عبدالله الفلسطيني
عضو مخضرم
الاخوان الأفاضل :
هذا الموضوع ليس بالهين اللين وليس بالموضوع الذي يبعث في نفسي على الحماسة ، إنما ساد عند البعض فكرة أن الشيعة (الروافض ) كفار ابتداءا أو أنهم كفار أصليون ، الحقيقة أن على الناس أن يتريثوا كثيرا قبل اطلاق حكم الكفر ( كان على الشيعي أو السني ) .... حتى وإن كفرونا و زندقونا أو نصبونا ( من الناصبة ) عن جهالة منهم أو عدم دراية .
لذلك أنقل هذه الفتوى لكل من يهتم بهذه المسألة .
هذا وإنني لأبرأ من الله من كل البدع ومن كل الكفريات عند الروافض أو السنة أو أي مذهب كان على قدر استطاعتي ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، كما أني أبرأ من الله من كل من استحل الدم المسلمة باسم التكفير أو السياسة أو غيرها .
أشرطة سلسلة الهدى والنُّور؛ مِن الدروس العلميِّة والفتاوى الشرعيِّة؛ لشيخنا المحدِّث العلاَّمة: محمد ناصر الدِّين الألبانىّ
شريط رقم ( 518 ) .
ستجدون رابط الشريط ( مفرغ ) في موقع الشيخ محمد ناصر الألباني رحمه الله :
http://www.alalbany.net/albany_tapes_tafregh.php
السؤال الأول هو: هل يصح تكفير الشيعة عامتهم، أم فرق خاصة منهم؟
الشيخ:
نحن نقول دائمًا وأبدًا: لا يجوز في شرع الله -تبارك وتعالى- تكفير طائفة أو جماعة من المسلمين بالجملة، لا يجوز هذا.
ذلك لأنَّ أيَّ طائفةٍ قد يكون فيهم من لم يستحقّ أن يُوجَّه إليه التَّكفير لعذرٍ أو لآخر، كما أنَّه قد يوجد فيهم من يستحقُّ التَّكفير؛ ولذلك فلا يجوز بوجهٍ من الوجوه أن يُقال: "الشيعة –مثلاً– كلهم كُفَّار" أو الزيديَّة مثلاً، أو الخوارج أو الإباضيَّة أو غير هذه الفرق التي كانت قديمًا، ولا يزال شيء من آثارها موجودة حتَّى يومنا هذا. هذا أوّلاً.
وخلاصة ذلك: لا يجوز التكفير بالجملة، وإنَّما لابدَّ من التفصيل.
ونحن نعلم بالتَّجربة بأنَّ كثيرًا من عامة المسلمين -بغضّ ِالنَّظر عن انتمائهم إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم- نجد فيهم من لا يزال على الفطرة ولم يتأثر -بما يُسمَّى عند العلماء-: بـ: "علم الكلام"، كما تأثر به كثيرٌ من المشتغلين بالعلم؛ ولذلك فهؤلاء العامة يبقَوْنَ على سلامتهم وعلى فطرتهم، بينما يكون بعض خاصَّتهم قد انحرفوا عن الخطِّ المستقيم بسبب أنَّهم تثقَّفوا بثقافة غير إسلامية، وإن كان يُطلَق عليها أنَّها من الإسلام.
فإذا تركنا هؤلاء العامَّة، وتوجهنا إلى الخاصَّة منهم؛ أعود لأقول: من أي جماعة كانت؛ حتى من أهل السنة الذين يقولون إنهم من أهل السنة والجماعة.
فنحن -مع الاسف- نعلم بأنَّ في أهل السنة والجماعة، كثير من الطُّرق الصُّوفيَّة، التي يتبنَّى بعضها -على الأقل- مذهبًا أو عقيدة يُعتبر أنها أضلُّ من عقيدة اليهود والنَّصارى؛ ألا وهي: "عقيدة وحدة الوجود".
فيوجد في الصوفية كثيرٌ من أمثال هؤلاء الذين يؤمنون بالوحدة هذه.
ولاشك أنَّ من كان يؤمن بها يكون كافرًا مرتدًا عن الدين؛ لأنَّ عقيدة وحدة الوجود تعني الطَّبيعة؛ كما يقول الكفار والملاحدة والشيوعيون -وأمثالهم-: أنه ليس هناك إلا المادة. الكفر اليوم يُعلن به صراحة؛ فالشيوعيون يعلنونها: ليس هناك شيءٌ سوى المادة.
المؤمنون بوحدة الوجود، يُغَمغِمُون القضيَّة ويلبسونها ثوبًا من الإسلام والدين؛ كي يضلِّلوا عامة المسلمين.
فهم مثلاً حينما يُفسِّرون كلمة التَّوحيد: (لا إله إلا الله) ينتهون بها إلى أن يقولوا: "لا هو إلا هو"؛ ثمَّ يختصرون هذه الجملة التي تتضمَّن مستثنىً ومستثنىً منه؛ يقولون: "هو هو"، "لا هو إلا هو" يُلخِّصونها؛ فيقولون: "هو هو". لا شيء سواه.
ويعبِّرون عن ذلك بكثير من العبادات الشركيَّة المكشوفة القناع؛ كقول بعضهم مثلاً: "كل ما تراه بعينك؛ فهو الله"! إذن هذه هي المادة التي يؤمن بها الملاحدة.
وبعضٌ آخر يُصرِّح؛ فيقول: "لما عبد المجوس النَّار، ما عبدوا إلا الواحد القهَّار"!
والشاهد: هؤلاء ليسوا في الشيعة ولا في الخوارج، هؤلاء من أهل السنة والجماعة؛ فهل يجوز تكفير الصوفية عامة؟
الجواب: لا، لأن كثيرًا منهم إنما يتبعون التَّصوف جملة؛ لظنهم أنه هو السلوك الذي يوصلهم إلى ربِّ العالمين؛ لكن أكثرهم لا يعلمون هذه العقيدة التي هي من أبطل الباطل. أما خاصتهم فهم يؤمنون بها.
