علموا أولادكم القرآن وراح يعلمهم القرآن كل شيء...


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

تقبل الله طاعتكم ..

أخواني... أخواتي .

من لديه أبناء ويريد تربتهم التربية الصحيحة السليمة ، فلابد أن يعرف الطرق والوسائل لتربية الأبناء ..وأنا لست متخصص ولكن أقرأ وكثيراً ما قرأت عن تربية الاطفال ..

فوجدت أن التربية من أصعب الأمور ولاشك.. ونحن تحيط فينا بيئات غير مهتمه بأمور الدين وتربية الاطفال..

فضلاً عن الفضائيات والمجلات والجرائد والصحبة ونحو ذلك..التي شتتنا وضيعتنا وقلبت أفكارنا وغيرت فطرتنا ..

وحتي لا أطيل عليكم ..

حاولوا أن تعلموا أولادكم حفظ القرآن الكريم بأي طريقة كانت ولكن بالوسائل الشرعية والمسموح بها شرعاً ..

ويكون عند مشايخ سلفيين ليتربى على أيديهم التربية السليمة والعقيدة الصحيحة ..

وأحذروا كل الحذر تعليمهم عند الأخوان المفلسين والمبتدعة ..

ومن لدية أسئلة أو استشكالات فليطرح سؤالة ؟؟

كتبته على عجالة..

ولكم مني كل محبة وتقدير..
 
هذه خطبة أتمنى أن تستفيدوا منها ..

يتيم العلم والأدب

37808_180x180.jpg

الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي






أمَّا بعدُ:
فإنَّ لليتيم حَقًّا على أهله وذَوِيه حقًّا كفَله الشَّرع الكريم ونادَى إليه، وبيَّن لنا القُرآن الكريم حقَّ اليتيم وخُطورة التعدِّي على حقوقه، وأوضَح لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شرفَ كافل اليتيم، وما يَجنِيه المسلم من أجور وحسنات إن هو اعتَنى باليتيم ووفَّر له عيشة كريمة، فكفالته من أسباب دخول الجنة، واليتيم هو مَن فقَد أباه أو أمَّه وهو صغير، وكم لفَقْد الوالدين أو أحدهما من لوعة في النفس، ووَحْشة في الحياة، لا يُطيقها الصغير، فلا زال قلبه طريًّا يتأثَّر لهذا الفَقْد، ولا زال جسمه صغيرًا لا يتحمَّل مشاقَّ الحياة ومعاناتها! ومن هنا كان لزامًا على المجتمع المسلم القيامُ بالواجب نحو هذا اليتيم، وإيفاؤه حقَّه من الرعاية والتربية والحِفظ، وتوفير الحنان له والرِّفق بحاله، وهذا - بحمْد الله - ما تشهده مجتمعاتنا الإسلاميَّة، فلليتيم مكانه، وله حظٌّ وافر في العطف والرعاية غالبًا، وعُذر الجميع في تقديم هذه الرعاية والتواصي بها واضحٌ، فهو يتيم وكفى.

ولكن أيها المؤمنون، ما ظنُّكم بمن يَصدق عليه مسمَّى اليتيم وهو يعيش بين والديه، هو يتيم مع أنه يرى والده كلَّ يوم، هو يتيم ولا زالت أُمُّه تعيش معه، هو يتيم في منزل أبويه، يتيم وإن أكَل من كَسْب والده، هو يتيم وإن تناوَل من طبخِ والدته، يتيم لا يُلقي له الناس بالاً، ولا يرونه محلاًّ للشفقة والحنان، يتيم لا يُؤْبَه له ولا يُرْفَع له رأس، فالناس يرونه بين والديه، فلا يَنطبق عليه مفهوم اليتيم في عُرفهم، فمَن يا ترى هذا اليتيم؟ وكيف استحقَّ هذا الوصف المخصوص بمن فَقَد والديه؟ عباد الله، إن الجواب عن هذا التساؤل قد تولاَّه الشاعر حين قال:

لَيْسَ الْيَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ وَالِدُهُ
space.gif

إِنَّ اليَتِيمَ يَتِيمُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ
space.gif




وهو الذي عناه الآخر بقوله:

لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ
space.gif

هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلا
space.gif


إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ
space.gif

أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولا
space.gif




كم طفل نشَأ بين والديه، لَم يستفد منهما غير الطعام والشراب! كم طفل تربَّى في غير أحضان والديه! كم طفل تولَّى تربيته الشارع بخيره وشرِّه! كم طفل أهمَله والداه، فشبَّ على العقوق والقطيعة! كم صغير عقَّه والداه صغيرًا، فجَنَيَا النتيجة منه وهو كبير! كم وَلَد عاق سبَقه أبوه بالعقوق في حقِّه، حين لَم يتولَّ تربيته وتعليمه وحِفظه! كم والد لا يدري أين يدرس ابنه! كم والد لا يعرف أحدًا من معلمي ولده! كم والد لا يبالي مع مَن ذهَب ابنه! كم والد كان همُّه منصبًّا على تغذية أولاده بالطعام والشراب، وتأمين الملبس والترفيه، وغفَل عن تغذية الرُّوح وسلامة القلب! كم أم انشَغَلت بوظيفتها وزياراتها عن تربية أولادها! كم من والدة وكَّلت أمر التربية للعاملة المنزليَّة، فتحوَّلت بقدرة قادر من خادمة إلى أمٍّ بالوكالة!

