رمضان في بلاد الاغتراب

freebook

عضو فعال
رمضان في بلاد الاغتراب:
تختلف العادات والتقاليد وطبيعة الحياة خلال شهر رمضان المبارك من بلد الى اخر،ولكن يبقى الجامع الاكبر هو صوم الشهر المبارك والتقيد بأحكامه الشرعية والتي تدخل في تكوين عادات وتقاليد متوارثة تنتقل عادة بين الاجيال كافة.
من هذا المنطلق تتكون لدينا بديهية معروفة وهي ان ظروف عادات وتقاليد شهر رمضان المبارك في بلاد الاغتراب او حتى البلاد التي تتواجد فيها اقليات مسلمة كبرى مثل الهند او روسيا او الصين الخ،تختلف بدرجة معينة من الاختلاف مع البلاد الاسلامية،ويعود ذلك الى اسباب عديدة اهمها ان العيش في بلاد الاغتراب يكون ضمن مجتمعات اما متعددة الثقافات والديانات مثل امريكا الشمالية واستراليا او تكون فيها ديانة محددة سائدة على شعب ما مثل المسيحية في اوروبا والهندوسية في الهند،مما يعني ان الاختلافات تكون بدرجة معينة لا تتساوى بين جميع بلاد الاغتراب ولكن جاءت متكيفة مع الوضع الجديد او من خلال الاختلاط والتلاقح بين ثقافات الشعوب التي تدخل وتخرج ضمن عادات وتقاليد لايمكن السيطرة عليها او ضبطها بايقاع متوارث من الوطن الام قد لا تتوفر له الارضية المناسبة للنمو او الاستمرارية في بيئة يكون عامل التعايش السلمي هو الغالب عليها.
لا يوجد مانع محدد في صوم شهر رمضان المبارك في اي بلد،ولكن تختلف الظروف المحددة للصوم من بلد لاخر،او من منطقة لاخرى ضمن البلد نفسه،وبالتالي فأن الحديث عن اي عادات وتقاليد في شهر رمضان المبارك بما في ذلك طبيعة الظروف المحيطة بتطبيق الصوم ضمن الضوابط الشرعية غير شاملة ولا يمكن تعميمها وتطبيقها على كل البلاد،وانما لكل منطقة او بلد بذاته له ظروفه المؤثرة في الحياة اثناء حلول الشهر الفضيل والعيش ضمن اجوائه الرحبة.
هذا يعني ان العادات والتقاليد الرمضانية في بلاد اوروبا تختلف عن امريكا الشمالية او استراليا،بسبب الاختلاف في طبيعة تلك المجتمعات التي يتواجد بها المسلمون، وكلما كان حجم الجالية اكبر كلما كان لشهر رمضان تأثيره الاقوى والعكس صحيح من خلال وجود كافة المستلزمات الضرورية للصيام او الطعام الحلال او الجماعي والعبادة والتزاور بين العائلات الخ من العادات المتوارثة في العالم الاسلامي...
وبالرغم من ان للحريات الدينية دورا كبيرا كذلك لدرجة التعصب والعنصرية دورها المؤثر ايضا،الا ان الغالب هو توفر الارضية المناسبة للصوم،وتكون الحالة اكثر سهولة من خلال تواجد المراكز الاسلامية المختلفة والقائمين عليها وسهولة الوصول اليها بسبب اتساع حجم بعض المدن الى درجة قد يكون الانتقال او الزيارة يحتاج الى وقت طويل يحدد مسبقا.
من الظروف الاخرى المؤثرة جدا هي العمل ذاته! لانه سوف يكون طبيعيا لان الغالبية تعمل مع غير المسلمين ضمن مكان العمل ذاته،وبالتالي فأن الظروف سوف تختلف حسب نوعية ومكان العمل خاصة اذا كان العمل ضمن فترة يحين فيها الافطار!وهذا يعني انه سوف يكون لكل مكان ظروفه المختلفة وان كانت الاغلبية لاتعاني من ذلك خاصة في البلاد التي فيها نسبة بطالة عالية او يكون طبيعة العمل اكثر تيسرا من غيره.
عامل الطقس له اهميته البالغة فبعض الدول وخاصة الواقعة قرب الدائرة القطبية الشمالية هي تفرض ان تكون فترة الافطار قصيرة جدا لا تتجاوز بضع ساعات وحوالي 15-20 ساعة هي صوم! وهذا مشابه اذا كان هنالك فصل الصيف ايضا في مناطق اخرى،وقد يحدث العكس ايضا اي ان فترة الصوم قصيرة جدا وفترة الافطار تكون اكثر وبخاصة اثناء فصل الشتاء.
