مشروع مرسوم قانون تنظيم التجمعات .. أتمنى أن يرفضه صاحب السمو

Fernas

عضو مميز
مشروع مرسوم قانون تنظيم التجمعات ... أتمنى أن يرفضه صاحب السمو​


تتجه الكويت اليوم إلى إرساء مفاهيم جديدة على الذهنية الكويتية في طبيعة العلاقة بين الدولة بمؤسساتها المدنية المختلفة وبين الإنسان الكويتي. فالرسالة التي باتت مؤسسة الإمارة تُصر عليها للكويتيين هي أن الممارسات التي تخرج في مضمونها عن أدبيات وأعراف الدولة المدنية أصبحت مرفوضة تماماً، وأن القانون أصبح الفيصل والحَكَم في التفاعل بين الفرد وبين الدولة. ولا حاجة بنا هنا إلى تأكيد قناعتنا التامة بسمو الهدف وإيماننا المطلق بمحتوى الرسالة. فقيام الدولة المدنية في الكويت، وتفعيل دور المؤسسات المدنية والقانونية في تفاعل علاقات المجتمع والدولة، والإيمان بأهمية الدور التشريعي لمجلس الأمة والذي يتجسد في تطبيق السلطة التنفيذية لمخرجات قوانينه التي أقرت بالتصويت عليها من جانب نواب الشعب والأمة، كل هذه هي في الحقيقة جوانب بالغة الأهمية في ضمان مستقبل لهذا البلد وأبناءه أفضل بكثير مما عليه الحال الآن وبعد ما يقارب نصف قرن من الممارسة الديموقراطية في الكويت والتي تميزت بإحتقار القانون وضمان الإفتئات عليه وتأكيد التعامل خارج إطاره.

هذا الهدف هو لا محالة سامي في محتواه، أنا على الأقل مقتنع بهذا. ولكن الجانب الإنساني في محاولة رفض ما شبّ وشابَ عليه الفرد أو المجموع، بغض النظر عن مدى شرعيته أو تحضره من عدمه، هو أمر لا بد وأن يتم أخذه بالحسبان. فمحاولة تفعيل "حزمة تصحيحية" متعددة المحاور من المحتم أنها سوف تُجابه بالرفض والمقاومة من أفراد ومجاميع أصبحت مصالحها مهددة بشكل مباشر. هذا الرفض والإعتراض لابد وأن يأخذ مجالاً "مدنياً وسلمياً وقانونياً" للتنفيس عنه والتعبير عن محتواه، وإلا تطور الأمر إلى إنقسام يشابه التقسيم الطبقي. هذا التقسيم المشابه للتقسيم الطبقي سوف يأخذ شكل (حكومة - شعب) أو (بدو - حضر) أو (سنة - شيعة) أو على إعتبارات قناعات سياسية أو مذهبية أو عرقية في مقابل أخرى. الإشكالية هنا هي أن أي تقسيم طبقي هو في طبيعته متصارع وقابل للتهييج على أساس عاطفي بالدرجة الأولى، وعقلاني في أدنى طبقاته وبحيث يتم الإفتئات عليه في أغلب الأحيان إن لم يكن دائماً من جانب المجموع العام. هذا التهييج العاطفي أرى بأنه ليس من مصلحة هذه الرسالة السامية للدولة المدنية والتي تحاول مؤسسة الإمارة ترسيخها في الذهنية الكويتية أن يتم استغلالها واللعب على أوتارها من جانب المعارضين لهذه الرسالة.

أقر مجلس الوزراء الإسبوع الماضي مشروع مرسوم بقانون في شأن تنظيم الإجتماعات والمواكب العامة. لتفاصيل مشروع القانون رجاءً إضغط هنا.

جاء في توضيحات بعض المسؤولين الحكوميين أن هذا القانون هو ضرورة أخذاً بعين الإعتبار المرحلة الجديدة التي تمر فيها الكويت الآن. وبغض النظر عن مدى وجاهة هذا الرأي من عدمه، إلا أن هذا المرسوم بقانون هو أيضاً في حكم المؤكد بأن مجلس الأمة القادم سوف يرفض إقراره مهما كان تركيبة المجلس القادم. إذ أن القانون هو محل نظر في مدى دستوريته، هذا من جانب، ومن جانب آخر هو يخالف في بعض بنوده أعرافـاً إجتماعية أصيلة تربّى الكويتيون عليها وذات تأصيل أساسي في تفاعلاتهم الإجتماعية. فالأمر الآن، من وجهة نظر الشعب الكويتي، لم يعد محاولة لترسيخ مبدأ تعالي القانون وضرورة إحترامه، ولكنها تتعداه إلى محاولة ترسيخ مفاهيم تجنح إلى الإستبداد وتستوحي الممارسات الديكتاتورية في بعض الدول. وهذا، ومن الواضح، ليس في مصلحة مؤسسة الإمارة ولا في مصلحة الرسالة الجديدة التي تحاول إيصالها للشعب الكويتي.

أنا في الحقيقة أتمنى أن يتم رفض هذا المرسوم بقانون من جانب صاحب السمو أمير البلاد لثلاثة أسباب. الأول هو ماشرحته أعلاه من حتمية الإيحاء السلبي للمجتمع الكويتي من إقرار هذا القانون وربطه في أذهانهم بالممارسات القمعية لبعض الدول الديكتاتورية. السبب الثاني هو صعوبة تطبيق مثل هذا القانون وحتمية وجود مصادمات مع كل أطياف المجتمع الكويتي من أول الإسلاميين ومروراً بالليبراليين أو المستقلين ونهاية لمن ينتمي إلى عرق أو طائفة أو طبقة أو فكر أو حزب. وهذا يقود أيضاً إلى التقسيم المشابه للتقسيم الطبقي ذو الصراع الحتمي (حكومة - شعب) في النظر إلى الإختلاف في وجهات النظر الدائر الآن. وهذا بالذات سوف يسبب نفوراً عاماً على المستوى الشامل والعام لأي رسالة تحاول مؤسسة الإمارة أن تتبناها الآن أو في المستقبل القريب. السبب الثالث هو حتمية رفض المرسوم بقانون وإسقاطه من جانب مجلس الأمة القادم مما يضع مؤسسة الإمارة في موقف قد يُحسب عليها وليس لها فيما تحاول عمله للكويت ومستقبلها، وهذا كما لا يخفى مُضر وعلى أكثر من محور.

أتمنى حقيقة ً أن يرفض صاحب السمو هذا المشروع بقانون.



فرناس
 
أعلى