أيها المؤمنون:
لا ريبَ ولا جدال في أنَّ الأسرة أهمُّ مؤسَّسة تربويَّة وأخطرها مسؤوليَّة، وأنَّ الوالد يقوم على هذه المؤسَّسة، فمتى فسَد القوام، عمَّ الفساد جميعَ الأقوام؛ يقول عليٌّ - رضي الله عنه -: "علِّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدِّبوهم"، ويقول عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: "أدِّب ابنك؛ فإنَّك مسؤول عنه: ماذا أدَّبته؟ وماذا علَّمته؟ وهو مسؤول عن برِّك وطواعيته لك".

وقبل ذلك وفوقه كلام ربِّ العالمين؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ ﴾ [التحريم : 6].

فيا مَن يرحم صغيرَه أنْ يمسَّه شيءٌ من الأذى هذا اليوم ألا تخاف عليه نارًا حامية، تَحرق الناس والحجارة يوم القيامة، وما شعورك حينذاك حين تتذكَّر أنَّك سببٌ في دخوله النار - والعياذ بالله تعالى.

عباد الله:
الأمر ليس بالهيِّن؛ فالأولاد أمانة، وزماننا يَشهد من الفتن والمُغريات ما يَشيب لهَوْله الوِلدان، ويا سعادة مَن أكرَمه الله بصلاح أولاده، فهو في سعادةٍ وحبورٍ لا يُوصَف، وهو محلٌّ للغبْطة من الآخرين، سُئِل الحسن البصري - رحمه الله تعالى - عن قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74].

ما هذه قُرَّة الأعين؟ أفي الدنيا أم في الآخرة؟ فقال: لا، بل والله في الدُّنيا، قيل: ما هي؟ قال: والله أن يرى الله العبد من زوجته، من أخيه، من حميمه - طاعةَ الله، لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أنْ يرى ولدًا أو والدًا، أو حميمًا أو أخًا مُطيعًا لله - عزَّ وجلَّ.

وقد كان سلفُنا الكِرام يحرصون على تأديب أولادهم ورعايتهم، وتلقينهم معالِيَ الأمور، يُذكر أنَّ المنصور بعَث إلى مَن في الحبس من بني أُميَّة، وسألَهم عن أشدِّ ما مرَّ بهم في هذا الحبس، فقالوا: ما فقَدنا من تربية أولادنا، وكانوا يعتنون بالأدب والتربية السليمة أكثر من اهتمامهم بطلَب العلم، هذا الإمام مالك - رحمه الله - إمام دار الهجرة يقول: كانت أمي تعمِّمني؛ أي: تُلبسه العِمامة، وتقول لي: اذهب إلى ربيعة، فتعلَّم من أدبه قبل عِلمه، وسأل رجل مالكًا - رحمه الله - عن طلب العلم، فقال له: إنَّ طلب العلم يحسن، لكن انظُر الذي يَلزمك من حين تُصبح حتى تُمسي، ومن حين تُمسي حتى تُصبح، فالْزَمه، ولا تُؤثِرَنَّ عليه شيئًا، وهذا إبراهيم بن حبيب - رحمه الله - يقول: قال لي أبي: يا بُني ائتِ الفقهاء والعلماء، وتعلَّم منهم، وخُذ من أدبهم وأخلاقهم وهَدْيهم؛ فإنَّ ذاك أحبُّ إليّ من كثيرٍ من الحديث".

هذا كلامهم وهذه وصاياهم - رحمهم الله - مع الفارق الكبير بين زمانهم وزماننا؛ من حيث تنوُّع المُغريات، وكثرة الصوارف والمُلهيات، فإلى الله نشكو حالنا وتقصيرنا مع أنفسنا وأولادنا.

اللهمَّ قِنا وأهالينا وذريَّاتنا من النار، اللهم أصْلِح لنا ذرياتنا، واجعَلهم نشْأً مباركًا، صالحًا مُصلحًا يا كريم، ربَّنا هبْ لنا من أزواجنا وذريَّاتنا قرَّة أعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله.
أمَّا بعدُ:
فيا معشر المؤمنين، اتَّقوا الله ربَّكم، وقوموا بواجبكم، واحرِصوا على تربية أولادكم، كحرصكم على طعامهم وشرابهم.

