عندما يســــــــــــيئ الانسان " لاخيه " الانسان
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=--=--=-=-=-=-=-=--=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
يرتبط الانسان بالانسان في معرض وجوده بصور واشكال متعدده من العلاقات الانسانيه . وطبيعة العلاقات الانسانيه ، أي علاقة الانسان بالانسان ، تعد من الامور الهائله والمحركه العظيمه لسلوك الانسان وللاحداث المتنوعه بمختلف اشكالها وانواعها .
ولايستطيع الانسان الا ان يكون موجودا مع الناس ، ولابد له من الارتباط ، بشكل او باخر ، مع انسان اخر ، ايا كانت طبيعة هذا الترابط ومدي قوته ، فالمهم ان الانسان مرتبط بالانسان .اذ ان من طبيعة الانسان الارتباط بالانسان ، وكما يقول الاستاذ الكبير " ارسطو طاليس " : الانسان اجتماعي بطبعه .
والعلاقات الانسانيه تتخذ اشكالا متعدده ومتنوعه ، فمنها العلاقات الاسريه ، مثل علاقات الابوه والامومه والبنوه والاخوه والعمومه ، وكذلك العلاقات الاجتماعيه المتنوعه كالصداقه والجوار والزوجيه والعشره وعلاقات الحب بين الجنسين ، والعلاقات التجاريه وعلاقات المصالح والزماله في العمل والزماله في الانترنت ، وما الي ذلك من اشكال متعدده للعلاقات الانسانيه .
وهذه العلاقات الانسانيه متحركه وليست ثابته ، وهي " طالعه نازله " فلايمكن ان تستقر علي حال طالما بقي الانسان هو الانسان ، وطالما بقي الانسان يحمل معه طبيعته الانسانيه ، فهذه العلاقات تتارجح بين البعدوالاقتراب ، والانفصال والاتحاد ، والنزاع والتعاون ، والاتفاق والاختلاف ، والخضوع والاستسلام او التمرد والعصيان .
ومن اسوا اشكال العلاقات الانسانيه واكثرها بشاعة هي علاقة " الانسان السيد " ب " الانسان العبد " مثل علاقة امراء الاقطاع بالمزارعين والفلاحين ، وعلاقة الخادم بسيده المخدوم ، وعلاقة عمال المصنع بمدير المصنع ومالكه ، فمثلا فان " السيد " اللذي لديه خادم يعمل لديه منذ سنين علي احسن مايرام ، فانك تجده بمجرد ان يصدر منه خطا اوزلل لمره واحده حتي تجد " سيده " يشنعه ويزري به ايما ازراء ويعاقبه باشد العقوبات قسوة وظلما وطغيانا ، فهذا " السيد " قد تغلغل في اعماقه ان هذا الخادم طالما انه خادمه فانه يجب عليه ان يكون ملاكا وان فرصة الخطا لديه منعدمة تماما .
مشكلة الانسان انه ماان يرتبط بانسان اخر ، فهو يضع في قرارة نفسه انه قد ارتبط بانسان لاياتي منه الغلط والخطا والاساءه اوالغدر والخيانه ، وان هذا اللذي يرتبط فيه لاياتيه الباطل لامن خلفه ولا من امامه ، بل والبعض يعتقد من حيث يدري او لايدري ، ان علاقاته بشخص ما ستكون علي مايرام الي ابد الابدين ، ويعتقد الانسان ان من ارتبط به لن يخطئ بحقه ولن يسيئ للعلاقة بينهما الي الابد .
يعتقد الانسان من " اخيه " الانسان اللذي يرتبط به بعلاقة ما ان يكون ملاكا لايخطئ ابدا ، ورغم ان الانسان يمارس كل الافعال والسلوكيات والاقوال الحقيره والسافله والحيوانيه ، من كذب وخيانه وغدر وتزيف وخداع وغش وغرور وانانيه وحقد وغيره وحسد وماالي ذلك من صفات يتصف بها الانسان ، بطبعه ، الا انه يغضب ويزمجر ويزبد ويرعد ان هو راي من اخيه الانسان شئ من هذه السلوكيات التي يمارسها هو من حيث لايدري . فالانسان يمارس اقذر واخس السلوكيات وابشعها ، ثم هو يستنكر ويهاجم الاخرين او من يرتبط معهم بعلاقه ، ان هموا مارسوا مايمارسه هو من اعمال وسلوكيات سافله حقيره .
عندما يري الانسان " اخيه " الانسان ، يتكلم عن الشهوات والرغبات والغرائز ويذكراهميتها وخطورة تجاهلها ،او عندما يري " اخيه " الانسان في حالة اشتهاء اوتحسر او رغبه لشهوة ما ، فانه يستنكر هذا السلوك ويدين هذا التصرف ، ويتهم " اخيه " الانسان بابشع الاتهامات ، وينسي المسكين ، انه هو ايضا " انسان " ويشتهي ويرغب ولديه غرائز ، ربما فاقت بوحشيتها وشراستها شهوات من ادانه وهاجمه .
