الجزائر.. تضحيات ومجازر

بنت الجزائر

عضو مميز
علم الجزائر

قصة الجزائر واستقلالها قصة طويلة الفصول، حزينة الأحداث، تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية وطلب الاستقلال، كان أبطال هذه القصة الفريدة مليون ن و صف المليون شهيد، وملايين اليتامى والثكالى والأرامل، وكتبت أحداثها بدماء قانية غزيرة أهرقت في ميادين المقاومة، وفي المساجد، وفي الجبال الوعرة، حيث كان الأحرار هناك يقاومون.
ملاحظة - أكثر من مليون و نصف المليون شهيد سقطوا ابان الثورة فقط اي من 1954 الى 1962 و هو ما اعترفت به فرنسا اي بمعدل 588 شهيد باليةم الواحد اما منذ الاحتلال و المقاومات قبل الثورة فمؤرخ فرنسي يقول 8 ملايين و الاخر 9 وثالق يقول 11 مليون و الله اعلم بالعدد الصحيح الذي يستحيل القدرة على احصاءه
بداية القصة

شاءت الأقدار أن يكون اليوم الذي بدأ فيه الاحتلال الفرنسي للجزائر هو نفس اليوم الذي استقلت فيه غير أن الفارق الزمني بينهما (132) عامًا امتلأت بالأحداث والشهداء، فقد دخل الفرنسيون مدينة الجزائر في [14 محرم 1246هـ=5 يوليو 1830م] وكان عدد القوات الفرنسية التي نزلت الجزائر حوالي أربعين ألف مقاتل، خاضوا أثناء احتلالهم لهذا البلد العنيد معارك شرسة استمرت تسع سنوات فرضوا خلالها سيطرتهم على الجزائر.

كان الاستعمار الفرنسي يهدف إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعًا لفرنسا؛ لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيدتهم ووحدتهم، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين، الذين بلغ عددهم عند استقلال الجزائر أكثر من مليون مستوطن، ثم محاربة الشعب المسلم في عقيدته، فتم تحويل كثير من المساجد إلى كنائس أو مخافر للشرطة أو ثكنات للجيش، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة، أبيدت فيها قبائل بكاملها.

بدأت المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال مع نزول أرض الجزائر، وكان أقوى حركاتها حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر الجزائري في [1248هـ=1832م]، واستمرت خمسة عشر عامًا، استخدم فيها الماريشال الفرنسي "بيجو"، وقواته التي وصل عددها (120) ألف جندي، حرب إبادة ضد الجزائريين، والحيوانات، والمزارع، فوقع الذعر في قلوب الناس، واضطر الأمير عبد القادر إلى الاستسلام في [1261هـ=1847م].

لم تهدأ مقاومة الجزائريين بعد عبد القادر، فما تنطفئ ثورة حتى تشتعل أخرى، غير أنها كانت ثورات قبلية أو في جهة معينة، ولم تكن ثورة شاملة؛ لذا كانت فرنسا تقضي عليها، وضعفت المقاومة الجزائرية بعد ثورة أحمد بومرزاق سنة [1288هـ=1872م]، وقلت الثورات بسبب وحشية الفرنسيين، واتباعهم سياسة الإبادة التامة لتصفية المقاومة، وفقدان الشعب لقياداته التي استشهدت أو نفيت إلى الخارج، وسياسة الإفقار والإذلال التي اتبعت مع بقية الشعب.

السياسة الفرنسية في الجزائر

لقد أحدث المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر جروحًا عميقة في بناء المجتمع الجزائري، حيث عملت فرنسا على إيقاف النمو الحضاري والمجتمعي للجزائر مائة واثنتين وثلاثين سنة، وحاولت طمس هوية الجزائريين الوطنية، وتصفية الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها هذا المجتمع، بضرب وحدته القبلية والأسرية، واتباع سياسة تبشيرية تهدف إلى القضاء على دينه ومعتقده الإسلامي، وإحياء كنيسة إفريقيا الرومانية التي أخذت بمقولة "إن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين".

وكان التوجه الفرنسي يعتمد على معاداة العروبة والإسلام، فعملت على محو اللغة العربية، وطمس الثقافة العربية والإسلامية، وبدأ ذلك بإغلاق المدارس والمعاهد، ثم تدرج مع بداية القرن العشرين إلى منع تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة أجنبية، وعدم السماح لأي شخص أن يمارس تعليمها إلا بعد الحصول على ترخيص خاص وفي حالات استثنائية، ومن ناحية أخرى عملت على نشر الثقافة واللغة الفرنسية، واشترطوا في كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلم اللغة الفرنسية، كذلك عملوا على الفصل بين اللغة العربية والإسلام، والترويج لفكرة أن الجزائريين مسلمون فرنسيون.