وعودٌ على بَدء، هذه رسالة مفتوحة مَقروءَة، أبعثها إلى فئة من مجتمعنا، لها بصمة واضحة في التعامل مع الأولاد، ولها دورٌ لا يُنكر في تقويم أولادنا وتوجيههم، وعليهم المُعول بعد الله - عز وجل - في تكميل دور الوالدين، بل وفي التعويض عنه أحيانًا عند فَقْده، فإليكم يا معشر المعلمين هذه الكلمات:

أيها المعلم:
ما ظنُّك بنفسك لو طبَّقنا عليك تلك المعايير التي كان أسلافنا يراعونها في المعلمين، حين كانوا يفتِّشون عمَّن يأخذون عنه العلم، ويُنقِّبون عن سَمته وهَدْيه قبل الجثوِّ بين يديه والتلقي منه؟

يقول إبراهيم النخعي - رحمه الله -: "كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه، نظروا إلى سَمته وإلى صلاته وإلى حاله، ثم يأخذون عنه".

ويقول أيضًا: "كنا إذا أردْنا أن نأخذَ عن شيخٍ، سألنا عن مَطعمه ومشربه، ومدخله ومخرجه، فإن كان على استواء أخَذنا عنه، وإلاَّ لَم نأته".

وقد كان السلف يحرصون على أخذ الأدب والخُلق من المعلم أكثر من حِرصهم على أخذ العلم؛ هذا الحسين بن إسماعيل يحكي عن والده قائلاً: "كنا نجتمع في مجلس الإمام أحمد زُهاء خمسة آلاف أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون والباقي يتعلَّمون منه حُسن الأدب، وحُسن السَّمت".

وروى الإمام مالك عن ابن سيرين - رحمه الله - أنه قال واصفًا حالَ كبار التابعين: "كانوا يتعلَّمون الهدي كما يتعلمون العلم".

وكان أصحاب عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يرحلون إليه، فينظرون إلى سَمته وهَدْيه ودَلِّه فيتشبَّهون به، وذكَر الخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى - في ترجمة الإمام علي بن المديني - رحمه الله - أنَّ الناس كانوا يكتبون قيامه وقعوده ولباسه، وكلَّ شيء يقول ويفعل.

وقال ابن وهب - رحمه الله -: "ما نقَلنا من أدب مالك أكثر مما تعلَّمنا من عِلمه".

وما منَّا أحد جلَس في مقاعد الدراسة، وتقلَّب في جَنبات المدارس والجامعات، إلاَّ ويذكر بعض معلِّميه بالخير ممن كان لهم أثرٌ عليه في علم أو سلوك، أو حُسن خُلقٍ.

فيا معشر المعلمين، تذكَّروا ما أنتم عليه من المسؤولية العظيمة والأمانة الثقيلة، حين يُقبل عليكم أولاد المسلمين:
فيَنهلوا من أخلاقكم وتعاملكم أكثر من عِلمكم شِئتم أم أبيتُم، ومَن شكَّ في شيء من هذا فليَسلِ ابْنَه الصغير قبل الكبير، فسيرى ويسمع عجبًا.

عارٌ عليك أيها المعلم أن تكون أخلاقك وتصرُّفاتك تُخالف ما تقوله لطلابك، عارٌ عليك أيها المعلم حين تعامل طلابَك وكأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدة، لا تشعر ولا تحس، أيُّ أثر يسري في طلابك أيها المعلم وهم يرون منك هِمَّة ضعيفة، وتعاملاً سيِّئًا؟!

أخي المعلم:
تذكَّر أنَّ من طلابك مَن هو يتيم العلم والأدب، فلا تزد الطين بللاً، ولا الإهمال إهمالاً، ووالله إنَّ لك أيها المعلم من الأثر في طلابك ما قد لا تتصوَّره، فاحتَسِب الأجر وأحسن العمل، وإياك أن يَشغلك عن مهمتك الأساسيَّة الحديث عن مميزات المعلم وإجازاته، وعن تعامل المسؤولين مع المعلم، فكم سَمِعنا من المعلمين مَن يندب حظَّه في هذه الوظيفة، ويتمنَّى أن لو كان موظَّفًا ذا كرسي ثابت، أو دوار يبقى ساكنًا في مكانه، لا يَشغله طالب، ولا يدعوه مدير، ولا يواجه وَلِيَّ أمرٍ، ولكن لو استشعَر المعلمون ما هم عليه من أبواب الخير والأجر، لأدركوا نعمة الله عليهم حين يورِّثون أبناء المسلمين علمًا نافعًا، وأدبًا يبقى صدقة جارية لا يَنضب مَعينُها، يكفيكم يا معشر المعلمين قول المعلم الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله وملائكته وأهل السماوات والأرَضين، حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت، ليُصلون على معلِّم الناس الخيرَ))؛ أخرَجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب صحيح.

