المرأة الخليجية ، استعراض السياسة أبشع من استعراض الجسد !

صانع التاريخ

عضو بلاتيني
مع بداية نشأة دولة الكويت الحديثة بُعيد الاستقلال انتخب أعضاء المجلس التأسيسي الذي حمل على عاتقه مهمة إعداد الدستور ثم تم انتخاب أول مجلس أمة عام 1963 م ، كل ذلك تم دون مشاركة المرأة الكويتية ؛ وقيل وقتها أن المجتمع المحافظ كما وصفوه لم يكن مستعدا لتقبل فكرة المشاركة السياسية للمرأة ، ولم تكن تلك هي الحقيقة ! فقد انطلقت المرأة الكويتية للعالم لتجوب أرجاءه منذ أربعينيات القرن الماضي وتعلمت وحصلت على الشهادات العُليا وأصبح لها نشاط واضح في مختلف المجالات ، لكن الحقيقة هي أن التيارات والأفكار التي انتمت إليها وتبنتها الناشطات من نساء الكويت آنذاك كانت على غير هوى السلطة الحاكمة ناهيكم عن ارتباط تلك التيارات والأفكار بإرث أحداث عام 1938 م والمعروفة محليا في الكويت باسم ( سنة المجلس ) والتي لم تكن بعيدة عن حسابات صُناع القرار حينها ، كذلك فإن المنظومة التجارية التي تصدر بعض أقطابها مشهد أحداث سنة المجلس تراجعت عن حماسها لرعاية الأفكار التقدمية والتنويرية لأن مصالحها منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي باتت مرتبطة بترتيبات تقاسم ثروة الكويت مع خصوم الأمس القريب ، فقد مات الملك غازي وماتت معه شعارات إذاعة قصر الزهور كما مات الآخرون الذين كانوا يمثلون هَمًّا جاثمًا على صدور المنظومة التجارية وتدفقت ثروات البترول الهائلة على البلد الصغير ( الكويت ) بمساحته القليلة وعدد سكانه المحدود لتصبح مصالحهم مرتبطة بالمحافظة على كيان الكويت السياسي وليس التفريط فيه ، من أجل هذه الاعتبارات لم تجد المنظومة التجارية قضية الحقوق السياسية للمرأة الكويتية سببا يدفعها للتصادم مع السلطة الحاكمة وغضت الطرف عن الخرق الفاضح والواضح للمادة 29 من الدستور الكويتي والذي افتتحت به ما قيل أنها تجربة الكويت الديمقراطية !

استمر الحال على ما هو عليه باستثناء مطالبات كانت تتم على استحياء بين الفينة والفينة ، وبعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991 م انحدر كل شيء فيها فكريا وثقافيا وسياسيا ؛ بل حتى الشعور بالولاء للوطن انحدر في حين كان يُفترض أن يتنامى بعد تجربة الغزو والاحتلال ، ولم يكن واقع المرأة الكويتية استثناء من ذلك الانحدار فهي جزء من المجتمع ، وأصبحت مع هذا الانحدار معركة أدعياء الليبرالية منصبة فقط على مناكفة المتأسلمين من أدعياء الدين ليغدو أهم ميادينها هو الدفاع عن الاختلاط في الجامعة ، أما إرساء نظام ديمقراطي حقيقي مبني على المحاسبة والشفافية وهو أهم ركائز الفكر الليبرالي فلم يكن أبدا ضمن حسابات أدعياء الليبرالية لا في الكويت ولا في غيرها من دول الخليج العربية !!!

في عام 2003 م غزت أمريكا العراق واحتلته بدعم مالي ولوجستي عربي ثم سلمته لإيران في مشهد مثل أكبر صفعة للعرب المراهنين على صدقية الأمريكان تجاههم ، فبات الشغل الشاغل لهم العمل على إرضاء الغرب وخاصة أمريكا بأية وسيلة وكانت المرأة هي الوسيلة الأبرز حسب ظنهم الخائب وكأن حقوق المرأة العربية الخليجية كانت هَمًّا يؤرق الساسة الأمريكان ، فطفق العرب الخليجيون يتفاخرون بأول وزيرة وأول سفيرة وأول مستشارة وأخيرا أول رئيسة لمجلس شورى معين أو شبه معين لا قيمة له !