فإذن، لنبدأ بأصحابنا وأهل سُنَّتِنَا ومذهبنا، وهم أهل السنة والجماعة، وفيهم من ذكرنا ممن يؤمن بوحدة الوجود، وهؤلاء إنما يوجدون -على الغالب- عند الصوفية؛ ولكن مع ذلك يوجد هؤلاء حتى عند غير الصوفية؛ حتى عند بعض الذين يحاربون التَّصوف جملة وتفصيلاً؛ كالمعتزلة مثلاً.
المعتزلة الذين يسمون أنفسهم بأهل التوحيد، وأنهم يفخرون على الطوائف الأخرى؛ منها: أهل الحديث، ومنها الأشاعرة، والماتُردية، وغيرهم، هؤلاء ليسوا من أهل التوحيد وأهل العدل؛ لأنهم في ظن المعتزلة يؤمنون بالجبر؛ يعني أهل السنة عند المعتزلة يؤمنون بالجبر حينما يعتقدون -واعتقادهم حق بلا شك- أن ما من شيء يقع في هذا الكون من خير أو شر إلا بمشيئة الله -تبارك وتعالى- وإرادته. أما المعتزلة؛ فيقولون: لا، ليس كل شيء يقع في هذا الكون بإرداة الله ومشيئته؛ بل الإنسان هو الفعال لما يريد، فهو الذي يخلق -خاصة وهم يدندنون حول الشر- فهو يخلق الشر، وليس لله في ذلك إرادة.
وهذا بحثٌ طويل، ولا نريد أن ننسى أصل السؤال.
المهم أن هؤلاء المعتزلة يشتركون مع القائلين بوحدة الوجود حينما ينكرون نصوصًا قاطعة في الكتاب والسنة، تُثبت أن لله -عزَّ وجلَّ- صفة العلو: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، نقول في السجود: "سبحان ربي الأعلى"، والنصوص التي أشرنا إليها -إن شاء الله- معروفة عندكم.
هم ينكرونها هذه النُّصوص لا ينكرونها لفظًا؛ وإنما ينكرونها معنىً؛ لأنهم إن صرَّحوا بإنكارها لفظًا خرجوا عن الإسلام، فينكرونها بطريق التأويل؛ فهم لا يأمنون بأن الله -عزَّ وجلَّ- على العرش استوى -كما قال الله -عزَّ وجلَّ- ؛ لأنهم يأولون الاستواء بمعنى الاستيلاء، وهذا باطل أيضًا، وله مجالٌ آخر لتفصيل القول في ذلك.
فإذن لو سئلوا السؤال الذي ورَّثَنَا إيَّاه نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ ألا وهو: "أين الله؟"؛ فجوابهم: الله في كل مكان!
إذن الله في كل مكان؛ فالمكان خَلْقٌ من خلق الله؛ التقى قولهم هذا مع قول أهل الوحدة؛ أي: "لا شيء إلا هذا الكون المخلوق"، وبخاصة حينما يؤكدون في نفي الوجود الإلهي؛ بأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- هكذا يقولون كما ستسمعون- الله لا يوصف بأنه فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، لا داخل العالم، ولا خارجه. إذن لم يبقى إلا المادة؛ إلا هذا الكون المُشاهد. فالتقت أيضًا المعتزلة مع الجماعة القائلين بوحدة الوجود في أن لا شيء هناك إلا الطبيعة.
هل يشترك مع المعتزلة ومع الصوفيَّة الغُلاة -في هذه النقطة بالذات- كثير ممن ينتمي إلى أهل السنة والجماعة ممن ينتمي إلى الماتُردِيَّة أو الاشعرية؟
نقول: نعم، وهذا نلمسه ونسمعه دائمًا أبدًا في كل مجتمع سُنِّي، ليس شيعيًا ولا معتزليًا، يقولون: الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود، أهل السنة الذي يعيشون معنا ويعيشون معهم هكذا يقولون!
إذا كان الأمر هكذا، فهل نكفر هؤلاء الذين ينكرون أنَّ من صفة الله -تبارك وتعالى- أنَّه على العرش استوى، وإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، إلى غير ما هنالك من نصوص كثيرة أجمعت على أن الله -عزَّ وجلَّ- فوق المخلوقات كلها.
هل نُكفِّر هؤلاء بالجملة بالكوم؟
نقول: لا.
نبدأ بأهل العلم منهم، هل نُكفِّرهم؟
أيضًا لا؛ إلا بشرط واحد: بعد إقامة الحجَّة؛ لأنَّه يمنعنا من المبادرة إلى تكفير أي مسلم مادام أنه يلتقي معنا في الأصل الأول من أصول الإسلام الخمسة؛ وهي: شهادة أن لا إله إلا الله؛ فكلُّ مسلمٍ يشهد هذه الشهادة؛ فابتداءً لا يجوز الحكم بتكفيره؛ لأنه رفع راية الإسلام، بشهادتِهِ بشهادةِ الإسلام.
وأنتم -فيما أعتقد- جميعًا تعلمون قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلِهِ وَسلَّم: ((أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ؛ فَإِذَا قَالُوهَا: عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؛ إلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَبُاهُمْ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-)).
إذن، هذا المسلم الذي يشهد هذه الشهادة، نحن لا يغيب عنا ولا يفوتنا أنه قد يقولها وهو كافر بما تدل عليه من الحق ومن العقيدة الصحيحة؛ لأن هذا من طبيعة المنافقين، الذين كانوا موجودين حتى في العصر الأول الأنور الأطهر، وهو العصر الذي قال عنه الرسول عليه السلام: ((خَيْرُ الْنَّاسِ قَرْنِي؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم)).
قد كان فيهم خاصَّة في المدينة -من أهل المدينة- مردوا على النفاق الله كان يعلمهم، وقال للنَّبي صلى الله عليه وسلم: ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ فكيف عاملهم الرسول عليه السلام؟
هل عاملهم معاملة اليهود والنَّصارى؟ فرض عليهم الجزية يعطوها ويدفعون عن يد وهم صاغرون، أم مشى عليهم أحكام الإسلام؟
مشَّى عليهم أحكام الإسلام؛ لأنهم شهدوا بألسنتهم؛ أما قلوبهم؛ فكما قال في الحديث السابق: ((حِسَبُاهُمْ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-)).