البربر والأمازيغية

واهتم الفرنسيون بالترويج للهجات المحلية واللسان العامي على حساب اللغة العربية، فشجعوا اللهجة البربرية "الأمازيغية"، واتبعوا كل سبيل لمحاربة اللسان العربي، واعتبروا اللغة العربية الفصحى في الجزائر لغة ميتة.

وقد سعى الفرنسيون إلى ضرب الوحدة الوطنية الجزائرية بين العرب والبربر، فأوجدوا تفسيرات مغرضة وأحكاما متحيزة لأحداث التاريخ الجزائري، ومنها أن البربر كان من الممكن أن يكون لهم مصير أوروبي لولا الإسلام، واعتبروا العنصر البربري من أصل أوروبي، وحكموا عليه بأنه معاد بطبعه للعرب، وسعوا لإثبات ذلك من خلال أبحاث ودراسات تدعي العلمية، وخلصوا من هذه الأبحاث الاستعمارية في حقيقتها إلى ضرورة المحافظة على خصوصية ولغة منطقة القبائل البربرية بعيدًا عن التطور العام في الجزائر.

واتبع الفرنسيون سياسة تبشيرية لتنصير المسلمين خاصة في منطقة القبائل، فتعرض رجال الإصلاح وشيوخ الزوايا للتضييق والمراقبة والنفي والقمع، وفتحت كثير من المدارس التبشيرية وبنيت الكنائس ووجه نشاطها للأعمال الخيرية والخدمات الاجتماعية لربطها بواقع السكان هناك، وقام الرهبان والقساوسة بالتدريس في الكثير من المدارس. وحسب الإحصائيات الفرنسية بالجزائر فإن منطقة القبائل كان بها مدرسة لكل (2100) طفل، في حين كانت هناك مدرسة لكل أربعين ألف طفل في بعض المناطق الأخرى بالجزائر.

وسعى الفرنسيون إلى عزل بعض المناطق بالجزائر والحيلولة دون اتصالها أو تفاعلها مع باقي المناطق الأخرى، وكان تركيزهم على منطقة القبائل، ورعوا نزعاتها الإقليمية التي تتنافى مع وحدة الشعب الجزائري، وذلك بالاهتمام بالأعراف والتقاليد واللهجات والفولكلور على حساب الثقافة العربية الإسلامية، وصدرت تعليمات واضحة لموظفي الإدارة الاستعمارية الجزائرية تتلخص في ضرورة حماية القبائل وتفضيلهم في كل الظروف على العرب، ولولا المواقف الشجاعة والتضحيات التي قدمها أبناء القبائل لأمكن للمخطط الاستعماري تدمير البنية الاجتماعية للشعب الجزائري في تلك المناطق.
 

بنت الجزائر

عضو مميز
موقف الشعب الجزائري

لم يتجاوب الشعب الجزائري مع السياسة الفرنسية في جميع الجهات بدون استثناء، لا سيما في المناطق التي عرفت ضغطًا فرنسيًا مكثفًا لتحويل اتجاهها الوطني، فلم يكن للإعانات ولا المساعدات التي تقدمها الإرساليات التبشيرية ولا للتعليم الذي وفرته المدرسة الفرنسية، ولا للمستوطنين الفرنسيين، ولا للمهاجرين الجزائريين الذين تنقلهم السلطات للعمل في فرنسا ـ أثر في فرنسة الشعب الجزائري المسلم، وهو ما دفع مخططي السياسة الفرنسية إلى اتهام الجزائريين بأنهم شعب يعيش على هامش التاريخ.

وحارب الشعب سياسة التفرقة الطائفية برفع شعار "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا والجزائر وطننا" الذي أعلنه العالِم والمجاهد الجليل عبد الحميد بن باديس ورأى المصلحون من أبناء الجزائر في ظل فشل حركات المقاومة، أن العمل يجب أن يقوم –في البداية- على التربية الإسلامية لتكوين قاعدة صلبة يمكن أن يقوم عليها الجهاد في المستقبل، مع عدم إهمال الصراع السياسي فتم تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام [1350هـ=1931م] بزعامة ابن باديس، التي افتتحت مدارس لتعليم ناشئة المسلمين، وهاجم ابن باديس الفرنسيين وظلمهم، وشنع على عملية التجنس بالفرنسية وعدها ذوبانًا للشخصية الجزائرية المسلمة، وطالب بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، وأثمرت هذه الجهود عن تكوين نواة قوية من الشباب المسلم يمكن الاعتماد عليها في تربية جيل قادم.



وعلى الصعيد السياسي بدأ الجزائريون المقاومة من خلال التنظيم السياسي الذي خاض هذا الميدان بأفكار متعددة، فمنهم من يرى أن الغاية هي المساواة بالفرنسيين، ومنهم الشيوعيون، والوطنيون المتعصبون، وظهرت عدة تنظيمات سياسية منها: حزب الجزائر الفتاة، وجمعية نجم شمالي إفريقيا بزعامة مصالي الحاج الذي عرف بعد ذلك بحزب الشعب الجزائري، وتعرض زعيمه إلى الاعتقال والنفي مرات كثيرة.


