رسالة إلى كل من طالب بثورة من لاجيء

الدائرة الأخيرة

عضو بلاتيني
إلَى روحِ كُلِّ طِفلٍ ...وَإنسانٍ ...وغَريقْ
سَواءاً إبتلعَهُ البَحـــرُ,,,أو تَقيّأهُ علىْ الشاطئِ ...جٌثّـــةً هَامِدَةْ ..
.
بُووووو........دِجْ ..!!
.
كان العزاء في بلدتنا ثلاثة أيّام ... لكن نظراً لكثرة القتل وقطع الرؤوس . ونعمـــة البراميل ..جرى اختصاره إلى ليلة واحدة وينتهي مع آذان العشاء .. ولم أجد نفسي سوى أنا وأمّي هذه الليلة .ومصباح لايكاد يضيئ إلا وميضاً نحيلاً خافتاً ,,,كوجنات أمي الشاحبة ....
.
لقد دفنّا اليوم أختي وولديها واخي الهارب من الخدمة الإلزاميّة ...
أمي لم تزل صبيّة بعد أن فقدت أبي فهي في نهاية الثلاثينات من العمر ولم تزل جميلة وممشوقة القوام لولا شحوبها بعد أن اكتشفنا سرطان الرّحم .. من الدرجة الرابعة ..قلت لها : اي أمّاه .. أنا وأنت سوف نهاجر .. إلى ألمانيا ..لكنها رفضت وعرضت عليّ (صيغتها وصيغة أختي المتوفية ) وهي عبارة عن أساور ذهبية ... لكن أفهمتها : إما أن نسافر معاً أو نموت معاً ...ووافقت بالنهاية ...
.
صحيح أن ( البولوم ) هو قارب مطاطي بين تركيا واليونان .. لكن لم أحس بالخوف من الركوب به ...خاصة عندما يكون البحر هادئاً ...ولا أنكر أن إصبع والدتي انكسر أثناء هروبنا من سوريا بين الصخور لكن ربطته بمنديل وأجّلنا العلاج لألمانيا فقد قال لي : أحد المهاجرين أن ألمانيا تجبّرهُ بالليزر ..!!
.
واستقبلتنا سائحة في اليونان وأعطتنا الماء بعد خروجنا من البحر ... وكم شعرت بالفخر وانا أمشي مع أمي ضمن مجموعتنا في غابات مقدونيا ...ماعدا الوحل في أحذيتنا الذي زاد الحمولة نوعما ...أما صربيا فقد أيقنت حينما وصلنا إليها أن مبالغات كثيرة نُسجت حول الهجرة فقد كانوا لطفاء جدا معنا لكنني فهمت منهم أنّهم يدعون لنا بسلامة المرور من هنغاريا !!!
.
حتى أن سيّدة صربيّة صَلّت وقبّلت أمي وأعطتها معطفاً سميكاً ثقيلا ... وامتعضتُ أنا من قبول أمي له لأنه ثقيل !ذلك لأن الحمل سوف يكون ثقيلا عليّ حينما أحملها على ظهري ...فالإثم ماحاك في صدرك ...وقالت لنا تلك السيدة الصربيّة : ليس مهمّاً بُعد المسافة فالمهم هو أن تعبروا المجر بالسّلامة !
.
مع أنني استغربت كلامها لعلمي أننا كلما تعمّقنا بأوربا سوف "نأكل أطيب "... والأوربيون شعب واحد ( مثل العرب ) ولابدّ أن لديهم "قيماً مشتركة" ...ثم لماذا أخاف وأنا معي أمّي المريضة ؟ لكن بدأ جميع المهاجرين يتعوّذون بالله حينما اقتربنا من المجر ...!
.
كان قائد مجموعتنا " أبو حمدو " رجل كهل من مدينة حلب ..لحيته قصيرة وكثّة .نصفها أبيض ونصفها أسود ووجهه بشوش .. يشبه نجوم الروك الأمريكان أما صوته فمهما ابتعد عنك يكون قويّا وواضحا ... وكان ممتلئا بالشحوم والدهونوالهيموغلوبين ربما أكثر من خمسة عشرين ... لعله شحن نفسه قبل السفر ...
استعداداً لرحلة الشقاء هذه ...
.