يؤكد لكم هذا المعنى الذي خلاصته: أنَّ الإسلام يُبني أحكامه على ما يظهر للناس؛ ولذلك كان من قواعد علماء الفقه والأصول: "نحن نحكم بالظاهر والله يتولَّى السرائر"، وهذا مأخوذ من بضعة أحاديث ثابتة في السنة الصحيحة.
...........
إذن، الشارع الحكيم يبني أحكامه على ما يظهر للناس، فكل مسلم -إذن- يرفع هذه الراية الإسلامية؛ فيشهد أن لا إله إلا الله لا يجوز لنا أن نبارد إلى تكفيره؛ إلا في حالة واحدة؛ حينما يعلن مع تلك الشهادة ما يعارِضها وما يعطِّلها ويُنكِرها؛ حينئذٍ ندينه ونلزمه بما يبدو منه؛ حينذاك باستطاعتنا أن نُكفِّره، ومع ذلك: رويدك! فلا يجوز -أيضًا- المسارعة إلى تكفيره؛ إلا بعد إقامة الحجة عليه، إلا بعد إقامة الحجة عليه.
إذن عندنا هنا شرطان؛ ليجوز للعالم المسلم أن يُكفِّر مسلمًا:
الشرط الأول: أن يسمع من هذا المسلم ما يُكفَّر به.
الشرط الثاني: أن تُقام الحجة عليه؛ لأن الله -تبارك وتعالى- ما أنزل الكتب وأرسل الرُّسل إلا لتكون حجة الله -تبارك وتعالى- قائمة على الناس، ولا يكون لإنسان ما ارتدَّ أو كفر بالله ورسوله عذرٌ يوم القيامة.
من هنا اتفق علماء المسلمين على أنه إذا وجد هناك قومٌ لم تبلغهم دعوة الإسلام؛ فهؤلاء لا يُحكَمُ لهم بالنَّارِ التي وُعِدَ بها الكُّفَّار؛ لأنَّ الكُّفَّار هم الذين بلغتهم الدعوة؛ ثم جحدوها وأنكروها؛ كما قال الله -عزَّ وجلَّ- في كثير من هؤلاء: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾
وأصل الكفر -كما تعلمون- من: الكَفْرِ، وهو التغطية؛ لذلك [فالزُّرَّاع] يُسمُّون بالكُفَّار؛ يُعجب الكفار نباته؛ أي: الزُّرَّاع، فلما كان الزَّارِع يستر الحب بالحرث وبالتراب، كذلك الكافر يستر الحق بباطله؛ فمن كان بهذه المثابة فهو الذي يكفُر ويكون مخلَّدًا في النَّار.
أما من لم تأته الدعوة ولم تظهر له الحُجَّة، ثمَّ ظلَّ على كفره وعلى ضلاله؛ فهذا يعتبر عند علماء المسلمين من أهل الفَترة؛ ولذلك فأهل الفترة لا يُحكم لهم لا بإسلام، ولا بكفر، لهم معاملة خاصة عند الله -تبارك وتعالى-. ونكتفي بهذه الإشارة إلى هؤلاء.
والمهم: فلله الحجة البالغة على الناس، فلا يجوز المبادة إلى تكفير -إذن- إنسان ظهر منه ما يحملنا على أن نقتنع بأنه كفر بـ: "لا إله إلا الله"؛ فلابدَّ من إقامة الحجة عليه؛ فإن جحدها أُلحِقَ بالكفار؛ وإن خضع لها؛ فهو لا يزال في الإسلاميين.
على هذا نحن نسوق هذه القاعدة بالنسبة لعامة المسلمين، سواء كانوا ينتمون إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى أي طائفة أخرى، لابد قبل كل شيء من أن يُعلِن إنكاره لما هو ثابتٌ في الشَّرع على طريق اليقين، وهنا يُعبِّر العلماء بكلمة: "أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة".
أنا أضرب لكم مثلاً: الذي يُنكِر حرمة الخمر؛ فهذا يُعتبر كافِرًا مرتدًا عن الدِّين؛ لأنَّ هذا معلوم من الدِّين بالضَّرورة، وليس كذلك من ينكر حرمة الحشيش المخدر، أو الأفيون، أو هذا الدخان الذي ابتُلِيَ به عامة النَّاس، هؤلاء لا يُكفَّرون؛ لأنهم لا ينكرون ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة أولاً؛ ثمَّ إنهم يجدون كثيرًا ممن يظنون أنهم من أهل العلم يفتونهم بأنَّ هذا مكروه! معليش! تركه أولى! من هذا الكلام.
ولذلك فمن أنكر ما كان معلومًا من الدين بالضرورة؛ ثمَّ أقيمت عليه الحجة الشرعيَّة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم؛ فكفر وجحد؛ فهذا هو الكافر، ما يهمُّنا كان سنيًا منتسبًا إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم. هذا نهاية الجواب عن السؤال.
السائل:
شيخنا! بالنسبة ذكرت الحديث: ((بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)) وكذلك: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ))؛ لكن هؤلاء الشيعة عندنا في العراق؛ حتى المآذن بالأوقات وبالصَّلاة، وفي كل وقت: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًّا رسول الله، وأشهدُ أنَّ عليًا وليُّ اللهِ)). فهذه الزيادة ما بها يا شيخ!؟
الشيخ:
سامحك الله! هذا السؤال له علاقة بذاك السؤال؟!
أنا اسألك الآن أنت، أنت لست شيعيًّا، أنت مثلي من أهل السُّنة، ومن أهل الحديث إن شاء الله.
السائل:
نعم.
الشيخ:
أسألك الآن: ألا تشهد أنَّ عليًّا وليُّ اللهِ؟!
السائل:
لكن ما ذُكِرَ
الشيخ:
يا شيخ! الله يهديك! "لكن" هذا استدراك، تستدرك على ماذا، وأنت لم تُجِب؟!
أنا أسألكُ سؤالاً: ألا تشهد بأنَّ عليًّا وليُّ اللهِ؟!
السائل:
نعم، أشهد.
الشيخ:
هذا هو الجواب.
أنت تقول: لكن؟ قلها إن شئت.
لكن ماذا؟
السائل:
يعني في كل وقت -يعني- تذكر .. [..] الأحاديث
الشيخ:
أنا عارف أنت ماذا تريد؛ لكن ما أحسنت أن تبين ماذا تريد!