وجود الطعام المناسب وخاصة نوعية الطعام المتوارث وبخاصة الحلال منه له اهميته البالغة،فبعض المدن وخاصة الصغيرة منها والتي لا يتواجد فيها سوى عدد قليل من المسلمين هو اكثر صعوبة من خلال قلة تواجد المحلات العربية(بعضها مسيحي عربي ولكن يحافظ على توفير كافة المواد والاطعمة الموجودة في الوطن الام) اوالاسلامية او حتى صعوبة معرفة اوقات الصلاة والافطار وبقية التعاليم مما يعني ان القرب من تواجد الجاليات والمراكز الاسلامية يكون اكثر سهولة ليس فقط في شهر رمضان بل ايضا من خلال المحافظة على العادات والتقاليد ولغة الام ايضا.
بعد ثورة الاتصالات الحديثة وانتشار الانترنت والقنوات الفضائية العربية او الاسلامية،اصبحت الامور اكثر يسرا بكثير من السابق بحيث اصبحت معرفة اوقات الصيام او اتجاه القبلة او انتشار التعاليم الدينية وبخاصة المتعلقة بأحكام الصوم مع انتشار الوسائل الاعلامية الاخرى مثل الصحف والمجلات والكتب موجودة في كل مكان والتي دخلت البيوت حتى استطاعت ان تقرب البعيد او تزيل حواجز وعوائق قد يكون اغلبها نفسي من نفوس ابناء الكثير من الجاليات المنتشرة في بلاد المهجر والتي اصبحت كثيفة العدد بسبب عاملي الهجرة التي ازدادت في العقود الاخيرة او نسبة الانجاب العالية! وهذا من ثمرات وايجابيات الثورة التكنولوجية الحديثة والتي يسرت الكثير وان كانت لها مساوئ اخرى ولكن في غير محل حديثنا عن الصوم،وفي الحقيقة ان انتشار التعاليم الدينية وبخاصة ضمن صفوف الاقدم سكنا قد ازداد بمجيء الافواج الجديدة من المهاجرين او بسبب انتشار المراكز الاسلامية والقنوات الفضائية وغيرها...
كلما تقدم الزمن بنا كلما ازداد الترابط والاتصال الموجود بين الوطن الاصلي والجاليات المنتشرة في كل بقاع الارض والعكس ايضا صحيح! وهذا لا ينطبق على الجاليات العربية والاسلامية بل كل الجاليات المتغربة،ولذلك نرى عند استعارة امثلة من الماضي للتطبيق نرى كيف ان الجاليات العربية والاسلامية في بلاد امريكا اللاتينية ذابت او ضعف الموروثات الدينية والثقافية واللغوية الى درجة مثيرة للانتباه بسبب ضعف التواصل مع الاوطان الاصلية وكذلك ضعف المستوى الاقتصادي في تلك البلاد مع بدائية وسائل الاتصال والترابط آنذاك...اما الان فالوضع مختلف او اكثر يسرا حتى اصبح الاتصال الصوتي والمرئي من خلال شبكة الانترنت مجانا ومتاحا للجميع بعد ان كان الاتصال قبل عقدين من الزمن مكلفا جدا.
لا يخلو وضع الجاليات في بلاد المهجر من سلبيات ايضا،وقد يكون اهمها الناتجة من انتقالها من الاوطان الاصلية والمتمثلة في الصراعات السياسية والدينية والمذهبية والعرقية الى بلاد المهجر بسبب تواجد ابناء كافة الاطراف فيها والانتقال والاحتكاك المستمر،ولكن صيغة وطبيعة النزاعات هي اخف وطئة بالتأكيد من الوطن الام بسبب الحجم الضئيل لاعداد المتواجدين مع شدة وصرامة القوانين الوقائية التي تضبط سلوك المتطرفين لكيلا يؤثروا في مجتمعاتهم المحلية لانها جزءا لا يتجزء من المجتمعات المتعددة الثقافات السائدة! وهذا يعني ان الحرص في الدرجة الاولى يتمثل بعامل الامن القومي والحفاظ على السلم الاهلي...
