بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد...
أيها الأخوة والأخوات الكرام، لقد كبرنا وترعرعنا بهذه الأرض الطيبة وأكلنا من خيراتها وشربنا من مائها واستنشقنا هواءها. ثم تعلمنا وعملنا لتقديم واجب خدمة الكويت ورد أفضالها علينا. ولكن الحقيقة لا بد أن تقال في مثل هذه الظروف. يتمتع المجتمع الكويتي بخصال الحرية والجرأة بالطرح ونقد الذات ابتغاء للاصلاح المستمر وتتبعا لمسار التطور والنماء لخدمة كويتنا العزيزة.
وقد شاهدنا حركة المطالبة بتعزيز دور الدستور ورسمه للتشريعات بالدولة وإرساء معالم دولة القانون المدنية خلال الشهور الماضية وكذلك طوال مسيرة المحافظة على المكتسبات الدستورية منذ استقلال البلاد، وهذا يدل على حيوية الشعب الكويتي ونقائه وحبه للحرية وممارسة جميع أشكال الديمقراطية.
ولكن أيها الأخوة الكرام، فإن الحرية لا تتجزأ ولا يمكن أن تكون لأناس دون أناس. وبشكل مباشر فإن قضية غير محددي الجنسية أو حسب تسميتهم الدارجة "البدون" وصلت لدرجة لم نكن نتمنى أن تصل إليها من أحداث مؤسفة، وأجزم أن "البدون" أنفسهم لم يكونوا يتمنون ذلك. ولكن الأمم الحية والتي تتمتع بتوجه سليم نحو الحرية والكرامة لا بد أن تصحح أي مسار شابته شوائب وأدت إلى تعطيل مظاهر الحرية لجميع البشر. وبالتالي لا بد أن نذكر أن قضية البدون مرت بمراحل عديدة وكثيرة لا داعي لذكرها هنا، ولكن المهم هو أن لدولة الكويت تميز عن باقي محيطها الإقليمي عبر دستورها الشامخ ولا يمكن أن تشوه مسيرة الحركة الدستورية والتشريعية عبر عدم حل قضية البدون حلا عادلا ومشرفا يحفظ جميع الحقوق، سواء حقوق الدولة أو حقوق هؤلاء الناس. فلا معنى لأي ديمقراطية إن لم تتحلى بصبغة الحرية لجميع الناس كما كفل الدستور.
القضية ليست بذلك التعقيد الشديد حتى لا يمكن لأي إنسان بسيط أن يفكر لها بحلول منطقية ونهائية. وإن كانت كذلك فإن سببها يعود أصلا لتعقيد عملية التجنيس ذاتها منذ البداية أي منذ صدور قانون الجنسية عام 1959. ولمن يرغب بفهم هذه الآلية الغريبة بسياسة التجنيس فعليه أن يقرأ ويستوعب ما ورد بمقالة الاستاذ عبد اللطيف الدعيج في عام 1974 بعنوان "من هم سكّان الكويت؟" وهذا رابطها:
من هنا
إلا أن المماطلة بإنهاء هذه القضية سبب تعقيدات وإشكاليات متراكمة عملت وتعمل على زيادة الصعوبة بحلها. ولكن على أي حال يبقى حل القضية ليس بالعسير لا سيما إذا ما توفر قرار واضح بحلها ومن أعلى الجهات الرسمية.
أيها الأخوة، إن المقولات النمطية السائدة والممجوجة مثل: "من أين جاؤوا؟ و"هل جاؤوا من المريخ"؟ أو "هل هم مثل الفقع الذي نبت فجأة؟" أم "إنهم عراقيون أو إيرانيون أو غيرهم؟" هذه المقولات لا تساعد على حل المشكلة بل ستعمل على كبتها إلى أطول مدى ثم سنفاجأ بيوم من الأيام بانفجار كهذا الذي يحصل حاليا. وهذه المقولات وما شابهها ستحدث تراكمات غير إيجابية وإنقسامات في نفوس شعب غير منقسم أصلا ويتمتع بالاندماج الشعوري والنفسي، فضلا عن إنه مجتمع منصهر ببيئة ثقافية متمازجة سواء من الأعراف إلى التمازج الديني والاجتماعي. وبالتالي فإن استيراد مفردات الانقسام لن تجلب الطمأنينة والاستقرار في نفوس ابناء هذا الشعب سواء الكويتيين منهم أم البدون. لأن المنطق يفرض علينا القول أن لا يمكن للإنسان الكويتي الذي يمتلك ضميرا حيا أن ينام مرتاح البال وهناك جار له يعيش بحالة أقل ما يقال عنها أنها صعبة وسيئة وهذا ما سيؤدي إلى اختلال اجتماعي وتباين نفسي واقتصادي ما بين الناس. وفي علم الاجتماع من المعروف أن المجتمعات تمتلك ضميرا أو وعيا جماعيا Collective Mind وهذا واقع موجود بجميع مجتمعات وشعوب العالم. ولا أظن أن "الضمير الجمعي" للمجتمع الكويتي يقبل باستمرار هذه الحالة غير المنصفة للبدون.