مذابح [1364هـ=1945م]

اشتعلت الحرب العالمية الثانية ولم تمض شهور قليلة حتى انهارت فرنسا أمام ألمانيا، وبدا للشعوب المستعمرة أن قوة فرنسا لم تكن إلا عليهم فقط، وأن هيبتها لم تكن إلا في هذه القلوب المستضعفة، وأدى ذلك إلى تعاون كثير من المستوطنين الموجودين في الجزائر مع حكومة فيشي الموالية للألمان في فرنسا، وظهرت أصوات المستوطنين الفرنسيين تعلو بأن فرنسا ارتكبت أخطاء، وأن عليها أن تدفع الثمن وحدها، أما الجزائريون فذهب كثير منهم إلى الحرب للدفاع عن فرنسا بالغصب فقد كانت فرنسا تجبرهم على ذلك، فدُمر الإنتاج في الجزائر وزادت صعوبات الحياة؛ لذلك تقدموا ببيان إلى السلطات الفرنسية يطالبون فيه بحق تقرير المصير، تقدم به فرحات عباس –زعيم حزب اتحاد الشعب الجزائري-، ورفضت فرنسا قبول البيان كأساس للمحادثات، فأحدث ذلك رد فعل عنيفا عند الجزائريين الذين أصروا على تمسكهم بالبيان والتزامهم به، ففرض الجنرال كاترو الحاكم العام في الجزائر الإقامة الجبرية على فرحات عباس وغيره من الزعماء الجزائريين.

أسس فرحات عباس حركة أصدقاء البيان والحرية في [ربيع أول 1363هـ=مارس 1944] وكان يدعو إلى قيام جمهورية جزائرية مستقلة ذاتيًا ومتحدة مع فرنسا، وهو ما سبب خلافًا بينه وبين مصالي الحاج الذي نصحه بقوله: "إن فرنسا لن تعطيك شيئًا، وهي لن ترضخ إلا للقوة، ولن تعطي إلا ما نستطيع انتزاعه منها".

ولم يمض وقت طويل حتى استغلت فرنسا قيام بعض المظاهرات في عدد من المدن الجزائرية وإحراقها للعلم الفرنسي حتى ارتكبت مذبحة رهيبة سقط فيها (45) ألف شهيد جزائري، وكان ذلك تحولاً في كفاح الجزائريين من أجل الحرية والاستقلال، إذ أدركوا أنه لا سبيل لتحقيق أهدافهم سوى العمل المسلح والثورة الشاملة، فانصرف الجهد إلى جمع الأسلحة وإعداد الخلايا السرية الثورية حتى يحين الوقت المناسب لتفجير الصراع المسلح.



الثورة الجزائرية


محمد بو ضياف

اتجه الجزائريون بعد تلك المذابح البشعة إلى العمل السري، وكان يتم اختيار أفراد هذا العمل من خيرة الشبان خلقًا وأدبًا فلم يكن يسمح بضم الملحدين أو الفوضويين، وبدأت خلايا المجاهدين تنتشر في الجزائر طولاً وعرضًا، وأحيطت أساليب العمل بسرية تامة مما كان له أكبر الأثر في نجاح الثورة، واستطاع هذا التنظيم الدعاية للثورة في صفوف الشعب وإعداده للمعركة القادمة.

وقد تشكلت لجنة مؤلفة من (22) عضوًا برئاسة محمد بوضياف عرفت باسم "اللجنة الثورية للوحدة والعمل" كان مهمتها قيادة العمل السري، وأوكل إلى بعض أفرادها مهمة العمل لإشعال الثورة، وتم تشكيل جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي حددت يوم [6 ربيع الأول 1347هـ=1 نوفمبر 1954م] موعدًا لبدء الثورة الجزائرية، وهو يصادف عيد القديسين عند الفرنسيين، وأعلنت الجبهة في بيانها الأول أهدافها ووسائلها التي تصدرها الاستقلال الوطني وإقامة دولة جزائرية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، واحترام الحريات دون تمييز ديني أو عرقي، وأعلنت الجبهة أنها ستواصل الكفاح بجميع الوسائل لتحقيق ذلك الهدف، وتأسس في ذلك اليوم جيش التحرير الوطني، وفُتح للجبهة عدد من المكاتب في الخارج.