السائل:
نعم.
الشيخ:
ولذلك قلت لك -يا أخي!-: هذا السؤال ليس له علاقة بهذا السؤال.
هذا السؤال له علاقة بالبدعة، واليوم أنت تعيش في مجتمع سُنِّي مش شيعي، وممتلئ بالبدع، فما وجدت في الشِّيعة إلا هذا العيب؟! عندك في أهل السنة أكثر من هذا العيب: إنهم يضيفون مقدمة للآذان، وخاتمة للآذان، ايش [ماذا] رأيك في الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، هل تصلِّي على النبيِّ ولا أنت رجل وهَّابيٌّ؟
-الشيخ والحضور يضحكون-
ها؟ بتصلي على النبي ولا لا؟
السائل:
لا، بصلِّي على النَّبي.
الشيخ:
الحمد لله.
طيب، شو [ماذا] رأيك بالصَّلاة على النَّبيِّ من المؤذن يجوز؟
السائل:
نعم، يجوز.
الشيخ:
كيف؟!!
يمكن ما فهمت السؤال!
الحضور:
ما فهم السؤال.
الشيخ:
أكيد ما فهمت السؤال.
أقول لك:
ما رأيك في صلاة المؤذن بعد الآذان على النبي عليه الصلاة والسَّلام. يجوز؟
السائل:
بهذه الكيفية: لا يجوز.
الشيخ:
سامحك الله! سامحك الله!
أنا ما وضعت لك كيفية؛ حتى تضع أنت اسم الإشارة وتقول: "بهذه الكيفية".
ايش هذا يا شيخ!؟ الله يهديك!
أنا أسألكَ سؤالاً مطلقًا: ماذا تقول في صلاة المؤذِّن بعد الآذان على النبي عليه الصلاة والسلام؟
أنت لما تقول: "بهذه الكيفية" لا تشعر -مع الأسف- بأنك ورَّطت نفسك
السائل:
نعم.
الشيخ:
تدري لِمَا؟
تدري لِمَا؟ قُلي!
السائل:
نعم.
الشيخ:
قل: أدري، أو لا أدري!
سبحان الله!
أنا أقول لك -يا أخي!-: بهذه الكيفية لا يجوز، بأي كيفية يجوز؟!
لأنه بيقولوا في كتب العلماء بيقولوا -مع الأسف- بعضهم: مفاهيم الكتاب والسنة لا يُحتجُّ بها، أما مفاهيم العلماء فيُحتجُّ بها.
فأنت بتقول: بهذه الكيفية؛ هذا منطوق؛ مفهومه: في هناك كيفية أخرى تجوز. فما هي؟
السائل:
يعني: يقول: "صلَّى الله عليه وسلَّم".
الشيخ:
هذه تجوز؟
السائل:
على الحديث، على الحديث، على الحديث
الشيخ:
أقول لك -يا أخي!-: لا تشرح -بارك الله فيك-. أنت بس أجبني: ما هي الكيفية التي تجوز للمؤذن أن يُصلِّيَ بها على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد الآذان؟ هل هناك كيفية تجوز وكيفية لا تجوز؟
ها؟ سامحك الله! كلمة أخطأت فيها، لا نحاسبك عليها إلا لبيان الخطأ فقط. أما أنا أردت أن أقول لك: لا فرق بين شيعيِّ يقول بعد: (وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسول الله، وأنَّ عليًّا وليُّ اللهِ) فهو مبتدع.
سمعت الجواب الآن؟
وقولي: "مبتدع" هو الذي سوَّغ لي أن أقول: "سامحك الله، هذا ليس له علاقة بهذا السؤال".
لأن السؤال كافي: يُكفَّر أو لا يُكفَّر؟
أما أنه يُبدع؟ يُبدَّع؛ حتى أهل السنة يُبدَّعون، فما أكثر البدع -اليوم- في هذا الزمان! ويقرُّها أولئك الذين وصفهم في زمانه محمد عبده -رحمه الله- بأنَّ لهم عمائم هؤلاء المشايخ، أو لبعض المشايخ: عمامة كالبُرج، وجُبَّة كالخُرْج.
كثير من هؤلاء يقرون هذه البدع، فماذا نقول؟ هؤلاء أهل سنة معليش! [لا بأس] يبتدعون، وأولئك الشيعة عليهم ألا يبتدعوا؟
لا! الحقُّ حقٌ، والباطلُ باطلٌ، الحق حقٌّ سواء صدر من شيعي، والباطل باطلٌ سواء صدر من سُنِّي؛ لأنَّ الأمر ليس بالدَّعاوي؛ كما قال الشاعر:
"والدَّعاوي إذا لم تقيموا عليها بيَّنات أبناؤها أدعياءُ"
إذن، قول الشيعة في الآذان: (وأشهدُ أنَّ عليًّا وليُّ الله) كلمة حقٍّ وضعت في غير مكانها؛ كذلك صلاة الذين يصلون على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم بعد الآذان كلمة حق وضعت في غير محلها.
وليس كذلك من يقول بعضهم: " يـا أول! خلق الله" هذا كلام باطل! هذا لا يجوز أن يقوله لا بعد الآذان، ولا قبل الآذان، ولا في أي مكان؛ لأن الكلام باطل من أصله.
طيب، غيره شو [ماذا] عندك؟
السائل:
جزاك الله خيرًا.
الشيخ:
وإيَّـاك.
السائل:
ما حكم من اتَّهم إحدى نساء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالزِّنا؟
الشيخ:
أنت صحيح إنَّك عراقي!
-الحضور يضحكون!-
لكن نحن فهمنا إنك عراقي، ما بدنا بقى [نريد] إثباتات جديدة!
-الشيخ يضحك هو والحضور!-
يا أخي! هذا يُضاف إلى السُّؤال السَّابق الذي يتهم زوجة من أزواج الرسول عليه السلام بالزِّنا -وبخاصة من كان القرآن قد شهد لها بالعفة والحصانة- لا شك أنَّ هذا كافرٌ، فنرجع ونقول: يجب إقامة الحجة عليه، وبعد إقامة الحجة عليه إما أن يخضع للحجة، وإما أن يجحدها؛ فإن خضع فالحمد لله، وإن جحدها فهو كافرٌ.