في الكويت وافق ما يسمى مجلس الأمة عام 2005 م على السماح للمرأة الكويتية بالترشيح والتصويت وهو ما كان دستور البلاد قد أقره أصلا قبل 42 سنة من ذلك التاريخ ؛ وبدل أن تطالب الوجوه البارزة من نسوة الكويت بمحاسبة من حجب حقوقهن الدستورية كل تلك السنين فرحت تلك الوجوه بما اعتبرته هبة ومكرمة وشكرت مَن أسداها وتفضل بمنحها وهو ما يؤكد مدى ما وصلت إليه نسوة الكويت من انحدار فكري ، وفي عام 2009 م لعب المال السياسي في زمن الهشك بشك دوره في إيصال أربع نسوة إلى ما يسمى مجلس الأمة حاولت إحداهن تمثيل دور مَن لها رأي مختلف حتى كشفتها الأيام على حقيقتها الخاوية وإن تسربلت بلقب ( دكتورة ) ، وبدأ الإعلام الكويتي الرسمي وشبه الرسمي يحتفل بما تم ويبث أغنية شوف حرية بلدنا ؛ وغار أدعياء الليبرالية في السعودية من الرقم 4 الكويتي فعينوا 4 مستشارات فيما يسمى مجلس الشورى عندهم ، فما كان من سفيرة أمريكا في الكويت إلا أن صفعتهم جميعا لتقول : " إن النائبات الأربع في مجلس الأمة الكويتي ما هن سوى أربع قطط بين قطيع من الكلاب " ؛ ويا عيني على احترام السفيرة الأمريكية التي لم تكتفِ بما قالت لكنها ذكرت لبعض مُريديها الكويتيين أن بلدهم لن يكون موجودا عام 2020 م ، فانحسر المال السياسي عن دعم المرأة الكويتية المسيسة والتي ترفض تسييس السياسة لتخلو قاعة عبد الله السالم من وجودها تحت مسمى ؟ نائبة )

في السعودية تعاظم الشعور لدى الساسة هناك بتغيير الاستراتيجية الأمريكية تجاههم فعينوا 30 امرأة في مجلس شوراهم فما كان إلا أن أدارت أمريكا لهم ظهرها واتجهت نحو التنسيق مع إيران ووافقت على فرض نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق خلافا لمعطيات نتائج الانتخابات وعلى عكس ما تمنته السعودية وتماما وفق ما أرادته إيران !!!

بعد موجة الثورات العربية ازداد شعور السعوديين بابتعاد الأمريكان عن سكتهم مما أوجد لديهم إحساسا باليتم السياسي ، فاستقبلوا الصحفي الصهيوني توماس فريدمان على حسابهم الخاص وأكرموا وفادته ، وبعد مغادرته عزلوا وزير التعليم ذي التوجه الإسلامي ليعينوا مكانه واحدا من أدعياء الليبرالية ، وعادوا من جديد ليستعرضوا سياسيا بالمرأة وتبنوا نفس سلوك جيرانهم الكويتيين وبطريقة أسوأ إذ شجعوا ترشح وتصويت المرأة في انتخابات مجالس بلدية لا قيمة لرجالها فضلا عن نسائها ؛ ثم طبلوا لنجاح عشرين من النسوة في تلك الانتخابات أربع منهن في العاصمة الرياض أملا في إرضاء ماما أمريكا !!!

السعوديون لم يستوعبوا دروس التاريخ وَنَسُوْا أن بريطانيا تبنت الملك عبد العزيز ودعمته حين كان يوسع ملكه تحت راية دينية ووفق خطاب متأسلم لا قيمة للمرأة فيه وأن أمريكا حين أوعزت لهم بقطع العلاقات مع الروس والصينيين طلبت منهم تبني الحجة الدينية لتغطية ذلك القرار الخائب ، وحين كلفتهم بتشجيع مقاتلة الجيش الأحمر في أفغانستان استعملت حيلة الجهاد وتبنت الفكر الديني المتطرف وليس الفكر المتلبرل لتنفيذ هذه المهمة ، وفي كل تلك الحسابات لم تكن قضية المرأة في السعودية مدرجة ضمن أجندة عمل الساسة الأمريكان الذين بدؤوا اليوم يستعدون لمرحلة ما بعد انهيار الدولة السعودية ويعدون الخريطة الجديدة للشرق الأوسط بحسابات مغايرة لما كان سائدا في السنوات الماضية ، ولو وافق السعوديون على تعيين المرأة عندهم خادمة للحرمين بلا إقامة ودون كفيل فإن ماما أمريكا لن تغير حساباتها فهي ليست مستعدة بعد الآن للمراهنة على منظومة استكملت أسباب سقوطها ولم يبقَ منها إلا هيكلها العظمي !!!
 
أعلى