أبو معاوية الكويتي
عضو جديد
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبي الهدى محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
قال تعالى : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " / 139 : آل عمران /
لقد بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , وقال له " إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك " (رواه مسلم) , ومَن سار على سنة المرسلين يقيناً سيلاقي البلاء والمحن , وسيتعرض لفتنة التمحيص والإختبار وكِيَف الإمتحان ,فيسقط الغثاء ويُثقل الرجال , قال تعالى : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ" / 142 : آل عمران /
ومن اعتقد أن ما حصل في دير الزور انتصاراً لجماعة البغدادي المارقة قرامطة العصر , فقد أخطأ والتبس عليه الأمر .
ونبيّن لأهل السنة في بلاد الاسلام عامة وأهل الشام خاصة, أننا لا زلنا نعتقد بضلال هذه الجماعة المارقة التي جمعت أصول الخوارج , وغدر الرافضة, وبهت اليهود, ولؤم الجهمية, وعداء النواصب، وما زادتنا هذه المحنة إلا يقينا بهذا الأمر .
وجاء ذلك واضحاً في إعلان خلافتهم المشؤومة , التي يراد منها إشعال الفتنة بين المسلمين عامة ، والمجاهدين خاصة في جميع الساحات , وفي الوقت الذي يحتفل فيه حمقى جماعة الدولة المزعومة بإعلان خلافتهم التي هي بمثابة إعلان حرب على المسلمين واستحلالا لدمائهم وأموالهم , يتعرض المسلمون لأبشع صور القتل والتعذيب والتنكيل من قبل النصيرية والرافضة واليهود وسائر ملل الكفر في كل مكان دون أي تحرك منهم لنصرة المسلمين .
بل إن هذا الإعلان لا يصُب إلا في صالح الكفار عبر زيادة التنكيل بالمسلمين المستضعفين , ومنعهم من نيل حقوقهم المشروعة , ورفع الظلم والضيم عنهم بحجة أن ثورات الشعوب المسلمة ما هي إلا إرهاب وقتل, والحقيقة أن الخوارج ليس لهم دور في تغيير تلك الحكومات الظالمة, بل هي ثورة شعوب مسلمة, وإنما هي عبارة عن شمّاعة أوجدت لإفشال ثورات المظلومين, وإفساد جهاد المسلمين عبر التسلق على دماء المسلمين واستغلال ما قدمته الشعوب المسلمة من تضحيات جهادية لا ينكرها منصف .
فتأتي تلك العصابة المجرمة لتضرب بهذه التضحيات عرض الحائط عبر طرح مشروع هدم الحدود ونسفها , يدغدغون بذلك مشاعر السذّج الذين لم يعلموا حقيقة قرامطة العصر مما جعل الغرب يفرح بهم ويجعلهم تينة لإفساد ثورات الشعوب وإعادة تقسيم المنطقة وفق ما تريده أمريكا والمجوس وأعداء الدين .
ولا نريد أن يُفهم من كلامنا أننا مع حدود سايكس و بيكو , ولكننا ضد أي مشروع غير سني لا يخدم إلا الأعداء , ونحن لا نستغرب من إعلانهم هذا ولقد سبق وأن أعلنوا دولتهم التي ما أدت إلا إلى إفساد جهاد المسلمين في العراق ثم في الشام , و استحلوا بها دماء أهل السنة .
وها هم اليوم يعلنون خلافتهم ليستبيحوا دماء أهل السنة في كل مكان , ناهيك أن غايتهم شق صفوف المسلمين عامة والمجاهدين خاصة في جميع الساحات مما سيجعل المجاهدين وأنصارهم ينشغلون ببعضهم , وهذا لا يصب إلا في مصلحة الكفار والمرتدين .
وإن ما تقوم به تلك الجماعة في ساحات الجهاد من حرب على المجاهدين وقتل قاداتهم وتشويش أفكار المجاهدين , لم تقم به أمريكا وغيرها , بل عجزت جيوش العالم وأجهزة مخابراتهم عن ذلك .
إن ما حصل في المنطقة الشرقية هو أن عصابة البغدادي جمعت قواها من كل مكان وحشدت خوارج العرب والعجم على قتال المجاهدين في دير الزور , وخلال سبعة أشهر مضت من الوعود والتسويف المستمر من قبل الجماعات الاسلامية وقادتها , حيث لم تتعامل مع الحدث كما يأمر الواجب الشرعي بنصرة المسلم المظلوم .