ونقَل الترمذي أيضًا قول الفُضيل بن عياض: عالم عامل معلِّم، يُدعى كبيرًا في ملكوت السماوات. فهنيئًا لِمَن كان معلمًا للخير، داعيًا إلى الله، مرشدًا ومُوجِّهًا، وبالخير سابقًا، وهنيئًا ثم هنيئًا لمن كان قدوة لأولاده وطلابه في حُسن الخُلق ولزوم الطاعة، والبُعد عن سفاسف الأمور.

اللهمَّ أكرِمنا بصلاح أولادنا، اللهم اهْدنا وإيَّاهم لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلاَّ أنت، واصرِف عنَّا وإيَّاهم سيِّئ الأخلاق لا يَصرف عنا سيِّئها إلا أنت.

والحمد لله ربِّ العالمين.
 
الأب مشغول .. والأم في الأسواق !

عبد الملك القاسم

لم يعد أمر تربية الأبناء ذو شأن في حياة الوالدين، على الرغم من أهميته .. بل إن الملاحظة - مع الأسف - أنه في أقصى قائمة اهتمامهم.

فالأب مشغول .. أرهقه الجري واللهث وراء حطام الدنيا، والأم تضرب أكباد الإبل للأسواق ومحلات الخياطة، ولا يجد أي منهما وقتاً للتفكير في أمر فلذات الأكباد .. سوى توفير الغذاء والكساء فيتساويان مع الأنعام في ذلك .

أما ذلك الطفل المسكين، فإنه أمانة مضيعة، ورعاية مهملة، تتقاذفه الريح وتعصف به الأهواء. عرضة للتأثيرات والأفكار والانحرافات . في حضن الخادمة حيناً وعلى جنبات الشارع حيناً آخر. وتلقى القدوة المسيئة ظلالاً كالحة على مسيرة حياته.

بعض أطفال المسلمين لم يرفع رأسه حين يسمع النداء للصلاة.. وما وطأت قدمه عتبة باب المسجد ولا رأى المصلين إلا يوم الجمعة أو ربما يوم العيد. وإن أحسن به الظن فمن رمضان إلى رمضان.
أما حفظ القرآن ومعرفة الحلال من الحرام فأمر غير ذي بال .

قد يخالفني الكثير في ذلك التشاؤم .. ولكن من رصد واستقرأ الواقع عرف ذلك ..

وهاك- أخي القارئ- مثالين أو ثلاثة لترى أين موضع الأمانة.، ومدى التفريط !!

- الأول : كم عدد أطفال المسلمين الذي يحضرون صلاة الجماعة في المسجد؟- والله- كأننا أمة بلا أطفال، وحاضر بلا مستقبل!!

أنحن أمة كذلك ؟! كلا .. هؤلاء تملأ أصواتهم جنبات الدور والمنازل والمدارس ويرتفع صراخهم في الشارع المجاور للمسجد. ولكن أين القدوة والتربية .

- الثاني : من اهتم بأمر التربية وشغلت ذهنه وأقلقت مضجعه - أو ادعى ذلك - إذا وجد كتابا فيه منهج إسلامي لتربية النشء ، أعرض عنه لأنه ثمين وغال..
وهو لا يتجاوز دراهم معدودة وأخذ أمر التربية اجتهاداً وحسب المزاج وردة الفعل.

وهذه اللامبالاة نجد عكسها تماماً في واقع الحياة .. فإن كان من أهل الاقتصاد فهو متابع للنشرات الاقتصادية ويدفع مبالغ طائلة لشراء المجلات المتخصصة..

ويحضر الندوات ويستمع المحاضرات ولا تفوته النشرة الاقتصادية في أكثر من محطة إذاعية وتلفاز و..؟! وإن كان من أصحاب العقار فهو متابع متلهف لا تفوته شاردة ولا واردة ..

ولنر الأم في أغلب الأسر.. كم أسرة لديها كتاب حول التربية الإسلامية للطفل ؟!

- الثالث : يعطي الأب من وقته لبناء دار أو منزل أوقاتا ثمينة فهو يقف في الشمس المحرقة، يدقق ويلاحظ ويراقب ويتابع .. ويزيد وينقص .. ونسي الحبيب .. من سيسكن في هذه الدار غداً؟!

أيها الأب الحبيب:
ستسأل في يوم عظيم عن الأمانة لماذا فرطت فيها؟! ولماذا ضيعتها؟!

إنهم رعيتك اليوم وخصماؤك يوم القيامة إن ضيعت، وتاج على رأسك إن حفظت
قال صلى الله عليه وسلم « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.. » الحديث

وقال أنس رضي الله عنه ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه )

وكما تقي فلذات كبدك من نار الدنيا وحرها وقرها عليك بقول الله جل وعلا { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة }

أصلح الله أبناء المسلمين وجعلهم قرة عين وأنبتهم نباتا حسنا.