كان يساعد الجميع ويوبّخ المخطئ .. ويحمل الأطفال مع النساء ..ويقدم لنا دروسا عملية .. كيف يجب أن نتصرّف ويأمرنا أن نبقى أقرب مانكون من كاميرات الصحافة .. ويقول لهم ( ماي فريند آيم هانغري أند تايرد )تعبان وجوعان أنا لا أعلم ولا أملك هذاالإصرار على الحياة مثل هذا الشايب ,,!! وفجأة وهو يحدثك ... يعلو شخيره ..ويغط في نوم عميق وما أن يحتاج الأمر لتدخّله إلا وتراه يزعق من نومه ...! وبعد أن يعنّف ويوبّخ يعتذر ويقبل من وبّخه ويقول له : صافي يالبنْ !؟
.
أما الصدمة فهي الأسلاك الشائكة والستار الفولاذي الذي واجهناه في حدود المجر ...والدوريات المجرية تتحرك جيئة وذهابا وترصد المهاجرين ولا يفلت من قبضتها إلا الشباب ,,, أما نحن فقدرنا أن نمشي عدة كيلومترات لكي نصل إلى منفذٍ عبر
سكة القطار الواصلة بين صربيا والمجر ...وهذا ماكان ...نحن نهرب منهم لأننا نخشى أن نعلق في الشمولية من جديد ..!وهم يريدون صيدنا لكي يأخذوا تعويضات إيواء دون إيواء !
.
كانت رؤيا الحاج حمدو هي المشي عشرة كيلومترات لنصل صباحا إلى ثغرة السكة الحديدية ...وهناك سوف نجد الإعلام والكاميرات والصليب الأحمر ولن يتمكن المجريون من إساءة معاملتنا ...
صحيح أننا لم نسلم من الركل العنيف والمزاحمة وأنا أحمل أمي ..أما تلك الصبية الجميلة ذات اللباس الأزرق السماوي فقد كانت (رفّيسةً ) بامتياز مع أن شكلها وأنوثتها لاتوحيان بذلك .. لقد رفست الحاج حمدو وهو يحمل طفلة وأوقعته أرضاً !
ولعل هــذه " الرفّيسة " برفستها أهدتنا الكثير أو ربّما من التعب أصبت بالهذيان ... ! فقد خطر ببالي حينما سمعت أنها قد فُصِلتْ من عملها وحزنتْ... لماذا كل ما تعرضنا له من رفس داعش والنظام ووو ... ولم يفصلهم أحد ؟؟؟!!
.
المهم أطعمونا وجبروا بخواطرنا ووعدونا بنقلنا إلى النمسا معززين مكرّمين ...وأدركت أن هذياني من الإرهاق وقلة النوم وحمل والدتي ...وغططت عند طرف الغابة أمام كشك الشاي في نوم عميق .....ونمت على رجل أمي ورأسي الملتهب في حضنها وآخـــر ما أحسست به أنها تتمتم بدعاء وتغطيني بالمعطف الصربي السميك الثقيل وهي تقول :
ياربي .. مابقي عندي سوى هـــذه الشمعة
ياربي نحن غرباء مشردينْ
في الدنيا وفيافيها ....
وابني شمعة في مهبّ الريحْ
نقطة مطر تطفيها ...
.
يارب تجعل يومي قبل يومه
هيدا يلّي بقي لي من الدنيا ومافيها .....!
.
.
الحلم ....!
وبعد أن غططت في نومي العميق بحضن أمي ... حلمت حلماً سريعا غريباً ومرعباً ...حلمت أنني في موسكو عند ابن عمتي الذي يدرس هناك ودلّني على طبيب بروفيسور متخصص بالسرطانات .. كان الطبيب وقورا وأصفراً نحاسيّاً بعينين كأنهما الزُّجاج ... وبعد أن خرجت أمي من الفحص استدعاني وقال لي : أنا أضمن الشفاء لوالدتك ... وسوف تعيش سنوات طويلة وتزوجك وتفرح بك ... بعملية بسيطة لاستئصال الرحم والحواف المسرطنة وحقنة كيميائية ولن تتسبب هذه الحقنة في فقدانها لشعرها ابدا ونسبة النجاح 100% وبدون أي مقابل مادي .....!!
قلت : أبوس إيدك ...
قال : لكن أنا لم أنهي كلامي !!
قلت : تفضّل ....
قال : أمّك كتير حلو ... وجمالها نادر لأنه ينبع من الطهر ...من مهبط الرسالات ,,,
إنها لا تتكلّم .... كـــصورة السيّدة العذراء ...
