واقع العالم الإسلامي.. بمعيار نهضة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)

أحمد الحمد

عضو بلاتيني
هذه أرقام وتقديرات ترددت في مؤتمر القمة الـ12 لمنظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد في القاهرة في الأسبوع الماضي: المسلمون يشكلون ربع سكان العالم، وفي جغرافيتهم يثوي 70% من رصيد النفط والغاز في العالم. كما تردد كلام عن الحضارة الإسلامية في عصورها الزاهرة.. والأرقام صحيحة، ولها نظائر في مجالات المساحات الزراعية، والممرات المائية الحيوية، ومناجم الذهب واليورانيوم إلخ.. ومع وجود هذه الإمكانات الهائلة - الطبيعية والبشرية - لا يزال المسلمون (متخلفين)!!


وها هنا مفارقة تفلق الرأس بالدهشة والذهول.


فالمسلمون الأوائل لم يكونوا يملكون هذه الإمكانات والمقومات.. مثلا في ميدان المقارنة في (الكم البشري) بين الأمس واليوم: إذا كان تعداد المسلمين اليوم قد بلغ مليارا وستمائة مليون مسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي عن مائتي ألف مسلم – تقريبا – هم نواة بناء الحضارة العربية الإسلامية الكبرى التي فجر أنهارها الأولى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم: النبي الذي تعود المسلمون الاحتفاء بذكرى مولده في هذا الشهر (ربيع الأول) من كل عام دون أن يتمثلوا مضامين النهضة التنويرية العظمى التي أسسها وقادها، فنشأ العالم كله – بها - نشأة جديدة: وفق الحقيقة الحضارية التاريخية التي وثقها شهود عقلاء عدول من غير المسلمين، كما سنرى في قابل السطور:


لقد بعث النبي محمد في أوائل القرن السابع الميلادي، فكيف كانت أحوال العالم في تلك الحقبة؟
لنصغ ونتعلم ونعرف الحقيقة من كوكبة من أولي العلم والفكر والرأي والأمانة من غير المسلمين:


1) فقد قال ستانوود كمب في كتابه (المسلمون في تاريخ الحضارة).. قال: «على سبيل المثال لنتصور عالم القرن السابع الميلادي (يقابله العام الأول الهجري)، إذ كان مولد الإسلام، ولنتبين حالة الحضارة الإغريقية والرومانية. فقد توقفت هذه الحضارة القديمة وأصابها الجمود، وغدت تفتقد الحيوية والانطلاق، ولم يعد هناك نشاط علمي يمارس في أي مركز في أنحاء العالم».


2) ويقول أرنولد توينبي في كتابه المهم (تاريخ البشرية): «كاد القرن السابع أن يكون حقبة اضطراب مستمر، فقد كانت فتنة 602 ومقتل الإمبراطور موريس أن يلقيا بالإمبراطورية في أحضان الفوضى».


3) ويقول رونالد سترومبرغ – في كتابه (تاريخ الفكر الأوروبي الحديث): «ونحن لا شك نخطئ خطأ فادحا إذا اعتقدنا أن القرون الوسطى كانت تمثل عصر الإيمان (القرن السابع الميلادي هو من صميم القرون الوسطى)، فذاك العصر كان مرحلة تاريخية أطلقت خلاله شعوب بربرية طاقاتها الوحشية التي هددت بإسقاط كل نظام، فانسحب الورع لائذا بالأديرة للحفاظ على بقائه، وتشهد بذلك حاجة تلك الحقبة إلى الإصلاح الديني، فنظام الإقطاع الغليظ قيد الكنيسة وكبتها، ورافق ذلك تضاؤل البابوية: مركزا وهيبة، وغدا رجال الدين المسيحي موضوعا لسخرية الشعراء وواضعي الأغاني الشعبية، وأمست اللذائذ الحسية والتغني بها أمرا شائعا ومألوفا».


ولقد وصف البوصيري حال الجزيرة العربية إبّان بعثة النبي فقال:


أتيتَ والناس فوضى لا تمر بهم
إلا على صنم قد هام في صنم
عقول متحجرة تعبد وتسجد لأصنام من حجارة!!


وأبلغ مما تقدم كله: وصف النبي نفسه صلى الله عليه وآله وسلم لأحوال جزيرة العرب والعالم كله، إذ قال: «إن الله اطلع على أهل الأرض جميعا عربهم وعجمهم فمقتهم جميعا إلا بقايا من أهل الكتاب».