وفوجئت السلطات الاستعمارية الفرنسية بوقوع سلسلة من الهجمات المسلحة شنها المجاهدون الجزائريون على المنشآت والمراكز العسكرية الفرنسية في كامل أنحاء البلاد وعلى الأخص في جبال الأوراس والقبائل والشمال القسطيني، وتلمسان، وكان ذلك إيذانًا ببداية الحرب طويلة الأمد التي استمرت سبع سنوات ونصفا، وكان رد الفعل الفرنسي الأول ممثلا بموقف رئيس وزرائها "مانديس فرانس" الذي أعلن أن جواب فرنسا على هذه العمليات التمردية هو الحرب، وبادر بإرسال قوات المظليين الفرنسيين في اليوم التالي، وقامت هذه القوات ذات القبعات الحمراء بارتكاب أبشع الأعمال الإجرامية والدموية ضد الشعب الجزائري، فدمرت قرى بكاملها، ومورست الإبادة الجماعية والتعذيب البشع، وصرح وزير الداخلية الفرنسي "فرانسوا ميتران" أن الجزائر هي فرنسا.
 

بنت الجزائر

عضو مميز
كان عدد القوات الفرنسية في الجزائر عند بداية الثورة حوالي (50) ألف جندي، فلم تستطع حماية نفسها، فطلبت التعزيزات حيث قام المجاهدون في اليوم الأول للثورة بأكثر من خمسين هجومًا خاصة في منطقة أوراس والقبائل، ثم اعتصموا بالجبال واستطاع المجاهدون السيطرة على منطقة الأوراس التي تبلغ مساحتها (12) ألف كيلو متر، ولم يعد في إمكان الفرنسيين دخولها إلا في المدرعات وحماية الطائرات.

ارتفع عدد القوات الفرنسية في الجزائر بعد ثلاثة شهور من الثورة إلى ثمانين ألفًا، وامتد لهيب الثورة إلى كل أنحاء الجزائر وأصبحت ولايات الجزائر ولايات للكفاح والجهاد، وخلق الإرهاب الفرنسي جوًا من العزلة بين الفرنسيين والقوى الوطنية.

مؤتمر الصومام


كان قادة الثورة الجزائرية قد تواعدوا عندما أطلقوا شرارة الثورة على الالتقاء بعد ستة أشهر لتقويم المرحلة السابقة، غير أن عنف الثورة، وانهماك القادة في الجانب العسكري والسياسي لم يسمح بهذا اللقاء إلا بعد (22) شهرًا، حيث انعقد مؤتمر الصومام في [ 14 محرم 1376 هـ= 20 أغسطس 1956م] في منطقة القبائل وحضره كبار القادة ومثلت فيه جميع الولايات، ويعتبر المؤتمر نقطة تحول هامة في تاريخ الثورة، واتخذ المؤتمر عدة قرارات هامة منها إقامة المجلس الوطني للثورة الذي تولى مهمة التوجيه العام لها، وتنظيم جيش التحرير على غرار التنظيم المتبع في جيش منطقة القبائل.



مشروع شال


وكانت جبهة التحرير الجزائرية قد أعلنت [جمادى الآخرة 1375 هـ: فبراير 1956م] استعدادها للمفاوضة مع فرنسا من أجل وقف القتال وحل المشكلة الجزائرية، إلا أن فرنسا رفضت هذه المبادرة، وأرسلت السفاح "روبيرلاكوست" قائدًا عامًا في الجزائر، وزادت قواتها الاستعمارية إلى أكثر من نصف مليون مقاتل، وقامت بأحد عشر هجومًا ضخمًا واسع النطاق حمل أسماء ضخمة، كان يهدف بعضها إلى عزل جيش التحرير عن مناطق الريف؛ لذلك تم إجلاء القرويين من مساكنهم وحشدوا في معسكرات تحت الرقابة الدائمة، أما النقطة الثانية فتتمثل في حشد قوات هائلة تستمر عملياتها من أسابيع إلى شهور لسحق الوطنيين وهو ما عرف بمشروع "شال".

ولم ترهب هذه القوات الفرنسية جيش التحرير الجزائري الذي زاد قواته ومجاهديه إلى أكثر من (120) ألفًا، وأنشأ مدارس عسكرية، بل امتدت عملياته الحربية والجهادية إلى الأراضي الفرنسية حيث تم تدمير مستودعات بترولية ضخمة في فرنسا.

وأمام هذا الوضع المتأزم اختطفت فرنسا في [ 1376 هـ= 1956م] طائرة مغربية وعلى متنها أربعة قادة من قادة الثورة الجزائرية وهم حسين آيات أحمد، وأحمد بن بله، ومحمد خضير، ومحمد بو ضياف، كذلك حاولت شق صف الثورة من خلالها عميلها "بن لونيس" إلا أن الثوار استطاعوا إعدامه.