لا مناص إذن من تفعيل القانون وجعل القضاء يفرض كلمته النهائية بهذه المسألة في حالة استمرار عدم وجود القرار الفصل من السلطة التفيذية. فمن عليه شبهات بالتعاون مع سلطات الغزو العراقي يقدم للمحاكمة فورا، ومن يخلو سجله من أي شبهات ويتمتع بنظافة اليد ويمتلك الوثائق المطلوبة التي تؤهله لاستحقاق الجنسية فأيضا القضاء كفيل بحسم هذا الأمر. ومن هو ليس بهذا ولا ذاك فلا بد أن يأخذ الحقوق المدنية المشروعة مثل الحصول على حقوق التعليم الكاملة والرعاية الصحية المجانية وحرية العمل بكافة مؤسسات الدولة وحرية التنقل عبر الحصول جواز سفر وغيرها من الحقوق المشروعة.
أيها الأخوة، جميع دول العالم تبحث عن أهم ثروة بالتاريخ ولا تتنازل عنها بسهولة ألا وهي الثروة البشرية. فكل الموارد ناضبة أو غير دائمة ما عدا ثروة الكفاءة البشرية النادرة. إلا أننا بدول الخليج للأسف لا نهتم لثروة الإنسان وهذا هو سبب بقائنا كدول نامية لا تستطيع اللحاق بمصاف الأمم التي تطورت. وقد رأينا نماذج متنورة ومفيدة من الأخوة البدون لم تستفد دولة الكويت وبكل أسف بعد أن هاجروا لدول أخرى معظمها غربية، وكانت كفاءاتهم بجميع المجالات والتخصصات. فمتى نوقف هذا الهدر البشري ونستثمر ببناء دولنا من كل كفاءة وطنية ثبت إخلاصها وولاؤها للتراب الذي كبرت وترعرعت.
أيها الناس، إن الحق بيّن والباطل بيّن، فلا يغرنكم من مظاهر الدنيا وزخرفها. والحق أحق أن يتبع.
وحفظ الله لنا الكويت تحت رعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد...
أيها الأخوة والأخوات الكرام، لقد كبرنا وترعرعنا بهذه الأرض الطيبة وأكلنا من خيراتها وشربنا من مائها واستنشقنا هواءها. ثم تعلمنا وعملنا لتقديم واجب خدمة الكويت ورد أفضالها علينا. ولكن الحقيقة لا بد أن تقال في مثل هذه الظروف. يتمتع المجتمع الكويتي بخصال الحرية والجرأة بالطرح ونقد الذات ابتغاء للاصلاح المستمر وتتبعا لمسار التطور والنماء لخدمة كويتنا العزيزة.
وقد شاهدنا حركة المطالبة بتعزيز دور الدستور ورسمه للتشريعات بالدولة وإرساء معالم دولة القانون المدنية خلال الشهور الماضية وكذلك طوال مسيرة المحافظة على المكتسبات الدستورية منذ استقلال البلاد، وهذا يدل على حيوية الشعب الكويتي ونقائه وحبه للحرية وممارسة جميع أشكال الديمقراطية.
ولكن أيها الأخوة الكرام، فإن الحرية لا تتجزأ ولا يمكن أن تكون لأناس دون أناس. وبشكل مباشر فإن قضية غير محددي الجنسية أو حسب تسميتهم الدارجة "البدون" وصلت لدرجة لم نكن نتمنى أن تصل إليها من أحداث مؤسفة، وأجزم أن "البدون" أنفسهم لم يكونوا يتمنون ذلك. ولكن الأمم الحية والتي تتمتع بتوجه سليم نحو الحرية والكرامة لا بد أن تصحح أي مسار شابته شوائب وأدت إلى تعطيل مظاهر الحرية لجميع البشر. وبالتالي لا بد أن نذكر أن قضية البدون مرت بمراحل عديدة وكثيرة لا داعي لذكرها هنا، ولكن المهم هو أن لدولة الكويت تميز عن باقي محيطها الإقليمي عبر دستورها الشامخ ولا يمكن أن تشوه مسيرة الحركة الدستورية والتشريعية عبر عدم حل قضية البدون حلا عادلا ومشرفا يحفظ جميع الحقوق، سواء حقوق الدولة أو حقوق هؤلاء الناس. فلا معنى لأي ديمقراطية إن لم تتحلى بصبغة الحرية لجميع الناس كما كفل الدستور.