لاتقول أيّ شيء ....
وبصمتها ... تقول : كلّ شيئ ...!
لذا لا أهتمّ إلى اللغة ...
لاقيمـــة للحروف ...
إن تكلّمت العينان ...!
أحببتها وأريد أن أشحذ بأواخر عمري ... بعض الطُّهر منها ..!!
.
وقال : كلّ ما أريده هو المساكنة ,,, نعيش سوا أنا وهي !!
قلت : يا دكتور خاف الله ....
ضحك الطبيب وقال لي أنا أخاف الله أكثر منك ...أمك على أبواب الموت خلال أسبوع ...لو رفضت سوف تموت .. لو قبلت سوف تعيش فقط وقّع على هذه الورقة ...معك يومين .... ثم التفت وقال أنا هون عندي مليون امرأة لكن كلهن مثل ألواح الجليد .... لكن ماما غير !!ثم أردف يقول : حبيبي شوف الشيشان عملوا مشاكل كتير للإتحاد الروسي ياحرام ماعاد يلحّقوا موانع الحمل ...لكن عندما تحوّلوا إلى الواقعيّة ومنطق العصر والمصالح ...عاشوا أحلى حياة.... إي لكان !!!!
.
 

الدائرة الأخيرة

عضو بلاتيني
خرجت من عند الطبيب وأنا موزّع بين الإغتصاب لأمّي أو الموت ...أمران أحلاهما مرُّ .....عرّجت على حانةٍ رخيصة واشتريت زجاجة فودكا من أرخص وأقبح الأنواع وبعض الموالح وجلست على ضفة نهر الفولغا ... ورحت أشرب من هذاالمُبيدْ ...
لأنّني محتاجا للتركيز واتخاذ القرار الصحيح .....!
.
قلت لنفسي بعد نصف الفودكا : الرجل "طالب القرب منّا ". أو تموت والدتي ...!! عمليّا أنا لن أعود إلى البلدة ... والعيب هو أمر نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان ... فهنا لايبدو الأمر عيبا وقد سمعت مرة من " الواعظ " أن الحيّ أفضل من الميّت وأن الضرورات تبيح المحظورات حتى في بلدتنا ليس هناك ثوابت صارمة للعيب .. وغالباً مايكون العيب ليس مانفعله من فضائح بل العيب بات محصوراً بما يعلمه الناس فقط ..!

لا أدري ربّما أن الفودكا هي السبب !!
.
لكن من جهة أخرى أليس الطبيب الروسي وقضية أمّي هي نفسها قضيّة وطني سوريا ؟
- روسيا وإيران لم تعرضا أقل ممّا عرضه الطبيب ...
- ومن جهة أخرى العالم الغربي وكيري والخليج ...
كذلك ليست عروضهم أقل حيرةً وقبحاً ....!!
.
ألا يعني أن مأزق أمّي التي هي أمّي ...
هو نفسه مأزق أمّي التي هي سوريا ...؟
.
ثم قفز لذهني تساؤلاً مع آخـــر شحطة فودكا ...
لماذا انتهاك حرمات الوطن لا نعتبره نحن السوريين قاطبةً : "عار علينا " !!
وأمام هذا الهتك لعرض الوطن ... أيّ ترقيعٍ ينفع ؟
.
أعتقد أن العيب والعار والعرض هم ":كُلٌّ " واحدٌ ... لايتجَزَّأْ
أمّا تراقيع أغشية البكارة فليست من الشرف في شيء ...!!
.
.
.
عندما فتحت عيناي في الغابة المجريّة مذعوراً من هذاالحلم الشنيع والعياذ بالله كان الظلام يلفنا أنا وأمّي وحيدين !!لم أجد الحاج حمدو ولا كل فريقي .. للأسف فقد أخذتهم الحافلات إلى النمسا ..مكافأةٌ على رفسة الصحفيّة .
وهم معذورون فربما لم ينتبهوا إلينا وأنا وأمّي نغطُّ في نومٍ عميقْ .....!!
.