..... الخ .
هذا الموضوع ليس بالهين اللين وليس بالموضوع الذي يبعث في نفسي على الحماسة ، إنما ساد عند البعض فكرة أن الشيعة (الروافض ) كفار ابتداءا أو أنهم كفار أصليون ، الحقيقة أن على الناس أن يتريثوا كثيرا قبل اطلاق حكم الكفر ( كان على الشيعي أو السني ) .... حتى وإن كفرونا و زندقونا أو نصبونا ( من الناصبة ) عن جهالة منهم أو عدم دراية .
لذلك أنقل هذه الفتوى لكل من يهتم بهذه المسألة .
هذا وإنني لأبرأ من الله من كل البدع ومن كل الكفريات عند الروافض أو السنة أو أي مذهب كان على قدر استطاعتي ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، كما أني أبرأ من الله من كل من استحل الدم المسلمة باسم التكفير أو السياسة أو غيرها .
أشرطة سلسلة الهدى والنُّور؛ مِن الدروس العلميِّة والفتاوى الشرعيِّة؛ لشيخنا المحدِّث العلاَّمة: محمد ناصر الدِّين الألبانىّ
شريط رقم ( 518 ) .
ستجدون رابط الشريط ( مفرغ ) في موقع الشيخ محمد ناصر الألباني رحمه الله :
http://www.alalbany.net/albany_tapes_tafregh.php
السؤال الأول هو: هل يصح تكفير الشيعة عامتهم، أم فرق خاصة منهم؟
الشيخ:
نحن نقول دائمًا وأبدًا: لا يجوز في شرع الله -تبارك وتعالى- تكفير طائفة أو جماعة من المسلمين بالجملة، لا يجوز هذا.
ذلك لأنَّ أيَّ طائفةٍ قد يكون فيهم من لم يستحقّ أن يُوجَّه إليه التَّكفير لعذرٍ أو لآخر، كما أنَّه قد يوجد فيهم من يستحقُّ التَّكفير؛ ولذلك فلا يجوز بوجهٍ من الوجوه أن يُقال: "الشيعة –مثلاً– كلهم كُفَّار" أو الزيديَّة مثلاً، أو الخوارج أو الإباضيَّة أو غير هذه الفرق التي كانت قديمًا، ولا يزال شيء من آثارها موجودة حتَّى يومنا هذا. هذا أوّلاً.
وخلاصة ذلك: لا يجوز التكفير بالجملة، وإنَّما لابدَّ من التفصيل.
ونحن نعلم بالتَّجربة بأنَّ كثيرًا من عامة المسلمين -بغضّ ِالنَّظر عن انتمائهم إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم- نجد فيهم من لا يزال على الفطرة ولم يتأثر -بما يُسمَّى عند العلماء-: بـ: "علم الكلام"، كما تأثر به كثيرٌ من المشتغلين بالعلم؛ ولذلك فهؤلاء العامة يبقَوْنَ على سلامتهم وعلى فطرتهم، بينما يكون بعض خاصَّتهم قد انحرفوا عن الخطِّ المستقيم بسبب أنَّهم تثقَّفوا بثقافة غير إسلامية، وإن كان يُطلَق عليها أنَّها من الإسلام.
فإذا تركنا هؤلاء العامَّة، وتوجهنا إلى الخاصَّة منهم؛ أعود لأقول: من أي جماعة كانت؛ حتى من أهل السنة الذين يقولون إنهم من أهل السنة والجماعة.
فنحن -مع الاسف- نعلم بأنَّ في أهل السنة والجماعة، كثير من الطُّرق الصُّوفيَّة، التي يتبنَّى بعضها -على الأقل- مذهبًا أو عقيدة يُعتبر أنها أضلُّ من عقيدة اليهود والنَّصارى؛ ألا وهي: "عقيدة وحدة الوجود".
فيوجد في الصوفية كثيرٌ من أمثال هؤلاء الذين يؤمنون بالوحدة هذه.
ولاشك أنَّ من كان يؤمن بها يكون كافرًا مرتدًا عن الدين؛ لأنَّ عقيدة وحدة الوجود تعني الطَّبيعة؛ كما يقول الكفار والملاحدة والشيوعيون -وأمثالهم-: أنه ليس هناك إلا المادة. الكفر اليوم يُعلن به صراحة؛ فالشيوعيون يعلنونها: ليس هناك شيءٌ سوى المادة.
المؤمنون بوحدة الوجود، يُغَمغِمُون القضيَّة ويلبسونها ثوبًا من الإسلام والدين؛ كي يضلِّلوا عامة المسلمين.
فهم مثلاً حينما يُفسِّرون كلمة التَّوحيد: (لا إله إلا الله) ينتهون بها إلى أن يقولوا: "لا هو إلا هو"؛ ثمَّ يختصرون هذه الجملة التي تتضمَّن مستثنىً ومستثنىً منه؛ يقولون: "هو هو"، "لا هو إلا هو" يُلخِّصونها؛ فيقولون: "هو هو". لا شيء سواه.
ويعبِّرون عن ذلك بكثير من العبادات الشركيَّة المكشوفة القناع؛ كقول بعضهم مثلاً: "كل ما تراه بعينك؛ فهو الله"! إذن هذه هي المادة التي يؤمن بها الملاحدة.
وبعضٌ آخر يُصرِّح؛ فيقول: "لما عبد المجوس النَّار، ما عبدوا إلا الواحد القهَّار"!
والشاهد: هؤلاء ليسوا في الشيعة ولا في الخوارج، هؤلاء من أهل السنة والجماعة؛ فهل يجوز تكفير الصوفية عامة؟
الجواب: لا، لأن كثيرًا منهم إنما يتبعون التَّصوف جملة؛ لظنهم أنه هو السلوك الذي يوصلهم إلى ربِّ العالمين؛ لكن أكثرهم لا يعلمون هذه العقيدة التي هي من أبطل الباطل. أما خاصتهم فهم يؤمنون بها.
فإذن، لنبدأ بأصحابنا وأهل سُنَّتِنَا ومذهبنا، وهم أهل السنة والجماعة، وفيهم من ذكرنا ممن يؤمن بوحدة الوجود، وهؤلاء إنما يوجدون -على الغالب- عند الصوفية؛ ولكن مع ذلك يوجد هؤلاء حتى عند غير الصوفية؛ حتى عند بعض الذين يحاربون التَّصوف جملة وتفصيلاً؛ كالمعتزلة مثلاً.
