كرسيّ على بحيرة "إيرلهوف"

البريكي2020

عضو فعال
كرسيّ على بحيرة "إيرلهوف"


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki



يوم الجمعة القادمة بإذنه تعالى سيمنحني تاريخ الحادي والعشرون من نوفمبر مناسبتين؛ ذكرى يوم ميلادي ويوم ميلاد كتابي الوليد في أدب الرحلات، وسأتخذ كرسيّ ليكون حفل توقيع "كرسيّ على بحيرة إيرلهوف" في جناح "دار نوفا بلس" للنشر.
ذات شتاء جلست متوشحا أفكاري على ذلك الكرسي الذي يقطن ناحية من البحيرة بالقرب من قرية "إيرلهوف" الآرية الصغيرة، التي تنتثر أكواخها القليلة كأكوام الثلج على المنحدر العسيب.. كانت دوائر الأثر المتكررة على صفحة الماء تتسع باندفاع يافع حتى تتلاشى في البُعد وتختفي.. وفي لجّة المشهد القارس وهدوئه كان هناك قطيع من الإوز يمارس الحياة بدفء رغم موسم البياض.
هو الماء إذا.. ذلك الكائن الذي نجده في كل صورة، متجلدا يشكّل قبعات الجبال.. سائلا يجري بمراكب السُفن المسافرة ليغرق صواريها في كل الآفاق.. متبخرا يصعد بعموديّته إلى الفضاء ليرسم غيمة.. وهو الحياة.
والأرض الفسيحة بمائها وهوائها ويابستها تمنحنا المسافات وحالات السفر وأجنحة (الفينيق) المحلّقة.. التي منها تنطلق الفكرة وتنبض الكلمة ويسيل حبر القلم على الأوراق، لنغزل المشاهدة حكاية تروى، يكتب الشاعر الصيني (كيو وان) في رحلته الكبرى كل تفاصيل التضاريس شعرا فينشد..
النهر الأصفر يصب في البحر الشرقي‏
والشمس تغرب في المحيط الغربي‏
فَلْتَمْضِ سريعاً دون أي انتظار‏
هذه الأنهار وهذه الأنوار التي تجري..
قال لي صائد السّمك الصينيّ الحكيم وأنا أشاكسهُ في رِزقِه البسيط: إذاً أنتَ تحيا الجنّة الآن كسائحٍ عند رصيف البحر، أما أنا فأعيشُ النار كادحاً كعاملٍ في ذات المكان، نظرتُ لعفويته البعيدة وصفاء نفسه، برغم كهولة الشقاء، فضحكت بابتسامة رضى، وأجبت: يبدو أن الفردوس دائماً هي ضفة العالم المقابلة.
وقال درويش في جواز سفر قصيدته بأنه سائح يعشق جمع الصور، ولا يُلام محمود، إنه السفر.. ذلك الكائن الحي الذي شغف القلوب قبل العقول.. حتى راحت مواكب الشعراء تتغنى بفضله وتتموسقُ بأحاديثه السعيدة، وفي التراث الإنساني عامة اقتصت حكايات الرحلة مكانا باهرا.. ساحرا في حقل الذاكرة لتترك ميراثها الوفير بين دفّات الكتب.
أنا هنا في بقعة ما من هذا الزمن.. وهناك أمير الرحّالين محمد الطنجيّ الملقب بابن بطوطة في مكان آخر من أرض التاريخ، يطوف البلدان ويكتب لنقرأ من بعده، وقبله أُهرقت محابر (ماركو بولو) على صفحات المكتبة، فجاء من بعده جيمس كوك وفاسكو ديغاما وكريستوفر كولمبس الذي كشف عن نصف الأرض المدفون.
قف.. استعد.. اعبر.. فلسفة استقطاب عموديّ تقتصد في عمقها لمحة من أديم الحياة.. وما العيش إلا إشارة ضوء.. يقاسِي جمودها الجامدون، ويطعمُ صبرها المنتظِرون.. ويقطِف ثمارها المُنطلقون، ثلاثة من الألوان.. اعتلاها "الأحمر".. لمن لا يستطيع شيئاً ولا يريد شيئاً.. وانتصفها "الأصفر" لمن لا يستطيع شيئاً لكنه يطمح لشيء.. وأدناها "الأخضر" لمن يرغب ويملك يشغفه كل شيء.
إذا، أنا هنا.. وهناك كنت، مُرتحلا أنفش أزاهير أوراقي.. أجمع شتات أفكاري، وأرسم على الورق مركب الأسفار.. أستظل وارفة الشجر.. وأهيئ الحروف لنسخ المدى، أقلّب صفحات جواز سفري.. لأضعها على كفّ قارئٍ يبحث عن أخبار الرحلة، فأريه ما قد رأيت، وأقتطع أشياء عنّي فأهديها، لعلّ الأريج العابِق يلتقي بِفكره النيّر، فتتحقق المعادلة.
 

المرفقات

  • Korsi 3ala.jpg
    Korsi 3ala.jpg
    631.8 KB · المشاهدات: 1

Way one

عضو مخضرم
الله يوفقك استاذ أحمد ..
وأختيار رائع لدار نوفا للنشر ..

وتذكرني طريقتك بالكتابه .وإختياراتك للمفردات .بالكاتب الأديب المغربي " محمد بنيس "

الله يوفقك ..
 
أعلى