روائع شعراء الحجاز

وللأديب موفق الدين عليّ بن محمد الحنديديّ([266]) من قصيدة يمدح بها الشريف رميثة بن أبي نمي أولها:
بالله هات عن اللوى وطلوله
وعن الغضا وحِلاله وحلولِهِ
أطل الحديث فإن تقصير الذي
يلقى من التبريح في تطويلِهِ
علِّل بذكر العامرية قلبه
فشفاء غلة ذاك في تعليِلهِ
وإذا عليل الريح أهدى نحوه
نشاً فنشر عليله بعليلهِ
رشأٌ دنا فرمى فؤاد محبِّه
عن قوس حاجبه بسهم كحيلِهِ
وحوى القلوب بأسرها في أسره
وسبا النهى برسيله وأسيلِهِ
وبياضه وسواده وقويِّه
وضعيفه وخفيفه وثقيلهِ
ومنها:
وتفيأ الظل الذي ضمنت له الـ
أيام بين مبيته ومقيلِهِ
حط الرحال بمكة وأقام في
حرم الخلافة بعد طول رحيلِهِ
جلب المديح بمنجد بن محمد بـ
ـن نبيه بن وصيه بن بتولِهِ
وأغر أنبه البطين ومجة أبـ
راهِيمه في صلي إسماعيلهِ
ومنها:
ما بين شَبَّره وبين شَبيره([267])
شرف يطول لهاشمٍ وعقيلِه
نسب كمشتقِّ الشموس ومفخر
باع الكواكب قاصر عن طولِهِ
أما الفروع فليس مثل فروعه
وكذا الأُصول فليس مثلُ أصولِهِ
يا ابن المظلل بالغمامة والذي
قد أُنزل القرآن في تفضيلهِ
ماذا عسى مدحي وقثد نزل الثنا
فيكم من الرحمن في تنزيلهِ
في هل أتاك وهل أتى وحديده
حقا وغافره وفي تنزيلِهِ
قالوا مدحت رميثةً فأجبتهم
ليس المديح ينال غير منيلِهِ
ولكيف لا أثني على من عمَّني
دون الورى من خيره بجزيلِهِ
بنضاره ولجينه وثوابه
وثيابه وركابه وخيولِهِ
وللأديب أبي عامر منصور بن عيسى بن سحبان الزَّيدي في الشريف رميثة مدائح كثيرة، منها قصيدة أولها:
ما أَومضت سحراً بروق الأَبرق
إلا شرقت بدمعي المترقرقِ
ومنها:
صنم شغفت به وغصن شبابه
غضٌّ وبرد شبيبتي لم يخلقِ
شقت عرى كبدي شقائق خدِّه
وبكأس فتنته سقيت وما سقي
ومنها:
ما فات من عمري فللعيد الدما
لا أرش فيه وللصَّبابة ما بقي
ومن مديحها:
رجل إذا اشتبه الرجال عرفته
بجلال صورته وحسن المنطقِ
ومظفر الحملات يرفض منه قلبـ
ـب المغرب الأقصى وقلب المشرقِ
علم يدل على كمال صفاته
كرم الفروع له وطيب المعرقِ
يلقى بوجه البشر طارق بابه
كرماً ويرزق منه من لم يرزقِ
عزَّت بنو حسنٍ بدولته التي
عزُّ الذَّليل بها وأَمن المفرقِ
هو صبح ليلتها وبدر ظلامها
ولسان حكمتها وصدر الفيلقِ
لا يتقي من كل حادثةٍ بها
وبه بمكروه الحوادث تتقي
وله من قصيدة أولها:
حفظ العهد بعدنا أم أضاعا
وعصى لإتمامه أم أطاعا
ورعى حرمة الجوار وراعى
أم دهى بالفراق قلبي وراعا
من يكن يحمد الوداع فإنِّي
بعد يوم النوى أذمُّ الوداعا
وله فيه أخرى، ومنها في المدح:
مليك أقام الحق بعد اعوجاجه
وسيد من سمك المعالي منارها
متى بطرت قوم أذلَّ عزيزها
وإن عثرت جهلاً أقال عثارها
إذا جاد يوماً لم يشقُّ غباره
وإن شهد الهيجاء شقَّ غبارها
أشمُّ قياديُّ الأُُبوة برده
حوى حلم آل المصطفى ووقارها
وأبلج مخضور الخوان يمينه
تزيل عن المسترفدين افتقارها
جمال يحار الطَّرف فيه وعزمه
كسا فخرها قحطانها ونزارها
وما برحت إن صحت فوا لمنجدٍ
كبار أياديه تؤمُّ صغارها
وللأديب عفيف الدين علي بن عبد الله بن علي بن جعفر([268])، قصيدة فائقة يمدحه بها، فمن غزلها:
فتن القلوب هواكم حتى لقد
كاد الهوى بهواكم أن يفتنا
حيّا الغمام ديار قوم طبعهم
أن لا يخاف الجار فيهم ما جنى
أميمِّم الحرم الشريف وقاصداً
آل النبيّ ظفرت غايات المُنى
لا تحسبنَّ أبا نميَّ غائباً
فرميثة بن أبي نميِّ ها هنا
ضرب السرادق حول كعبة مكَّةٍ
وغدا لها ركناً وكان الأَيمنا
وحمى الذي قد كان والده حمى
وبنى الذي قد كان والده بنى
خيل تقاد إلى العطاء ومثلها
تغزو وأخرى في المرابط صفَّنا
وطما خلال النقع مثل جداولٍ
بسكونه غسلت قميصاً أدكنا
وفتى يسابق في الطِّعان قرانه
فبه تكاد قناته أن تطعنا
يكنونه أسداً وحيدر جدُّه
والقوم فعلهم دليلٌ بالكنى
ابن الذَّبيحين الذَّبيح بمكّةٍ
والمفتدى بالذِّبْح في وادي منى
فهو التمام لبيت آل محمد
وهو الحسام بل السَّنام بل السَّنا
وحسامه سبق القضا وخوانه
ملأَ الفضا وطعانه أفنى القنا
ما زال يفني المعتدين بسيفه
حتى لقد لقِي القنا منه الفنا
ويجود بالأموال حتى إنه
ليرى ذهاب المال مَالاً يقتنى
فإذا وردت إلى خضمِّ نواله
فابسط يديك فقد أصبت المعدنا
تأبى سوائمه الربيع لِما رَأَت
أن ليس يّذبح (...([269])) إلا الأسمنا
ويظنُّ خازنه الحفيظ لماله
أن الضَّياع لماله أن يخزنا
قَيْلٌ يضمُّ إلى عظيم مهابةٍ
خلقاً أرقَّ من النسيم وألينا
تقف المنيَّة والأماني حيث ما
يومي وليس تسير حتى يأذنا
ماذا يقول المدح فيمن مدحه
جعل الإله به كتاباً بيِّنا
طوَّقتني وأخوك طوقّي منَّةٍ
أحسنت فيها حيث شئت وأحسنا
لما حططت الرحل في ساحاتكم
أَوليتم النِّعم الفرادى والثنا
قد صرت تعرفنا لديك فإن ترد
يوم المعاد لحوض جدك فاسقنا
ليس اللسان يطيق أن يحصِي لكم
شكراً فكوني يا جوارح ألسنا
فلأَشكرن وفوق شكري أنتما
ولأُثنينَّ وأنتما فوق الثَّنا
 
الشريف زيد بن أبي نُمي محمد بن أبي سعد الحسن: وبقية النسب تقدم في أبي سعد:
ذكره التقي الفاسي (في بابه) فقال: يكنى أبا الحارث، لا أدري هل هو زيد الأكبر أو زيد الأصغر بن أبي نمي، وما عرفت من حاله إلاّ أن الأديب المعروف بالنَّشو([280]) الشاعر املكي مدحه بقصيدة تدل على أنه كان مالكاً للجزيرة المعروفة بسواكن([281])، قال فيها:

لك السَّعادة والإقبال والنِّعم
فلا يضرك أعرابٌ ولا عجمُ
الله أعطاك ما ترجوه من أملٍ
أعطاكه المرهفان السيف والقلمُ
فأنت يا زين دين الله قد خضعت
لك الأنام وقد دامت لك النعمُ
ما أنت لإلا فريد العصر واحده
يسمو بك العزم والإقدام والهممُ
ذلّت لسطوتك الأعدا بأجمعهم
فلن تبالي بما قالوا وما نقموا
أنت السماء وهو كالأرض منزلة
فلست تحفل ما شادوا وما هدموا
سواكن أنت يا ذا الجود مالكها
أحييت بالعدل من فيها فما ندموا
جبرتهم بعد كسرٍ واعتنيت بهم
فالناس بالعدل فيها كلهم علموا
سواكن ما لها في الناس يملكها
إلاّ أبو حارثٍ بالعدل يحتكمُ


ومن ولد أبي نمي شمُيلة بن أبي نمي، وكان شاعراً شجاعاً، فمن شعره:
ليس التعلُّل بالآمال من شيمي
ولا القناعة بالإقلال من هممي
ولست بالرجل الراضي بمنزله
حتى اطأَ الفلك الدوّار بالقدم
والبيت الأول([284]) من شعر المتنبي، غيره الشريف يسيراً. ومن ولد شميلة -هذا- محمد بن حازم بن شميلة (المترجم هنا) فارس شجاع شديد الأيد، وأمه بنت السيد حميضة بن أبي نمي، ورد العراق وتوجه إلى تبريز، ولاقى السلطان أويس بن حسن فأكرمه وأنعم عليه، ثم رجع إلى الحجاز، وتوفي هناك. انتهى عن عمدة الطالب، بشيء من التصرف المطلوب.

 
وللأديب يحيى ين يوسف المكي المعروف بالنشو([295])، في الشريف مبارك بن عطيفة هذا مدائح كثيرة، منها قصيدة أولها:
قسماً عليك بلحظك الفتاكِ
من ذا بقتلي في الهوى أفتاكِ
لولاك لم يهو العذيب وبارقاً([296])
فالبرق ثغرك والعذيب لماكِ
أخجلت بدر التمِّ عند كماله
وفضحت غصن البان في ممشاكِ
ومُخلَّصها:
حزت الملاحة مثل ما حاز العلا
مبارك بن عطيفة مولاكِ
نجل النَّبيِّ محمَّدٍ وسليله
من منبت الشَّرف الرَّفيع الزَّاكي
يحكى عليَّا جده ليث الوغى
في يوم مكرمةٍ ويوم عراكِ
لولا سطاه لما دعاه عدوه
عوضاً عن السفاح بالسفاكِ
لو لم تمت أعداؤه من سيفه
ماتوا من الأخواف والإدراكِ
قد خافه حتى الكرى بجفونهم
تخشاه كل العرب والأتراكِ
فالسيف يضحك منهم يوم الوغى
والكل من خوف المنية باكِ
حاز الفخار بأسره في أُسرةِ
خدمت له الأملاكُ في الأفلاكِ
وله فيه من قصيدة أخرى:
عليك بخير الناس جداً ووالدا
ومن حسنت منه السريرة والجهرُ
ومن ذا رأَى الراؤون مثل مباركٍ
مليك له الإحسان والنائل الغمرُ
فتىً تشرق النيا بغرة وجهه
إذا قيل بحر قيل من دونه البحرُ
يجود على العافي ويبدي اعتذاره
ويعفو عن الجاني وإن عظم الوزرُ
مآثره مأّثورة قد تواترت
بها تشهد الآثار والعين والخبرُ
به قد حمى الله البلاد وصانها
هو الغيث لولا الغيث ما نبت البذرُ
أباد الأَعادي بالصوارمِ والقنا
ففي كلِّ نحرٍ من عداه له نحرُ

أجل ملوك الأرض قدراً ورفعةً
منازله معروفة دونها النسرُ
تغطيت من دهري بظل جنابه
فليس يرى من بعد رؤيته الدهرُ
ولم تعلم الأحداث باسمي ولا درت
ولا مــــن أنــــــــا......
سلالة مولانا الشريف عطيفةٍ
خيار ملوك العصر زِينَ به العصرُ
وله من قصيدة أخرى أولها:
لا تلمني على هواه جهالَهْ
فهو بالقلب حَلَّه واستمالَهْ
ومخلصها:
بلد شرف الإله رباها
مثل ما شرف الشريف وآلَهْ
فهو السيد الذي شاع ذكراً
ملك أرفع الملوك جَلالَهْ
وهو من خير آل أحمد بدر
مستنير له من الدست هالَهْ
ورث الفخر عن جدودٍ كرامٍ
قد بنى فوق ما بنى أمثالَهْ
شرف ما استفاده من بعيدٍ
لا ولا أدرك العلا عن كلالَهْ
ومنها:
نسب بين أحمدٍ وعليٍّ
فهو من خير تلك السُّلالَهْ
ملك إن سطا على الأرض يوماً
كاد يهفي في الجوِّ قلب العزالَهْ
فهو كالسيف حيث يقطع حدَّا
هُ ويستحسن الأنام مقالَهْ
ما لأَعدائه هناك مقرٌّ
فهو كالشمس مدرك آمالَهْ
يا مليكاً له الملوك عبيد
وجميع البلاد تهوى وصالَهْ
إن تكن قد حللت في أرض مصرٍ
أنت حقّا عزيزها لا مَحالَهْ
وله فيه:
أشكو إليك صباباتي وما صنَعتْ
يد الغرام بقلبي وهو منكسرُ
فلم يلن قلبك القاسي لمسكنتي
وقد يلين إذا حاولْتُه الحجرُ
ومنها في المدح:
أنت الذي عُقدت في العزِّ رايتُه
فتىً به تضرب الأَمثال والسيرُ
أبو خذام الذي شاعتْ مناقبه
فالجود والفضل والإحسان مشتهرُ
الأروع الندب بحر لا قرار له
بدر عطاياه في من أمه البدرُ
أَسطى بني عمه في كل نائبةٍ
كأَنه الدهر لا يبقي ولا يذرُ
المكرم المنعم الموفي بذمته
فمن ندى كفِّه قد أَورق الحجرُ([297])
سلالة من رسولِ الله طيبة
والفرع ينمو على ما ينبث الشجرُ
ماضي العزائم محمود سريرته
يدري عواقب ما يأْتي وما يذرُ
وله فيه من قصيدة أخرى، يهنئه فيها بعيد الفطر، سنة خمس وأربعين وسبعمائة، أولها:
رفقاً على قلب صبِّ مسه السقمُ
لولاك ما شاقه بان ولا علم
ومنها:
ألا تحنُّ على ضعفي ومسكنتي
فالرَّاحمون من الأحباب قد رحموا
إن كنت لا ترتضي يوماً بمعذرتي
ظلماً فلي في البرايا حاكم حكمُ
مبارك الجود أعلى النَّاس منزلةً
تسمو به الرتبتان: العِلم والعَلمُ
ما في ملوك الورى من جاء يشبهه
ماضِي العزائم فالدُّنيا به حرمُ
من جوده نظر الأعمى بلا نظرٍ
وأُنطق الأَخرسان: الطرس والقلمُ
أجل من عقدت بالمجد رايته
يعفو ويصفح إحساناً وينتقِمُ
وله من قصيدة يمدحه فيها:
الله أكبر جاء النصر والظفر
وأقبل السعد والإِقبال يبتدرُ
ونلت ما ترتجيه بابن فاطمة
من الإِله وزال الخوف والحذرُ
ومنها:
خضت الصعيد ومصراً والبلاد معاً
وما خشيت ولم يلوي بك الخبرُ
وصرت تقتهر العربان قاطبةً
وقد أطاعك حتى الجن والبشرُ
ما أنت إلا فريد العصر أَوحده
والشَّاهدان عليه الخُبْرُ والخَبَرُ
فما سواكن أرضٌ أو تقيم بها
وما مقامك إلا الركن والحجرُ([298])
فسر إلى مكة وانزل بساحتها
فأنت بالله رب العرش تنتصرُ
إياك تركن في الدنيا إلى أحد
من الملوك جميعاً ربما غدروا
ما كل وقت أتى يرجى الخلاص به
فأنت جربت والأحوالُ تختبرُ
لا تجعلن يداً تحت الرحى أبداً
فقول جدك فيه النصح يعتبرُ
فاهرب من الناس كن منهم على حذر
فرب سار بليل غره القمرُ
فالملك ليس له بين الأنام أب
ولا أخٌ إنهم إن صودقوا مكروا
ليس التواني به نال المنى أحدٌ
وليس يقطع إلا الصارم الذكر
لو لم يقم جدك المختار من مضر
بالسيف ما آمن القوم الذي كفروا
وانظر حميضة في عزم وفي همم
فإن أضداده في عصره كثروا
ما زال في طلب العلياء مجتهداً
حتى استقامت له الأحكام والنظرُ
ولم يطع لملوك الأرضِ أجمعهم
وكان في ملكه يرنو له البصرُ
وأنت عزمك أقوى من عزائمه
فما قثعادك أين العين والأثرُ
أمثل مكة تسلوها وتتركها
عجبت منك فعنها كيف تصطبرُ؟
فإن مصراً ومن فيها بأجمعهم
حتى الحجاز لعزم منك قد شكروا
لو وازنوك بمن في الأرض من ملك
لكنت أرجح منهم مثل ما ذكروا
ألست أكرم من تسعى الركاب له
أما لرمحك هامات العدا ثمرُ
فليس تركك ملكاً أنت وارثه
رأياً سديداً فماذا أنت تنتظرُ؟
ومنها:
أعلامك الخضر في الآفاق قد شرت
كأنما سار في الدنيا بها الخضر
أغنيت فقري فمن أجل الغنى أبداً
تهدى لمدحك مني هذه الدررُ
ومدحه الأديب عيسى بن محمد العُلَيف أيضاً بقوله([299]):
يا مالكي بخصال كلها غررُ
وبالعطايا التي من دونها المطرُم
ومن إذا ما سعى في نيل مرتبة
من العلا قاده التأييد والظفرُ
في كل أرض وقطر منك سابغة
تسر كل صديق نشرها عطرُ
مكارم يتمنى البحر أيسرها
وعزمة كَلَّ عنها الصارم الذكرُ
وهمة في المعالي لا يهيم بها
من الخلائق إلا الشمس والقمرُ
وليس ذا بعظيم منك إنك من
أُسْدٍ مرابضُهُنَْ الحِجْر والحَجَرُ
طابت فروعك إذ طابت منابتها
إن الأصول عليها ينبت الشجرُ
ألقى عليك أبو سعد فضائله([300])
من جانبيك فطاب الخُبْرُ والخَبَرُ
وفيك من حيدر([301]) سر عُرفت به
يوم الوغى حيث سُمر الخط تشتجرُ
ما قابلتك جيوش فانتصبت لها
إلا وساعد في تشتيتها القدرُ
قلدتني منك إحساناً ملكت به
رِقِّي فأنت لرق الحر مقتدرُ