المعتزلة الذين يسمون أنفسهم بأهل التوحيد، وأنهم يفخرون على الطوائف الأخرى؛ منها: أهل الحديث، ومنها الأشاعرة، والماتُردية، وغيرهم، هؤلاء ليسوا من أهل التوحيد وأهل العدل؛ لأنهم في ظن المعتزلة يؤمنون بالجبر؛ يعني أهل السنة عند المعتزلة يؤمنون بالجبر حينما يعتقدون -واعتقادهم حق بلا شك- أن ما من شيء يقع في هذا الكون من خير أو شر إلا بمشيئة الله -تبارك وتعالى- وإرادته. أما المعتزلة؛ فيقولون: لا، ليس كل شيء يقع في هذا الكون بإرداة الله ومشيئته؛ بل الإنسان هو الفعال لما يريد، فهو الذي يخلق -خاصة وهم يدندنون حول الشر- فهو يخلق الشر، وليس لله في ذلك إرادة.
وهذا بحثٌ طويل، ولا نريد أن ننسى أصل السؤال.
المهم أن هؤلاء المعتزلة يشتركون مع القائلين بوحدة الوجود حينما ينكرون نصوصًا قاطعة في الكتاب والسنة، تُثبت أن لله -عزَّ وجلَّ- صفة العلو: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، نقول في السجود: "سبحان ربي الأعلى"، والنصوص التي أشرنا إليها -إن شاء الله- معروفة عندكم.
هم ينكرونها هذه النُّصوص لا ينكرونها لفظًا؛ وإنما ينكرونها معنىً؛ لأنهم إن صرَّحوا بإنكارها لفظًا خرجوا عن الإسلام، فينكرونها بطريق التأويل؛ فهم لا يأمنون بأن الله -عزَّ وجلَّ- على العرش استوى -كما قال الله -عزَّ وجلَّ- ؛ لأنهم يأولون الاستواء بمعنى الاستيلاء، وهذا باطل أيضًا، وله مجالٌ آخر لتفصيل القول في ذلك.
فإذن لو سئلوا السؤال الذي ورَّثَنَا إيَّاه نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ ألا وهو: "أين الله؟"؛ فجوابهم: الله في كل مكان!
إذن الله في كل مكان؛ فالمكان خَلْقٌ من خلق الله؛ التقى قولهم هذا مع قول أهل الوحدة؛ أي: "لا شيء إلا هذا الكون المخلوق"، وبخاصة حينما يؤكدون في نفي الوجود الإلهي؛ بأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- هكذا يقولون كما ستسمعون- الله لا يوصف بأنه فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، لا داخل العالم، ولا خارجه. إذن لم يبقى إلا المادة؛ إلا هذا الكون المُشاهد. فالتقت أيضًا المعتزلة مع الجماعة القائلين بوحدة الوجود في أن لا شيء هناك إلا الطبيعة.
هل يشترك مع المعتزلة ومع الصوفيَّة الغُلاة -في هذه النقطة بالذات- كثير ممن ينتمي إلى أهل السنة والجماعة ممن ينتمي إلى الماتُردِيَّة أو الاشعرية؟
نقول: نعم، وهذا نلمسه ونسمعه دائمًا أبدًا في كل مجتمع سُنِّي، ليس شيعيًا ولا معتزليًا، يقولون: الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود، أهل السنة الذي يعيشون معنا ويعيشون معهم هكذا يقولون!
إذا كان الأمر هكذا، فهل نكفر هؤلاء الذين ينكرون أنَّ من صفة الله -تبارك وتعالى- أنَّه على العرش استوى، وإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، إلى غير ما هنالك من نصوص كثيرة أجمعت على أن الله -عزَّ وجلَّ- فوق المخلوقات كلها.
هل نُكفِّر هؤلاء بالجملة بالكوم؟
نقول: لا.
نبدأ بأهل العلم منهم، هل نُكفِّرهم؟
أيضًا لا؛ إلا بشرط واحد: بعد إقامة الحجَّة؛ لأنَّه يمنعنا من المبادرة إلى تكفير أي مسلم مادام أنه يلتقي معنا في الأصل الأول من أصول الإسلام الخمسة؛ وهي: شهادة أن لا إله إلا الله؛ فكلُّ مسلمٍ يشهد هذه الشهادة؛ فابتداءً لا يجوز الحكم بتكفيره؛ لأنه رفع راية الإسلام، بشهادتِهِ بشهادةِ الإسلام.
وأنتم -فيما أعتقد- جميعًا تعلمون قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلِهِ وَسلَّم: ((أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ؛ فَإِذَا قَالُوهَا: عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؛ إلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَبُاهُمْ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-)).
إذن، هذا المسلم الذي يشهد هذه الشهادة، نحن لا يغيب عنا ولا يفوتنا أنه قد يقولها وهو كافر بما تدل عليه من الحق ومن العقيدة الصحيحة؛ لأن هذا من طبيعة المنافقين، الذين كانوا موجودين حتى في العصر الأول الأنور الأطهر، وهو العصر الذي قال عنه الرسول عليه السلام: ((خَيْرُ الْنَّاسِ قَرْنِي؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم)).
قد كان فيهم خاصَّة في المدينة -من أهل المدينة- مردوا على النفاق الله كان يعلمهم، وقال للنَّبي صلى الله عليه وسلم: ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ فكيف عاملهم الرسول عليه السلام؟
هل عاملهم معاملة اليهود والنَّصارى؟ فرض عليهم الجزية يعطوها ويدفعون عن يد وهم صاغرون، أم مشى عليهم أحكام الإسلام؟
مشَّى عليهم أحكام الإسلام؛ لأنهم شهدوا بألسنتهم؛ أما قلوبهم؛ فكما قال في الحديث السابق: ((حِسَبُاهُمْ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-)).
