الكويت .. وثقافة الشينكو ..

Logic

عضو مميز
في الكويت ، يعلل بعض الناس الجمود الحاصل وعدم تطور البلد بمسألة أخرى غير الفساد ، أو لنقل مع الفساد، وهذه المسألة هي وجود فكرة لدى بعض النخب المتحكمة في القرار السياسي مفادها أن هذا البلد سيزول يوما ما ، و ربما كان هذا اليوم قريبا ، فهو في النهاية بلد صغير يقع بين دول كبرى بالنسبة له ، وإذا كان هذا البلد استمر في المراحل السابقة ، فذلك لم يكن بالجهود الذاتية وإنما بالدعم الأجنبي ، منذ العثمانيين حتى الأمريكان مرورا ببريطانيا ، والدعم الأجنبي أمر لا يمكن المراهنة عليه ، وعلى كل حال ، حتى لو كتب لهذا البلد أن يستمر - بمعجزة ما- فإن ثروته التي تجعل منه ذا قيمة في نظرهم هي ثروة ستنضب قريبا ، مما يجعل المراهنة على هكذا وطن تعد ضربا من الغباء ، ولما كان هذا البلد زائلا لا محالة ، فلا فائدة من تعميره وبنائه ، فهو في النهاية وطن مؤقت لا مستقبل لأحد فيه ، بل يجب التحضير للمستقبل في سويسرا ، أو انجلترا ، أو أميركا ، أي مكان آخر إلا الكويت ، ومداخيل هذا البلد لا يجب أن تنفق على هذا البلد ، بل يجب أن تنفق في سبيل تضخيم أرصدتهم في الخارج تحضيرا ليوم " الهروب الكبير " ، وترك المواطن البسيط يواجه مصيره ، تماما كما حدث في 2/8 .


تبدو هذه الفكرة لأول وهلة صعبة التصديق ، متطرفة ، ومتشبعة بنظرية المؤامرة ، لكنها في النهاية فكرة ، و حق الأفكار علينا هو أن نناقشها ، ولو قليلا ، ولا أعتقد أن هذه الفكرة متطرفة وصعبة التصديق أكثر من تلك الفكرة التي تقول إن ناصر المحمد رجل إصلاحي مثلا، ومع ذلك نجد أصحاب هذه الفكرة يدافعون عنها "بعين قوية " ، فإن كنا نناقش الفكرة الثانية رغم صعوبة تصديقها ومعارضتها للمنطق ، فلماذا لا نناقش الأولى ؟ فإن اعترضت قائلا : كيف يمكنك مناقشة فكرة تتعلق بالنوايا الداخلية لأناس آخرين كإيمانهم بهذه الأرض من عدمه ، فنحن لا نستطيع شق صدورهم ، ولو فعلنا فلن نجد نواياهم في الداخل ؟ فسأقول لك هذا صحيح ، ولكننا نستطيع أن نتبين نوايا الناس من أفعالهم ، ونحكم على الأمور من مظاهرها ، فطريقتك في التصرف وتدبير الأمور هي السبيل الوحيد المتوفر لي للتعرف على نواياك ، ألا يتوصل القاضي لحسن أو سوء نية الشخص عن طريق سلوكه الخارجي ؟ لنفعل كما تفعل المحاكم ، ولا أعتقد أنه يوجد أعدل من ذلك ، إلا عدل رب العالمين سبحانه .


على المستوى الفردي .. أنت تستطيع أن تعرف ما إذا كان الشخص ينوي الإقامة في بلد ما طوال العمر ، أو يتوقع الرحيل في وقت قريب ، بالنظر إلى بيته ، في الحالة الأولى تجده يبني بيته على أفضل ما يستطيع ، ولا يدخر شيئا لتقوية أساساته وترميمه لاحقا ، لأنه ينوي العيش فيه بشكل دائم ، و " توريثه " أبناءه من بعده ، أما في الحالة الثانية ، ستجده يفكر بعقلية " اللاجئ" ، كل شيء مؤقت ، فهو يستأجر ، وإن اضطر إلى بناء بيت ، فسيبحث عن أرخص الطرق ، بل وقد يبنيه من " الشينكو " ، كما هو الحال مع اللاجئين الفلسطينيين في بعض الدول العربية ، فرج الله كربتهم .

على مستوى الدول ، لا يختلف الأمر كثيرا ، بالنظر إلى دول مجاورة ، قطر الإمارات البحرين ، بل وحتى السعودية ، سترى أمرا مختلفا ، ففي هذه الدول ، ورغم الفساد الحاصل فيها ، وانعدام وسائل المحاسبة الشعبية ، ستجد أن المستشفيات و المدارس والجامعات الجديدة تبنى ، والطرق تتجدد ، والمدن تتوسع بصورة مستمرة " تحسبا للمستقبل " ، وستجدهم ينفقون المليارات على هذه الأمور، رغم فسادهم ، وسبب ذلك بسيط ، إنها أوطانهم ، إنهم لا ينوون الرحيل في وقت قريب ، وبالتالي لا بأس من إنفاق بعض الأموال على البلد ، و في الميزانيات ما يكفيهم ويكفي الشعب .

في الكويت الوضع مختلف ، لم يبن مستشفى جديد منذ 30 عاما ، ولدينا جامعة يتيمة لم يرزقها الله بأخت منذ 40 عاما ، وليس لها مبنى مستقر حتى الآن ، كثير من الإدارات الحكومة " ساكنة بالإيجار" ، وعندما تحتاج المرافق المذكورة للتوسعة ، فالحل بسيط ، شينكو ، لا يوجد مكان للمحاضرات ؟؟ فلتبن الشعب من الشينكو "كيفان" ، يوجد حاجة إلى توسعة مباني الإدارات ؟؟ فلتبن بعض الأقسام من الشينكو "وزارة الداخلية " ، إنها " ثقافة الشينكو " يا عزيزي ، ولكن يا سيدي يريدون مستشفى ؟؟ حسنا .. لا يمكننا بناء مستشفى شينكو .. يوجد ما هو أفضل .. مستشفى جابر ..عشر سنوات ولم يبن إلا السور ، وعشر سنوات مواقف سيارات ، وعشر سنوات الأساسات ، وعشرين سنة للأجهزة ، يمدي البترول خلص ويمدي الـ "الجماعة" سافروا أوروبا ، ولكن تمسكوا بالأمل ، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ، ففي النهاية هناك مستشفى يبنى .

كمواطن .. لا يعجبني منظر الشينكو ، يشعرني وكأننا "بنروح بعد شوي " ، و كأن أحدا سيهرب ، إنها ظاهرة عجيبة فعلا ، وبحاجة للتدبر ، أعتقد أن الكثير منا طرح الفكرة التالية على نفسه .. لو كنت فاسدا .. فإن بناء المرافق المذكورة أعلاه لن يكلف الدولة حتى 200 مليون دينار ، و الميزانية كل سنة 19 مليار وأكثر ، ما الذي يمنعني من إنفاق هذا المبلغ التافه بالنسبة للميزانية في بناء مستشفى وجامعة ، للتورية وذر الرماد في العيون وإحراج المعارضين ، ثم أستفرد بباقي ال19 مليار على راحتي ، إن كنت تفكر هكذا أحيانا ، مبروك ، أنت فاسد ، وفكرتك ممتازة بالنسبة لفاسد ، ولكن ليس بالنسبة " للاجئ" ، فمن هو الأحمق الذي يصرف ولو نصف دينار على الأمور الزائلة ؟
في نظرهم ، حتى هذا المبلغ كثير على الكويت .
 
أعلى