 
وللأديب شهاب الدين أحمد بن غنائم([302]) المكي فيه من قصيدة يمدحه بها، أولها:
إن شطَّ من قُرْبِ الحبيبِ مزارُهُ
ونأت بغير رضا المتيم دارُهُ
ومخلصها:
وقف الهوى بي حيث أنت كما الثنا
وقف على من طاب منه فخارُهُ
ملك الملوك مبارك بن عطيفة
خير امرئٍ دلت عليه نارُهُ
المالك الملك الذي فخرت به
في العالمين معدُّه ونزارُهُ
وسعى فأدرك كل ساع قبله
وسمت به همَّاته ووقارُهُ
كلف بشيد المجد وهو مولع
ببناء ما درست بلَى آثارُهُ
هذا الذي خفَّت عليه مكارم الـ
أفعال فاشتهرت به أخبارُهُ
من ذا يقيس سماحة بسماحة([303])
في الخافقين ومن له إيثارُهُ

يا أيها الملك الذي لولاه ما
نفق المديح ولا سخا معطارُهُ
نفق المديح على عطائك فاستوى
بالمدح فيك كباره وصغارُهُ

قصيده ابن غنائم في مدح ثقبه بن ابي نمي الثاني :
ما خفقتْ فوق منكب عذبَهْ([312])
على فتىً كابن منجدٍ ثقبَة([313])
ولا اعتزى به، لفخار منتسب
إلا وفاقت علاه منتسبَهْ
منتخبٌ من سليل منتخبٍ
منتخبٌ من سليل منتجبَهُ
كم جبرت راحاتُه منكسراً
وفك من أسرِ غيرِه رقبَهْ

ولحمزة بن أبي بكر([316]) في الشريف سند ابن رميثة قصيدة يمدحه بها، أولها:
خليلي إما جئتما ربع ثهمد
فلا تسألاه عن غير أم معبدِ([317])
وإن أنتما أبصرتما بانة الحمى
ورسماً لذات المبسم المتبددِ
فأول ما يستنشدوا عن حلوله
وتستفهما أخبار رسم ومعهدِ
عسى تخبر الأطلال عمن سألتما
بما شئتما للمستهام المسهَّدِ
ومنها في المدح:
وفي سند أسندت مدحاً منضَّداً
غريب القوافي كالجمان المنضَّدِ
هو القِيل وابن القيل سلطان مكة
وحامي حماها بالحسام المهندِ
وصفوة آل المصطفى طود فخرهم
وباني علاهم فوق نسرٍ وفرقدِ
بنى ما بنى قدماً أبوه رميثة
وشاد الذي قد شاد من كل سؤددِ
وشن عتاق الخيل شعثاً ضوامراً
وأفنى عليها كل طاغ ومعتدِ
فروَّى صفاح البيض من مهج العدا
وسمر القنا مهما اعتلى ظهر أجردِ
وأبيض طلق الوجه يهتز للندى
ويجدي إذا شح الحيا كل مجتدِ
كريم حليم ماجدٌ وابن ماجدٍ
ظريفٌ شريفٌ سيدٌ وابن سيدِ
إمام الهدى بحر الندى مهلك العدى
وبدر بدا من آل البيت محمدِ
أشم طويل الباع ندب مهذب
أغر رحيب الصدر ضخم المقلَّدِ
فدوحته بين الورى خير دوحة
ومحتده بين الورى خير محتدِ
ومنها:
إليك جلبت المدح إذ أنت كفؤُهُ
وإن أنا أجلبه لغيرك يكسدِ
وما مدحكم إلا علينا فريضة
ومدح سواكم سنة لم تؤكدِ
ثناؤكم أثنى به الله جهرةً
وأنزله وحياً على الطهر أحمدِ


ولشيخنا -بالإجازة- الأديب يحيى بن يوسف المكي، المعروف بالنشو([320])، مدايح في ابن عطيفة هذا، منها ما أنشدناه -إجازة- من قصيدة له يمدحه بها سنة تسع وثلاثين وسبعمائة أولها:
تذيب فؤادي بالغرام وتجحدُ
وترضى بإتلافي وما لي منجدُ
أمالكَ نفسي وهي نفسٌ أبيَّة
وما عنده من رحمة لي توجدُ
أتنقض عهدي والعهود وفية
ألستَ على العهد الذي أنت تعهدُ
وتنكر ما بيني وبينك في الهوى
ولي فيك أشجان تقيم وتقعِدُ
وفحبك لي دِين ووجهك قِبلة
وحالك ركن للمُقَّبِّل أسودُ
ومنها في المدح:
إمام له فضل عظيم على الورى
كريم الأيادي بالسماحة أوحدُ
يجود بما تحوي يداه تكرماً
ويعلم أن المال ليس يخلدُ
فتىً لم ير الراؤون مثل صفاته
إذا قيل هذا حاتم فهو أجودُ
أجلُّ الورى قدراً وجاهاً ورفعةً
وأكرم من يُرجى عطاه ويقصدُ
وله فيه من أخرى، وأنشدناه إجازة:
أترضى بإتلاف المحب ظلامةً
فتأخذه بالعنف والرفق أليقُ
أعندك علم أنه بك هائم
وأكباده من لوعة الهجر تحرقُ
فأحواله تنبي بما في ضميره
إذا لم يكن للقول منه مصدِّقُ
ومنها في المدح:
بلوت بني الدنيا جميعاً بأسرهم
وجربتهم إن التجارب تصدقُ
فلم أر في ذا العصر مثل محمد
إمام به الدنيا تضيءُ وتشرِقُ
جواداً إذا جار الزمان على الورى
يجود بما تحوي يداه وينفِقُ
لقد جل عن قدر الملوك الذي مضوا
إلى الغاية القصوى من الفضل يسبِقُ
يجود على العافي ويبدي اعتذاره
فأوراقه بالجود والبذل تورقُ
لقد أعجز المداح في بعض وصفه
عليهم بأنواع المكارم يغدِقُ
ومنها:
على أنه والله واحد عصره
وهل مثله من بعد ذا العصر يخلَقُ
ومن لامني في مدحه فهو جاهل
فجيدي بالإحسان منه مطوقُ
وإن كان مدح الغير عندي سنة
فمدحي له فرض عليَّ محقِّقُ
 
ولشيخنا بالإجازة، يحيى بن يوسف المعروف بالنشو([343])، الشاعر المكي فيه مدائح كثيرة. منها للنشو فيما أنبأنا به من قصيدة أولها:
لولا الغرام ووجده ونحولُهُ
ما كنت ترحمه وأنت عذولُهُ
إن كنت تنكه فسل عن حاله
فالحب داء لا يفيق عليلُهُ
يا من يلوم على الهوى
دع لومهم فالصبر مات جميلُهُ
ومنها:
دع عنك من لا خير فيه من الورى
لا تمتدحه ففي الأنام بديلُهُ
وامدح مليك العصر وابن مليكه
من شاع ما بين الملا تفضيلُهُ
عجلان نجل رميثة بن محمد
أمِنَ الحوادث والخطوبَ نزيلُهُ
ملكٌ إذا قابلت غرة وجهه
فلك الغنى والفقر عنك يزلُهُ
ورث المكارم كابراً عن كابر
فنواله للعالمين ينيلُهُ
من آل أحمد واحد في عصره
فهو الشريف ابن الشريف سليلُهُ
ماذا يقول المدح فيه وما عسى
إذ كان يخدم جدَّه جبريلُهُ
أما الملوك فكلهم من دونه
كالبدر في أفق السماء حلولُهُ
سلطان مكة والمشاعر والصفا
من لا يخاف من الزمان نزيلُهُ
لو حاول النجم العظيم لناله
تنبيك عنه رماحه ونصولُهُ
سكنت محبته القلوب جميعها
لما تقارن سعده وقبولُهُ

قصيدة في مدح عليّ بن عجلان منها([373]):
إن بان وجه الصفا من راكد الكدرِ
وانشق فجر الضيا عن ظلمة الفكرِ
لأَنثرن على عَلْيَا أبي حسن
تالٍ من الحمد أو نظماً من الدّررِ
وأُوقف القصد في ساحات مشعره
كيما أفيض بنسك النجح والظفرِ
ما لي وللنأْي والترحال عن أفق
علا على كرَّة الإشراق بالقمرِ
نادى علي بن عجلان سماء سما
بني رميثة والسادات من مضرِ
ومنها:
كم طاف حولك من مولى ومن ملك
وحول بيتك من حاج ومعتمرِ
ومنها:
وأَمَّكَ المُلْكُ من مصر به أدبِ
إلى لقاك فلاقى الخبر كالخبرِ
إن تابعتك صفوف تلو أفئدة
فأنت قبلة أهل البدو والحضرِ
لِم لا يكون على الدنيا حُليٍّ بها
وأنت جوهرة الأخبار والسيرِ
أحييت آثار أسلاف وقد سلفوا
أحيت مكارم أموات مفتقرِ
ومنها:
فمذ هبطت إلى الأرضين أصعدني
أبو سريع سماء العز والكبرِ

فالله يُسْكِنُهُ جناتٍ مزخرفة
مع النبيين في صحب وفي زمرِ
أبقى لنا عدة الأُمرا خليفته
والبدر في الوهن مثل البدر في السحرِ
مُنْشي سحائب جود مزنها درر
تغني عن السحب والأنواء والمطرِ

(الدرة الثمينة) جاء فيها:
هاتا أحاديث العقيق وحاجر([454])
ما في الحديث عليكما من حاجزِ
واستسقيا دمعي إذا كف الحيا
عنها وَكَفَّ وَكُفَّ وَكْفُ محاجري
وسلا رُبا يبرين عن آرامه
والجهلتين عن الغزال النافرِ
إن تختبرني بالزمان وأهله
إني لعمر أبيك أخبر خابِرِ
جمدتْ أكفُّ أهيله فكأنما
يعطون سائلهم بكفَّيْ ماذرِ
حسبي مجاورة المشاعر والصفا
والمروتين وتلك خير شعائري
وجناب ملك الأَبطحين بمكةٍ
بدر الهدى القمر المنير الزَّاهر
ومنها:
محيي شجاعة حيدرٍ يوم الوغى
وسخاء سبطيه وعلم الباقرِ
والعادل الأحكام إلا أنه
في بذله للمال أجور جائرِ
حرم السؤالُ عليَّ غير سؤاله
في مكةٍ تحريمهما للكافرِ
عقم الزمان بمثله وبمثله
راحت به دنياه أعقر عاقر
سلطان مكة والمشاعر كلها
وإمامها الناهي المطاع الآمرِ
ومجدد الفتح المبين بها ومن
أحيا بها فتح النبيِّ الحاشرِ
لمَّا تقلل في الأَباطح سائراً
خِلْتَ الجبال من الخميس السَّائر
وغدت شعاب الأَبطحين كأَنَّما
سالت بسيل أسنَّةٍ وبواترِ
ومدحه الشاهر علي الُعليف، أخو من سبق([455])، فقال منها:
تُتَوَّجُ الشمسُ والبدرُ المنير به
وتستوي نعله تاجاً لكيوانِ
ابن النبيِّ وسبطيه وحيدرةٍ
وفاطمٍ ليس من لخمٍ وغسَّانِ
وسادة جاء في التَّوراة فضلهم
وفي زبورٍ وإنجيلٍ وفرقانِ
إن عُدَّ فخراً وفضلاً فهو أكرم من
مشى على الأرض من شيبٍ وشبَّانِ
تراه إذ يُسأل المعروف مبتسماً
مستبشراً بالعطايا غير غضبان
أندى وأكرم من أوس بن حارثةٍ
ومن يزيد العطايا في خراسانِ
ومن سموأل غسَّان ومن هَرَمٍ
وطلحة المتوفَّى في سجستانِ
إلى أن يقول:
أو قال أفصح من قسِّ وقيسٍ معاً
ومصعبٍ وأبي ذرٍّ وسحبانِ
مكارمٌ من عليٍّ أصل دوحته
وفرعها من أبي سعدٍ وعجلانِ
ومنها:
إنَّ الخلافة ما من رام يسلمها
من بعد داود جاءت في سليمانِ
إني مدحتك يابن الشُّمِّ من مضرٍ
وقد رضيتك عن قاضٍ وعن دانِ
أرجوك لي يابن خير العالمين كما
قد كان جدُّك في الدنيا لحسَّانِ
إني وإن عشت لا أُثنِي عليك كما
أثنى الوليد على الفتْح بن خاقانِ
إنْ نَعَّلَ المتنبي خيلَه ذهباً
إني لأرجوك تحبوها بتيجانِ
فاسلم ودمْ في نعيمٍ لا نفاد له
وكل حي وإن طال المدى فانِ
ومن هذه القصائد وغيرها في هذا الكتاب ترى مدى ثقافة شعراء ذلك العصر، على أنه ظاهر التكلف في تعمّقهم.
ومدحه الشاعر عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المكي([456])، فقال:
وافت بدولتك السعادة للملا
واليوم نال مؤمل ما املا
من كان منا مذ نأيت مُحسبِلا
فاليوم يتركه السرور مُحمدِلا
ومن اختفى متوارياً خوف الردى
نادى الأمان به هلمَّ مبسملا
ومن ابتغى وطناً بأقصى بلدة
فالعدل يسكنه بمكة منزلا
رَد الإله عليك ملكك بعدما
ظن الحسود بأنه لن يَفعلا
ما كان نقلك عن مكانك موجباً
نقص المكانة لا ولا كلا ولا
لكنك البدر المنير رقيت في
رتب الكمال فحزتها متنقلا
رُدَّتْ إلى أم القرى أيامها
فيها بعدلك يصحب الذئب الطّلا
ومنها:
لله درك من مبارك طلعة
نشأت بميمون السعادة معقلا
أَوَ لَمْ تكن فيها خليقاً بالعُلى
ومدافعاً عنها بها عظَمَ البلا
ومن قصيدة تزيد على مائة بيت للشاعر نفسه([457]):
ملكٌ ترى العافين محدقةً به
زمراً من الفقراء والأمراءِ
هذا يروم الأمن من سطواته
ولذاك في ناديه حُسْنُ عطاءِ
مسدي النفائس للمؤمل بره
مردي العنابس في وغى الهيجاءِ
ما جود معن أو سماحة جعفر
ما طلحة الطلحات أو ما الطائي
ما مالك في بأسه ما عنتر
ما حارث ما عمرو يوم لقاءِ
إبِهِ يُقاس الناس وهو إمامهم
في حالة النعماء والبأساءِ
تخشى ملوك الأرض سورة بأسه
وتهابه في الغاب أسدُ وغاءِ
ومنها:
ملكٌ تخر له الجبال مهابة
وتطول فيه ألسن الفصحاء
بدر المعالي وابن بجدتها الذي
يُدعى لدفع الخطب: يابن جلاءِ
مِنْ جَدِّهِ ورث الشجاعة والتقى
ما أشبه النجباء بالنجباءِ
 
قصيده في مدح الشريف علي بن حسن بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي الأول.. الخ يلقّب نور الدين.