قضية الجزائر


بن بله

أصبحت القضية الجزائرية معضلة من أضخم المشكلات الدولية، وتعددت مناقشاتها في الأمم المتحدة واكتسبت تعاطفًا دوليًا متزايدًا على حساب تآكل الهيبة الفرنسية عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وقام قادة الثورة بزيارات لعدد من دول العالم، وتشكلت حكومة جزائرية مؤقتة في [6 ربيع الأول 1378هـ= 19 سبتمبر 1958م] برئاسة عباس فرحات، ولم يمض شهر واحد على تشكيلها حتى اعترفت بها (14) دولة.

وفي [جمادى الأولى 1379هـ= نوفمبر 1979م] أعلن الرئيس الفرنسي ديجول عن قبول فرنسا للمفاوضات بأسلوب غير مقبول، إذ أعلن أنه على ممثلي المنظمة الخارجة على القانون والمتمردين على فرنسا أن يأتوا إليها، فأعلنت الحكومة الجزائرية المؤقتة أنها كلفت الزعماء الجزائريين المختطفين في فرنسا بإجراء المفاوضات حول تقرير المصير، فرفض ديجول هذا المقترح.
 

بنت الجزائر

عضو مميز
محادثات إيفيان

وقع تمرد عسكري في صفوف القوات الفرنسية في الجزائر بقيادة عدد من الجنرالات وأعلنوا ذلك التمرد عبر إذاعة الجزائر في [ 7 ذي القعدة 1380هـ= 22 إبريل 1961م] وقامت مظاهرات عنيفة في الجزائر ضد الفرنسيين، وأعلنت الحكومة الجزائرية المؤقتة أنها شرعت في إجراء محادثات إيفيان بعد ذلك بأسابيع، لكنها ما لثبت أن توقفت بسبب الخلاف في موضوع الصحراء.

ثم استؤنفت المفاوضات بعد ذلك، واضطرت فرنسا إلى الاعتراف بحق الجزائر في الصحراء، وتم الاتفاق في [ 12 شوال 1381هـ= 19 مارس 1962م] على وقف إطلاق النار بين الجيش الفرنسي وجبهة التحرير الجزائرية، وأن تتولى شؤون الجزائر هيئة مؤقتة تتألف من (12) عضوًا، ثم جرى استفتاء في [29 محرم 1382 هـ= 1 يونيو 19962م] على استقلال الجزائر جاءت نتيجته 97.3% لمصلحة الاستقلال.

ودخلت الحكومة الجزائرية برئاسة يوسف بن خده الجزائر، ثم أعلن الاستقلال في [ 3 صفر 1382 هـ= 5 يوليو 1962م] وقامت الدولة الجزائرية رغم المشكلات التي عرقلت سيرها وتفجر الصراع بين قادة الثورة والجهاد؛ وهو ما كاد يؤدي إلى حرب أهلية.

ولم يعترف المستوطنون الفرنسيون باتفاقية إيفيان، وشكلوا منظمات سرية فرنسية للإطاحة بما تم، لكنها لم تفلح في ذلك، فأخذ المستوطنون في ترك الجزائر، وهاجر ما يقرب من مليون مستوطن إلى فرنسا.
 