فاتني أن أذكر لكم أن مواهبي كلها تفتّحت في أوربا .. ففي البلدة لم أكن أجرؤ في المدرسة على الإجابة على كل اسئلة المعلم لأن ابن المختار سوف يضربني ضرباً مُبرحاً بعد أن أخرج من المدرسة لهذا كنت أختار بعض الإجابات بحيث
لا أتفوق على ابن المختار صاغراً وخوفاً منه .. أما هنا فقد صار بإمكاني أن أكلم الصبيّة المجريّة بالبوفيه وأطلب منها الشاي والقهوة .. وأمازحها وتبتسم لي ... (بل اكتشفت أموراً جديدة هي عندما تبتسم لي لايعني أبداً أبداً أنّها تدعوني ------- !! بل تعاطفاً إنسانيّا بريئا وكثيرات من حضنّنا أيضاً ...) وصرت مثل الحاج حمدو أناقش وأزعق وأنا مكتوف الأيدي و( أطعوج ملامحي ) كي أوصل للصحافة آلامي .....الخ !
.
وأناقش دون أن اخلع من يناقشني بعصا على رأسه أو يسطرني بساطور أو ماسورة حديديّة ..عقاباً على اختلاف وجهات النظرْ !!
تعلمت الكثير وبسرعة ... نعم .فأنا على أعتاب أوروبّا !!
حتّى الكلاب هنا يعاملونهم معاملة الأطفال ولا يشوطونهم بأرجلهم أو يقذفونهم بالأحجار ...عجباً ..!
.
لهــذا ذهبت إلى البوفيه وأحضرت الشاي من الصبيّة المجريّة وعدت أدخّن بقرب أمّي النائمة ...لكن : نظرت في العتمة فلم تعجبني ملامح أمّي ولمست يدها فوجدتها باردةً تماماً .... ارتعدت فرائصي وأُصبت بذهول وخوف ...
وحينما رفعتها لأحضنها وجدتها كلوحٍ خشبي متجمّد ... وقد فارقت الحياة .... صرخت صرخةً واحدة ورحت أبكي ...|
.
.
.
جاء البوليس وسيارة الإسعاف ونقلوني مع أمّي إلى قرية قريبة في سهل منبسط ...وسط الظلام .. وأنزلونا إلى ما يبدو أنه وحدة صحيّة
للرعاية الأوليّة ... وقال لي :
- هل أنت مسيحي ؟
- لا
إذاً يهودي ؟
- لا ... أنا مسلم ...
قال : للأسف هنا ليس لدينا سوى ثلاثة أنواع للتأبين والدفن ... على الطريقة اليهودية أو المسيحية أو اللادينيّة ...وعليك أن توقّع وتختار
الدفن المناسب ... فكرت ملياً صحيح أننا من أرض مهبط الديانات وكلمات الله وكتبه وأديانه لكن ليس من البساطة أن تقبل أمي أن أدفنها يهودية أو مسيحيّة ... وأدركت أن اختياري للدفن اللاديني هو الأفضل !!!!!!
لهـــذا أخترت الدفن اللاديني ووقعت على الورقة ...دون أن أعلم ماهو ..!
.
في الصباح الباكر أحضروا فطوراً وأطعموني معهم ... ثم قالوا لي تفضل فالجثمان جاهز وألقيت النظرة الأخيرة على أمي في تابوت خشبي
عاديّ وليس من النوع اللامع الذي نراه في الأفلام ! قال لي أحدهم وهو بشوش الوجه وله شنبان مثل ليش فاليسا : كنّا نتشوّق أيام الشيوعيّة للتديّن ونذرنا النذور فيما لو تخلصنا منها وسوف نؤمن . وفعلا آمنّا وصلينا وصمنا ...
لكن للأسف وجدنا أنفسنا في الرحاب الأوربي أكثر عمى وأضلّ سبيلا وعاد الكثير منا إلى كفره القديم ...!
قلت : وكيف الدفن فقال لي : بُووووووو.دِجْ .... قلت بنفسي وأنا أبادله الإبتسامة : على خيرة الله ....!
.
عندما وصلنا مع الجثمان إلى المقبرة .... فتحوا بئراً بعمق 15-20 متراً وأوقفوا السيارة على طرف البئر وزلقوا التابوت باتجاه البئر وسمعت وعرفت معنى الــــ بًووووووو..دِجّْ .....!ثم تحرّكت الجرّافة ووضعت فوق التابوت سطلين من التراب والحصى ...وأغلقوا البئر ...!! ما اكتشفته لاحقا أن معظم من يموتون في دار رعاية المسنين ويرفض أبناءهم الحضور للدفن بعد إبلاغهم يتمّ دفنهم بنفس الطريقة مع اللادينيين .!