وقال -في ولايته ودخوله مكة المشرفة محرماً- الأديب قطب الدين أبو الخير محمد ابن عبد القوي المكي([478])، في سنة ست وأربعين:
ثغور الهنا لما قدمت بواسِمُ
سروراً وكل الكائنات مباسمُ
ولما تراءتك المشاعر محرماً
أشارت بتسليم عليك المحارمُ
ولما رآك البيت أقبلت هزه
إليك اشتياق إنه بك عالمُ
كذاك المصلى والحطيم وزمزم
وقد سجعت من حولهن الحمائمُ
ورحبتْ الأركان لما أتيتها
كأن المثنى قد أتاها وكاظمُ
وسُرَّت جبال الأبطحين كأنها
عليها أبو النفس الزكية قادمُ
وكاد الصفا يختال لما صعدته
وماست سروراً مذ رأتك المعالمُ
مهابط وحي الله والحرم الذي
نماك ببطحاه الوصي وهاشمُ
كأنك زين العابدين وقد أتى
إلى الركن في برديه حين يسالمُ
وأذكرتنا الكرار حين قدومه
تسير به العضباء للشرك هادمُ
لئن كان في دست الخلافة أولاً
فأنت لها من أجل ذلك خاتمُ
ومنها:
أبا حسنٍ يابن النبي ومن غدت
مناقبه للمكرمات دعائمُ
إذا ما عليٌّ بين جنبيك في الوغى
فأهون ما يلقاك فيه الضراغمُ
ويطفو على الوطفاء وهي غمامةٌ
أيا ملك العشر الحبور الخضارمُ([479])
ولست مقيساً يابن طه بعنتر
ومن كان من خزانكم فهو حاتمُ
عزمك منصور وجدك رابح
وبابك مقصود وعزك دائمُ
وإنْ شام عدادٌ لبرق مخيلة
بجودٍ فإني جود كفيك شائمُ
وسُدْ وابْقَ ما سارت ركوب لمكةٍ
لهم في مباني أخشبيها مواسمُ
 
وأنشد قطب الدين أبو الخير بن عبد القوي المكي([485]).
فقال:
ما جاء قط ولم يأتنا
مثلك يا تمراز في الفتكِ
تسير بالأخشب من مكة
والأخشب الثاني على الفُلكِ
ومثل هذا لم يكن قط في
ملك بني العباس والتركِ
أن شريفَيْ مكة يُمْسكا
من غير ما طعن ولا سفكِ
هذا بتقدير الذي قهره
ينزع من شاء من المُلْكِ
وكان دخولهما القاهرة في خامش عشر ذي الحجة، وهما مقيدان، فسجنا ببرج القلعة، ثم نقلا منه في سنة تسع وأربعين إلى الإسكندرية، ثم نقلا إلى دمياط، واستمرا بها إلى أن ماتا. وتعلم هذا بدمياط النحو، وعمل هناك قصيدةً على وزن بانت سعاد ورويها وقافيتها، أجاد فيها. وكان حسن المحاضرة كريماً شجاعاً، ذا ذوق وفهم ونظم، حتى قيل إنه أحذق بني حسن وأفضلهم. ومن نظمه قصيدة طويلة جزلة الألفاظ، أنشدها لبعض العلماء، في القاهرة سنة سبع وأربعين، بتمامها، لكنها فاشية اللَّحن، ومنها:
وإن نال العلا قرم بقوم
رقيت علوها فرداً وحيدا
وقدجا في كتاب الله صدقاً
بقول عز قائله الحميدا
ترى الحسنات يجزيها بخيرٍ
وبالسيات سيات سنودا
وواعد أن بعد العسر يسراً
فلا عز يدوم ولا سعودا

قصيده في الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان ابن رميثة

ورثاه هو وأخاه السيد نور الدين علياً المذكور قبله الإمامُ الأديب القاضي شهابُ الدين أحمد بن محمد بن عبد الله المكي الشهير بابن خبطة([488]) بقصيدة ضمنها مدح السيد بركات ويعزيه فيهما. فقال:
لسان الهوى بالوجد عني يعبر
ويعرب عن ألحان دهر تُغَيِّرُ
وعين الصبا تبكي على معهد الصبا
وتندب ربعاً كان بالأمس يزهرُ
فأجريت سيلاً متن عقيق مدامع
لها في بحار الخدِّ نظم منثَّرُ
وصلت ونار الحزن منيِّ والأسى
مجمَّره في مهجةٍ تتفطَّرُ
لموت عليٍّ مع أبي القاسم الذي
به كل حي بالجوى يتحسرُ
لقد أسفرت شمس المنايا فغرَّبت
سنا كل وجهٍ منهما وهو مقمرُ
وغنى بموصول الفراق مشبب
ونايُ الهوى المقرون بالبين يزمرُ
نعم. وسعى جيش المنون إليهما
بسلطانه في عسكر ليس يكسرُ
فأمضاهما في الحال ماضي أمره
لوصلٍ بفضلٍ كنت أرجو أحذرُ
وقد أصبحا في جنَّة الخُلد والورى
لفقدهما في سوق نارٍ تَسَعَّرُ
لعمري ما جاري دموعي بواقفٍ
ولكنه وقفٌ عليهم مقرَّرُ
وكنت أظنُّ الصبر للصب نافع
وهيهات يجدي في قتيلٍ تصبُّرُ
بكيتها حتى وفى نيل أدمعي
ألم تره عند الزيادة أحمرُ
وفاضت عيون الأرض وجداً عليهما
وحزناً فنهرُ الدَّمع منهنَّ أبحُرُ
وأُم القرى لولا بقاء أبي القِرَى
لأَبنائها كادت لعمري تُثَبَّرُ
ومنها:
إن مات إخوانٌ كرامٌ ومعشرُ
فقد مات خير الخلق جدك أطهرُ
عزاءً وصبراً لا برحتَ مسدَّداً
شكوراً وفي كلِّ الملمَّات تصبرُ
بقاؤك للدنيا دفاع ورحمة
وللدين تأْييد ونصر مؤزَّرُ
كفى شاهداً أن لستُ أشعر في الورى
بقولٍ وإني بامتداحك أشعرُ
فدُم أبداً واطعنْ بسمركِ في العدى
فعزمك مبيضٌّ وعزك أخضرُ
مقامك مأْمونٌ أمينٌ مقامه
ومسعاك منصورٌ وأنت مظفَّرُ

 
وكان السيد بركات -رحمه الله- شهماً، عارفاً بالأمور، فيه خير كثير، واحتمال زائد، وحياء ومروءة طائلة، مع حسن الشكالة والسياسة، والشجاعة المفرطة، والسكينة والوقار، والثروة الزائدة. وله بمكة مآثر وقرب منها: أنه استأجر بمكة رباط بنت التاج بأجياد من مكة في سنة سبع وخمسين فعمره عمارة متقنة في سنة تسع وخمسين، وأوقف منافعه على الفقراء. واشترى المدرة المعروفة بالنعيرية خارج أسفل مكة وسبلها، وجد بئرين بوادي الآبار سنة اثنتين وأربعين، وعمر البئر التي بالأطوى، المعرفة قديماً بمياه مجنة. وزار المدينة الشريفة في سنة أربع وخمسين في قافلة عظيمة كما تقدم، وله نظم، فمنه من قصيدة طويلة، هذا مختارها، وعزاها له جماعة من المحدثين:
يا من بذكرهم قد زاد وسواسي([533])
وقد شغلت بهم عن سائر الناس
وقد تقرر في قلبي محبتهم
وجئتهم طائعاً أسعى على راسي
سألتكم رشفة لي من مشاربكم
تغني عن الراح إذ ما لاح في الكاسِ
لا يملك السور مني غير منخمل
يبدي الوداد لوسواس وخناسِ
ومنها:
إن لاح يوماً له عن صاحب طمعٌ
أضحى يبيع له بخساً بأوكاسِ
ولا تراني بغير الفضل منتجحاً
ولا أقثدم أذناباً على الراسِ
فتاق درياق ما يعني الكهام به
أرعى وأحفظ ما لا يحفظ الناسي
إن قل در البكار المرزمات ترى
سوحي كمشهد أعياد وأعراس
ومنها يعاتب أخاه أبا القاسم:
قد جئت ما جا كليباً في عشيرته
لو أن فينا غلاماً مثل جساسِ
ثم الصلاة على المختار من مضر
ما لاح في كل ليل ضوء مقباسِ
وله أيضاً:
من لصب يشتكي فرط الجوى
ذاك من أسباب لوعات الهوى
ليس لي منهم شفاء أو دوا
غير صبرٍ واستعانٍ بالله
يا مليح الوجه كم هذا الصدود
ما لهذا الهجر عندك من حدود
أشتهي يا مالكاً رِقي تجود
واغتنم أجري كرامة لله
زادت البلوى فهو منها سقيم
قد حرم في الدهر لذات النعيم

ليس يعلم ما به إلا العليم
عالم الأسرار خافيه الله
كاتم الوجه وكاره أن يبيح
حق لي من فقد خلي أن أبيح
يعطي الخلان من غير الصحيح
في هواه مرتقب أمر الله
إن مثلي إن تـجـنَّـنَ لا يُلامْ
من عوز يا سادتي حتى الكلام
كيف لا يصحون حتى بالسلام
يا لها من قتلة يالله
بالزمر أسألك ثم المرسلات
وبنونٍ والقلم والذاريات
ما ترى خيلك علينا غايرات
ناهيات القلب مع أمر الله
وقد مدحه الشعراء بمدائح كثيرة، فمن ذلك قول ابن خبطة([534]) يستغيث الشريف:
أدام الله عزك والمعالي
وبلغك المرام مدى الليالي
أيهضم جانبي يوماً وإني
بجانبك الكريم نظام حالي
فيا مَنْ قدرُهُ قدرٌ رفيعٌ
عظيم شامخ عال وغالي
أتح نظراً إليَّ وجُدْ بنصري
على الأعداء يا مولى الموالي
ودم واسلم بمكة في سرور
مدى الأزمان محمود الخصالِ
والشاعر محمد بن عبد القوي([535]) الذي قال:
ملك إذا قلنا: جواد باسل
فكأنما جئنا ببعض خصالِهِ
ومنها:
بركات يابن المصطفى ووصيه
هذي يميني بالنبي وآلِهِ
ما حُلْتُ عن حبي محياك الذي
أضحى الوجود مبرقعاً بجمالِهِ
ومنها:
لا ترع سمعك للمؤنب واطرح
ما عدَّ عنا في جميع مقالِهِ
لولا نهاك وفيض حلمك ما نجا
إلا قليل من وبيل وبالِهِ
يابن الذي نادى الأذان بفضله
في الخافقين بأوسه وبلالِهِ
في راحتيك من الغمام زمامها
يابا زهير فبُلَّنا ببلالِهِ
ملقاك عيد قبل عيد صيامنا
وجبين وجهك هلَّ قبل هلالِهِ
وعلى الهنا بالعيد يا عيد الورى
في نعمة تحيا إلى أمثالِهِ
واسلم وسد ما أشرقت بوح وما
وافى قمير في بروج كمالِهِ
وقال يمدحه أيضاً، وأنشد للوالد في شعبان سنة أربع وأربعين:
من بُكا المزن مرسلاً كالجمانِ
ضحك الزهر في رياض الجنانِ
ما ترى الروض باسماً عن إقاح
كلآلٍ زُيِّنَ في نيسانِ([536])
وبهارٍ حكى اصفرار نضار
مشقق يحمرُّ كالبرهانِ
وربيع وشَّى الثرى سندسياً
نسجته سحائب الهتانِ
وتغنت فواخت الدوح فيه
فسرت بالحياة في الأغصانِ
تُسْقِطُ الطير نغمة الصوت حساً
طرباً منه كيف بالإنسانِ
ومنها:
قال لي صاحبي وأعجب منه
ما درى أنني من العميانِ
لك عزم على التفرج معنا
في عِلي أو سمار من رهجان([537])
 
وقال القاضي أبو السعود يهنئ السيد الشريف محمداً بالنصر والسلامة في هذه الوقعة بقصيدة مطلعها:
في صادق الخُبْرِ ما يغني عن الخَبَرِ
وفي اقتناص الصياصي غايةُ الوطرِ
وفي امتلاكِ الصياصي أيُّ منقبةٍ
وفي بلوغ الأماني لذَّة العُمُرِ
ومنها:
ملك له في رحيبٍ الفضل بادرةٌ
وفي حروب الأعادي أيُّ مصطبرِ
قرمٌ هزبرٌ إذا ما شِمْتَ طلعتَهُ
رأيت عجاج بحرٍ غير محتكرِ

إن جال في صهرات الخيل يوم وغّى
تراهم يلصقون الأرض بالطُّرَرِ

قال ابن خبطة([576]):
صُبِّحْتَ بالخير والإقبال والظفرِ
على عداك ونيل القصد والوطَرِ
يا سيداً مذ وفى وافى الهناء إلى
جمع الخلائق من بدوٍ ومن حضرِ
ومن رقى في ذرى العلياء منزلةً
ما نالها أحدٌ من سائر البشرِ
قدمت كالغيث روَّى الأرض فابتهجت
وجئت كالليث في خُبْرٍ وفي خَبَرِ
وأصبح الكون مسروراً ومغتبطاً
يميس بالتيه في أثوابه الخُضَرِ
يا بن الكرام ويا ذخر الأنام ويا
معطي الأنام ومولي الجود بالبِدَرِ
يا من إذا أنشأتْ جوداً أناملُهُ
على البرية أزرت وابلً المطَرِ
لا غرو من بركات الله أن رُفعت
لك المراتب فوق الأنجم الزُّهُرُ
وهي طويلة، هناك.
وقال أبو الخير محمد بن أبي السعود بن هيرة القرشي يمدح مكان الشريف محمد المسمى بأم شُميلة في أرض حسان([577])، سنة (882هـ):
بأم شُمَيلة حَسُنَ المقيلُ
وطاب لنا بها الظل الظليلُ
وهبَّ نسيمها الأسنى صحيحاً
وعهدي بالنسيم هو العليلُ
لقد كملت محاسنها فأثنى
لسان الحال في المعنى يقولُ
أهل لرياقتي وصفاء مائي
ونضرة خضرتي يُبغى بديلُ
وهل لمعمِّري بين البرايا
شبيه أو بديل أو مثيلُ
مليك قد سما قنن المعالي
وذل لعزه الصعب المهولُ
هو البطل الهزبر أبو قناعٍ
محمد الأبي المستطيلُ
وقال جراح بن شاجر الحسني السليماني، من أشراف المخلاف، يمدحه:
قلب بسكان ذِرْوِدٍ([578]) عميدْ
ولوعة ما برحت في مزيدْ
ومدمع لولاه يجري دماً
لأنبت النخل وحب الحصيدْ
وحرُّ وجدٍ كامن في الحشا
يبرد عنه حر نار الوعيدْ
على لليلاتٍ تقضت لنا
كنا بها في خفض عيش رغيدْ
نسحب في النعمة أذيالنا
والدهر مطواع على ما نريدْ
وحولنا غيد كمثل الدمى
يبسمن عن دُرِّ وطلع نضيدْ
من كل خود غضة بضة
بهجتها تفضح حوراً وغيدْ
أعارت الشمس سناها كما
أعارت الظبية عيناً وجيدْ
كم من شقي في هواها سعيد
كما به كل قتيل شهيدْ
وقال الفيومي من قصيدة يمدح بها:
محمد أولى الناس بالحمد والثنا
وأشجع ليث في الوغى وهمامُ
ثناء جميل في البرية شائع
وفضل على مر الزمان مقامُ
له راحة فيها من الفقر راحةٌ
إذا مس جدب الفقر فهي غمامُ
ومهَّد أرضَ الله بالعدل والثنا
فصيره للمتقين إمامُ([579])
لئن طاب للعافي ثمار خصاله
فلا عجب إن الأصول كرامُ
لقد ختم الله الكرام بذاته
ولا عجب فالمسك خير ختامُ
وقال نور الدين الحجازي، يرثيه:
رزء أنال المسلمين خبالا
ووهى به الإسلام حتى مالا
ومصيبة رُميتْ بها أمُّ القرى
أهدت إلى أرض الحجاز نكالا
وعزاً تدكدكت القلوب لوقعه
والعقل زلزل بالجوى زلزالا
ومنها:
بوفاة سلطان الحجاز محمدٍ
نجل الأكارم عزة وجلالا
كانوا الأسود مهابةً وحميةً
والسحب جوداً والبدور كمالا
دهراً نودع كل وقت منهم
قمراً فأودع في الصعيد هلالا
ومنها:
لم تقنع الأيام لا عادت بأن
نسفت بحوراً منهم وجبالا
ورثاه أبو الغوائر صاحب جازان، الذي كان بالأمس محارباً، فقال:
ولما أن نعى الناعي إلينا
محمد ثم قال ثوى فلانُ
أصم مسامعاً منا وأبكى
عيوناً دمعهن الأرجوانُ
ولو لم تجر أدمعنا دماءً
نما من ريها أثل وبانُ
وزلزلت البلاد غداة وافى
وخرت من شواهقها الرعانُ([580])
وأما الأرض من جزع فكادت
تمور بنا ولم يثبت مكانُ
وتنفطر السما وتعود مما
ألم كأنها كمداً دخانُ
لفقد محمدٍ علم الهدى من
أصيب برزئه إنس وجانُ
ولما يخل من حزن عليه
أبي بركات نفس أو جنانُ
فتىً هدم الزمان به المعالي
ألايا بئس ما صنع الزمانُ
وهد دعامة الإسلام خطب
هبطن لعظم موقعه القنانُ
لقد أضحت قناة بني معد
بها أود وليس بها سنانُ
وأغمد سيفها الصمصام عنها
وأبدل خيفةً ذاك الأمانُ
فهل نلقى العدو بلا سلاحٍ
إذا حان الضِّراب أو الطعانُ
ومن كمحمدٍ قمر المعالي
إذا ما اشتدت الحرب العوانُ
وكم أخلت خزائنه العطايا
لآمله وأُترعت الجفانُ
ومنها:
لئن يتمت وفود أبي قناع
وعُطِّل بعد مصرعه الخوانُ
وفارق كرهاً ملكاً جسيماً
به ملكَ الأنامَ معاً فدانوا
فإن مصيره جنات عدن
تغازله بها الحور الحسانُ
ألا يا آل حيدرة وطه
وأنتم أيها السَّبْعُ البدانُ
تأسوا بالنبي محمد مَنْ
عليه كرامة نزل القرانُ
وشدوا أزركم بأبي زهير
فنعم المستغاثُ المستعانُ
فلا والله ما حملت شبيهاً
له أبداً ولا وضعت حَصَانُ
ولا وخدت على البيدا قلوصٌ
وجال بمن يحاكيه حِصَانُ
ويا مولى الملوك الشم طرّا
ومن إذا قام طاب به الزمانُ
تجلَّدْ واعتصمْ بالصبر واعلمْ
بأن مصير والدك الجنانُ
وقومك قمْ بهم واخفضْ جناحاً
لهم وأعِنْ جنودك ما استعانوا
فهم عينٌ وأنت لها سوادٌ
وهم كف وأنت لها بنان
فأنت رئيسهم عدلٌ وجارٌ
ومولاهم وإن خشنوا ولانوا