ينسي الانسان نسيانا مريعا انه يرتبط بانسان اخر ، مثله تماما . فالانسان يعتقد ، دون ان يدري او يعي ، انه ولانه قد ارتبط بانسان اخر ، فان هذا الاخر قد صار ملاكا لايخطئ ابدا ، فقط ، لمجرد انه ارتبط به . وكأن ارتباطي " انا " بانسان اخر ، قد جعله ملاكا لايعرف الخطا او الزلل اليه طريقا .
لذلك ، فاننا كثيرا مانلاحظ انسانا ما يتلفظ بالفاظ الغضب ويعبر عن صدمته ، وشدة اسفه وعميق المه ، ويشعر بالمفاجاه والذهول ، لان انسانا اخرا ، يرتبط معه برباط ذا طابع معين ، قد اساء له او اخطا بحقه او بدر منه تصرفا سلوكيا ، فعلا او قولا ، يسيئ للعلاقه بينهما ، فتجده يتذمر ويقول جااااازما انه : " للاسف لم يكن يتوقع ان فلانا يخطئ بحقه في يوم من الايام " .
الانسان يستغرب تماما صدور الاساءه من انسان اخر ، ويستغرب الناس عندما يرون الانسان وهو يزري باخيه الانسان ، ويستغربون اكثر واكثر عندما يرون انسانا يقتل انسانا اخرا ، او يسرقه او يعايره او يحط من قدره، او يرتكب جريمة بحقه ، او يتسبب بتحطيمه وتدميره وسحق حياته وطحن نفسه ، وكأن هذه الامور تحدث لاول مره امامه ، وكأنه لم يسمع بها من قبل ، او انها لم تحدث في تاريخ البشريه ابدا ، وينسون ان تاريخ الانسان كله عباره عن " ازراء وتحطيم وتدمير " الانسان علي يد " اخيه " الانسان .
عندما تري انسانا يحطم انسانا اخرا ، او يقتله او يضره باي شكل من اشكال الضرر ، فاعلم انها ليست المره الاولي التي يحدث مثل هذا ، بل واؤكد لك يقينا انها لن تكون المره الاخيره ، والله لن تكون المره الاخيره ، فما وجد الانسان الا ليزري ويعذب اخيه الانسان ، وماوجد الانسان الا ليكون ذئبا شرسا لاخيه الانسان ، فالناس ذئاب الناس .
كم شخصا تعرفه ابدي شعوره بالمفاجاه والدهشه ، لان فلانا قد اخطا بحقه ، وكأن هذا الانسان كان يتوقع سلوكا ملائكيا طوباويا ، من اخيه الانسان الي الابد ، وطيلة حياتهما ، والناس عموما ، بل وغالبية الغالبيه ، يعيشون بمستوي عادي متواضع من الوعي ، لذلك تجدهم يندهشون وينزعجون عندما يتعرضون لتصرف خاطئ او سلوك معين من شخص تربطهم به علاقه ذات طابع معين .
مشكلة الانسان انه ماان يرتبط بعلاقه ذات طابع معين مع الانسان الاخر ، فانه يصبح ينظر اليه علي انه ملاك وانه لن يخطئ بحقه ابدا ، فقط لمجرد انه ارتبط به برباط ذا طابع معين ، وكأن ارتباط الانسان برابط معين مع انسان اخر ، سيجعل منه انسانا صالحا لايخطئ ابدا ولايمكن له ان يخطئ في يوم من الايام .
الواقع ان علي الانسان ان لايتوقع ان من ارتبط به سيكون ملاكا الي الابد ، وعليه الايتفاجا ان بدر خطا او تصرفا سيئا من الشخص الاخر ، لان " الانا " او الذات الانسانيه تشعر بالعداء الفطري الغريزي تجاه الاخر .
ولايمكن ان يوجد انسان لايشعر انه متضايق او منزعج من انسان اخر ، ايا كانت علاقته به . فمن طبيعة الانسان انه لابد له من ان يكون متضايقا او منزعجا من انسان او مجموعه من الناس ، واتحدي ان يوجد انسان غير متضايق من الاخرين ، طبعا ، ماعداي انا وكم واحد بس .
ان علي الانسان اللذي يحب اخيه الانسان ، ويرتبط به برابط معين ، الا يحب فقط تصرفاته وسلوكياته واقواله الايجابيه الطيبه التي تنم عن انه لازال خاضعا له وتحت سيطرته ، بل من يحب اخيه الانسان هو من يحب كل مساوئه وعيوبه وسلبياته واخطائه .
فياايها الانسان لاتجزع ولاتفزع ولاتستغرب ، ان رايت من " اخيك " الانسان فعلا مشينا مسيئا اجراميا ، فاينما وجد الانسان وجد معه الخطا والخطيئه والذنب والجريمه بانواعها ، ومالغريب في هذا ، اذا كانت اهم صفات وجوده هي انه انما جاء ليسفك الدماء ويفسد في الارض .
outsider