من شاهقة طارق إلى ضريح ابن بطوطة..

البريكي2020

عضو فعال
من شاهقة طارق إلى ضريح ابن بطوطة..


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki



بوابة دخول جبرالتار أو جبل طارق (تصحيفاً) تُفتح أمامي للدخول، هذا البلد شبه الجزيري وشبه المستقل الذي يقع تحت لواء تاج الملكة إليزابيث البريطانية منذ عام 1714، وتعتبر من أهم قواعد مستقر البوارج التي تحمي المصالح الامبراطورية لبريطانيا العظمى في البحر الأبيض وما بعده، وهذا الجبل الصخري البارز تضاريسيا في طرف المتوسط والمتوغل جنوباً الذي تسمّى على قائد مسلم منذ ما يزهو على الـ 1300 سنة يقف شاهقاً مستمراً أمام دائمية حركة المضيق الفاصل بين جبال أطلس في منتهى شمال غرب أفريقيا وأرض الهاسبان.
من أمام ناظر الجبل الطارق للمجد في هذه المقاطعة الإنجليزية، تحملني الصورة في يومٍ غائم إلى حاضرة "الإنستغرام"، هذه الرابِية (الجيمورفولوجية) العريقة والمطلة على بحر البليار، مِن سموّها انبلج الفتح العربيّ لشبه الجزيرة الأيبيرية في بدايات فجر الهجرة، وقبل نهايات الألف الميلاديّ الأول، وطارق هو طارق بن زياد الفاتح الأمازيغي المسلم العظيم (والذي تصادف أن درست جزءاً من بدايات مراحل قراءتي في مدرسة ابتدائية تحمل اسمه، وكنّا نتغنّى أيامها نشيداً لازلت أردده حيناً.. فالمجد والأمجاد بطارق بن زياد..)، وهو قائد عسكري فذ يعتبره خبراء استراتيجيا الحروب بأنه من أنجح قائدي الجيوش في التاريخ، وقد رحل طارق ذات سنة منسيّة بدمشق الأمويّة، وفي غمرة الصعود المجيد للحكم العربي والإسلامي للأندلس، وخلّف إرثاً باهظاً وكبيراً قوامه قطعة ماسيّة من حضارة مشعة بقيت على سلك الزمن زهاء ثمانية قرون، طرق خلالها التطور الثقافي والعمراني والإنساني أعلى صروح الإبداع، ومازالت تتغنى بفضلها وجمالها كل الحضارات.
وفي بارقة سعيدة تمكنت من التوقف عند مسجد الملك فهد -رحمه الله- بالقرب من نقطة أوروبا ومنارتها في الناحية الجنوبية من الدويلة الصغيرة، وهو جامع مشيّد على الطراز المعماري الأندلسي، بنته المملكة على نفقة مليكها كخدمة للمسلمين في هذه البقعة الذين يبلغون 2000 مصلِّ، ما يمثل نسبة 2 بالمئة من السكان أجمع، وتم فتح بابه يوم 8 أغسطس عام 1997.
نهار آخر أرحل فيه على متن الباخرة في الطريق من رأس الطرف الأغر إلى طنجة.. خلفي قارة وأمامي أخرى.
هنا طنجة ملتقى البحر بالمحيط، وملتقى سفينة نوح بالطين كما تقول الأسطورة الإغريقية القديمة، حينما همّت السفينة بالوقوف على اليابسة صاح الركاب "الطين جا.. الطين جا" فسلبت الاسم طنجا.
على جدار الضريح المتقصي في "زنقات" سوق طنجة القديم كُتب هذا النقش.."هذه البناية بسيطة الشكل تخلد ذكرى شخصية ذات صيت عالمي اشتهرت بفضل رحلاتها عبر العالم خلال القرن الرابع عشر الميلادي، إنه أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن إبراهيم اللواتي الطنجيّ المعروف بابن بطوطة، والمزداد بمدينة طنجة يوم 24 فبراير 1304م.. ابتدأت رحلته عندما غادر مسقط رأسه طنجة سنة 1325م ليؤدي مناسك الحج بمكة المكرمة، ولم يعد إلا بعد مرور 29 سنة من المغامرات في 44 بلداً ومنطقة بأسمائها وحدودها الحالية (أفريقيا الشمالية ومصر والعراق وبلاد فارس وشرق الجزيرة العربية واليمن وأفريقيا الشرقية وآسيا الوسطى والقسطنطينية وروسيا الشمالية وآسيا الوسطى والهند الإسلامية وجزر المالديف وجزيرة سيلان وسومطرة والصين)، وبعد استراحة قصيرة بطنجة من سنة 1346 إلى سنة 1349، قام ابن بطوطة برحلة ثانية إلى الأندلس غرناطة والمغرب ومنطقة الصحراء وأفريقيا الغربية.. وقبل وفاته سنة 1368 خلّف وراءه كتابه "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".. والمعروف بِـ"رحلة ابن بطوطة".. الذي أملاه على محمد بن جزي الكلبي بطلب من السلطان المريني أبو عنان، وانتهى من كتابته بِفاس سنة 1355.
وفي النهاية أنا هنا في بقعة ما من هذا الزمن ألتقي طنجة مدينة ابن بطوطة، وهناك أمير الرحّالين في مكان آخر من أرض التاريخ، يطوف البلدان ويكتب لنقرأ من بعده.
 
أعلى