القضية ليست بذلك التعقيد الشديد حتى لا يمكن لأي إنسان بسيط أن يفكر لها بحلول منطقية ونهائية. وإن كانت كذلك فإن سببها يعود أصلا لتعقيد عملية التجنيس ذاتها منذ البداية أي منذ صدور قانون الجنسية عام 1959. ولمن يرغب بفهم هذه الآلية الغريبة بسياسة التجنيس فعليه أن يقرأ ويستوعب ما ورد بمقالة الاستاذ عبد اللطيف الدعيج في عام 1974 بعنوان "من هم سكّان الكويت؟" وهذا رابطها:
من هنا
إلا أن المماطلة بإنهاء هذه القضية سبب تعقيدات وإشكاليات متراكمة عملت وتعمل على زيادة الصعوبة بحلها. ولكن على أي حال يبقى حل القضية ليس بالعسير لا سيما إذا ما توفر قرار واضح بحلها ومن أعلى الجهات الرسمية.
أيها الأخوة، إن المقولات النمطية السائدة والممجوجة مثل: "من أين جاؤوا؟ و"هل جاؤوا من المريخ"؟ أو "هل هم مثل الفقع الذي نبت فجأة؟" أم "إنهم عراقيون أو إيرانيون أو غيرهم؟" هذه المقولات لا تساعد على حل المشكلة بل ستعمل على كبتها إلى أطول مدى ثم سنفاجأ بيوم من الأيام بانفجار كهذا الذي يحصل حاليا. وهذه المقولات وما شابهها ستحدث تراكمات غير إيجابية وإنقسامات في نفوس شعب غير منقسم أصلا ويتمتع بالاندماج الشعوري والنفسي، فضلا عن إنه مجتمع منصهر ببيئة ثقافية متمازجة سواء من الأعراف إلى التمازج الديني والاجتماعي. وبالتالي فإن استيراد مفردات الانقسام لن تجلب الطمأنينة والاستقرار في نفوس ابناء هذا الشعب سواء الكويتيين منهم أم البدون. لأن المنطق يفرض علينا القول أن لا يمكن للإنسان الكويتي الذي يمتلك ضميرا حيا أن ينام مرتاح البال وهناك جار له يعيش بحالة أقل ما يقال عنها أنها صعبة وسيئة وهذا ما سيؤدي إلى اختلال اجتماعي وتباين نفسي واقتصادي ما بين الناس. وفي علم الاجتماع من المعروف أن المجتمعات تمتلك ضميرا أو وعيا جماعيا Collective Mind وهذا واقع موجود بجميع مجتمعات وشعوب العالم. ولا أظن أن "الضمير الجمعي" للمجتمع الكويتي يقبل باستمرار هذه الحالة غير المنصفة للبدون.
لا مناص إذن من تفعيل القانون وجعل القضاء يفرض كلمته النهائية بهذه المسألة في حالة استمرار عدم وجود القرار الفصل من السلطة التفيذية. فمن عليه شبهات بالتعاون مع سلطات الغزو العراقي يقدم للمحاكمة فورا، ومن يخلو سجله من أي شبهات ويتمتع بنظافة اليد ويمتلك الوثائق المطلوبة التي تؤهله لاستحقاق الجنسية فأيضا القضاء كفيل بحسم هذا الأمر. ومن هو ليس بهذا ولا ذاك فلا بد أن يأخذ الحقوق المدنية المشروعة مثل الحصول على حقوق التعليم الكاملة والرعاية الصحية المجانية وحرية العمل بكافة مؤسسات الدولة وحرية التنقل عبر الحصول جواز سفر وغيرها من الحقوق المشروعة.
أيها الأخوة، جميع دول العالم تبحث عن أهم ثروة بالتاريخ ولا تتنازل عنها بسهولة ألا وهي الثروة البشرية. فكل الموارد ناضبة أو غير دائمة ما عدا ثروة الكفاءة البشرية النادرة. إلا أننا بدول الخليج للأسف لا نهتم لثروة الإنسان وهذا هو سبب بقائنا كدول نامية لا تستطيع اللحاق بمصاف الأمم التي تطورت. وقد رأينا نماذج متنورة ومفيدة من الأخوة البدون لم تستفد دولة الكويت وبكل أسف بعد أن هاجروا لدول أخرى معظمها غربية، وكانت كفاءاتهم بجميع المجالات والتخصصات. فمتى نوقف هذا الهدر البشري ونستثمر ببناء دولنا من كل كفاءة وطنية ثبت إخلاصها وولاؤها للتراب الذي كبرت وترعرعت.
أيها الناس، إن الحق بيّن والباطل بيّن، فلا يغرنكم من مظاهر الدنيا وزخرفها. والحق أحق أن يتبع.
وحفظ الله لنا الكويت تحت رعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته