لـمـاذا تـركت الحـصـان وحـيـدا ً .....!!!

abwdy

عضو فعال
للكاتب عبدالهادي الجميل

نشاهد أحيانا بعض اللوحات الفنيّة والتماثيل التي تُظهر فارسا مُهيبا يمتطي ظهر حصانٍ رشيق، ويُشهر سيفه باتجاه الأفق، وكأنه ينوي اختراق السماء. لو أمعنّا النظر في الحصان؛ فسنلاحظ أمرا مميزا يتعلّق بوضعيته في المشهد؛ إذا كان يقف على قوائمه الأربع فهذا يعني بأن الفارس قد مات ميتة طبيعية، أي دون قتال. وإذا كان رافعا قائمتيه الأماميتين ومرتكزا على قائمتيه الخلفيتين، فهذا يعني بأن الفارس قد قُتل في المعركة. أمّا إذا كان الحصان يرفع ساقا واحدة فقط، فهذا يعني بأن الفارس قد مات بُعيد انتهاء المعركة متأثرا بجراح أُصيب بها خلال القتال.
للفارس وجواده مكانة خاصة عند الكثير من الأمم الغابرة والحاضرة، فالإمبراطور والفارس الروماني”كاليغولا” الشهير، كان شديد الاعتداد بحصانه، إلى درجة أنه أمر بتعيينه مستشارا في مجلس الشيوخ!!
أما في بريطانيا، فمازال هناك تقليد شرفي عريق مستمر منذ 800 عام، يقضي بأن تقوم الملكة أو الملك بمنح لقب فارس للمواطنين الذين قدّموا خدمات جليلة للبلاد. العرب-أيضا- تُقدّر الفارس كثيرا وتخصّه بالاحترام والتقدير، فتجعله في مقدمة الجيش وتمنحه النصيب الأوفر من الغنائم عند الانتصار.
لم يعد هناك فرسان حروب في عصرنا الحاضر، فالحروب تغيّرت كثيرا منذ الحرب العالمية الأولى التي شهدت بداية الاستغناء عن سلاح الفرسان واستبداله بالدبابات، فبدأ الفارس يفقد مكانته رويدا رويدا حتى انحصر استخدام لقب “الفارس” في مجالات لا علاقة لها بالقتال، فأصبحنا نسمع عن فارس الكلمة، “ميريام فارس”، فارس الملعب، فارس المنبر، وفارس المجلس، والأخير هو اللقب الذي أُطلق في منتصف التسعينيات على أحد نوّاب الدائرة 21 التي أصبحت-مؤخرا- ضمن الدائرة الخامسة.
عندما نجح هذا النائب لأول مرة في انتخابات عام 1992، كان فارسا مقداما لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يقول” كم هم؟”، فكان “ يصلّ روحه” على مواقع الفساد و”يثني ركبته” دون الدستور وحقوق الشعب، فسلب قلوب الناس. لكنّه سقط عن حصانه للمرة الأولى قبل عدة سنوات، فأدار الناس ظهورهم له. انزوى النائب السابق في الظل حتى كاد أن يطويه ظلام النسيان، لولا أنه عاد من جديد مُعلنا ندمه واعتذاره عن تلك السقطة، فتعهّد وأقسم أمام أبناء دائرته بأن يعود كما كان، فمنحه الناس فرصة جديدة، فامتطى صهوة حصانه الذي لم يعد يعرفه، فلم يصمد على ظهره طويلا، حتى سقط مرة ثانية ثم ثالثة ثم رابعة، والأخيرة كانت يوم الاثنين الماضي خلال جلسة طرح الثقة في النائب فيصل المسلم.
توقفتُ طويلا عند اسمه الوارد في قائمة المتغيّبين عن الجلسة، فشعرت نحوه بالشفقة لوجوده ضمن هذه الأسماء، فتمثّلتُ:
ولــم أرَ فـي عُيـوبِ النـاس شَـيئًا..........كنقص القادرين على التمامِ
وهذا البيت من أشهر أبيات الشاعر “المتنبي” المعروف بحب المال وعشق زخرف الدنيا، لكن التاريخ دوّن أنه قُتل وهو يقاتل على ظهر جواده كالفرسان.
< العنوان مأخوذ من قصيدة شهيرة للشاعر الفلسطيني “محمود درويش” رحمه الله. انتهت المقالة

ليتنا سلمنا على الحصان حتى الحصان غدا كديش ...

( .... ليتك تشوف كويتنا كيف صارت )
 
أعلى