رمضان في استراليا:
اذا اخذنا استراليا كمثال نموذجي،كونه بلدا متعدد الثقافات وحاويا لحوالي 200 فئة عرقية من شتى بقاع الارض ومن ضمنها الجاليات العربية والاسلامية فيها،يكون لشهر رمضان المبارك فيه ايضا وضعه الخاص الى حد ما في اختلافه عن باقي الشهور فيما يتعلق بحالة المسلمين بالطبع.
من 22 مليون نسمة(2010) هم عدد سكان البلاد يتواجد ضمنهم حوالي مليون مسلم(وفي احصائيات اخرى اقل) من شتى الاقوام والاعراق مما يعني انهم جالية كبيرة وسريعة النمو ايضا بسبب عاملي الهجرة والزيادة السكانية الطبيعية العالية، وهذا يعني ان نسبتهم في تزايد مستمر اذا تمت المقارنة مع العقود الماضية.
ينتشر المسلمون في كافة انحاء البلاد الواسعة والمترامية الاطراف بما في ذلك الريف،ولكن تركيزهم يبقى بالدرجة الرئيسية في عواصم الولايات،وبخاصة سيدني وملبورن وبيرث وادلايد وكانبيرا وبرزبين حسب درجة الاهمية،ولوحظ ان تعرف بقية السكان على شهر رمضان عند المسلمين بما يمثله من صيام جسدي ومعنوي قد انتشر بسبب انتشار وسائل الاعلام المختلفة وايضا المسلمين في كل مكان حتى اصبح من النادر ان نجد من لا يعرف رمضان ولو معرفة بسيطة...وفي كل الاماكن تنتشر المراكز الاسلامية المتمثلة بالمساجد ومراكز العبادة حتى ان الجامعات توفر اماكن خاصة للعبادة والاجتماع بين المسلمين خاصة بعد ازدياد عدد الطلاب والطالبات القادمين من بلاد اسلامية،ولكن تنتشر ايضا مساجد خاصة بجالية معينة،اي كأن يكون هنالك المسجد التركي او الالباني او الباكستاني وغيرها الا انها تبقى مفتوحة للجميع،ولكن لم نسمع بمسجد خاص ببلد عربي معين مما يعني ان الوحدة الرمزية موجودة فقط في هذا الجانب الصغير! ولكن تبقى مسألة اختلاف الكثافة النوعية في التواجد في بعض تلك المساجد كأن تكون الاغلبية لبنانية او عراقية الخ...وكذلك تنقسم مراكز العبادة بين اتباع مختلف المذاهب الاسلامية في مختلف الاماكن وان كانت ايضا مفتوحة عادة للجميع.
ممارسة شعائر العبادة وعقد الاجتماعات المختلفة التي تتناول مختلف جوانب العقيدة والحياة وايضا مناقشة الاوضاع التي تخص الوطن الام،هي تنعقد بحرية تامة دون ادنى تدخل من الدولة اذا لم يمس الامن القومي من عنف متوقع بالطبع،ودرجة الحرية المتاحة هي بالتأكيد تفوق بكثير ما متاح وموجود في كافة البلاد العربية لمختلف الاسباب المعلنة،بل ان عدد كبير من اللقاءات والاجتماعات التي تعقد عادة لما يسمى بفعاليات المجتمع المحلي المصغر كأن يكون لقاءات دورية بين مختلف افراد الجاليات هي تعقد بدعم ورعاية مادية ومعنوية من قبل المؤسسات الرسمية وبخاصة دوائر البلديات المحلية التي لها صلاحيات واسعة تختلف من منطقة لاخرى في وسائل الدعم والرعاية كأن يكون توفير مكان اسبوعي او دوري،ومن ضمن النشاطات هي تعليم اللغة الام في مدارس اهلية او الاحتفالات الدينية والوطنية او الاجتماعات التداولية لمناقشة مختلف القضايا بين الافراد.
في فترة شهر رمضان تزدحم مراكز العبادة وبخاصة في اوقات الليل بالزائرين كما تنتشر عادة الفطور الجماعية اليومية او الاسبوعية او لمناسبات دينية معينة، وتمارس طقوس العبادة والتثقيف الديني كما هو موجود عادة في الاوطان الاصلية وبخاصة قراءة القرآن الكريم واحياء الصلوات...الخ وليس غريبا هنا من يمارس الصوم من التلاميذ المسلمين بل ان ذلك بالطبع يتبع درجة الالتزام الديني لدى كل عائلة ولكن ليس هنالك من عوائق تواجه التلاميذ الصائمين حسب ماهو معروف، كما ويأتي ايضا عدد من رجال الدين في امثال تلك المناسبات للتثقيف والوعظ بالرغم من وجود عددا منهم في غالبية المراكز الرئيسية.
