قرار نزع العمائم وحلق اللحى وفقا للنموذج الأوروبي عام 1834 م

سالم أحمد80

عضو فعال

في سنة 1834 م جاء المستشرق الفرنسي (موريس تاميزييه) مرافقا لحملة أحمد باشا المبعوث من خاله محمد علي باشا والي مصر على رأس الحملة العسكرية الموجهة لعسير وبعض مناطق الحجاز وكان الجدل لا يزال قائما بينهما حول بعض الأوامر التي اتخذها محمد علي حديثا والقاضية بمنع أفراد وضباط قواته المسلحة من إعفاء اللحى قبل ان يصدر أمرا مشابها يحذر عليهم ارتداء العمائم التي كان يرى فيها ما يعتبره مخالفا لأصول القيافة العسكرية وربط هذه الأوامر بالحوافز والترقيات والتعيينات الجديدة وكانت فرصة للفرنسي تاميزييه معرفة أبعاد هذا القرار ورصد بعض ردود الأفعال خصوصا عند الفئة التي تتمسك باللحية وتفتخر بها كإحدى سنن الفطرة وتعدها شعار انتماء للدولة المسلمة وبهذا قال تاميزييه في كتابه رحلة في بلاد العرب مبتدئا بهذه الجزئية الظريفة عن تاريخ أحمد باشا وخاله محمد علي :


أحمد باشا هو ابن أخت محمد باشا لامه وقد كان والده الذي أطلق عليه لاحقا اسم مصطفى بيه يعمل في بيع الجبن والفلافل في متجر صغير بالقاهرة إلى أن أتى نائب الملك نفسه (يقصد محمد علي) لإخلاء ذلك المكان الذي كان والده يقوم فيه ببيع التبغ حتى يدخل في خدمة جيش السلطان وقد تصادف ان قام بعض الكتاب المأجورين الذين كانوا يبحثون عن طريقة لرفع مقامه والذين كانوا في حيرة من أمرهم نحو إنكار ان محمد علي لم يكن سوى شخص آخر بخلاف ابن سمسار بيع التبغ فقاموا بتلفيق قصة زائفة مفادها ان والده قد كان في واقع الأمر احد أثرياء تجار الجمله في الخلافة الإسلامية والذي كان يتاجر على أساس البيع بالجملة..


وبغرض تقويم السجل وإعطائه ما يستحقه لم يقم احمد باشا بمتابعة هذه الرواية الخاصة بمداهنة خاله وإرضاء غروره وإنما اعترف بدلا عن ذلك لكل أولئك الذين رغبوا في الإنصات إليه بان والده كان مجرد بقال عادي يتاجر في بازار بعاصمة مصر وكبرى مدنها .


وكان احمد باشا آنذاك يبلغ من العمر (34) عاما وقد كان وضعه متواضعا ودون الوسط وقد كان يؤيد الرأي الصادر عن فئة قليلة من الأتراك الذين كانوا يقومون بإطلاق لحاهم كما كان ظاهرا على ملامح الرجال من جند الجيش النظامي وعندما فكر محمد علي في القيام بتطبيق الضبط والربط على جنوده استنادا على النموذج أو الطريقة الأوروبية أصدر أوامره إلى جنوده للقيام بحلق لحاهم والسماح لشواربهم بالنمو والاسترسال ولقد تقرر بان أولئك الجنود الذين لم ينصاعوا لهذا الأمر لن يتم التوصية أبدا بترقيتهم إلى رتبة أعلى مع ذلك وبدلاً من أن يحثهم على ذلك بضرب مثل جيد بنفسه لاحظ محمد علي أن إبراهيم باشا نفسه قد احتفظ بلحيته مطلقة للأسباب التي ذكرها وهي أنها قد تم مسحها وتمريغها في المدينة وفوق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وانه قد اخذ قسما على نفسه منذ ذلك الحين بأن يدعها تنمو حتى آخر يوم في حياته.


ولقد قابلني في الجزيرة العربية احد الضباط والذي كان يفضل ان يظل متوقفا في رتبته (ملازم ثان) التي كان فيها أفضل من موافقته على حرمانه من لحيته وعندما قام باشا مصر بإصدار أمره قام كل ضباطه بالهمس فيما بينهم عما إذا كان رئيسهم يود إهانتهم أو الإساءة إليهم أو تجريدهم من شرفهم وقد بدا واضحا أن الأمر يتطلب شيئا بسيطا إضافة إلى ذلك لإثارة العصيان


مع ذلك فقد تم اتباع هذه العادة منذ ذلك الوقت بطريقة جادة وكان المجندون الجدد يسلمون أنفسهم للحلاق ليقوم بالعناية بهم بالموسى ودون أي تلكؤ أو إبطاء


لقد كانت لحية احمد باشا سوداء وطويلة للغاية ومرتبة إلى حد ما، في شكل خصلات أما عيناه فقد كانتا من اللون العادي المألوف وتنمان عن روح طيبة وهي بالتأكيد روح تحمل في طياتها القدرة على تحمل المحن والشدائد لكنها لا تفهم معنى لكلمة الاستقالة


أما حالته الصحية فقد كانت معتلة وكان يعاني انحناء في الظهر وكان رأسه غالبا ما يكون مطأطأ إلى الأسفل متدليا ليصل قريبا من صدره وقد كانت حلاقته لشعر الرأس العادية على الطريقة التونسية وهي التي تشكل طريقته المتبعة في الحلاقة أما بالنسبة للعمائم الطويلة التي كان الأتراك معجبين بها بطريقة غير عادية في تلك الأيام فقد اختفت وعندما حظر محمد علي قيام قواته المسلحة بارتداء الشالات والعمائم الكثيفة على رؤوسهم واجهت تلك المعارضة نفسها الشبيهة بتلك التي حدثت عندما قام بإجبارهم على التخلص من لحاهم .

المصدر: http://www.alriyadh.com/2013/09/03/article864469.html

التعليق:

مقال شيق يشرح تاريخ قرار نزع العمائم وحلق اللحى في الجيش العثماني وفقا للنموذج الأوروبي املا ان ينال اعجابكم

 
أعلى