 
وأنشد الشعراء في مدح السيد بركات وتهنئته بالولاية، ولبس لخلعة عدة قصائد، ومما اطلعت عليه قصيدة الفقيه الفاضل الأوحد الأصيل عز لدين محمد ابن الشيخ شرف الدين أبي القاسم ابن مجد الدين أحمد ابن قاضي القضاة عز الدين العقَيلي النويري([37])، وهي:
السعد جاء إلى الأعيان ينتدبُ
يابن الكرام الذي تسمو به الرتبُ
يا ضيغماً قد حوى فخراً ومكرمة
يا سيداً قد غدا ينبو به الحسبُ
يا مالكاً قُلِّد التشريف في حرمٍ
خرت لهيبة ذاك العجم والعربُ
يا كافل الملك في مبدا شبيبته
فلا يهدانيه في العليا سواك أبُ
كفلت خير بلاد الله فاتضعت
لك الشوامخ والأفلاك والسحبُ
حميت جيرانه والزائرين له
براحةٍ منك يستشفى بها الوصبُ
فأضحى الحطيم ينادي في الملا علناً
هذا المليك الذي يدفع به النصبُ


وفي يوم الخميس ثامن شوال وصل قاصد من السيد بركات من حلي، وأخبره بنصره عليهم، وقتل بعضهم، ومسك بعضهم، ومنهم: قيس بن محمد بن دريب الذي ولوه عليهم، وأمر بنفي الجميع في الجلاب إلى اليمن، وأخذ الفرس والدرع والسيف؛ وذلك بدخالة المشايخ، ونودي بزينة مكة سبعة أيام. وقال في ذلك الأديب الجليل الشريف جراح بن شاجر بن حسن بن أحمد بن أبي القاسم الحسني الغساني الجازاني([41]) مهنئاً للشريف بركات بقصيدة مطلعها:
قلبي على جمر الغضى يُقَلَّبُ
مذ هجرتني وجفتني زينبُ
ومنها:
أبا زهير الندب من دانت له
وسودته مضر ويعربُ
مناهج الحق به واضحة
والعجم تحت أمره والعربُ
الواهب الخيل المذاكي شزباً
تنجب من عطائه وتركبُ
والناحر الكوم المتالي للقرى
كأنما فوق ذراها قتبُ
لا عيب فيه غير أن وفده
يسلو عن الأهل فللا يغتربُ
كل غداةٍ يحكمون في القرى
وفي العطا لو طلبوا ما طلبوا
مكنهم من مِلْكِهِ لا مُلْكِهِ
وقال مهما شئتم فاكتسبوا


ولما كان يوم السبت ثالث عشري الشهر وصل السيد بركات لمكة ومعه الأمير قانصوه الفاجر وغيره من الترك، ودقت النقارة وتتابع العسكر ومن كان عندهم من أهل مكة وغيرهم، وسر الناس بقدوم السيد بركات، وهرعوا للسلام عليه، وأنشد الشيخ العلامة المدرس نور الدين علي بن ناصر المكي الواعظ الشافعي([54]) قصيدةً في السيد بركات يهنئه بقدومه، مطلعها:
قد أقلعت -فاصفحوا عن ظلمها- الغِيَرُ
وقد أتتكم صروف الدهر تعتذرُ
من ماجريات جرى حكم القضاء بها
من ذا يدافع ما يأتي به القدرُ
كانت على الكره منه هفوة فهبوا
بفضل إحسانكم ما منه يُعتذرُ
واستعملوا عادة الصفح التي شهد الـ
ـبادون فيها لكم بالعفو والحضرُ
منها:
وكل ما سلبت كفاك من نشب
يا دهر في جنب ما أبقيتَ مغتفرُ
أبقيت رأس العلى يا دهر سالمة
تردي بها كل من للشر ينتظرُ
يا سادة تشرق الدنيا ببهجتهم
كأنهم في الدياجي أنجم زهرُ
قد جاءكم ظفر عمت مسرته
فاستقبلوه وعقبى الصابر الظفرُ
وجاء نصر بفتح الله مبتدراً
لأهل مكة لما ذلت الحمرُ
وأعلنت بالتهاني من مسرتها
واستبشر الحِجْر والأركان والحَرَجُ
ورد بكم كيد البغاة على
نحورهم وأتاهم كل ما حذورا
ولت سحائب ذاك الشر مقلعة
عنا وعاد رماداً ذلك الشررُ

وقال في هذه الواقعة صباحنبا الشيخ الإمام أوحد عصره، وأديب دهره، الشهاب أحمد بن العليف المكي([58]) قصيدة مهئناً بها السيد بركات لظفره بهم، وأنشدنا بمنزله بمنىً في يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة([59])، أولها:
ذي العز ما قامت عليه الممالكُ
وما شيدته المرهفات البواتكُ
وما اعتنقت فيه الفوارس بالوغى
وما صافحت فيه الصفاح النيازكُ
وقتل العدى صبراً كما شاءت الظبا
ونيل المنى والفائت المتداركُ
منها:
فدىً لأبي عجلان من رام سعيه
ومن دون ما رام الحتوف النواهكُ
وهان على الأيام ما هو فاعل
وعز على العلياء ما أنت تاركُ
إلى أن نضت عنه الحياة قناعها
فعاجله منه الحمام المواشكُ
فجرعته كأساًَ أعل بمثلها
أبوك أباه فارتدى وهو هالكُ
ولم ينجه منك الفرار لحَينه
فأصبح مملوكاً ومن قبل مالكُ
وختامها:
ولا زلت تحيا في نعيم وعبطة
وشانيك يحيا في المذلة رامكُ
 
وتوجه الشريف بركات بعد ذلك لينبع، وأقام بها مدة نحو الشهرين، وهنأه الشعراء بظفره في هذه الواقعة بعدة قصائد، منها ما قاله صاحبنا الشيخ الإمام، أوحد الأدباء، الإمام شهاب الدين أبو الطيب أحمد الحسين بن العليف المكي، نزيل المدينة الشريفة -أبقاه الله تعالى- ومطلعها:
السيف يعرب عما أعتجم القلمُ
فجوِّد الكَلْمَ([64]) إن لم ينفع الكَلِمُ
ومنها:
بالسعد تدرك ما ترجوه من أمل
فالحظ يفعل ما لا يفعل الخدمُ
والمرء ما دامت الأقدار تخدمه
يطيعه المرهفان السيف والقلمُ

قال الشيخ نور الدين، الشهير باجم: دخلت على مولانا الشريف أبي نمي معزياً له في ولده السيد بركات فانهملت دموعه فأخذها بمنديل، فأنشدته ارتجالاً:
يا أيها الملك العزيز ومن رقى
هام العلى رفع المهيمن شانه
لا تبك مرحوماً أتى تاريخه
بركات أنزله اللطيف جنانه
وكان مولانا الشريف أحمد جميل الصورة معتدل القامة، حسن اللحية والدليقين([88])، عليه ناموس الشرف المحمدي وأبهة الملك النبوي. فلما دخل على السلطان قام له ألفاً، ولم يقع هذا لأحد سواه. ثم أقبل عليه بالبشر التام وخلع عليه خلعاً متعددة تعظيماً لشأنه وإظهاراً لرفعته وعناية بجنابه، وأظهر أن وصوله إليه من النعم المعدودة التي تفرد بها عن غيره، وبذلك زوجة مولانا السلطان والدة السلاطين وواصلة المساكين قدمت له هدايا عظيمة، وعرَّفت أركان الدولة أنه في مقام أولادها محبة وحنواً. ثم برزت الأوامر السلطانية له بجميع المرام، ووصل إلى مكة المشرفة على ذلك النظام. وامتدحه القاضي عبد الرحمن باكثير بالقصيدة الرائية:
وفت صبها بعد الجفا غادة عذرا
ومذ لامها قالت لعل هذا عذرا
المتقدم ذكرها.
ودام سلطانه إلى أن مات في حياة والده الشريف أبي نمي في شهر رجب عام ستة وستين وتسعمائة.
ومما قيل فيه مدحاً قول الوجيه عبد الرحمن الكثيري المذكور:
العز ثاوٍ بين مشتبك القنا
من رامه قالت له السمر القنا
والنصر من مخضر أوراق الظبا
غصناً به ثمر الوقائع يجتنى
والمجد في صهوات دهم إن عدت
عقدت سنابكهن نقعاً أدكنا

وفي سنة خمس وخمسين وتسعمائة -لما كان عيد يوم النحر منها -وقعت فتنة بمنى، وتعرف عند أهل مكة بالهبة، بين مولانا الشريف أبي نمي وبين أمير الحاج المصري المسمى محمود، وكان الشريف أحمد إذ ذاك قائماً بأمر المملكة عن والده بتفويض من السلطان سليمان، كما تقدم ذكر ذلك. سبب هذه الفتنة أن السيد قايتباي كان بمصر فأقبل إلى مكة من طريق البحر وكانت بنيه وبين أمير الحاج المذكور مواطأة على أن يوليه مكة([89])، فلما كان يوم النحر علم الأمير أن جماعة الشريف أبي نمي تفرقوا عنه بالنزول إلى مكة للطواف والسعي، فاغتنم الفرصة -وكان السيد قايتباي المذكور أرسى بجدة ولم ينزل إليها- فركب الأمير ليقصد الشريف في داره، فعلم الشريف بذلك فركب وركبت الأشراف والقواد والجند، فثارت الفتنة، ونزل الشريف إلى مكة ثم أرسل إلى جدة تجريدة من الخيل لحرب السيد قايتباي، فلم تصل إلى جدة إلا وقد توجه منها بحراً عائداً إلى مصر. وبموجب هذه الفتنة نفر الأمير وجميع الحاج من منى يوم النفر الأول قبل الزوال، فأراد بعض الحجاج العود إلى منى للرمي قبل فواته والمبيت مع جند صاحب مكة فتعذر عليه ذلك لانتشار الأعراب في الطرق، فقال العلامة الخطيب عبد الباسط بن أيوب يذكر الواقعة، ويرفع فيها الشكوى من محمود الأمير إلى الخنكار الأعظم مولانا السلطان سليمان خان في قصيدة هي:
يا إماماً بالعدل في الناس سارا
وهماماً قد دمر الكفارا
ومليكاً إحسانُه ملأ الأر
ض وأضحى له الصلاح شعارا
هذه قصة لبابك جاءت
من أناس مما دهاهم حيارى
فاتلها يا خليفة الله في الأر
ض جميعاً عساك تأخذ ثقارا
نظمتها قريحة شاهدت في
عترة المصطفى أموراًً كبارا
هجمت دورهم بخيل ورجل
واستباحوا عرضاً ومالاً ودارا
ورموا بالنبال في حرم الله
فضحوا صغارهم والكبارا
أذكرتنا أحوالهم بحسين
ويزيد وأورثتنا اعتبارا
آل البيت الرسول حل حماهم
واستنتحت لهم دماء جهارا
ما استمعنا ولا رأينا كهذا
لا رعى الله من بهذا أشارا
قد أتان محمود في إمرة الحـ
ـج وقد صار بالأذى أمَّارا
فرأينا شخصاً يحاكي يزيداً
في سجاياه فاجراً جبارا
أذهب الشرع مذ أتانا وأحيى
ليزيد بين الورى آثارا
حكَّم السيف في أعز نفوس
وسقاها كاس الردا وأدارا
قتل الناس أظهر السفك ظلماً
جال بالسيف يمنة ويسارا
ترك الهَدي والضحايا وضحى
بدماء الأشراف فيها وسارا
حرم أمن ويقتل فيه
عترة المصطفى جهاراً نهارا
إن هذا أمر فظيع شنيع
منكر الشان يدهش الأبصارا
قد تركنا لأجله واجبات
ورفضنا المبيت والاعتمارا([90])
وكان الأشراف أبو نمي جمَّ الفضائل، حسن الشمائل، محمود السيرة، طاهر السريرة، قطب زمانه بلا خلاف، عادل وقته فلا سبيل في زمنه إلى الاعتساف. له النثر له الفائق، والنظم البديع الرائق، وصفاته جامعة شتات كل فضيلة، وخصاله محمودة جميلة. ومن صفاته الحميدة املتوارثة له عن آبائه الكرام، رعاية ذوي البيوت القديمة وإعراضه عن الأفاقيين، فإن ذوي البيوت كانوا عنده في أوج الإعزاز وافكرام، يظهر مناقبهم، ويستر مثالبهم، وكان يخصهم من بين الأنام بالتحية والقيام، ولا يفرح غيرهم بقيامه لو أنه شيخ الإسلام. فلهذا كانت الأمور مضبوطة، والأحوال بوجوه الصواب منوطة. فطالما التمس منه أعيان دولته القيام لجماعة لا يكونون من ذوي البيوت بعد أن صاروا من أهل الإفتاء، فلم يجب التماسهم ولم يضبط عليه ذلك لئلا يكون الناس على حد سواء. فما أجدره بقول القائل:
لله در أنو شروان من ملك
ما كان أعرفه بالعال والسفل
 
وفي سنة خمس وثمانين وتسعمائة كانت وفاة السيد الأكرم السيد بركات بن أبي نمي، جد ذوي بركات الأقرب. قال العلامة الفهامة الشيخ علي، الشهير بالحجم: دخلت على والده مولانا الأشراف أبي نمي معزياً له فيه، فانهلت عبرته، فأخذها بمنديل كان في يده، فأنشدته ارتجالاً بيتين يتضمنان تاريخ وفاته فقلت:
يا أيها الملك العزيز ومن رقا
هام العلا رفع المهيمن شانه
لا تبك مرحوماً أتى تاريخه
بركات أنزله اللطيف جنانه([92])