يؤكد لكم هذا المعنى الذي خلاصته: أنَّ الإسلام يُبني أحكامه على ما يظهر للناس؛ ولذلك كان من قواعد علماء الفقه والأصول: "نحن نحكم بالظاهر والله يتولَّى السرائر"، وهذا مأخوذ من بضعة أحاديث ثابتة في السنة الصحيحة.
...........
إذن، الشارع الحكيم يبني أحكامه على ما يظهر للناس، فكل مسلم -إذن- يرفع هذه الراية الإسلامية؛ فيشهد أن لا إله إلا الله لا يجوز لنا أن نبارد إلى تكفيره؛ إلا في حالة واحدة؛ حينما يعلن مع تلك الشهادة ما يعارِضها وما يعطِّلها ويُنكِرها؛ حينئذٍ ندينه ونلزمه بما يبدو منه؛ حينذاك باستطاعتنا أن نُكفِّره، ومع ذلك: رويدك! فلا يجوز -أيضًا- المسارعة إلى تكفيره؛ إلا بعد إقامة الحجة عليه، إلا بعد إقامة الحجة عليه.
إذن عندنا هنا شرطان؛ ليجوز للعالم المسلم أن يُكفِّر مسلمًا:
الشرط الأول: أن يسمع من هذا المسلم ما يُكفَّر به.
الشرط الثاني: أن تُقام الحجة عليه؛ لأن الله -تبارك وتعالى- ما أنزل الكتب وأرسل الرُّسل إلا لتكون حجة الله -تبارك وتعالى- قائمة على الناس، ولا يكون لإنسان ما ارتدَّ أو كفر بالله ورسوله عذرٌ يوم القيامة.
من هنا اتفق علماء المسلمين على أنه إذا وجد هناك قومٌ لم تبلغهم دعوة الإسلام؛ فهؤلاء لا يُحكَمُ لهم بالنَّارِ التي وُعِدَ بها الكُّفَّار؛ لأنَّ الكُّفَّار هم الذين بلغتهم الدعوة؛ ثم جحدوها وأنكروها؛ كما قال الله -عزَّ وجلَّ- في كثير من هؤلاء: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾
وأصل الكفر -كما تعلمون- من: الكَفْرِ، وهو التغطية؛ لذلك [فالزُّرَّاع] يُسمُّون بالكُفَّار؛ يُعجب الكفار نباته؛ أي: الزُّرَّاع، فلما كان الزَّارِع يستر الحب بالحرث وبالتراب، كذلك الكافر يستر الحق بباطله؛ فمن كان بهذه المثابة فهو الذي يكفُر ويكون مخلَّدًا في النَّار.
أما من لم تأته الدعوة ولم تظهر له الحُجَّة، ثمَّ ظلَّ على كفره وعلى ضلاله؛ فهذا يعتبر عند علماء المسلمين من أهل الفَترة؛ ولذلك فأهل الفترة لا يُحكم لهم لا بإسلام، ولا بكفر، لهم معاملة خاصة عند الله -تبارك وتعالى-. ونكتفي بهذه الإشارة إلى هؤلاء.
والمهم: فلله الحجة البالغة على الناس، فلا يجوز المبادة إلى تكفير -إذن- إنسان ظهر منه ما يحملنا على أن نقتنع بأنه كفر بـ: "لا إله إلا الله"؛ فلابدَّ من إقامة الحجة عليه؛ فإن جحدها أُلحِقَ بالكفار؛ وإن خضع لها؛ فهو لا يزال في الإسلاميين.
على هذا نحن نسوق هذه القاعدة بالنسبة لعامة المسلمين، سواء كانوا ينتمون إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى أي طائفة أخرى، لابد قبل كل شيء من أن يُعلِن إنكاره لما هو ثابتٌ في الشَّرع على طريق اليقين، وهنا يُعبِّر العلماء بكلمة: "أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة".
أنا أضرب لكم مثلاً: الذي يُنكِر حرمة الخمر؛ فهذا يُعتبر كافِرًا مرتدًا عن الدِّين؛ لأنَّ هذا معلوم من الدِّين بالضَّرورة، وليس كذلك من ينكر حرمة الحشيش المخدر، أو الأفيون، أو هذا الدخان الذي ابتُلِيَ به عامة النَّاس، هؤلاء لا يُكفَّرون؛ لأنهم لا ينكرون ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة أولاً؛ ثمَّ إنهم يجدون كثيرًا ممن يظنون أنهم من أهل العلم يفتونهم بأنَّ هذا مكروه! معليش! تركه أولى! من هذا الكلام.
ولذلك فمن أنكر ما كان معلومًا من الدين بالضرورة؛ ثمَّ أقيمت عليه الحجة الشرعيَّة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم؛ فكفر وجحد؛ فهذا هو الكافر، ما يهمُّنا كان سنيًا منتسبًا إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم. هذا نهاية الجواب عن السؤال.
السائل:
شيخنا! بالنسبة ذكرت الحديث: ((بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)) وكذلك: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ))؛ لكن هؤلاء الشيعة عندنا في العراق؛ حتى المآذن بالأوقات وبالصَّلاة، وفي كل وقت: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًّا رسول الله، وأشهدُ أنَّ عليًا وليُّ اللهِ)). فهذه الزيادة ما بها يا شيخ!؟
الشيخ:
سامحك الله! هذا السؤال له علاقة بذاك السؤال؟!
أنا اسألك الآن أنت، أنت لست شيعيًّا، أنت مثلي من أهل السُّنة، ومن أهل الحديث إن شاء الله.
السائل:
نعم.
الشيخ:
أسألك الآن: ألا تشهد أنَّ عليًّا وليُّ اللهِ؟!
السائل:
لكن ما ذُكِرَ
الشيخ:
يا شيخ! الله يهديك! "لكن" هذا استدراك، تستدرك على ماذا، وأنت لم تُجِب؟!
أنا أسألكُ سؤالاً: ألا تشهد بأنَّ عليًّا وليُّ اللهِ؟!
السائل:
نعم، أشهد.
الشيخ:
هذا هو الجواب.
أنت تقول: لكن؟ قلها إن شئت.
لكن ماذا؟
السائل:
يعني في كل وقت -يعني- تذكر .. [..] الأحاديث
الشيخ:
أنا عارف أنت ماذا تريد؛ لكن ما أحسنت أن تبين ماذا تريد!
السائل:
نعم.