بنت الجزائر

عضو مميز
مناضلات صنعن الحدث

لعبت المرأة الجزائرية دوراً ريادياً منقطع النظير في دعم ثورة التحرير المظفرة، ولم تكن بعيدة عن أجواء الثورة الجزائرية العظيمة، «فالبطش الاستعماري وسلب الممتلكات وسياسة التجهيل، عانت منها المرأة الجزائرية أشدّ المعاناة، وفاقت في كثير من الأحيان معاناتها معاناة الرجال أنفسهم.عاشت المرأة طوال فترة الاستعمار في حالة من الجهل والكبت والحرمان لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، فلا هي نالت حظاً من التعليم ينير لها دروبها، ولا زوجها نال حظه من العلم حتى يحفظ لها حقوقها...ومع إطلالة القرن العشرين وانتشار الحركات الوطنية والجمعيات الإصلاحية، بدأت المناداة بتعليم المرأة وضرورة أن تنال حظها من التعليم. كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رائدة في هذا المجال، حيث فتحت المدارس للفتيات وشجّعت على تعليمهن وخروجهن من البيت من أجل العلم، وبدأت الفتاة الجزائرية تطرق أبواب المدارس والمعاهد، وأصبحت تدرك حقيقة ما يدور في وطنها، وبدأ إحساسها بهذا الواقع يترجم إلى أقوال ثم أفعال أسفرت عن إنشاء (جمعية النساء المسلمات الجزائريات) يوم:24 / 06 / 1947م، لمساعدة المسجونين السياسيين من رجال الحركة الوطنية الجزائرية. وكنتيجة حتمية لتطور الأحداث السياسية على الساحة الوطنية الجزائرية قبيل الثورة، تطور الوعي الوطني لدى الجزائرية التي لم تعد تقبل أن تظل معزولة عن تيار الأحداث، بل أصرّت على المشاركة فيها وهذا ما خلق لدى المرأة استعداداً نفسياً للمشاركة في أهم حقبة من تاريخ الجزائر، ألا وهي مرحلة الثورة.التحق بالجبال مئات الفتيات الجزائريات خوفاً من اعتداء جنود العدو على شرفهن، وفضّلن العيش في الجبال الوعرة والكهوف المظلمة مع جيش التحرير، حيث يأمنّ على شرفهنّ وكرامتهنّ، وقد قمن بواجبهن في مساعدة المجاهدين على أكمل وجه. ولم يقتصر دور المرأة على الإيواء والمساعدة وتحضير الطعام، بل تعداه إلى المشاركة الفعلية في المعركة، كان هناك المجندات داخل صفوف الثورة ويقسمن إلى:* المجندات المتعلمات: وقد بدأن العمل في المدن في صفوف الفدائيين.* المجندات غير المتعلمات: ومعظمهن من سكان الريف والبادية حيث توجد قلاع الثورة.* الشعبيات المحبات: وهنّ جموع المواطنات بالمدن والقرى والجبال واللائي كنّ فخورات بالثورة ورجالها.* المناضلات في جبهة التحرير الوطني.وما نشير إليه أن هناك عدة مراجع أشارت إلى بطولات ونضال المرأة الجزائرية أثناء ثورة التحرير المظفرة، وتطرقت لكفاحها، وتضحياتها ضد الاستدمار الفرنسي، ومن أوائل هذه المؤلفات كتاب الباحثة المجاهدة أنيسة بركات درّار الموسوم: «نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية»، والذي أكدت فيه على الدور الرائد الذي أدته المرأة الجزائرية في سبيل تحرير وطنها، وتحديها لقوات العدو ولكل أنواع وسائل التعذيب والاضطهاد.وذهبت من خلاله إلى أن مشاركة المرأة الجزائرية في ميدان الكفاح المسلح جنباً إلى جنب مع الرجل قد أحدث انقلاباً جذرياً في المفاهيم والأفكار، فجيش التحرير الوطني استقبل «المرأة المجاهدة بفخر واعتزاز ونظرَ المجاهد إليها نظرة الأخ لأخته وعاملها باحترام وتقدير، لأن هذه المجاهدة أتت مثله لتحمل مشعل الثورة والمجد وكل واحد منهما وهب نفسه، في سبيل تحرير الوطن من براثن الاستعمار وتحقيق نفس الأهداف السامية.
 