في الشريف أبي نمي أحببت ذكرها في:
يا فارس الخيل قهرت العدا
الترك والعربان والتركمان
مولاك أعطاك خصالاً بها
أصبحت في الناس فريد الزمان
فأنت في حلم بعيد المدى
قريب إحسان وحلو اللسان
فلا تخف من بعد ذا كربة
فما قضاه الله بالأمر كان
فالله يبقيك لنا آمناً
كما أذقت الناس طعم الأمان
ولمولانا الشريف أبي نمي نفسه معارضاً قصيدة التلعفري التي مطلعها:
سمحت بإرسال الدموع محاجري
فقال طاب ثراه:
نام الخليُّ فمن لجفني الساهرِ
إذ بات سلطان الغرام مسامري
جفت المضاجع جانبيّ كأنما
شوك القتاد على الفراش مباشري
وتأججت نار الغرام وأضرمت
بين الجوانح في مكنِّ سرائري
وشجيت من ألم الفراق وخانني
صبري الوفي على الخطوب وناصري
أف على الدنيا فما من معشر
إلا وأوتهم بخطب قاهرٍ
في كل يوم للنوائب غارة
أيدي النوائب هن أغدر غادرِ
خَلت المنازل من أُهيل مودتي
وهم هم في الحي قرة ناظري
أهل الصفا بين الصفا وطويلعٍ
ملقى جياد وفَيْض أشعب عامرِ
يا أهل ودي لو تروني بعدكم
كغريب قوم بين أهلي حائرِ
كانوا فبانوا ثم بان تجلدي
ومصيرهم لا بد منه لصائرِ
من بعد جيران الصفا أهل الوفا
سمحت بإرسال الدموع محاجري
وقال العلامة باكثير أيضاً يمدحه ويمدح أولاده الشريف حسن والسيد ثقبة والسيد بركات والسيد راجح والسيد بشير رحمهم الله أجمعين:
أعيون رنوا بها أم صفاح
وقدود ماسوا بها أم رماح
وثغور تلألأت أم بروق
وثنايا تبسمت أم أقاح
وبدور تضيء في جنح ليل
أم شعور فيها وجوه صباح
وعيون جفونهن سيوف
أم لحاظ أحداقها أقداح

قال المحبي([103]): الشريف مسعود بن الحسن بن أبي نمي السيد الشريف الأجل المحترم، ناب عن أبيه بعد أخيه السيد الشريف حسين في القيام بالأحكام والتصرف في إقامة ولاة دولته من المقدمين والحكام، وكان له البشر والخلق الرضي، وامتدح بالقصائد المهذبة وقصد بالتآليف المستعذبة لميله إلى أهل الفضل وشغفه بمذاكرة الأدب. وكان بنيه وبين الإمام عبد القادر الطبري ألفة شديدة ومحبة أكيدة حتى إنه ألف شرح الكافي في عِلْمَي العروض والقوافي خدمة له، وما زال في ملازمته مدة مديدة. ومما اتفق من نوادر الوقائع أنه تواعد مع بعض محظياته ليلاً فأتاه غيرها فظن أنها هي فواقعها حالاً فحضرت المطلوبة وبيدها شمعة موقدة فندم على مواقعته الأولى، وكان عنده معين الدين بن البكا تلك الليلة فخرج إليه في الصباح وقال له: أجزْ قول الشاعر:
ندمت ندامة الكسعي لما([104])
رأت عيناه ما فعلت يداه
فأجابه:
وعدت معذبي ليلاً فلما
تبين أنه شخص سواه
ندمت الخ. وكانت وفاته في سنة ثلاث بعد الألف بمكة ودفن باملعلاة، وأرَّخ وفاته معين الدين المذكور بقوله:
يا عين مات المفدى
مسعود والقلب قد ذاب([105])
وكوكب مذ تبدى
حاولت تاريخه غاب([106])

وقد أفرد ذكره بباب مستقل السيد الإمام العلامة عبد القادر الطبري من أرجوزته المسماة بحسن السيرة وشرحها المسمى بحسن السريرة فقال:
الحسن الملك الشريف بن أبي
نمي بن بركات من حبي
بنـسـبة إلى النبـي العـربـي
والشرح يعطيك تمام النسب
وسرد نسبه في الشرح على طبق ما قدمناه في ترجمة أبي طالب.
هو الشريف من كلا جدَّته
من صفوة الملك انتهت إليه
وأمه بنت سباط فاطمه
أدنى الإله نحوها مراحمه
وكان عام حمله في ظلا
على حساب أبجد قد حلا
أظهره الرحمن في ربيع
بظل سوح الحرم المنيع
أشار إلى أنه شريف من أمه أيضاً كما قدمناه، وأنها حملت به في عام إحدى وثلاثين وتسعمائة وهو حساب ظلا الذي ذكره:
فلم يزل يصعد في المعالي
ويرتقي بصعدة العوالي
حتى أتته صفوة الخلافه
منقادة طوعاً بلا خافه
في عام إحدى بعد ستين مضت
من قبلها تسع مئين حفظت
فشارك الوالد في الملك إلى
أن أم بدء عام حتف نزلا


ما أحد يقصد في أرض الحجاز
حقيقة سواه من غير مجاز
له الكرامات التي لا تحصر
والكرم الذي دهوراً يذكر
وما غزا إلا وفاز بالظفر
وافتتح البلدان فتحاً استمر
له مغاز في الأنام عده
حكى بها فيها أبه وجده([112])
أما سراياه فزادت كثره
وكلها مقرونة بالنصره
ولم يكن مؤمراً فيها سوى
أولاده الكرام أرباب اللوى
وقلَّ ما أمَّر غيرهم على
بعوثه والكل منهم ذو علا
وحاصل الأمر بأن النصرا
خادمه دهراً طويلاً عمرا
لم يتفق وربنا المشكور
له انكسار بل هو المنصور
كأنما ملائك الرحمن
جنوده في سائر الأزمان
وليس بدعاً فهم في بدر
كانوا جنود جده الأغر
سراياه كثيرة شهيرة لم يؤمر فيها إلا أولاده النجباء، وممن بعثه منهم ولده الحسين، ومنهم أبو طالب، فقد أرسله غير مرة، ومنهم مسعود ومنهم عقيل ومنهم عبد المطلب ومنهم عبد الله فكان بعزمه إصلاح جهات اليمن:
فاق الملوك بالنهي والحدس
كمــا بـه يشهد عدل الحس
وكـــم له قضية شـــهيرة
بين الورى كالشمس في الظهيرة
هذا ومولانا رفيع العلم
ممن حظى بسيفه والقلم
فإنه إن بالمداد رقما
فكل ما أبداه كان حكما
له الكلام الجامع المهذب
في فهمه لكل شخص مذهب
وكم له من حسن المحاضرة
ما فات العرب به والحاضرة


 
ومما مدح به مولانا الشريف حسن ما قاله العلامة الفاضل الشيخ نور الدين علي الشهير بالجم، معارضاً لزائية الطيبي وعبد الرحمن الكثيري، فقال، منها:
حسن من رقى سمو المعالي
فهو للفضل والثنا كالمجيزِ
ملك لو توعد الدهر يوماً
أصبح الدهر منه في تفريزٍ
كفه إن تجافت السحب غيث
ودقه باللجين والإبريزِ
زاده الله في البسيطة بسطاً
وحماه بحفظه المحروزِ
ووقاه من حادث الدهر طراً
ما تلي الذكر في الكتاب العزيزِ
وقال الشيخ علي المذكور أيضاً يهنيه بالظفر في غزوه جبل شمر، وإيقاعه ببني لام([144]) ذلك سنة أربع وستين وتسعمائة،
مطلعها:
كيف يكفيك من دم الأبطال
ما أسالت لك الظبا والعوالي
وقال أيضاً يمدحه، ويهنيه بالفتح، ويعزيه بعمه السيد حازم رحمه الله تعالى، منها:
حسن الذات والصفات بدا في
أفق المجد بدر هذا الوجودِ
قمر أشرق الحجاز ووجه الكـ
ـون من نوره وهو في المهودِ
فظننا عيسى بن مريم قد جا
ء لإصلاح دهرنا المفسودِ

قصيده في الشريف ابو طالب بن حسن :

ولأهل عصره فيه مدائح كثيرة، فمنها قول الإمام عبد القادر الطبري مهنئاً له في بعض غزواته:
بسمر القنا وبيض الصوارمْ
تنال العلى وتنال المكارمْ
وبالمرسلات بلوغ المنى
وبالعاديات نوال الغنائمْ
ولو لم يحل ليل ذا([152]) العجاج
لما أشرقت شمس تلك المعالم
ولي سيد ما له في الوغى
شبيه سوى جده ذي العزائم
بحيل الحروب ويجلو الكروب
وينفي اللغوب ويزري بحاتم
لقد أذكرتنا فتوحاته
مغازي الأئمة من آل هاشم
له النصر بالرعب من أشهر
ومن شأنه قسم مال الغنائم
إذا ما بدا للعدا جحفل
ولم يك فيه فكل مقاوم
وإن قثيل أبو طالب
فمن ذا يلاقيه إلا مسالم

ومما قيل في مدحه قول العلامة المفيد، البارع المجيد، مولانا وجيه الدين عبد الرحمن بن عيسى بن مرشد الحنفي([156]) مادحه وشاحاً غزواته المقرونة بالنصر والظفر ومتخلصاً إلى مدح والده الشريف الحسن بن أبي نمي فقال:
نقع العجاج لدى هياج العَثْيِر
أذكى لدينا من دخان العنبرِ
وصليل تجريد الحسام ووقعه
في الهام أشدى نغمة من جؤذرِ
وسنا الأسنة لامعاً في قسطل
أسنى وأسمى من محيا مسفرِ
وتسربل في سابغات مسرد
أزهى علينا من سدوس أخضرِ
وكذاك صهوة سابح ومطهم
أشهى إلينا من أريكة أحورِ
ولقا الكمي مدرعاً في مغفر
كلقا الغرير بمنقع وبمخمرِ
ألفت أسنتنا الورود بمنهل
علقت به علق النجيع الأحمرِ
وسيوفنا هجرت جوار غمودها
شوقاً لهامة كل أصيد أصعرِ
فتخالها لما تجرد عند ما
هاج القتام بوارقاً بكنهورِ
وصهيل جرد الخيل خيل كأنه
رعد يزمجر في الجدا المثعنجرِ
ودم العدى متقاطراً متدفقاً
كالوبل كالسيل الجراف الحورِ
ورؤوسهم تجري به كجنادل
قذفت بها موج السيوف المقمرِ

الشريف إدريس بن الحسن بن أبي نمي، وتمام النسب تقدم في ترجمة أخيه الشريف أبي طالب صاحب مكة، وكان من أجل الناس من سراة الأشراف، شهماً تهابه الملوك والأشراف، شجاعاً حسن الأخلاق ذا تودد وسكينة، وكان يكنى أبا عون. ولد في سنة أربع وسبعين وتسعمائة، وأمه هنا بنت أحمد بن حميصة بن محمد بن بركات بن أبي نمي، وكان له من العبيد المولدين والرقيق الجلب ما يزيد على أربعمائة ومن المقاديم من العرب جماعة. ولي مكة بعد أخيه أبي طالب في سنة إحدى عشرة وألف، وأشرك معه أخاه السيد فهيد ثم خلعه في واقعة ذكرتها في ترجمته، ثم أشرك معه ابن أخيه الشريف محسن بن الحسين بن الحسن باتفاق من أكابر الأشراف، وتمكن من السطوة والعزة، ووفد إليه ومدح كثيراً، ومن أجود ما مدح به قصيدة حسين بن أحمد الجزري الحلبي وهي من أرق الشعر وأسوغه([160])، ومطلعها قوله:
أألزم قلبي فيك حبك والصبرا
سألت مجيباً لو ملكت له أمرا
ومنها:
أكلف مهري فيه كل تنوفة
كما كلف المضطر في حاجة عمرا
ليلحق أبي الفتوح السلطان إدريس هاشم
ويركب هول البحر من طلب الدرا
فتى يهب العافين ما دون مجده
ولو كان يعطي سره بذل السرا
إذا ما سألت القطر ثم سألته
توهمت أن القطر يسألك القطرا
ولا عيب فيه غير أن نواله
على سعة الآفاق يستعبد الحرا
ومنها:
من القوم أثنى الله في الذكر عنهم
وطهرهم من رجس دنياهم طهرا

ولما كان غرة رجب من السنة المذكورة، ورد خبر وفاة إدريس إلى مكة في نواحي جبل شمر، ودفن بمحل يسمى ياطب منها، ومن الاتفاق أن حساب ياطب بالجمل اثنان وعشرون سنة عدد مدة ولايته مجبورة، وكان يكنى أبا عون.
وولد في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وتسعمائة، وأمه هيا بنت أحمد بن حُميضة بن محمد بن بركات، وكانت وفاته رابع عشري جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وكانت مدة ولايته إحدى وعشرين وسنة ونصفاً رحمة الله تعالى رحمة واسعة.
ومما قيل فيه قول مولانا القاضي تاج الدين المالكي وهو:
زها بك دست الملك والتاج والعقد
غداة إليك الحل أصبح والعقد
مطاعاً بعطف الله بعد رسوله
أولي الأمر فالعاصي لأمرك مرتد
أبا شرف إدريس منتخب العلا
أبي الشرف الوضاح غيرك والمجد
لقد طلبت شمس الخلافة بدرها
فقارنها في الأوج والطالع السعد
قنصت العلى بالزاعبية والنهى
هما شركاها لا الأماني والوعد
وقمت بعبء آد غيرك حمله
منال المهاري ليس تدركه الربد
وشرفت دست الملك حين حللته
ومرقاتك المرقال والفرس النهد
فكنت به إدريس إدريس إذ رقا
مكاناً علياّ خصه الصمد الفرد
وكنت ولم تفتن سليمان إذ دعا
فأوتيت ما لا ينبغي لفتى بعد
وما لم ينله غير آبائك الأُلى
ربوع الندا شادوا وزند العلا شدوا

ومدح الشريف أحمد بقصائده كثيرة، منها: قول المهتار([182]):
قضى ولم يقض الذي منه يجب
صب إذا ما يدعه الشوق يجب([183])
اشجاه تغريـد حمامات اللوى
وهناَ على البــان فغنى فطرب
ذكرته ليالياً مواضياً
بالشعب من قبل الخليط ينشعب
إذ عامر بسـاكنيه عامـر
ظبـاؤه ترعى بمرعاه الخصب
وإذا به الغيد بدت سوانحاً
تجر من ذيل الصبا برداً قشب
من كل هيفاء القوام إذا أنثنت
تكاد من لين بـه أن تنقضب
تبدو بوجه مسفر من غيهب
من شعرها إلى بني بدر انتسب
من الرعابيب اللواتي خلفت
ربع اصطباري مثل مغناه الخرب
قما وقوفي بالطلول بعدهم
أبكى بها والحي عنها مغترب
سقياً سقى الله العهاد معهداً
بعامر إن ضن دمعي المنسكب
ذاك الذي به الظُبا تحمي الظبا
فكم به مثلي أسير مكتثب
لله أيام به تصرمت
وكأس صفو في لياليها شرب
ولها بقية:

وله من أخرى:
سل عنهما بيض الصفاح ولهذم السمـ
ـر الرماح وجحفل الجيش اللجب
هل شاهـدوا إلا هما وهما هما
دع عنتر الكرار أو معدي كرب
سدتم ملوك الخافقين أما ترى
من كان يبغي شأو غايتكم غلب
إن كان من يرجو الشفا بدمائهم
فدماء أعبدكم شفاء للكلب


يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان من سنة تسع وثلاثين وألف، نشأت على مكة وأقطارها سحابة غربية مدلهمة الإهاب، حالكة الجلباب، فلم تزل تجتمع إلى وقت الزوال، فأبرقت وأرعدت وأرخت عزاليها و أغدقت، واستمرت تهطل ساعتين ودرجتين، فأقبل السيل من سائر النواحين، وثلم السد الذي يلي جبل حراء المسمى جبل النور ثلمة كبيرة وعلا عليه، فدخل المسجد وساق ما وجد على طريقه من جمال ورجال ومال وأحمال وغير ذلك، وأخرب الدور، واستخرج ما فيها من الأثاث وغيره وأهدم([189]) عليها، فامتلأ المسجد الحرام ماء، حتى أنه دخل الماء إليه من جهة باب الزيادة وزاد حتى اعتلى على باب الكعبة ذراعين، عمل وأهلك الرجال والأطفال وكل من وجد في المسجد، وكان أكثر الهالكين الأطفال الذين يقرؤون القرآن مع فقهائهم، فتعلق بعضهم بالأماكن المرتفعة وارتفع على بعض السلاسل الحرمية فوصل الماء إليهم وأهلك الجميع. وكان من هلك به من بني آدم خمسمائة ومن الحيوان كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحمل جميع ما في المسجد من خزائن ومصاحف وقناديل وبسط وغير ذلك، ثم بات المطر يهطل إلى نصف الليل، فلما كان آخر ساعة قبيل الغروب من يوم الخميس العشرين من الشهر المذكور سقط جانب الحِجْر-بكسر الحاء- من البيت الشريف فسقط جميع ما بناه الحجاج منها، فكان بقاء البيت نحو ألف سنة من الآيات الجلية، فإن البناء المربع الذي تمر به ارياح لا يبقى عادة نحو ثمانين سنة، ومن الجانب الشرقي إلى حد الباب ومن الجدار الغربي نحو النصف أيضاً، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فقال في ذلك المهتار هذه القصيدة:
ماجت قواعد بيت الله واضطربت
واعتزت الأرض من أقطارها وربت
وأمست الكعبة الغراء ساقطة
فما أشك بأن الساعة اقتربت
فأي خطب به أحشاؤنا انصدعت
وأي هول به ألبابنا انسلبت
وجميعها على هذه الركة تركتها استحساناً، وأنفت من ذكرها استهجاناً([190]).
ثم قال: عن عبد القادر الطبري: وقد نظم بعض المتطفلين على الأدب قصة السيل المذكور مع قصة ما وقع بعده في أبيات تنفر عنها المسامع لركاكتها وقبحها واستهجان الطباع السليمة لها. يشير بذلك إلى هذه القصيدة التي مطلعها «ماجت»، ولقد صدق فيما قال رحمه الله. قوله في تاريخ هدم البيت بالسيل المذكور:
هدم البيت أمر رب تغشاه
بسيل لم يحو غرقاه بط
في نهار الخميس عشرين شعبان
قبيل الغروب من عام (لغط) ([191])
لا بأس به([192]). وقال الإمام فضل بن عبد الله الطيري مؤرخاً لذلك:
سئلت عن سيل أتى
والبيت عنه قد سقط
متى أتى؟ قلت لهم
مجيئه كان (غلط)(1)
 
ومما قيل في الشريف مسود من الشعر، قول القاضي أحمد بن عيسى المرشدي([193]):
عوجاً قليلاُ كذا عن أيمن الوادي
واستوقفا العيس لا يحدو بها الحادي
وعرجا بي على ربع صحبت به
شرخ الشبيبة في أكناف أجياد
واستعطفا جيرة بالشعب قد نزلوا
أعلى الكثيب فهم عيي وإرشادي
وسائلا عن فؤادي تبلغا أملي
إن التعلل يشفي علة الصادي
واستشفعا تشفاً نسألكم فعسى
يقدر الله إسعافي وإسعادي
وأجملا بي وحطا عن قلوصكما
في سوح مردي الأعادي الضيغم العادي
مسعود عين العلا المسعود طالعه
قلب الكتيبة صدر الجحفل البادي
رأس الملوك وعين الملك ساعده
زند المعالي جبين([194])
شهم السراه الألى سارت عوارفهم
شرقاً وغرباً بأغوار وأنجاد
ترد غمار العلى في سوحه وترح
أيدي الركائب من وخد وإسادِ
فلا مناخ لنا في غي ساحته
وجود كفيه فيها رائح غادي
يعشوشب العشب في أكناف عقوته
يا حبذا العشب في الدنيا لمرتاد
ونجتني ثمر الآمال يانعة
من روض معروفه من قبل ميعاد
وهي طويلة
ومدحه القاضي تاج الدين([195])، بقصيدة منها:
ذو الجود مسعودُ طالعه
لا زال في برج إقبال وإسعادِ
عادت بدولته الأيام مشرقة
تهز مختالة أعطاف ميادِ
وقلد الملك لما أن تقلده
فخراً على مر أزمان وآبادِ
وقام بالله في تدبيره فغدا
موفقاً حال إصدار وإيرادِ
ومنها:
عادت نجون بني الزهراء لا ألفت
بعودة الدولة الزهرا لمعتاد
واخضلَّ روض الأماني حين أصبحت
الأدواد عقداً على جياد جياد
وأصبح الدين والدنيا وأهلهما
في حفظ ملك لظل العدل مداد


الشريف أحمد بن مسعود بن محسن بن أبي نمي الشريف الحسني. أحد أشراف مكة، صاحب الأدب البارع والأشعار السائرة المرغوبة. ذكره ابن معصوم في السلافة فقال في ترجمته: نابغة بني حسن وباقعة الفصاحة واللسان، الساحب ذيل البلاغة على سبحان والسائر بأفعاله وقواله الركبان، احد السادة الذين رووا الحديث برآ عن بر والساسة الذين فتقت لهم ريح الجلاد بعنبر، فاقتطوا نور الشريف من روض الحسب الأنضر، وجنوا ثمر الوقائع يانعاً بالعز من ورق الحديد الأخضر، كانت له همة تزاحم الأفلاك وتراغم بعلو قدرها الأملاك، لم يزل يطلب من نيل الملك ما لم يف به عدده وعدده ولم يمده من القضاء مدده ومدده، فاقتحم لطلبه براً وبحراً وقلد الملوك بمدحه جيداً ونحراً فلم يسعفه احد ولم يساعد «إذا عظم المطلوب قل المساعد» ([219])، وكان قد دخل شهارة من بلاد اليمن في احدى الجماديين من سنة ثمان وثلاثين وألف، وامتدح بها إمامها محمد بن القاسم بقصيدة راح بها ثغر مديحه ضاحكآ باسم([220])، وطلب مساعدته على تخليص مكة المشرفة له وإبلاغه من تحليته بولايتها أمله، وكان ملكها اذا ذاك الشريف أحمد بن عبد المطلب، فأشار في بعض أبياتها اليه وطعن فيها بسنان بيانه ومطلعها:
سلا من دمي ذات الخلاخل والعقد
بماذا استحلت أخذ روحي على عمد
فإن أمنت أن لا تقاد بما جنت
فقد قيل أن لا يقتل الحر بالعيد
ومنها وهو محل الغرض:
أغث مكة وأنهض فأنت مؤيد
من الله بالفتح المقوض والجد
وقدم أخا ود وأخر مباغضاً
يساور طعناً في المؤيد والمهدي
ويطعن في كل الأئمة معلناً
ويرضى عن ابن العاص والنحل من هند

الشريف الرضي من وجه مذهبه في البلاغة وضي، وطريقه وهو أخو المرتضى مرضي، ويهلج كثيراً بأخباره ويحفظ أغلب أشعاره، فمدحته بقصيدة مطلعها:
لله أكـتـاف بـخـيـف
طابت وطاب بها وقوفي
إلى أن اقلت في التخليص إلى المديح:
وإذا طلبت عريفهم
ولأنت بالفطنالعريف
فهو الشريف ابن الشريف
ابن الشريف ابن الشريف
فتمايل لدى إنشادها طربآ وأظهر إعجاباً بها وعجباً قائلاً: لا فض الله فاك.
ثم قصد الشريف المزبور دار السلطنة فلقي سلطان الوقت إذ ذاك مراد الغازي، ومدحه بقصيدته التي مطلعها قوله:
ألا هبي فقد بكر النداما
ومج المرج من ظلم الندى ما
منها([223]):
فيا ملك الملوك ولا أحاشي
ولا عذراً أسوق ولا احتشاماً
أنفت بأنني ألقاك منهم
بمنزلة الرجال من الأيامى
إلى جدواك كلفنا المطايا
دواماً لا نفارقها دواما
صلينا من سموم القيظ ناراً
تكون ببردك الناشي سلاماً
وخضنا البحر من ثلج إلى أن
حسبناه على البيد الكماما
نؤم رحابك الفيح اشتياقا
ونأمل منك آمالاً جساما
ومن قصد الكريم غدا أميراً
على ما في يديه ولن يضاما
وحاشا بحرك الفياض إنا
نرد بغلّة عنه هياما
وقد وافاك عبد مستهيج
ندى كفيك والشيم الضخاما
وحسن الظن يقطع لي بأني
أنال وإن سما منك المراما
ولا بدع إذا وافاك عاف
فعاد يقود ذا لجب لهاما
فقد نزل ابن ذي يزن طريداً
على كسرى فأنزله شماما
أتى فرداً فآب يجر جيشاً
كسا الآكام خيلاً والرغاما
به استبقى جميل الذكر دهراً
وأنت أجل من كسرى مقاماً
وسيف لو سما دوني فإني
عصامي وأسموه عظاما
بفاطمة وابنيها وطه
وحيدرة الذي أشفى السقاما
عليهم رحمة تهدي سلاماً
يكون لنشرها مسكاً ختاما

كان ملكها إذ ذاك الشريف أحمد بن عبد المطلب وأشار في بعض أبياته إليه، وطعن فيها بسنان بيانه عليه، وهي:
سلوا عن دمي([228]) ذات الخلاخل والعقد
بماذا استحلت أخذ روحي على عمد
فإن أمنت أن لا تقاد بما جنت
فقد قيل إن الحر يقتل بالعبد
وإن أخذتها دون كلى فإنني
جليد ومضعوف العزائم بالصد
خذا قبلة منها تديه فإنه
قتيل ولكن ليس يلحد في لحد
صريع بسهم اللحظ والبين لم تزل
مقسمة أجزاه في القرب والبعد
أخو لوعة لو أن أيسر بعضها
بصلد لكان العهن أقوى من الصلد
ومرا على الوادي الذي قد تفاوحت
جوانبه عرفاً بما ضاع عن هند
وعوجا رقاب العيس فيها عشية
لنبكي بها عصراً تولى على نجد
ونقضي لبانات الصبا بمحلة
بوجنة وجه الدهر كالخال في الخد
زمان ووجه الدهر طلق وقدّه
نضير وثغر الوصل يفتر عن عقد
أجر به ذيل الخلاعة رافلاً
وأركض خيل الغي في حلبة الرشد
وأمرح في شرخ الشباب وحاسدي
يدعدع([229]) لي أن أكب يوماً على وعد
فلله أيام وربع تصرمت
لياليهما عني وعوضني وخدي

قصيده مدح في الشريف زيد بن محسن بن حسين بن حسين بن أبي نمي:

وفي تاريخه يقول القاضي تاج الدين المالكي.
لله تأسيس نما خيره
وفاز بالتطهير من أم له
به سبيل وحنفية
وسلسبيل فارتشف سلسله
له نبا في الفيض مهما روى
حديثه أروى بما سلسله
سالت عطاياه لجيناً فمن
رام نداه نال ما أمله
وحيث لم يكتف سؤاله
فلا يكف البذل إن أرسله
لأن من أسس بنيانه
غيث الورى في السنّة الممحله
من نفسه يوم عطاه ترى
إن وهب الدنيا فقد قلله
توّجه الله بتاج زها
بجوهر المجد الذي كلّله
والله من وافر إحسانه
أجرى له الأجر الذي أجزله
فإن تسل عن ضبط تاريخه
فخذ جواباً يوضح المسألة
أسسه سلطان أم القرى
زيد يدوم العز والسعد له

وقد مدح بالقصائد الطنانة النفيسة وقصدته الشعراء من البلاد البعيدة، فممن وفد إليه منهم ومدحه بالقصيدة الفائقةفي بابها السيد أحمد الآنسي اليمني ومستهل قصيدته.
سلوا آل نعم بعدنا أيها السفر
أعندهم علم بما صنع الدهر
تصدّى لشت الشمل بيني وبينها
فمنزلها البطحا ومنزلي القصر
رآني ونعما لاهيين فغالنا
فشلت يد الدهر الخؤن ولا عذر
إلى أن يقول:
أبو حسن زيد المعالي والتقى
له دون أملاك الورى المجد والفخر
إذا ما مشى بين الصفوف تزلزلت
لهيبته الأملاك والعسكر المجر
وترجف ذات الصدع خوفاً لبأسه
فتندك أطواد الممالك والقفر
فلو قال للبحر المحيط ائت طائعاً
أتاه بإذن الله في الساعة البحر([237])
كريم متى تنزل بأعتاب داره
تجد ملكاً يزهو به النهي والأمر
تجد ملكاً يغني الوفود وينجز
الوعود وأدنى بذله الدهم والشقر
على جوده من وجهه ولسانه
دليلان للوفد البشاشة والبشر
فما أحنف حلماً وما حاتم ندى
وما عنتر يوم الحقيقة ما عمرو
هو الملك الضحاك يوم نزاله
إذا ما الجبان الوجه قطبه الكر
لقد قر طرف الدهر منه لأنه
لديه النوال الحلو والقضب المرجع:
حياة وموت للموالي وللعدا
لقد جمعا في كفه الجبر والكسر
 
وتولى الشريف سعد بعد ذلك معرة النعمان وتوجه إليها ثم عزل عنها، وعرضت على المترجم طرسوس فلم يقبل وأقام بقسطنطينية مدة مديدة، واتحدت بخدمته اتحاداً تاماً، وتقربت إليه كثيراً وكان كثيراً ما يدنيني إليه ويقبل عليّ بكليته، ومدحته بقصائد منها هذه القصيدة، كتبتها إليها في سنة تسع وثمانين وألف، وهي قولي:
يجوب الأرض من طلب الكمالا
ومن صحب القنا بلغ السؤالا
وكم في الألاض من سكن ودار
وإن كان النوى يضني الجبالا
وما هجري الدمى ذلاً ولكن
رأيت الذل أن أهوى الجمالا
وإن الحتف في حب الغواني
جزين الصب هدراً أو وصالا
إلى قوله:
وليس يبين فضل المرء
حتى يبين ويشبه الشهب انتقالا
ومن لم يشكر النعماء يوماً
وأنكرها فقد رضي الزوالا
جفوا فحلمت فازدادوا جفاء
وظنوا الحلم عجزاً واحتمالا
وبعض الجهل في الأحيان خير
وبعض الحلم يستدعي النكالا
فخلفت الديار ومن عليها
وفارقت الأحبة العيالا
وسرت ولي من الذكرى سمير
يؤرّقني وصحبي والجمالا
فلا زالت لأحمد مكرمات
تقابلني نزولاً وارتحالا
هو المولى الشريف ومن تسامى
إلى العيوق أقضالاً وطالا
مليك مستفاد من مليك
كعرف الروض أكسبه شمالا
وآخرها:
لمدك تنتمي زهر الدراري
ومجدك يُنطق الكون ارتجالا
ودخلت عليه([263]) يوماً فرأيته يقرأ قصيدة قافية لابن هاني الأندلسي ومطلعها قوله:
فمن في مأتم على العشاق
جعلنَ الحداد في الأحداق
فلما أتم قراءتها اقترح عليّ نظم قصيدة على وزنها ورويها فنظمت هذه القصيدة ومطلعها قولي أمتدحه بها وهي:
إنما الدمع آية العشاق
واحمرار الدموع حلى المآفي
لا عدمت الهوى وإن كان بقضي
بتلاف المتيم المشتاق


ثم يقول المحبي: ولم يزل مقيماً بالروم والأحوال تتنقل به إلى حصل لمكة ما حصل من الاختلاف بين الأشراف، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إلى الشريف أحمد يطلبه، فلما أتاه ودخل قام إليه وقابله في غاية الإجلال ووضع كفه بكفه وصافحه من قيام قائلاً: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وأول خطاب من السلطان قال له: يايا شريف أحمد الحاز خراب، أريدك تصلحه فامتثل ذلك، فعند ذلك ألبسه ما كان عليه ثم جلس السلطان وأمره بالجلوس، فجلس وأعاد عليه ما قاله أوّلاً مرتين وهو يجيبه بالامتثال القبول، فحينئذ قال السلطان: إذا آن أوان الشيء أبرزه الله تعالى، وأمر الوزير والكتاب أن يكتبوا له ملتمسه، فخرج الشريف وقدم له مركوب من خيل السلطان ورحل على خيل البريد إلى دمشق وقد خرج الحاج منها، فدخلت عليه مهنئاً له بالشرافة وأنشدته هذه الأبيات:
الحق عاد إلى محله
والشيء مرجعه لأصـله
يا طالما وعد الزمان
بـــــه وأعيـــانا بـمطله
حتى تحقق أنه
في النــاس مفتقر لـمـثله
والسيف عند الاحتياج
إليه يعرف فضل نصــله

والـدهــر يـنـفـر تـارة
ويــعود مـعتذراُ لأهله
لا ريب قد ســرّ الورى
بفــعاله الحسنى وعدله
فالكل شــاكر صنـعـه
ولسانهم وصاف فضله