وعدم إسلامه وظلاّمه للعدو الباغي ينال من دينه ونفسه وعرضه وماله , والسبب الأكبر في ذلك هو تأخير البيان الشرعي , والصدع بالحق من قبل الجماعات والقادة والعلماء , حيث ولغ هؤلاء في دماء المسلمين حتى بدأ شيءٌ من البيان يظهر على استحياء , ولعله رسّخ حالة التردد والتلكؤ لدى أبناء هذه الجماعات في قتال هذه الشرذمة الخبيثة في الوقت الذي كانت جماعة الدولة قد حسمت موقفها من الجماعات وقادتها واستحلت دمائهم وأموالهم , فبينما هؤلاء يتناقشون ويتحاورون في توصيف عصابة البغدادي , وطريقة التعامل معهم كانت عصابة البغدادي قد فعلت ما تريد , من إفساد وسيطرة على أكثر المناطق , ولم تبقى إلا فئة قليلة من المجاهدين في الشرقية وفي غيرها , وضُحت لها حقيقة هذه الجماعة من البداية , وكانت تعلم أنها ستدخل في معركة قد تكون خاسرة عسكرياً في الظاهر بسبب الحصار ونقص الإمداد وضعف الخبرات .
ولكنها أخذت على عاتقها أن تبيّن وتصدع بالحق , حتى تعلّم الأمة حقيقة الصراع مع الغلاة , وحتى يعلم التيار الجهادي حجم الخديعة التي انطلت عليه لسنوات طوال سيطر فيها الفكر الغالي على الساحة , حتى أصبح لدى الكثيرين أنه هو المنهج الحق الوسط .
في خلال هذه المدة من المنازلة والقتال مع هؤلاء اضطروا أن يكشفوا عن أقنعتهم قناعاً تلو قناع , و وضح فكرهم وبان جرمهم للقاصي والداني, وبفضل الله تعالى علمت الأمة حقيقة ما يجري وجرى في الساحات, ومَيزت بين منهج أهل السنة وبين منهج أتباع ذي الخويصرة الذي لهم أعوام وهم يفسدون في الأرض, في الوقت الذي صمت فيه كثير من القادة وأهل العلم والمشايخ الذين كانوا أعلنوا حربهم وبراءتهم من الطواغيت, ولم يراعوا في ذلك مصلحة وحقناً لدماء المسلمين رغم ما كان يودي به هذا الصدع من قتل وتهجير, وأسرِ لهم ولأتباعهم, ولكننا رأينا منهم التعاطف وعدم الوضوح مع الغلاة .
ونقول لمن تعاطف مع الغلاة ولم يتخذ الموقف السني بدعوى مصلحة الحفاظ على الساحة , لا ساحةً سلمت ولا حقٌ توضّح , وهاهم الغلاة يعلنون خلافة تشمل العالم كله, مسقطين بذلك قادة الحركة الجهادية والعلماء .
وسبب ذلك هو المواقف المضطربة الرجراجة الغير واضحة لقادة الجهاد وبعض المشايخ والتردد بإتخاذ الموقف السني الحازم , وهذه ليست المرة الأولى, فلم نستفد من درس الجزائر ولا العراق, وهذا دليل على قلة الإيمان , لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين , فما لنا نلدغ من نفس الجحر مرات ومرات !
والأدهى من ذلك هو تأثر البعض من المشايخ والقادة بما جرى في العراق من أحداث لا نعرف عواقبها رغم فرحتنا بفكاك الأسرى واندحار الجيش الصفوي , ولكننا نعلم أن الأمور بمآلاتها .
إن ما يجري في العراق هو حرب على أهل السنة في العراق والشام ,الغاية منها إفشال ثورة المظلومين, ويلاحظ ذلك من خلال التعامل الإعلامي والتصريحات الاستدراجية التي يصرح بها قادة الكفر العالمي والرافضة ومرجعياتهم , ومع ذلك فإن الكثير من المشايخ والقادة ترددوا وازدادوا حيرة واضطراباً في مواقفهم باتجاه جماعة قرامطة العصر .
وهذا يذكرنا بقصة الدجال الذي يفتتن فيه خلق كثير, لأنه يظهر لهم خوارق العادة, نسأل الله الثبات .
والموقف الشرعي الواضح لا يبنى على انتصارات وهمية , ولقد اجتاح التتار العالم الإسلامي خلال سنوات قليلة , فلم يغير أهل الإسلام موقفهم منهم , ولو فتح نصر اللات القدس فهل يغير أهل السنة الموقف من الرافضة !