 
إن من أعظم النعم أن يُرزق العبد ذرية صالحة تدرُّ عليه الأجور بعد الممات ويرتفع بها عند ربه درجات.





ولذلك اشتد حرص السلف –رحمهم الله- على تربية أبنائهم التربية الصالحة.

وهذا جمع نافع لبعض ما جاء عنهم –رحمهم الله- في بعض جوانب التربية،
أسال الله أن ينفعنا وإياكم به..آمين



تعويد الصغار على الالتزام بالشعائر التعبدية:


أولاً: تعويدهم على الصلاة:

يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُواأَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: 6]، قال علي رضي الله عنه: 'علموهم وأدبوهم' وعن الحسن البصري مثله، وقال تعالى مادحًا نبيه إسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِوَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:55]، وقال تعالى: {وَأْمُرْأَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طـه: 132]، قال ابن مسعود رضي الله عنه: 'حافظوا على أبنائكم في الصلاة، ثم تعوَّدوا الخير؛ فإن الخير بالعادة'، و'كان عروبة يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه وبالصلاة إذا عقلوا'، ولا مانع من إعطائهم الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة؛ فقد روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بهم في رمضان، ويرغبوهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهية، وكان بعض السلف يعطون الأطفال الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة.



ثانيًا: تعويدهم على الصيام:

روى البخاري ومسلم عن الربيِّع بنت معوذ قالت: 'أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه،ومن أصبح صائمًا فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار'. وجيء بسكران في رمضان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له موبخًا وزاجرًا: 'في رمضان ويلك وصبياننا صيام؟!' فضربه.



القدوة وأثرها في تعبد الصغار:
قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بك؛ فالحسن عندهم ما صنعتَ، والقبيح عندهم ما تركتَ،وعلِّمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روِّهم من الشعر أعفَّه، ومن الحديث أشرفه، ولا تُخرجهم من علم إلى غيره حتى يُحكِموه؛ فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم...'.


ويحذر ابن مسكويه من ترك التربية للخدم خوفًا عليهم من أن يتأثروا بأخلاقهم وأفعالهم.


الحرص على تعليمهم الخير:

وهذا من تمام القيام بالأمانة التي وليها الوالدان. جاء في الأثر: 'ما نحل والد ولدًا من نِحَل أفضل من أدب حسن'. وجاء الأمر النبوي بتعليم الصغار بعض الآيات لأهميتها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: [[إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش؛فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم؛ فإنها صلاة وقرآن ودعاء]]. وكان علي بن الحسين يعلمهم: 'قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت'، وكان بعض السلف يعلم الصبيان قول: لا إله إلاالله'.

كما أن السلف كانوا يقدمون الغالي والرخيص ليرغبوا الأطفال في العلم؛ فقد روى النضر بن شميل قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بنيَّ! اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثًا وحفظته فلك درهم. فطلبت الحديث على هذا.

ولما كان الاختلاط بالأعاجم مظنة لفساد اللسان العربي، حرص السلف على تقويم ألسنة الصغار من اللحن؛ فقد جاء عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما 'أنه كان يضرب بنيه على اللحن'.

ولم يكن السلف غافلين عن العلوم الأخرى المفيدة كالأنساب والشعر؛ فقد أرسل معاوية رضي الله عنه إلى دغفل فسأله عن العربية وعن أنساب العرب، فإذا رجل عالم، قال: 'يا دغفل! من أين حفظت هذا؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول وإنَّ آفة العلم النسيان. قال: انطلق بين يديَّ ـ يعني ابنه يزيد ـ فعلمه العربية وأنساب قريش وأنساب الناس'.


قال ابن القيم رحمه الله: 'إذا رأى الصبي وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له من العلم ولم يخلق له، مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين'.


ومن الأساليب التي يحببون بها العلم إلى الصغار الاحتفال بهم، قال أبو خبيب الكرابيسي: كان معنا ابن لأيوب السختياني في الكُتَّاب،فحذق الصبي، فأتينا منزلهم فوَضِعَ له منبر فخطب عليه، ونهبوا علينا الجوز وأيوب قائم على الباب يقول لنا: ادخلوا، وهو خاص لنا. وقال يونس: حذق ابن لعبدالله بن الحسن فقال عبد الله: إن فلانًا قد حذق، فقال الحسن ـ رضي الله عنه ـ: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزورًا وصنعوا طعامًا للناس.


ومن ذلك أن الصبي إذا كان ذا موهبة خطابية فإن الأوْلى بمعلمه أن ينمي هذه الموهبة، وقد كان ابن الجوزي الواعظ من ثمار الشيخ أبي القاسم البلخي؛ فإنه علمه كلمات ثم أصعده المنبر فقالها وكان عمره ثلاث عشرة سنة، قال ابن الجوزي: وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفًا. وهو أول مجالسه رحمه الله.