وفي حاشية منائح الكرم للسنجاري([264]):
الشريف أحمد بن زيد بن محسن. ولد سنة(1052هـ)، وأمتاز بفضله وأدبه. شارك أخاه الشريف سعد في إدارة شؤون مكة أثناء شرافته سنة( 1077-1083هـ) إلى حين خرجهما من مكة سنة(1095هـ) إلى حين وفاته سنة (1099هـ).
وقال السنجاري يذكر ولاية أحمد هذا([265]):
وطلع إلى دار السعادة، وجلس للتهنئة، ومدحه الشعراء. وممن مدحه في هذا اليوم، الفقير مسود هذه الأحرف بقصيدة راثية وأنشدته إياها في مجلس الخاص، وهي هذه:
مرحباً مرحباً بشمسي وبدري
حيث زارت من بعد ما عيل صبري
ربة الحسن لا يليق في التشبيب
بعد المشيب فاصغي لشكري
للمليك الذي له خدم الدهر
وناهيك من مليك ودهر
نجل زيد بن حسنٍ بن حسين
أحمد المرتجي لكشف المضرّ
سر طه وابن البتول وحامي
بلد الله بالسيوف البتر
والذي أذعنت له اشم من هاشم
بعد الإباء لا من ذعر
فهو ايوم واسطة العقد في
صدر الملوك عقد الصدر
ملك عالم ومن جمع العلم
إلى الملك فهو رب الفخر
رفع الظلم عندما نصب العدل
وجر القلوب نحو اسبر
فأتته جوازم الفعل فاعجب
لإمام عادل العوالم المستقر
حرك العزم للبراري
لما سكن المصر فهو كالغيث يسري

وفي سلك الدرر([294]): وقال -يعني- السيد علي الكيلاني- ممتدحاً الشريف سعد بن زيد شريف مكة ويهنيه برمضان والعيد حين كان حاكماً بحماة بقصيدة معارضاً بها فتح الله النحاس الحلبي التي أولها:
عطف الغصــن الرطـيب
وتـــلافــانــا الـحـبـيـب
ومطلع قصيدته:
أنـجـز الوعـد الـحبـيــب
وانـجلت عـنا الكروب
وتلافانا بوصل
نقطة الهجر يديب
وتلقانا بوجه
فيه ماء ولهيب
حمد الضدين فيه
إن هذا لعجيب
إن بدا تشرق منه
الشمس أو ند تغيب
ورد خديه نصيبـي
هل لنا منه نصيب
ومنها، وآخرها:
بل عفاف وبمدحي
سعد تنجاب الخطوب
الشريف الهاشمي ال
حسني الندب الأريب
سيد تمدحه اللسان
وتهواه القلوب
شمس أفضال وفضل
ما لها قط غروب
غوث من نادى وغيث
منه نادينا خصيب
طبعه للمال بذال
وللأعدا عطوب
كفه فاض عن اقطر
وعن بحر ينوب
ولقد نال عطاياه
بعيد وقريب
ملك تزهو به الدنيا
شمال وجنوب


قصيده في الشريف محسن بن حسين بن زيد :

يا عين هذا الملك المحسن
وهذه مكة والموطن
قد رجع الملك إلى أهله
وليس في ذا القول من يطعن
فشاهدي من فيه لي شاهد
بأنه الأكمل والأمكن
والتفتي هل تبصري حوله
غير بني عمه له أذعنوا
من كل من لو عاند الدهر ما
دارت به الأفلاك أو يأذن
ذرية بعضها من بعضها
حتى يوافي الحسن الأحسن
إلى قوله:
وأينما كنتم تكون المنى
وأينما الظعن لكم يظعن
فهذه مكة ألقت لكم
أفلاذها واجتمع الأذهن
وفارقت أوطانها سادة
في حبكم لولا أن اخشوشنوا
فالشام أضحى مثل أم القرى
أمناً بكم والحل لا يؤمن
 
وممن مدحه أيضاً صاحبنا الشيخ أحمد بن علان الصديقي([322])، وهناه بقصيدة منها:
أبا شاكر دم قبلة للمحامد
موقّى على رغم العدا والحواسد
فمولاك قد أولاك ما أنت أهله
وما أنت راج من جميل العوائد
أغاث بك الله البلاد وأهلها
فخيرهم فيك كل يوم لزائد
أغر عليه للسياد رونق
لديه لها ألا دليل وشاهد
ومنها:
يباشر تدبير الحروب بذاته
بإقدام ذي رأي صحيح المقاصد
فأقصاهم من مترس بعد مترس
وأدنى نياهم واحداً بعد واحد
يحفّ به من آل هاشم عصبة
طوال الردينيات([323]) زرق الحدائد

قصيدة للفاضل الأديب الشيخ زين العابدين ابن الشيخ محمد سعيد المنوفي، يقول في مطلعها مخاطباً للسيد محسن([357]).
صبـراً أبـا عـون تـفـز بـثـوابـه
من فقد من نزل النعيم ثوى به
صبراً على فقد الكريم أخي الكريـ
ــم ابن الكريم إلى علي أنسابه

ذكر نزول الشريف عبد الله بن سعيد عن شرافة مكة لأخيه الشريف أحمد بن سعيد سنة (1184هـ)
فولي شرافة مكة الشريف أحمد بن سعيد بعد نزول أخيه له عنها، وظهر عقب ولايته في شهر صفر نجم في السماء ذو شعاع وله ذنب ما رأته العرب قبل ذلك، وطوله يزيد على رمح، يطلع بعد المغرب ولا يغرب إلا عند الصبح، فتشاءم الناس من طلوع ذلك النجم وكثرت فيه الأقاويل والقيل والقال، ثم اطلع كثير من الناس على قصيدة للعلامة الفاسي([386]) تؤذن أن بعد ظهوره تبدو أمور غير حميدة، والقصيدة بائية، وهي تدل على ظهور طائفة الوهابية، ولنذكرها تتميماً للفائدة، ثم نتمم الكلام على الجردة التي جاءت مع الشريف عبد الله بن حسين. قال:
إذ لاح نجم من المشرقين
كثير الشعاع طويل الذنب
إذا ما بدا فاحسبوا بعده
ثلاثين عاماً ترون العجب
خوارج تخرج من مشرق
تدوس البلاد بكثر العطب
يكون لقوم حروب كثير
وتلقى العشائر أقصى التعب
وتبدو شرور تعم البلاد
إلى أن تولي الثلاث الحقب
ويقمع صنعا وأربابها
ومن حل في حولها واقترب
رابعة بعد تلك الثلاث
بأكل زبيب وتمر وحب
وفي الخمس ينبعث المشرقي
يبيد البلاد بكثر العطب


وعندما عصى العسيريون سنة (1281هـ) ([61]) أرسل المؤيدون للدولة رسالة إلى الشريف عبد الله يستحثونه على القدوم لنصرتهم، فلما أبطأ عليهم، كتبوا إليه([62]).
إذا كان يمنعك حر المصيف
وكرب الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن نبات الربيع
فأخذك للعلم قل لي متى
فأرسل إليهم بنظم شاعره زين العابدين:

أيا من تباطئ وصولي إليه
أتيتك فاقرأ في هل أتى
فإن الجواب تراه عياناً
وليس بما تسمعن يا فتى
فكتبي الكتائب تعمي العدا
ورسلي الرماح لمن قد عتا
وأفتك بالسيف فيمن عصى
بذا الصيف قبل حلول الشتا
وأوفى الشريف بالوعد فغزا عسير، وضمها إلى أملاك الدولة، في موعده الذي وعد.
وقد مدحه الشيخ زين العابدين بن عبد الشكور، بقصيدة، هي([63]):
طلبت الوصل، شحت بالوصال
وقالت قد نهيت عن الوصال
وأضحت ترسل التبريح جوراً
إلى دنف ضعيف الاحتمال
براه الحب والهجران حتى
حكى بنحوله رق الخلال
يبيت بليله يرعى الثريا
ولم يهجد إلى وقت الزوال
له في الناس حساد كثير
ولوَّام على غير اتصال
وقلب لا يفيق من التصابي
وليس عن الهوى أبداً بسال
وطرف لا يرونُ إلى نفيس
سوى حدق وأهداب وخال
وقدٌّ مِثل غصن البان ليناً
يزين حلاه حسن الاعتدال
وثغر كالأقاح به عقيق
نبتن على جوانبه اللآلي
يضل به قوماً ويهدي
بغرة وجهه أهل الضلال
بروحي من بدا كالبدر حسناً
وفي عين وجيد كالغزال
ومحبوب يسامح بالخطايا
على كثر التجني والمطال
وليس لما أساء به شفيع
يقوم بعذره غير الجمال
عذيري من حبيب ليس يدري
ومعشوق ولا يرثي لحالي
فمختار الهوى لم يدر جهلاً
يقود زمامه لطف الدلال
ويرضى بالهوان وكل حكم
يجوز عليه من قيل وقال
فهل متحمل للحب عني
فقد أدى إلى الداء العضال
ولا أرجو لدائي من طبيب
سوى المقدام ممدوح الخصال
جليل القدر عبد الله ذخري
بعيد الذكر ممتنع المنال
سليل محمد نجل ابن عون
بعدلٍ سار في خفضٍ وعال
شريف ماجد وحسام نصر
وخير الناس من عم وخال
صبيح الوجه منصور السرايا
تلوح عليه أُبهةُ الجلال
فريد العصر زينة كل حي
من الأشراف طراً والموالي
همام أرعب الأعداء حتى
خشيت سطواته شم الجبال
وأفنى كل جبار عنيد
ولم يترك لباغ من مجال
وبث الأمن في الأمصار حتى
ركاب العيس تحدا في الرمال
وأومأ للعلا فسعت إليه
وقالت حبذا كفؤاً حلالي

وحاز المجد وهو صغير سن
فلم ينهض لسوءٍ واغتيال
وغل يد الحوادث في وفاق
كما غلت شياطين السعال
فعبد الله سيدنا ملاذ
إلى نصر الشريعة والمعالي
سليل محمد وفتى علي
وأفضل منتم لأجل آل
عزيز الجار ولو يأتي حماه
ذليل لارتقى أوج الكمال
لــــــــه يـــــــوم. . .
يشيب له الصغير من العيال
فأثخنهم جراحا وقتلى
... والهزيـمــة في الـمآل
وكم من غزوة أفنى وأردى
بها العربان في جنح الليالي
فيا لله من شهم شجاع
يهش إلى الندى وإلى القتال
بعيد الصيت مقصود كريم
جرت بصفاته ريح الشمال

أن الشريف عون هدم قباب بعض الصحابة والأولياء، وحظر إلباس لأولاد الحجب والتمائم، وأن الخزناوية اتخذوا هذا الحظر وسيلة للارتشاء، واختل الأمن في الطرقات خصوصاً في طريق المدينة وجدة، وأخذ البدو والعيار يعترضون الحاج بالنهب والقتل في الطريق إلى عرفة ومن بين أشجار السلم التي كانت بتكاثر هناك، بل وحتى في أطراف البلدة عندما تبرز القوافل للسفر، مما ضج معه العالم الإسلامي بالشكوى. ويذكر قصيدة([98]) شوقي المتقدم ذكره، ومنها:
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
واستصرخت ربها في مكة الأمم
قد مسها في حماك الضر فأقضى لها
خليفة الله أنت السيد الحكم
تلك الربوع التي ربع الحجيج بها
أللشريف عليها أم لك العلم؟
أهين فيها ضيوف الله واضطهدوا
إن أنت لم تنتقم فالله منتقم
ومنها:
يد الشريف على يد الولاة علت
ونعله دون ركن البيت تستلم

وممن مدحه الشاعر حسن وفا، فقال([110]):
روض السرور بطيب الأنس قد نفحا
وصادح اليمن في حي الصفا صدحا
وافتر ثغر التهاني من ترنمنا
وطاب صدر كرام الحي وانشرحا
فكل شهم بحانات السرور غدا
بالصفو مغتبقاً منه ومصطبحا
سر القلوب بما أبداه من فرح
بمدح أعظم من في الكون قد مُدحا
سلطاننا الآمر الناهي الجليل ومن
في ملكه بملوك الأرض قد رجحا
برٌّ رؤوف تقي عادل ورع
من آل بيت جليل فضله وضحا
من آل بيت تسامى في العلا شرفاً
به الزمان لإصلاح الورى سمحا
عبد الحميد الذي من حسن سيرته
تبسم الملك من أوصافه فرحا
أفعاله غرر تزهو بدولته
وجوده درر في جيد من نصحا
عمت مكارمه أهل الصلاح ومن
ساس الأمور وفي أجزائها نجحا
والسيد الشهم عثمان المشير بدا
به الصلاح ببيت الله واتضحا
شهم مع الحزم أبدى في سياسته
حكماً أزال به الأضرار واطرحا
قرت به عين جيران الإله ومن
دنا من السادة الأمجاد أو نزحا

أن السيد أحمد ابن السيد عبد الله ابن السيد أحمد حميد المكي الحنفي، قد مدح الشريف علي، فقال:
فمن نظمه البديع قصيدته الشهيرة الغراء التي امتدح بها حضرة سعادة سيدنا الشريف علي([118]) باشا، ابن المرحوم أمير مكة سيدنا الشريف محمد بن عبد المعين بن عون... حضرته حين قدم من الآساتانة العلية سنة ست وثمانين ومئتين وألف يقول في أولها:
فدى بشير الهنا بالروح أوفق لي
فكف عذلك لي يا صاح أو فقل
قلبي رهين غزال حل في شرف
منازلاً بدرها بالسعد لم يفل
أغراك عذلك أن أسلو مودة من
في العذل للسمع ذكراه يصاغ حلي
فتنت في حسنه من لي بزورته
ومن يقول له مضناك في شغل
إلى أن يقول:
حتى رأيت جميع الحسن مطلعه
من شمس حسن وفت باليمن من قبلي
زفت تبشر أن البدر آب إلى
أحياء مكة مولاي الشريف علي
نجل الهمام بن عون من سما عظماً
محمداً وبنى العلياء بالأسَلِ
عليُّ مجدٍ مسمَّاه وهمته
تساويا شرفاً والسيف سيف علي([119])
قرن عزائمه لو قارنت جبلاً
يدك طوعاً ويفني الجيش من وجل
شهم شمائله للمكرمات حوت
وحلية المجد أخلته عن الزلل
كهف المفاخر في أنبائه ظهرت
آياته كظهور الشمس في الحمل
وافت لسيدنا العلياء عن سلف
سادوا الورى وبعون الله لم تحل
عبد الإله الذي حاكى مهنده
لراية في جيوش الخطب والخطل

ملك تجمع فيه المجد وابتهجت
له الممالك عن آبائه الأول
بدر يحف بإخوان نجوم هدى
وشهبهم في العدى كالطعن بالنصل
إذا استغيثوا أغاثوا من يؤم بهم
بالغيث والسيف من فقر وذي جدل
يليه في رتب العليا سمير على
صدر المجالس كهف الرأي والعمل

جاء في أحداث آخر أيام عبد المطلب([123]):
في ليلة الثامن والعشرين من شوال سنة (1298هـ) جهز الوالي على المثناة صناديد الرجال بحملة من العسكر الشاهانية مع المدافع وبعض الضباط يقدمهم -يتقدمهم- عمر باشا فاحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم، وقبضوا على الأمير ليلاً على تلك الحالة، واعتقل بقلعته بالطائف، وولي في محله الشريف عبد الله باشا([124])، نجل المرحوم أمير مكة سيدنا الشريف محمد بن عون، فنودي باسمه في الطائف ومكة، وعزل الأمير الأول سيدنا الشريف عبد المطلب, فسكنت البلاد وقرَّت الناس.
فأنشأ أحمد بن حمدي، قصيدة([125])، منها تهنئة عون الرفيق الذي كان بالآساتانة، وأقيم عبد الإله نائباً عنه، قال ابن حمدي:
بشراك عون الرفيق بشرى
بالفخر قيدت لك الأمور
فدم مليكاً أخا نوالٍ
برغم ضد به غرور