بنت الجزائر

عضو مميز
من الواضح أن هذه المجاهدة التي مارست مختلف الأعمال وتحمّلت أصعب المسؤوليات، قد أثبتت وجودها في كفاح بلادها وشكلت قوة سياسية فعالة وإيجابية، وفي ذلك يقول ميثاق مؤتمر الصومام الوثيقة السياسية الأولى للثورة الجزائرية عام 1956م:«توجد في الحركة النسائية إمكانيات واسعة تزداد وتكثر باطراد، وإنا لنحيّي بإعجاب وتقدير ذلك المثل الباهر الذي ضربته في الشجاعة الثورية الفتيات والنساء والزوجات والأمهات، ذلك المثل الذي تضربه جميع المجاهدات اللائي يشاركن بنشاط كبير، وبالسلاح أحياناً في الكفاح المقدس من أجل تحرير الوطن، ولا يخفى أن الجزائريات قد ساهمن مساهمة إيجابية فعالة في الثورات الكثيرة التي توالت وتجددت في بلاد الجزائر منذ سنة 1830 ضد الاحتلال الفرنسي، وأن المثل الذي ضربته أخيراً تلك الفتاة القبائلية التي رفضت الفتى الذي تقدم لخطبتها لأنه ليس من المجاهدين، لدليل على ما تمتاز به الجزائريات من المعنوية السامية والإحساس النبيل». إن المرأة الجزائرية، على اختلاف مستوياتها وطبقاتها الاجتماعية سواء كانت في المدينة أو في الريف، تمكنت من التغلب على العراقيل والعقبات والضغوط الاجتماعية القاسية التي تجابهها وساهمت مساهمة فعالة وإيجابية في الكفاح. ومن بين الرؤى المعمقة، التي قدمت صورة وافية عن جوانب متنوعة من نضال وجهاد وتضحيات المرأة الجزائرية، رؤية المجاهد والباحث الدكتور محمد قنطاري، التي قدمها من خلال كتابه الموسوم ب: «من بطولات المرأة الجزائرية في الثورة وجرائم الاستعمار الفرنسي».شهيدة لم تمت القصة الكاملة تحدث الدكتور محمد قنطاري بإسهاب عن قصة المجاهدة البطلة، فاطمة خليف، التي تعتبر رمزاً من رموز الثورة الجزائرية، وأطلق عليها اسم الشهيدة التي لم تمت، وقد وصف ملحمتها وصفاً دقيقاً، وأكد على أنها واحدة من البطلات الخالدات، التي تعرضت لكل أصناف التعذيب الوحشي على يد العسكريين الفرنسيين، فقطعوا يديها، وهي تنظر، وأودعوها سجناً معلقاً بين السماء والأرض، ووضعت حملها فيه، ويديها مقطوعتين، وثدييها مشوهين بوسائل التعذيب الجهنمية. تطرق الدكتور محمد قنطاري مع بداية روايته لقصتها إلى بيئتها، ونضالها السياسي، فهي تنتمي إلى بلدية (الألف شهيد) بني سنوس، تلك البلدية الخالدة في تاريخ الكفاح الجزائري، فبعد أن كان عدد سكانها في بداية الثورة الجزائرية سنة 1954م، 3 آلاف نسمة، استشهد منهم على يد قوات الاستدمار الفرنسي 1070 شهيد، فقد حفر اسمها في تاريخ الجزائر. ويذكر أنه منذ اندلاع الثورة الجزائرية أضحت (بني سنوس) منطقة محرّمة وملغمة من طرف الجيش الفرنسي، فاضطر رجالها، ونساؤها إلى الالتحاق بصفوف المجاهدين من جيش التحرير الوطني في جبال المنطقة، ومن تخلف عن الالتحاق والإسراع بالركب، فقد أودع من قبل القوات الفرنسية في المعتقلات، والمحتشدات، والسجون، وأحيطوا بما يزيد عن أربعة آلاف جندي فرنسي من رجال الكمندوس، والمظليين، كما تدرب بجبالها قادة الحركات التحريرية الإفريقية. بالنسبة لنضال فاطمة خليف السياسي، ذكر المؤلف أنها فتحت عينيها على بطش المستعمر الفرنسي الذي سفك دم والدها، وقال إنها لم تكن تفهم، وهي صغيرة لماذا يقتلون الرجال والنساء والأطفال الأبرياء؟ ولماذا يلجأون إلى الإبادة الجماعية للشعب الجزائري؟ ولماذا يحرقون الأحياء بالبنزين والنابالم؟ ولماذا تغتصب الفتاة أمام والديها وعمّها وأخيها؟ ولم تكن تعي لماذا يدفن الأحياء جماعياً في حفرة واحدة؟ ولماذا تبقر بطون الحوامل، ويراهن الجندي الفرنسي على ما في بطنها أوَلد هو أم بنت؟لماذا يقتلون الرجال والنساء والأطفال؟ ويشير الدكتور قنطاري إلى أن هذه الأسئلة قد أرهقت فاطمة وحيّرتها، ومع مرور الأيام تنامى حسّها السياسي، وأصبحت مولعة بتتبع الأحداث ومتابعة الأخبار.
 