ومن الأمور التي ينبغي أن يُعلَّمها الصبي: الجرأة على طرح أفكاره، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله وينضج تفكيره؛ فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمروبن العاص ـ رضي الله عنه ـ على حلقة من قريش فقال: 'ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم'. بل كان ابن شهاب الزهري ـ رحمه الله ـ يشجع الصغار ويقول: 'لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم'.


الحفاظ على صحتهم:

من ذلك أنه حرص صلى الله عليه وسلم على ألا يتعرض حفيداه [الحسن والحسين] للشمس؛ فقد روى الحاكم من حديث فاطمة رضي الله عنها: 'أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يومًا فقال: أين ابناي؟ فقالت: ذهب بهما علي. فتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل من تمر. فقال: أيا علي ألا تقلب ابنيَّ قبل الحر؟'.


كما أن للوقف دوره في هذا الجانب؛ فقد أيقن المجاهد صلاح الدين أن التغذية السليمة للطفل تجعله قويًا سليم الجسم، والأطفال رجال المستقبل؛ فلبُعد نظره أوقف صلاح الدين وقفًا لإمداد الأمهات بالحليب اللازم لأطفالهن، وقد جعل في أحد أبواب قلعة دمشق ميزابًا يسيل منه الحليب، وميزابًا يسيل منه الماء المذاب بالسكر، فتأتي الأمهات يومين في كل أسبوع فيأخذن لأطفالهن ما يحتاجون إليه من الحليب والسكر.



وليعلم أن الصغار كثيرًا ما يتعرضون لأذى الشيطان؛ لعدم تعويذهم بالهدي النبوي الواقي للصغير من الشيطان والجان؛ فمما يشرع للصغير أن يعوَّذ من الشيطان؛ فقد قالت امرأة عمران: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعوِّذ الحسن والحسين وقال: [[كان أبوكم إبراهيم يعوذ إسماعيل وإسحاق: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة]].



ويمنع الصبي من الخروج وقت انتشار الشياطين حتى لا يؤذوه؛ فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: [[كفوا صبيانكم عند العشاء؛ فإن للجن انتشارًا وخطفة]]، وفي حديث جابرمرفوعًا: [[إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ؛فإذا ذهب ساعة من الليل فحُلُّوهم...]]، وجنح الليل هو إقباله بعد غروب الشمس.



التربية بالحب:

ولهذا النوع من التربية مظاهر منها:

التقبيل للصغير واحتضانه وشمه:

ومن أعظم مظاهر الحب التقبيل للصغار وضمهم، وهذا من الرحمة التي يؤجر العبد عليها، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل الحسن وعند الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: [[من لا يَرحم لا يُرحم]].



وروى مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم]] قال أنس: ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين، فانطلق ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يأتيه واتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ كيره، وقد امتلأ البيت دخانًا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أبا سيف أمسك! جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول.

وقال بريدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه وقال: صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما]].




ومن ذلك الدعاء للصغير:


وهذا هو هدي الأنبياء والصالحين؛ فعباد الرحمن يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]، وزكريا يقول: {فَهَبْ لِي مِن ْلَدُنْكَ وَلِيّاً} [مريم: 5]، وإبراهيم يقول: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، ويدعو لهم بصلاح العقيدة: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، ويدعو لهم بأن يكونوا مقيمين للصلاة: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت معه حتى أتينا سوق بني قينقاع، ثم انصرف فأتى بيت عائشة ثم قال: أَثَمَّ لُكَع ـ يعني حسينًا ـ وظننت أن أمه حبسته تغسله أو تلبسه سِخابًا، فلم يلبث أن جاء يشتد فعانق كل واحد منهما صاحبه، ثم قال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. قال ابن مفلح: لُكَع هنا: الصغير، والسخاب بكسري السين: جمعه سخب، القلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب يُعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيان والجواري، وقيل: خيط يسمى سِخابًا لصوت خرزه عند حركته من السَّخب ويقال: الصَّخب وهو اختلاط الأصوات. وفيه جواز لباس الصبيان القلائد والسخب من الزينة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: 'ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: 'اللهم علمه الكتاب' وفي رواية: 'اللهم علمه الحكمة' وفي أخرى: 'الله فقهه في الدين'.

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني ويُقعدني على فخذه ويُقعد الحسن على الأخرى، ثم يضمنا،ثم يقول: اللهم ارحمهما؛ فإني أرحمهما، وفي رواية: 'اللهم إني أحبهما فأحبهما'.

أما الدعاء عليهم فقد ورد النهي عنه في حديث جابر رضيالله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [[لا تدعو على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم]].


