما الأردن فكانت تقع ضمن نفوذ العرش الهاشمي ، ولم يتبق من الجيران العرب سوى الكويت التي رآها الملك الحالم ضعيفة وصغيرة ، واعتقد واهما أن حراكها السياسي الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة سيساعده على ضمها بسهولة !!
كما أن القضاء على حكم العائلة الهاشمية في العراق في ثورة 14 يوليو 1958 التي قادها الضابطان عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف ، وتمثل بالمشهد الوحشي المأساوي ، حينما طلب الضباط الثوار من الملك ' فيصل الثاني ' ( ابن الملك غازي وثالث ملوكهم وآخرهم ) و أفراد العائلة الهاشمية المالكة ، الاستسلام والخروج إلى باحة القصر ، فإمتثل الملك ومن معه لطلبهم ، وزاد عليه بأن خرج واضعا المصحف الشريف على رأسه ، وحاملا بيده راية بيضاء ، إلا أن هذا لم يحرك في ضمير الثوار أدنى شعور بالرأفة أو الرحمة ، فأطلقوا عليهم النار وهم واقفون مستسلمون ! أقول أن هذا لم يدفع العراقيين في كل المراحل السياسية اللاحقة على ثورة 1958 إلى المطالبة بعودة حكم الأسرة الهاشمية لعدم وجود أي ارتباط لهذه الأسرة بهم وبأرضهم ، بل وحتى عراق مابعد صدام حسين ، والذي يحلو للكثيرين تسميته ب ' العراق الجديد ' ، لم يشهد أي تحرك جاد ، لإعادة ذرية الملك فيصل الأول إلى العراق ، وإعطائهم ولو شكلا رمزيا ، ضمن التركيبة الرسمية العراقية ، ناهيك عن المطالبة بإعادة العرش المنزوع لهذه العائلة الهاشمية المنكوبة !
منقول http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=57376&cid=47
 
أعلى