في هذه الظلمة العالمية المطبقة، بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي يخرج الناس – عربهم وعجمهم - من الظلمات إلى النور: «الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».. من هنا، فمن حقنا – منهجيا وموضوعيا وحضاريا - أن نصف النبي محمدا بأنه (رائد النهضة التنويرية العظمى في التاريخ الإسلامي)، ولئن كان هذا وصف مؤمن بنبي الإسلام، محب له، فإن علماء كبارا من غير المسلمين يوثقون هذا الوصف ويفصلونه.. لقد كتب الفيزيائي الآيرلندي جون ديزموند برنال في كتابه الموسوعي (العلم في التاريخ) كتب يقول: «سرعان ما أضيف إلى تلك العوامل السلبية، ومنها الفراغ الذي يعيشه العالم: عامل إيجابي وهو ظهور دين عالمي جديد، وانتشاره بسرعة. فالحواجز اللغوية والدينية والحكومات الدينية التي كانت حتى القرن السابع الميلادي تعزل كل ثقافة داخل محيط إقليمها. هذه الحواجز قد زالت فجأة في كل أرجاء المعمورة بين المحيطين: الهندي والأطلسي. فقد أشاع الإسلام المحبة الأخوية بين كل الأجناس، وحدد لتابعيه شعائر دقيقة، وكانت فلسفته قائمة على التوحيد. لقد كان دينا راسخ الأسس في قلوب الناس».. وكتب الزعيم الهندي جواهر لا نهرو – في كتابه: لمحات من تاريخ العالم – كتب يقول: «والمدهش حقا أن نلاحظ أن هذا الشعب العربي الذي ظل منسيا قرونا كثيرة، بعيدا عما يجري حوله، قد استيقظ فجأة، ووثب بنشاط فائق أدهش العالم وقلبه رأسا على عقب. إن قصة انتشار العرب في آسيا وأوروبا وأفريقيا. والحضارة الراقية، والمدينة الزاهرة التي قدموها للعالم هي أعجوبة من أعجوبات التاريخ. والإسلام هو الباعث لهذه اليقظة بما بثه من ثقافة وثقة ونشاط».


وهذا الطرح العام يتطلب شيئا من التفصيل:


أولا: إن نهضة (التنوير العقلانية) – بادئ ذي بدء - هي (نهضة عقلانية)، إذ لا نهضة حقيقية – في أي حقل - تنشأ في غياب العقل، أو في حالة تحجره وجموده. ولذا نستطيع أن نقرر – بهدوء وثقة ويقين - أن النهضة التنويرية العظمى على يد نبي الإسلام، كان العقل مفتاحها ونافذتها وآليتها ومدخلها.. وهذا هو التعليل العقلي والمنهجي لهذه الحقيقة. فقد كانت الجزيرة العربية، وكان العالم كله في (غيبوبة عقلية).. كان الجمود الفكري هو العملة الرائجة والعرف الضاغط الطاغي السائد الذي لا يسمح ببروز فكرة ما خارجة عن الإلف المألوف. ويستحيل – بإطلاق - أن يحصل تقدم ونهوض وتحرير وتنوير بينما العقل (غائب) والفكر (متحجر). ومن هنا فقد كانت الأسبقية: المنهجية والتطبيقية هي (استحضار العقل) الغائب، وتحريك (الفكر الجامد) وتشغيله بأعلى معدلات طاقاته المكنونة أو المكبوتة.. ولقد تبدت هذه الأسبقية المنهجية التطبيقية في سياقات قرآنية متنوعة: سياق المطلب (الحصري) – في البدء - «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا».. واحدة فحسب وهي أن تكون حركة التفكير بديلا لجموده.. وسياق التحريض على التفكير عن طريق النظرة الذكية المحدقة في النفس والكون: «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ».. وسياق الحملة الطويلة الملتهبة الناقضة للتقليد الغبي الضرير الذي يتبع التقاليد من دون عقل ولا تفكير: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ»؟!
وتحرير العقل، وفكه من أغلاله: تهيأ لأن يفكر في الكون ويتفاعل معه بعلم وإيجابية.. يقول جون برنال في كتابه (العلم في التاريخ): «صعد الإسلام صعودا فجائيا، وكان الأثر المباشر لذلك هو التنشيط الكبير للثقافة والعلوم، وقد أصبح الإسلام نقطة التجمع للمعارف الآسيوية والأوروبية. ومن ثم تدفقت في هذا المجرى سلسلة من المخترعات لم تكن معروفة ولا متاحة للتكنولوجيا اليونانية والرومانية».. ومن هذا المنبع ارتوت نهضة أوروبا الحديثة.


ونقول لقادة العالم الإسلامي: هناك طريقان للمخرج من التخلف: طريق دفع بلادكم إلى النهضة الفكرية العلمية التنويرية الكبرى، وطريق هداية النهضة بهدي محمد لئلا تنحرف عن طريق الله، وخدمة الإنسان، كما وقع لنهضات أخرى من قبل ومن بعد.



هيا افعلوا هذا، وإلا بقيتم في حفر التخلف التي تفصل بينكم وبين نهضة نبيكم فصلا يضعف صلتكم به، وإن صليتم وزكيتم وحججتم واعتمرتم وزعمتم أنكم مسلمون!!







http://aawsat.com/leader.asp?section=3&article=716569&issueno=12492#.URZiPNlldkQ






التعليق:



مقال جيد وتحليل رائع لواقع الدول العربية والاسلامية. أجل هناك طريقان للخروج من التخلف. طريق النهضة الفكرية العلمية التنورية ونبذ التطرف في القول والفعل.

وطريق التمسك بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يحض على الرأفة والرحمة والدعوة بالتي هي أحسن والى إجتناب إستخدام الوسائل العنيفة في القول

والفعل والتي تسيء للاسلام.



وإضيف صوتي لصوت والكاتب واقول ((هيا افعلوا هذا، وإلا بقيتم في حفر التخلف التي تفصل بينكم وبين نهضة نبيكم فصلا يضعف صلتكم به، وإن صليتم وزكيتم وحججتم

واعتمرتم وزعمتم أنكم مسلمون!!)).


ما اجملها من كلمات وما إصدقها.




 
أعلى