ومن ذلك ممازحتهم وتفريحهم:

فقد كان صلى الله عليه وسلم يمازح الصغار؛ فقد قال لأحدهم: [[يا ذا الأذنين]]، وقال لأحدهم: [[يا أبا عمير ما فعل النغير]].

وعن أبي هريرة رضيالله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى الثمر أُتي به فيقول: [[اللهم بارك لنا في مدينتا وفي مُدِّنا وفي صاعنا بركة مع بركة]] ثم يعطيه أصغر من بحضرته من الولدان.

ومن ذلك إردافهم على الدابة؛ فقد قال عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تُلُقّيَ بالصبيان من أهل بيته. قال: وإنه قدم مرة من سفره فسيق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه. قال: فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة'. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدًا بين يديه وآخر خلفه.

ومر ابن عمر رضي الله عنهما في طريق فرأى صبيانًا يلعبون فأعطاهم درهمين.


السماح لهم باللعب فهو ربيع الصغار


عندما تزوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عائشة رضي الله عنها كانت صغيرة؛ ولذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعطيها حقها من اللهو؛ فقد أذن لها برؤية الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد، وسابقها مرة فسبقته، ثم سابقها بعد أنحملت اللحم فسبقها، فقال صلى الله عليه وسلم: [[هذه بتلك]].


وعن الحسن أنه دخل منزله وصبيان يلعبون فوق البيت ومعه عبد الله ابنه فنهاهم فقال الحسن: دعهم فإن اللعب ربيعهم.
وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يرخصون للصبيان في اللعب كله إلا بالكلاب.

وقد ذكر البيهقي بابًا فيما ورد من لعب الصبيان بالتراب.

وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالأرجوحة مع صاحباتها قبل دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها.
كما ورد عنها ـ رضي الله عنها ـ أنه كان لها فرس له جناحان، وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها قالت: 'كنت ألعب بالبنات عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل ينقمعن منه فيُسَرِّبُهن إليَّ فيلعبن معي'.



ويجوز لعب الأطفال ببعض الحيوانات والطيور إذا لم يكن فيه أذى لهم؛ ففي الصحيحين عن أنس ـ رضي الله عنه ـأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأخ لأنس: [[يا أبا عمير! ما فعل النغير؟]]،وقد ذكر العلماء في فوائده: جواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح له اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ما دام يطعمه ويسقيه. وأشار بعض أهل العلم إلى جواز قص جناح الطير حتى لا يطير.

التوسعة عليهم عند اليسار:


وهذا داخل في عمومات النصوص التي منها: [[خيركم خيركم لأهله]] وحديث: [[إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده]]، ومن أوْلى ما يدخل في ذلك التوسعة على الأولاد باللبس الحسن والطعام الحسن بل وتطييبهم بأنفس الطيب. قالت أم أبي محمد التمار: ربما حملنا أولاد أيوب فعبق لنا من ريحهم ريح المسك أو الطيب.
حقوق الصغار:
من ذلك تشميت الصغير إذا عطس، قال صاحب النظم: إن عطس صبي عُلِّم الحمد لله، ثم قيل له: يرحمك الله، ويعلم الرد. وإن كان طفلاً حمد الله وليه أو من حضره، وقيل له نحو ذلك. ومال ابن مفلح إلى أنه لا يقال عنه: الحمد لله؛ لأنه غير مكلف، ولأن العبادة البدنية المحضة لا تُفعل عن الحي، كما أنه لم يُنقل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه استحباب ذلك مع توافر الهمم على نقله.


ومن حق الصغير أن يُسلَّم عليه؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: 'كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمر على صبيان فسلم عليهم'.

ومن ذلك أن يُستأذن عليه عند الدخول؛ فقد قال جابر رضي الله عنه: 'يستأذن الرجل على ولده وأمه وإن كانت عجوزًا، وأخيه وأخته وأبيه'.

ولا يقدَّم عليهم في حقهم إلا بإذنهم؛ فعن سهل بن سعد رضيالله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلاموعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: [[أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟]] فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا، فتلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده'.

ومن ذلك أنه لا يجوز أن يُكْذَب عليهم؛ فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: 'أتانا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعالَ أُعطك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[وما أردت أن تعطيه؟]] قالت: تمرًا، فقال: [[أما إنك لو لم تفعلي كُتبت عليك كذبة]], وصح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: [[إن الكذب لا يصلح منه جد ولاهزل، ولا أن يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له]].

