هل أخطأت الكويت تسليمها ملف الغزو للمحكمة العراقية..؟
كتب:حسن علي كرم
على اثر تراخي وتساهل قاضي المحكمة الجنائية العراقية السابق عبدالله العامري في محاكمته صدام حسين وزمرة من اعوانه في جريمة الانفال طالب سياسيون ومثقفون وجمعيات المجتمع المدني وجمعيات حقوقية في اقليم الحكم الذاتي الكردستاني العراقي بنقل محاكمة صدام حسين الى خارج العراق ومحاكمته لدى محكمة جرائم الحرب الدولية، غير انه يبدو ان تغيير القاضي العامري وتسليم دفة المحاكمة الى قاضي آخر هو القاضي محمد العربي قد خفف من غلواء المطالب الكردية.
حسب الاخبار التي تناقلت قبل فترة في صحفنا المحلية كان يفترض ان تدشن المحكمة العراقية وهي ذاتها التي تحاكم صدام حسين في قضيتي الدجيل والانفال النظر في جريمة غزو الكويت وهي القضية الاكثر اثارة والاكثر حضورا عراقيا وعربيا ودوليا على الصعيدين الجنائي والسياسي لما لهذه القضية من تداعيات تعقيدات وغوامض مازالت لم تكتشف اسرارها ولكن يبدو وحسب الاخبار الاخيرة التي كشفت عنها »الوطن« فان المحاكمة قد تؤجل الى غير موعد محدد بسبب ما اكتشف من نقص في المستندات الثبوتية الكويتية وبسبب صعوبة حضور الشهود شخصيا الى قاعة المحكمة للافادة بشهاداتهم ولعل هذا التخوف كان متوقعا لدى كثير من الحقوقيين والمحامين العاملين في الحقل القضائي جراء ما قد يشوب المستندات الكويتية من نقص او ضعف في الافادات وفي الادلة المادية خاصة ان المحاكمة تجرى في بغداد في ظل اوضاع امنية غير مستقرة وصعوبة انتقال الشهود الكويتيين للحضور الشخصي للمثول امام المحكمة فضلا عما اكتشف اخيرا من نقص وعدم الاعتداد في المستندات الكويتية باعتبار تلك المستندات صورا وليست مستندات اصلية.
واذا ما نحينا كل ذلك جانبا وتذكرنا جذور قضية الغزو وهو الزعم التاريخي الذي بقي يعشعش في عقول غالبية العراقيين عن ان الكويت جزء مستقطع من تراب »العراق العظيم« نستطيع القول: ان الكويت كانت واهمة عندما وافقت على عرض جريمة الغزو لدى محكمة عراقية وبقضاة عراقيين ووفقا لاصول المحاكمات والاجراءات القضائية والقوانين المحلية العراقية حيث ان غزو الكويت ليس جريمة جنائية عراقية حدثت في نطاق حرمة الاراضي العراقية ولا هو جريمة طالت آثارها العراقيين وحسب وانما الغزو هو عدوان وحرب من دولة معتدية على دولة صغيرة مسالمة مستقلة ذات سيادة.
وبالتالي فللقضية شقان شق جنائي وهو ما يتعلق بجرائم القتل والاغتصاب والنهب وتدمير البيئة وحرق آبار النفط وشق سياسي وهو ما يتعلق بالعدوان المباغب وازالة ومحو كيان الدولة الكويتية من على الخريطة الجغرافية.
ولو سلمنا بنزاهة وسلامة وحيادية قضاة المحكمة العراقية واجراءاتها الا ان الجانب النفسي من المؤكد سيشكل عامل ضغط شعبي عراقي قد يؤثر على سير المحاكمة وعلى مداولاتها خصوصا ان ثلاثة ارباع العراقيين الذين عارضوا الغزو او الذين ايدوا يتفقون على ان الكويت لهم وان التعويضات المالية المفروضة جراء الغزو هي حق مغتصب يؤخذ من جيوب العراقيين.
لقد كان على الكويت ان تكون اكثر حرصا وحصافة في مسألة عرض ملف الغزو على المحكمة العراقية وكان يتعين عليها اولا المطالبة بمحاكمة صدام لدى محكمة دولية وثانيا الاستعانة بخبراء ومحامين دوليين ذوي شأن وحنكة لان نكتفي بالاعتماد على حقوقيين محليين ناشئين غير مجربين وغير متمرسين في قضايا الحروب والغزوات والمسائل السياسية والتعويضات.
وبالتالي يتعين على الدولة الكويتية وعلى الجهات الفضائية الكويتية الدعوة على سحب ملف الغزو من المحكمة الجنائية العراقية والعودة الى مجلس الامن الدولي للمطالبة بمحاكمة صدام حسين لدى محكمة جرائم حرب دولية.
ان اصرار الكويت التمسك بالتعويضات المالية للغزو يتطلب الاصرار على توافر شروط النزاهة والحيادية في محاكمة صدام حسين باعتباره رئيس جمهورية العراق الذي امر جيشه بغزو الكويت وتدمير وتحطيم كيانها وقتل وتشريد شعبها وتخريب اقتصادها، رغم وجود القرار الدولي في شأنها ولكن سيكون وضع الكويت محرجا لو اصدرت المحكمة العراقية مثلا حكما بوقف وبعدم قانونية وبعدم جواز استمرار التعويضات المالية عن اضرار جواز استمرار التعويضات المالية عن اضرار جريمة الغزو.
المصدر : الوطن .