لابدّ من أن أكمل رحلتي ,,فأنا متورّط في البحث عن حياةْ ...!
قد تكون الحياة " ربّما " أجمل ممّا عرفنا عنها ,,, لكن للأسف : عجزنا عن إلتقاط إشاراتها !! قالوا لنا : كي تتمكَّن من ذلك لابدّ من " إعدادات " وهي أنْ نُخْرِجَ منْ ذَوَاتِنا " أجملَ مافينا " فكيف سوف نلتقطُ إشاراتِ الحياة والسعادةْ ؟ ونحن نُصِرُّ على أن نُخْرِجَ من قعر ذَواتِنا : أسوأ مافينا ! ؟
في طريق عودتي معهم إلى نقطة تجمّع اللاجئين .. كان يخطر ببالي أن هؤلاء الصبايا اللواتي يضحين بعطلتهنَّ الأسبوعيّة ويقتطعن جزءاً من راتبهن ليشترين بالونات ودمى لأطفال اللاجئين في المحطات .. وأقول لنفسي فعلا :
فعل الخير هو ممارسة سامية ومؤشّرٌ دقيق لإنسانيّة الإنسان ... لكن على أن لايتحوّل الطرف الآخر إلى ممتهنٍ للتسوّلْ ..
عمليّاً : أنا أجد نفسي بالضرورة قد تعوّدت الأمر ... وهناك قضية أخرى وهي النميمة والشائعة .. فقد سمعت من محطة فرانس-24تصريحاً لمسؤولة استثمار الموارد البشرية أن ألمانيا بحاجة كي تستمر عجلة صناعتها إلى 6 مليون يد عاملة منذ مطلع 2014وهي في أزمة جرّاء هذاالأمر .. ربما الكلام صحيحا وربّما هي نميمة فرنسية للتملّص من استحقاقات اللجوء لكن تبقى النميمة نافعة لي ولجمهور المهاجرين لأنها تساعد على تَبَلُّدِ الضَّمير لديّ . وصراحة نحن محتاجون لمثل هذا وسط هذاالمأزق .!
وصلتُ لعند صديقتي ( فتاة البوفيه ) قرب الغابة ... ووجدت الكثير من اللاجئين قد قدموا من صربيا ... تلاحق الأحداث والخوف والتعلّق بالحياة ...كلّ هذا يختصر الأحزان جداً .أكثر ممّا جرى اختصاره في قريتنا .
وأصبحت الأحزان مثل روابط جوجل ...مضغوطةٌ ومطلسمة وغائمة .وافتراضيّة .. لأنّنا في الطريق إلى أوروبّا !
إستغلّت فتاة البوفيه فرصةً هادئة من وقتها وخرجت من الكشك ...وقالت لي : شاي ونسكافيه بريستو مجّاناً بشرط أن تساعدني بنفخ البالوناتْ ...وأخرجت من جيبها عشرات البالونات ... وبدأت تنفخهم بفمها وأنا أساعدها ...وراحت توزّعهم على أطفال اللاجئين ... تتراقص معهم وتعلّمهم كيف تتأرجح الفراشات في الحقول .
وكيف تنام الخراف على أثداء أمّهاتها .!
وكيف تفتح زغاليل السنونو فمها في العشّ عندما تأتي أمها
وتزقزق لتحظى بحصّةٍ أكبرْ !
وكلّما علت ضحكة الصبيّة مع ضحكات الأطفال .
تُردّد جذوع أشجار الصنوبر هذا الصدى في سيمفونية رائعـــة ..
أدركت وأنا الريفي المعجونُ بطينِ الحقُولْ .
ووجهي الممرّغ بهُباب الخوف وشظايا الحروب الأهليّة .
أنك عندما تحزمُ وطنكَ في حقيبةِ ظهرٍ وترحلْ .
يصبح انتماؤك إلى قشرة ظهر هـــذا الكوكب ... "دون وطنٍ بحدودْ ..
وتحسّ أكثر فأكثر فأكثرْ .
أنّ إنسانيّتكَ فقط ْ: هي عنوانكَ الدائمْ .
وهي المُقدّمة الأولى : لأيِّ إنتِمَـــاءْ . ولأيِّ وَطـَــنْ .!!
.
.
.17-9-2015
Silence Rave
 
أعلى