أخذ العلم عن الصغار إن كانوا أهلاً لذلك:
قال ابن عيينة: الغلام أستاذ إذا كان ثقة. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن العلم ليسعن حداثة السن ولا قدمه، ولكن الله يضعه حيث يشاء. وفي البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت أُقِرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، قال ابن الجوزي في كشف المشكل: فيه تنبيه على أخذ العلم من أهله وإن صغرت أسنانهم أو قلَّت أقدارهم. وقد كان حكيم بن حزام يقرأ على معاذ بن جبل فقيل له: تقرأ على هذا الغلام الخزرجي؟ فقال: إنما أهلكنا التكبر.
قال ابن مفلح رحمه الله: والأوْلى أن لايحدِّث حتى يتم له أربعون سنة إلا أن يُحتاج إليه؛ فقد حدَّث بُندار ولـه ثلاث عشرة سنة، وحدث البخاري وما في وجهه شعرة. وقد قال سمرة بن جندب: 'لقد كنت على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلامًا فكنت أحفظ عنه؛ فما يمنعني من القول إلا أنّ هاهنا رجالاً هم أسن مني' متفق عليه.


تقويم سلوك الصغار:
قد يظن ظان أن أسرع طريقة للتقويم الضرب وهو مخالف للهدي النبوي.
ولنتأمل في هذه القصة التي رواها أحمد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى طعام كان قد دُعي إليه مع بعض أصحابه، فاستقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمام القوم وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأخذه، فطفق الصبي هاهنا مرة، وهاهنا مرة، فجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضاحكه حتى أخذه، فهذه وسيلة سهلة توصل إلى المقصود.


ومن الأساليب أيضًا العتاب الرقيق؛ فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس خُلُقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب ـ وفي نفسي أن أذهب لما أمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم ـ قال: فخرجت حتى أمرَّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس، اذهب حيث أمرتك. قلت: نعم، أنا ذاهب يا رسول الله.

ولا يشك مؤمن ما للدعاء من أهمية في صلاح الصغار، وهو ما كان يوصي به المصلحون أولياء الصغار؛ فقد شكا أحدهم ابنه إلى طلحة بن مصرف فقال: استعن عليه بهذه الآية: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف: 15].

والضرب وسيلة تقويم وقبلها وسائل، وقد ورد الأمر بتعليق العصا في البيت.

وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يكتب للأمصار: لا يقرن المعلم فوق ثلاث؛ فإنها مخافة للغلام ـ يعني لا يجمع ثلاث ضربات. وسئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم للصبيان، فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيرًا لا يعقل فلا يضربه.

وليعلم أن الأمور لا تؤتى غلابًا كما قال الشاعر، وإنما التدرج مطلوب في التقويم؛ فقد نقل الحافظ عن سعيد بن جبيرالحث على التدرج في أخذ الطفل بالجد، وهذا يتمشى مع الحكمة التي جاءت بها الشريعة،وطبيعة النفس الإنسانية التي تستثقل أخذها بالعزيمة بلا تدرج.

الإنكار عليهم:
جاءت النصوص بالأمر بالإنكار على الصغار إن ارتكبوا محرمًا؛ فعن عمر بن أبي سلمة، قال: كنت في حِجْر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: [[يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يليك]].


وقال سنان بن سلمة: كنت في غلمة بالمدينة نلتقط البلح، فأبصرنا عمر وسعى الغلمان وقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو ما ألقت الريح. قال: أرني أنظر. فلما أريته قال: انطلق. قال: قلت: يا أمير المؤمنين, ولِّهؤلاء الغلمان، إنك لو تواريت انتزعوا ما معي. قال: فمشى معي حتى بلغت مأمني.

ودخل أبو هريرة رضي الله عنه مرة المسجد يوم الجمعة، فوجد غلامًا، فقال له: يا غلام، اذهب العب. قال: إنما جئت إلى المسجد. قال له: يا غلام، اذهب العب. قال: إنما جئت إلى المسجد. قال: فتقعد حتى يخرج الإمام؟ قال: نعم. وكأنه خشيأن يلعب في المسجد في أول الأمر فلما تأكد من أنه جاء لقصد العبادة تركه.

روى سعيد بن جبير أنه كان مع عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في الطريق؛ فإذا صبيان يرمون دجاجة، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ فتفرقوا،فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من مثَّل بالحيوان.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: 'فإن ما حرم الله على الرجل فعله حرم عليه أن يُمكِن منه الصغير، وقد رأى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ثوبًا من حرير على صبي للزبير فمزقه، وقال: لا تُلبِسوهم الحرير'. ومزق ابن مسعود رضي الله عنه قميصًا من حريرعلى أحد أولاده، وقال: قل لأمك تكسوك غير هذا.

وقال الموفق في المغني : ويتجنب الثياب التي عليها تصاوير أو صلبان.

اختيار أصحابهم:
قال علي بن جعفر: مضى أبي إلى أبي عبدالله ـ يعني الإمام أحمد ـ وذهب بي معه، فقال له: يا أبا عبد الله، هذا ابني. فدعا لي، وقال لأبي: الزمه السوق، وجنبه أقرانه.



(منقول)


 
أعلى