الشيخ:
ولذلك قلت لك -يا أخي!-: هذا السؤال ليس له علاقة بهذا السؤال.
هذا السؤال له علاقة بالبدعة، واليوم أنت تعيش في مجتمع سُنِّي مش شيعي، وممتلئ بالبدع، فما وجدت في الشِّيعة إلا هذا العيب؟! عندك في أهل السنة أكثر من هذا العيب: إنهم يضيفون مقدمة للآذان، وخاتمة للآذان، ايش [ماذا] رأيك في الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، هل تصلِّي على النبيِّ ولا أنت رجل وهَّابيٌّ؟
-الشيخ والحضور يضحكون-
ها؟ بتصلي على النبي ولا لا؟
السائل:
لا، بصلِّي على النَّبي.
الشيخ:
الحمد لله.
طيب، شو [ماذا] رأيك بالصَّلاة على النَّبيِّ من المؤذن يجوز؟
السائل:
نعم، يجوز.
الشيخ:
كيف؟!!
يمكن ما فهمت السؤال!
الحضور:
ما فهم السؤال.
الشيخ:
أكيد ما فهمت السؤال.
أقول لك:
ما رأيك في صلاة المؤذن بعد الآذان على النبي عليه الصلاة والسَّلام. يجوز؟
السائل:
بهذه الكيفية: لا يجوز.
الشيخ:
سامحك الله! سامحك الله!
أنا ما وضعت لك كيفية؛ حتى تضع أنت اسم الإشارة وتقول: "بهذه الكيفية".
ايش هذا يا شيخ!؟ الله يهديك!
أنا أسألكَ سؤالاً مطلقًا: ماذا تقول في صلاة المؤذِّن بعد الآذان على النبي عليه الصلاة والسلام؟
أنت لما تقول: "بهذه الكيفية" لا تشعر -مع الأسف- بأنك ورَّطت نفسك
السائل:
نعم.
الشيخ:
تدري لِمَا؟
تدري لِمَا؟ قُلي!
السائل:
نعم.
الشيخ:
قل: أدري، أو لا أدري!
سبحان الله!
أنا أقول لك -يا أخي!-: بهذه الكيفية لا يجوز، بأي كيفية يجوز؟!
لأنه بيقولوا في كتب العلماء بيقولوا -مع الأسف- بعضهم: مفاهيم الكتاب والسنة لا يُحتجُّ بها، أما مفاهيم العلماء فيُحتجُّ بها.
فأنت بتقول: بهذه الكيفية؛ هذا منطوق؛ مفهومه: في هناك كيفية أخرى تجوز. فما هي؟
السائل:
يعني: يقول: "صلَّى الله عليه وسلَّم".
الشيخ:
هذه تجوز؟
السائل:
على الحديث، على الحديث، على الحديث
الشيخ:
أقول لك -يا أخي!-: لا تشرح -بارك الله فيك-. أنت بس أجبني: ما هي الكيفية التي تجوز للمؤذن أن يُصلِّيَ بها على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد الآذان؟ هل هناك كيفية تجوز وكيفية لا تجوز؟
ها؟ سامحك الله! كلمة أخطأت فيها، لا نحاسبك عليها إلا لبيان الخطأ فقط. أما أنا أردت أن أقول لك: لا فرق بين شيعيِّ يقول بعد: (وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسول الله، وأنَّ عليًّا وليُّ اللهِ) فهو مبتدع.
سمعت الجواب الآن؟
وقولي: "مبتدع" هو الذي سوَّغ لي أن أقول: "سامحك الله، هذا ليس له علاقة بهذا السؤال".
لأن السؤال كافي: يُكفَّر أو لا يُكفَّر؟
أما أنه يُبدع؟ يُبدَّع؛ حتى أهل السنة يُبدَّعون، فما أكثر البدع -اليوم- في هذا الزمان! ويقرُّها أولئك الذين وصفهم في زمانه محمد عبده -رحمه الله- بأنَّ لهم عمائم هؤلاء المشايخ، أو لبعض المشايخ: عمامة كالبُرج، وجُبَّة كالخُرْج.
كثير من هؤلاء يقرون هذه البدع، فماذا نقول؟ هؤلاء أهل سنة معليش! [لا بأس] يبتدعون، وأولئك الشيعة عليهم ألا يبتدعوا؟
لا! الحقُّ حقٌ، والباطلُ باطلٌ، الحق حقٌّ سواء صدر من شيعي، والباطل باطلٌ سواء صدر من سُنِّي؛ لأنَّ الأمر ليس بالدَّعاوي؛ كما قال الشاعر:
"والدَّعاوي إذا لم تقيموا عليها بيَّنات أبناؤها أدعياءُ"
إذن، قول الشيعة في الآذان: (وأشهدُ أنَّ عليًّا وليُّ الله) كلمة حقٍّ وضعت في غير مكانها؛ كذلك صلاة الذين يصلون على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم بعد الآذان كلمة حق وضعت في غير محلها.
وليس كذلك من يقول بعضهم: " يـا أول! خلق الله" هذا كلام باطل! هذا لا يجوز أن يقوله لا بعد الآذان، ولا قبل الآذان، ولا في أي مكان؛ لأن الكلام باطل من أصله.
طيب، غيره شو [ماذا] عندك؟
السائل:
جزاك الله خيرًا.
الشيخ:
وإيَّـاك.
السائل:
ما حكم من اتَّهم إحدى نساء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالزِّنا؟
الشيخ:
أنت صحيح إنَّك عراقي!
-الحضور يضحكون!-
لكن نحن فهمنا إنك عراقي، ما بدنا بقى [نريد] إثباتات جديدة!
-الشيخ يضحك هو والحضور!-
يا أخي! هذا يُضاف إلى السُّؤال السَّابق الذي يتهم زوجة من أزواج الرسول عليه السلام بالزِّنا -وبخاصة من كان القرآن قد شهد لها بالعفة والحصانة- لا شك أنَّ هذا كافرٌ، فنرجع ونقول: يجب إقامة الحجة عليه، وبعد إقامة الحجة عليه إما أن يخضع للحجة، وإما أن يجحدها؛ فإن خضع فالحمد لله، وإن جحدها فهو كافرٌ.
..... الخ .