لاحظت وبخاصة في السنوات الاخيرة ظاهرة انتشار الطعام المستورد من البلاد المسلمة او المستخدم بكثافة في المائدة الرمضانية وبأسعار ارخص من باقي ايام السنة! وهذا عكس ما موجود في غالبية البلاد العربية من خلال التعرف على الشكاوى الجماعية المنتشرة في وسائل الاعلام من اجماع على ارتفاع الاسعار لمختلف الاسباب او ندرة بعض المواد!...ليس هذا فحسب بل ان المحلات العربية التي يمتلكها غير المسلمين والاسواق الكبيرة اصبحت توفر تلك المواد التي يقل الطلب عليها عادة في الاوقات الاخرى وايضا بكثافة اكبر وبتخفيضات اعلى من بقية الايام وقد يكون ذلك لعلمهم بمدى حاجة الجاليات المسلمة لبعض المواد دون غيرها في مثل تلك المناسبات وايضا لشدة المنافسة الموجودة على كسب الزبائن ايا كانت ديانتهم!وهذا ايضا ناتج من بعض اساسيات علم التسويق الذي يجهله عدد كبير والذي اصبح علما وفنا لا يستطيع الانسان العادي ان يصمد امام اغراءاته المثيرة التي تسلب الارادة الى درجة عجيبة!...
هذا الوضع الاقتصادي يكون اكثر مثالية اذا قيس بمجتمعات مسلمة تعاني من الجشع الظاهر بالرغم من ان بعضها مفتوح تجاريا مما يعني ان ثقافة كسب الزبائن واحترام خياراتهم مع توفير ما يحتاجونه حسب ما يتطلبه العمل التجاري البحت،هي ثقافة ضعيفة لم تتأثر بالمتغيرات الحاصلة في العالم في العقود الاخيرة!...نعم قد تكون الازمات والاوضاع الاقتصادية المتحكمة في السوق لها آليات اجبارية متحكمة في السلوك الاقتصادي ولكن اذا لم تكن تلك العوامل موجودة فعلام انتشار تلك الحالات السلبية في هذا الشهر الكريم بالذات والتي تخالف روح الدين والسلوك السوي الى درجة قد تكون وباءا اجتماعيا لا يمكن احيانا معالجته حتى بقوانين وانظمة رادعة ما دامت ثقافة التنافس الشريف والتي من بينها احترام سلوكيات ورغبات الزبون المتذبذبة غير سائدة اساسا؟!...
حالة الطقس الموجود في استراليا عادة عكس العالم العربي لكونها في النصف الجنوبي من الكرة الارضية مما يعني ان الشتاء البارد فيها هو صيف حار في العالم العربي والعكس صحيح، وهذا يعني اختلاف درجة الصعوبة في الصوم التي تكون سهلة عادة في فصل الشتاء وبخاصة للعاملين.
مواقيت الصوم والافطار هي مثل اوقات الصلاة والاحكام الشرعية الخاصة به هي في متناول يد الجميع وليس هنالك اية صعوبة الا في المناطق النائية التي قد يحتاج الشخص المقيم فيها الى الانترنت للاستعانة بما يرغب معرفته.
وعادة عندما ينتهي شهر رمضان المبارك تكون هنالك في اغلب المراكز الرئيسية صلاة العيد الجماعية والتي يتم تقديم التهاني وتقديم الصدقات واقامة السفرات الجماعية... الخ من النشاطات الاجتماعية المعتادة في تلك المناسبات،ويحرص بعض المسؤولين في مشاركة الجاليات لافراحهم في العيد من خلال تقديم التهاني او الزيارة او تقديم الدعم لما يحتاجون اليه.
قد يكون هنالك اختلاف في تفاصيل العادات والتقاليد بين الاوطان الاصلية وبلاد المهجر الا ان المشترك هو في الاصول المتعارف عليها،وممارسة العادات والتقاليد المتوارثة هي في ازدياد وليست في تناقص الا اذا كانت هناك اماكن وبلاد مختلفة عن المثال المستعرض هنا وهو استراليا،وعندها لكل حادث حديث!.
 
أعلى