 
تجهز الحسين بأعداد من الأشـراف، وقبـائـل حـرب وعـتيـبة، وغيرهما من قبائل الـحجاز، كـهذيـل وثقيف، وأعداد شتى، وزودته الدولة بفرقة من الـجيش النظامي، فقام من مكة في (16/4/1329هـ/15/4/1911م)، فهاجم أبها، وفك الحصار عنها، وعين عليها أميراً محمداً بن عائض المُغَيدي -بالغين المعجمة- وهو من أسرة لها حكم في إقليم عسير.
النصر: وعد ذلك نصراً للدولة ونصراً للشريف، فاستقبل استقبال الفاتحين، ومدحه الشعراء، وارتفعت سمعته، وزما نفوذه إلى ما لم يصل إليه أحد من أسلافه.
وممن مدحه من الشعراء الشيخ النجار من أهل الطائف، في قوله:
وفود التهاني بالإياب وبالنصر
أتت تجتلي كأس السرور مع البشر
وأمست لدى كل القلوب مسرة
فكل بفضل الله منشرح الصدر
فكيف وقد لاحت بأفق ربوعنا
شوارق أنوار المليك بلا نكر
سليل العلى روح الكمالات ذو التقى
حسين أخو الإحسان والحلم والبر
قدوم غدا عيداً سعيداً مباركاً
ويوم لدى الأيام كالكوكب الدّري
ونحمد من أجرى الأمور بلطفه
على خير ما نرجو ونتبع بالكشر
فأهلاً بخير الأكرمين ومن غدا
على هامة العلياء منفرد الذكر
بحلم وعلم بل بعزم وهمة
عظيمين كالسيف الصقيل أو الدهر
نهنيك بالفتح المبين لبلدة
لقد كان أهلوها يموتون بالحصر
فأنقذتهم منه وكنت غياثهم
فهنيت([134]) بالقدر الجزيل من الأجر
فأبهى، بكم زانت وعاد بهاؤها
وأصبح في أرجائها يهتف القمري
عسير، بكم قد يسر الله أمرها
فأبدل ما فيها من العسر باليسر
فلا زلت غوثاً للأنام جميعهم
تخلصهم مما يفاجئ من ضر
ولـها بقية في الرحلة اليمانية، ص (96)، ط(2).
وقصيدة للشيخ عبد الله كمال، من أهل الطائف أيضاً، منها:
هذا هو الفتح أم نصر من الباري
وافى لسيدنا أم ستر ستار
أم هذه الغاية القصوى ظفرت بها
ما نالها ملك يغزو بجرار
مهدت بالعدل أقطار الحجاز فيا
بشرى لسكان بيت الله والجار
الأمن ساد بها والخلق رافلة
في ظل رأفتكم من حادث طاري
تبني المعالي على المجد الأثيل كما
بناه سالف سادات وأبرار
ألقت إليك زمام الأمر دولتنا
في فك أبها وإصلاح لأقطار
شمرت عن ساعد العليا وقمت بها
يا حبذا القوس قد سيقت إلى الباري
جبت المفاوز في سهل وفي حزن
جزت الطريق كما يسري به الضاري
فمن تصدى لكم ذاق الهوان فكم
من وقعة بعدها جاءوا بأعذار
نظمت بعض شهير من وقائعها
خوف الإطالة أو تشتيت أفكار
فأهل حلَي وأهل الفوز ما اتعظوا
بالنصح شهراً ولم يصغوا لتذكار
ضلوا سبيل الهدى والرشد واتبعوا
رأي ابن خرشان تمويهاً بأسرار
حلت جموعهم بالقوز واعتصبت
فتيان بغي وجهال وأشرار

جهزت جيشاً وعبد الله يقدمه
وفيصل مع بني الزهراء أطهار
وعسكر في طوابير مظفرة
وكل قرن من الفرسان كرار
فأنشب الحرب في عجلان بينهم
قبل الغروب إلى تنسيم أسحار
وأصبح النصر مقروناً بجيشهم
على البغاة فولوهم لأدبار
فكم قتيل، وكم جرحى، وكم أسروا
بعد الفرار فلا يأوون في دار
ومنها:
وقابلتهم جنودٌ طال ما هزمت
من قبلهم كل ذي بغي وإضرار
وكان يوماً عصيباً والوطيس حمي
حتى الرصاص حكى وبلاً لأمطار
والطوب دمر رايات لهم نصبت
والجند أنزلهم من رؤوس أوعار
حتى تولوا وقتلاهم مجندلة
نحو الثمانين أو زادوا بمقدار
ففر عنا زعيم الحصر وانقطعت
آمال شيطانه من كل ديار
والبقية في المرجع المذكور آنفا.
وقصيدة الشيخ علي شقيق الشيخ عابد، مفتي المالكية:
العيد هنيء إذ نلت الهنا أبدا
بفوز فتحك أبها في كمال هدى
والدين عوفي إذ عوفيت في شرف
والمجد يبقى كما تبقى له سندا
أحييت سنة طه إذ أقمت لنا
فرض الجهاد لتهدي كل من مردا
جبت البلاد تقيم الأمن مبتغياً
وجه الإله فنلت الفوز والرشدا
خفضت كل مقام بالإضافة إذ
نوديت من بين أهل العزم منفردا
فقمت بالعزم في سهل وفي جبل
وجزت بالأسد تصمي كل من عندا
تُحيي مآثر أسلاف محمدها
قد صح عن مالك عن نافع سندا
حسين فعلك سعد الدين بشرحه
كشاف آياته في العالمين بدا
أبدت سراياك أسد الغاب يقدمها
في القوز فيصل عبد الله ما شهدا
بحليهم جندكم حلاهم ظفر
وذاق أعوان إدريس كؤوس ردى
تنومة أعلنت منشور نصركم
على البغاة فعادوا طالبين هدى
في العمق حلت جموع القوم وانخذلت
من بعدما قابلت جيشاً بكم سعدا

لما علوت بجيش النصر في درج
مزقت شمل جنود البغي مجتهدا
ونكست لهم الأعلام وانهزموا
وانجاب عن صبح أبها ليل من فسدا
رؤوس جمع العد آيات نصركم
تبدي لمن رام عن إعجازها رشدا
لو تنطق الخيل يوماً بالذي شهدت
من معجزات لأبدت عنك ما وردا
فليسأل ابن دليم بعد أحمد والـ
ـفصال وابن عرار ما بهم نفدا
وليسألن مصطفى ما الحال في درج
يحكيه والفضل ما يبديه قول عدا
هم قوم إبليس لا إدريس شيخهم
أموا الضلال فنالوا الخزي والنكدا
يا حبذا العيد عيد الفوز فوزكم
وعيد صومك في يمن الهنا بهدى
عيدان قد أشرقا في يمن سلطنة
قد مهدت من رشاد للهنا مهدا
فيا حسين المعالي بر صومكم
وأنت أفضل من في صومه حمدا
إنعم هناء بعيد الفطر لا برحت
تحلو بكم غرة الوقت الذي سعدا
أبديت ذا اليوم عز الملك معتلياً
بجحفل لجب يعلي منار هدى
ولها بقية في مصدرها، المشار إليه قبله.
 

صدى الحجاز

عضو ذهبي
أبو العيال و بدر بن عامر، وهما جميعا من هذيل .
كان قد أصيب ابن اخ ابو العيال وهو ابن ابي عتير، وكان في ابي عتير هذا
بعض الهيج، فخاصم في ذلك أبو العيال

واتهم ابن ابي عتير ابن عم له يقال له بدر بن عامر اتهمه ان يكون ضلعه مع خصمائه، فبلغ ذلك بدر بن عامر.
وفي يوم من الايام اجتمع بدر بن عامر مع ابو العيال في مجلس
فقال بدر بن عامر يثني على ابو العيال:


بخلت فطيمة بالذي تولين‌ * إلا الكلام و قل ما يجديني‌

{فطيمة} اسم امرأه {يجديني} يغنيني
ولقد تناهى القلب حين نهيته‌ * عنها و قد يغوي الذي يعصيني
أفطيم هل تدرين كم من متلف‌ٍ * جاوزت لا مرعىً و لا مسكون؟

{متلف}طريق يتلف الناس فيه لارعي فيه ولا مسكن تجاوزته
غوريّه نجديّه شرقيّه * غربيّه متشابهٍ ملعون
{الغور} ما انخفض من الارض{النجد} ما ارتفع منها
طريق متشابه يلعنه من يسلكه

كالزمهرير اذا يُشَبّ يُميتُهم * بالبرد في طُرُق لهم وفنون
{الزمهرير} البرد {يشب} اي يشتد
فترى البلاد كأنها قد حرقت * بالنار والتهبت بكل وجين
{الوجين} المكان الغليظ من الارض
وأبو العيال أخي ومن يعرض له‌ * منكم بسوء يؤذني و يسوني‌
إنّي وجدت أبا العيال ورهطه‌ * كالحصن شدّ بجندل موضون‌

{بجندل موضون} حصن صلب نسج نسجا اذا عُدْتَ به كأنك دخلت حصنا
أعيا المجانيق الدّواهي دونه‌ * فتركنه وأبَرَّ بالتّحصين‌
لاتطيقه المجانيق من صلابته. {وأبر بالتحصين} حصن له منعه
أسد تفرّ الأسد من عروائه * بعوارض الرّجّاز أو بعيون‌
{من عروائه} من حسه {عوارض} نواحي {الرجاز} مكان
ولصوته زجل إذا آنسته‌ * جرّ الرّحى بشعيرهِ المطحون‌
وإذا عددت ذوي الثّقات وجدته * ممّن يصول به إليّ يميني



فأجابه أبو العيال فقال:


إن البلاء لدى المقاوس مُخرِجٌ * ما كان من غيب و رجم ظنون‌

«لدى المقاوس» المقاوس جمع المقوس والمقوس الحبل الذي يمدّ به على صدور الخيل

أي فما كان عنده من خير أو شرّ فسيخرج عند الرّهان يعرف الجواد من غيره.
و إذا الجواد ونّى وأخلف منسرا * ضمرا فلا توقن له بيقين‌
{الونى} الفترة اذا توانى تأخر وأخلف في ذلك الوقت فلا يُلتفت اليه
لو كان عندك ما تقول جعلتني‌ * كنزا لريب الدّهر غير ضنين
{الضنين} الشحيح اي لجعلتني كنز تخبؤه كما يخبأ الكنز عند الشحيح عليه، وانه يُشفق على الكنز
و لقد رمقتك في المجالس كلّها * فإذا وأنت تعين من يبغيني
{رمقتك} لمحتك اي رأيتك تعين من يبغيني شراً

هلّا درأت الخصم حين رأيتهم‌ * جنفا عليّ بألسن وعيون؟

«جنفا عليّ» الجنف الميل اي درأت عني خصومي حين رأيتهم مالوا علي.
و زجرت عنّي كلّ أبلخ كاشح‌ٍ * ترع المقالة شامخ العرنين‌
{أبلخ} متكبر او أهوج فخور. {ترع المقالة} لايحبسها يترع قول الشر لأنه ممتلئ شراً.
{شامخ العرنين} شامخ بأنفه

فأجابه بدر بن عامر فقال:

أقسمت لا أنسى منيحة واحد * حتى تخيّط بالبياض قروني
{منيحة واحد} عطية واحد ما اعطاني ومنحني . {تخيط بالبياض قروني} بدا الشيب في قرون شعر رأسي.
حتى أصير بمسكنٍ أثوي به‌ * لقرار ملحدة العداء شطون‌
و منحتني جدّاء حين منحتني‌ * شحصاً بمالئة الحلاب لبون‌

{جداء} لالبن فيها {شحص مال} مثل ابل شحص غنم شحص: اي منحتك الحلوب اللبون ومنحتني انت الشحص
و حبوتك النّصح الذي لا يشترى‌ * بالمال فانظر بعد ما تحبوني‌
منحتني ماليس فيه خير وانا منحتك نصحي


وتأمّل السّبت الذي أحذوكم * فانظر بمثل إمامه فاحذوني‌
{السبت} النعل وليس ها هنا نعل انما هذا مثل، يريد ما احذوكم به من الثناء فافعلوا بي مثله
وكل ماجاء في الأبيات كان المعنى والقصد منها أنني اثنيت عليك وجازيتني بما لا استحق



فأجابه أبو العيال:

أقسمت لا أنسى مقال قصيدةٍ * أبدا فما هذا الذي ينسيني‌؟
يقول انك اقسمت ان لاتنسى ابيات شعر فما الذي ينسيني
ولسوف تنساها و تعلم أنّها * تبع لآبية العصاب زبون
و منحتني فرضيت زيّ منيحتي‌ * فإذا بها و اللّه طيف جنون

{زيها} مرآتها يقول رضيت بهيئتها
جهراء لا تألو إذا هي أظهرت‌ * بصرا و لا من حاجة تغنيني
{الجهراء} التي لاتبصر من الدواب اي منحتني ناقة لجهراء اتبصر
قرّب حذاءك قاحلا أو ليّنا * فتمنّ في التّخصير و التّلسين
يرد بمثل مثاله
اي انك طلبت ان اتأمل ما حذوتني فقرب حذائك احذوك بمثله
وليس من حذاء هنا انما مثل من الامثال

وارجع منيحتك الّتي أتبعتها * هوعاً وحدّ مذلّق مسنون
{هوع} جزع {حد مذلق مسنون} اي لم تهبها بطيب نفس وأتبعتها برمح مسنون

ولهم الكثير من القصائد والردود يردون بها على بعضهم.
 

صدى الحجاز

عضو ذهبي
كتب الشريف حاتم العوني على صفحته بالفيس بوك
الشريف حاتم بن عارف العوني
21 ديسمبر، 2013 ·

من شعراء الحجاز في القرن الثالث عشر الهجري شاعر بدوي ، يعرفه جيدا يدو الجزيرة والحجاز خاصة ، ألا وهو بُديوي الوقداني (وهو من قبيلة عتيبة ) (ت 1296هـ) .
وهو من أشهر شعراء العامية في الجزيرة العربية ، ولكن له قصائد فصيحة جميلة .
وله قصة تشبه ما يُزعم أنه وقع لأحد شعراء الدولة العباسية (يقال : إنه هو علي بن الجهم ، ولا يصح ) ، من أنه دخل على الخليفة المتوكل ، فمدحه بقصية يقول فيها :
أَنْتَ كَالْكَلْبِ فِي حِفَاظِكَ لِلوُددِّ
وَكَالتَّيْسِ فِي قِرَاعِ الخْطُوبِ
أنْتَ كَالدَّلْو لاَ عَدِمْتُكَ دَلْوًا
مِن كِبَارِ الدِّلا كَثِير الذّنُوبِ
فعلم الخليفة أنه شاعر ، لكن غلظ حياة البادية وضيق العيش هما اللذان جعلاه يمدحه بهذه الأوصاف ، التي هي بالشتم أشبه !
فأمر بأن يُغمس في نعيم بغداد ، ويتلذذ في قصورها .
وما مرت مده ، حتى كتب قصيدته التي تفيض لطافة ، والتي يقول فيها :
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أَعَدْنَ لِيَ الشَّوْقَ القِدِيم وَلَمْ أَكُنْ
سَلَوْتُ ، وَلكنْ زِدْتُ جَمْراً إِلَى جَمْرِ
سَلِمنْ وَأَسْلَمْنَ العُيُونَ كَأَنَّما
تُشَكُّ بأَطْرَافِ الرُّدَيْنِيَّة السُّمْرِ
وَقُلْنَ لَنَا نَحْنُ الأَهِلَّةُ إِنَّمَا
تُضِيء لِمَنْ يَسْرِي بِلَيْلٍ وَلاَ تَقْرِي
فَلاَ نَيْلَ إلاّ مَا تَزَوَّدَ نَاظِرُ
وَلاَ وَصْلَ إلاَّ بالْخَيَالِ الَّذِي يَسْرِي
هذه هي قصة وقصيدة علي بن الجهم ، كما قيل .
أما بديوي الوقداني فقد كان شاعرا بدويا ، فورد مكة ، ومدح أميرها الشريف عبدالله بن محمد بن عبد المعين بن عون بالعامية . فوجده الشريف شاعرا تتوفر فيه موهبة شعرية كبيرة ، فأمر بتعليمه الفصحى والنحو , وألحقه بحلقات التعليم في الحرم المكي .
فمكث كذلك زمنا يسيرا .
ثم خرج الأمير في رحلة ، ومعه حاشيته ، وكان ممن اصطحبه الشاعر بديوي . وفي أحد أيام الرحلة ، قام الشريف يغسل يديه على أحد الآبار ، وكان يلبس خاتما عزيزا على نفسه ، وفيه فص من حجر كريم نادر . فسقط الحجر في البئر ، وحاول السباحون إيجاده في البئر ، فلم يجدوه . فتكدر خاطر الأمير ، وكأنه تطير من هذا الأمر . فوقف بديوي الوقداني ، وارتجل أول قصيدة له بالفصحى ، قال في مطلعها :
لا تأسَ يا ابن رسول من حجر
رأى المكارم في كفيك فانفجرا
وافاك سعدك إذ وافى السعود ، وقد
أعطاك ربك حظا يفلق الحجرا
فكانت قصيدته هذه فاتحة شعره العربي ، وهي بهذا الذكاء واللطف .
ومن قصائده الفصيحة قوله في شعر رمزي ، يبين فيه ذل الناس للدنانير :
رأيت شاة وذئبا وهي ماسكة
بأذنه ، وهو منقاد لها ساري
فقلت : أعجوبةٌ ! ثم التفت إلى
ما بين نابيه ملقى نصف دينار
فقلت للشاة : ماذا الإلف بينكما
فالذئب يسطو بأنياب وأظفار ؟!
تبسمت ثم قالت وهي ضاحكة
بالتبر يُكسر ذاك الضيغم الضاري
وله قصيدة يرثي بها الأمير المذكور ، يقول فيها :
الملك لله ، والدنيا مداولةٌ
فما لحي على الأيام تخليدُ
والناس زرع الفنا , والموت حاصدهم
وكل زرع إذا ما تم محصودُ
 
أعلى