بنت الجزائر

عضو مميز
ونظراً لأن جميع أفراد عائلتها ومنطقتها كانوا من المناضلين الثائرين ضد الاستدمار الفرنسي الذي اغتصب وطنهم، ودينهم الإسلامي، ولغتهم العربية، فقد كانوا يأخذونها أحياناً، وهي ماتزال شابة لحضور اجتماعات جبهة وجيش التحرير الوطني بمنطقتها مع بعض المناضلات والمجاهدات، وتدريجياً أصبحت عائلتها مركزاً لجبهة التحرير الجزائرية المسلحة في سنواتها الأولى، وكان دورها تموين المجاهدين، وتخزين الأسلحة، والذخيرة الحربية.إضافة إلى إيواء الجرحى والمرضى من المجاهدين والمجاهدات، لاسيما منهم الذين يأتون من المناطق الداخلية للوطن، ويعتصمون بجبال بني سنوس، أو حينما يكونون في طريقهم إلى القواعد الخلفية للعلاج على الحدود المغربية الجزائرية عبر جبال (عصفور) في الأيام الأولى التي تلت تفجير الثورة الجزائرية. وتحدث الدكتور قنطاري عما روته له في حديث شخصي عن معركتها الأولى، بتاريخ 6 جويلية 1956 بعبدوس - بوسدرة وغيرهما، حيث دامت ثلاثة أيام بلياليها بين القوات الفرنسية ووحدات جيش التحرير الوطني من المجاهدين. شاركت فيها الدبابات والمدرعات، ما يزيد عن عشرين طائرة حربية، وستة فيالق من رجال الهندسة الميكانيكية أغلب جنودها من اللفيف الأجنبي من رجال الكمندوس. كل هذه القوات مجتمعة انطلقت في عملية تمشيط من تلمسان، مغنية، سبدو، الغزوات وغيرها من الجهات.وأسرعت أفواج جيش التحرير بمساعدة أفراد الشعب الجزائري بالمنطقة بتحطيم جسر (تزاريفت) مع تخريب الطرق كثيرة المنعرجات، بدأت المدفعية والطائرات تقصف مواقع المجاهدين والقرى والمداشر المجاورة لتحضير أرضية الهجوم. التحم الجيشان في معركة شرسة تكبّد فيها الجيش الفرنسي 200 قتيل واستشهد 45 مجاهداً». وتضيف فاطمة: «في هذه المعركة استشهد والدي بالرصاص وأغلبية أفراد عائلتي، وأحرق منزلنا، ولم يعد لنا بيت نأوي إليه. رافقت بعض أخواتي اللائي بقين على قيد الحياة مع عائلات المداشر الفارة والتحقنا بالجبال»، وقد واصلت فاطمة جهادها، وقامت بتضميد جروح المجاهدين، وسهرت على شفائهم وراحتهم، والاتصال بأفراد الشعب في القرى المجاورة». وروت فاطمة للدكتور قنطاري أنه «في بداية نوفمبر 1956م ألقت القوات الفرنسية القبض عليها وهي مصابة بجروح بليغة إثر معركة دامية دامت يوماً كاملاً، حيث أُخذت مقيّدة بالأغلال، وملابسها ممزقة، حافية القدمين تمشي والدماء تنزف منها، ورغم حالتها المرثية، فقد سلط عليها جنود الاحتلال وزبانيته أبشع أنواع التعذيب، والإهانة المعنوية والضرب الجسدي ومختلف الوسائل الكيمياوية والأوساخ والكي بالنار والكهرباء، وجرح مختلف مواقع جسمها خاصة الحساسة منه ودهنها وطلائها بالأملاح، وقد استمرت عملية التعذيب عدة أيام». وذكر المؤلف أن فاطمة بقيت ثلاثة أشهر تحت التعذيب للحصول على معلومات تتعلق بمخازن الأسلحة وذخيرتها الحربية ومراكز التموين وعدد المجاهدين، وأفراد الشعب الذين يموّلونها بالمال، والأطعمة، ولكنها لم تقدم أية معلومات لقوات الاستدمار الفرنسي، ولم تنبس ببنت شفة، وتحملت كل أنواع التعذيب.وفي شهر مارس1957 ألقت بها القوات الفرنسية في قريتها، وأخذها بعض أفراد عائلتها ممن بقوا على قيد الحياة، وقدموا لها علاجاً بسيطاً جداً، وعلى الرغم من جراحها الخطيرة والمتعفّنة فقد أجبرتها مصالح الأمن العسكرية الفرنسية على القدوم يومياً إلى مركز مخصص للإمضاء والتنقيط، ونظراً للظروف الصحية الصعبة التي كانت تمر بها فاطمة فقد قررت القيادة الثورية لجبهة التحرير الوطني الجزائري تهريبها ليلاً إلى أحد مراكز العلاج السرية.
 

بنت الجزائر

عضو مميز
ويشير الدكتور قنطاري، إلى أن فاطمة روت أن العدو الفرنسي قد تكبّد خسائر فادحة في الأرواح، لأن جيش التحرير كان مسلحا بأسلحة حديثة أرسلها أحمد بن بلة ورفاقه بالخارج على متن الباخرتين (دينا وفاروق) في ربيع سنة 1955م إلى الموانئ المغربية لإدخالها إلى الجزائر لدعم المجاهدين، وتسليح المسبلين. ويشير الدكتور محمد قنطاري إلى أن ما سُرد من أحداث هذه القصة الواقعية المؤلمة، لا يختصر ما توالى في حياة فاطمة من ضروب المحن، ويصف محنتها التي تلت هذه المحن بقوله: «شاءت طبيعة تحرير الوطن استمرار المعارك، التي كان المجاهدون بشجاعتهم الفذة يسجلون فيها الانتصار تلو الآخر، الأمر الذي أثار فضيحة القوات الفرنسية وآل بها إلى تعزيز طاقاتها القتالية من عدة وعتاد». ويؤكد المؤلف على أنه من خلال اطلاعه على الوثائق والصور، وقيامه بتحقيقات ميدانية، وشهادات مسجلة مع من عايشن الأحداث، وتعرضن للاغتصاب، إضافة إلى اعترافات القادة العسكريين والجنود الفرنسيين والحركى العملاء، فإن عمليات التفتيش العسكرية الفرنسية، وأجهزتها الأمنية كانت تتم على المشبوه في انتمائهم إلى جبهة وجيش التحرير الوطني فيقومون بتفتيش منازلهم، وحينما لا يجدون الرجال كانت تؤخذ البنت البكر أو الزوجة أو الأم من طرف العساكر إلى المراكز العسكرية كرهينة لتسليم الأخ، أو الزوج، أو الأب إلى القوات الفرنسية فتتعرض للتعذيب والاغتصاب. وعند الانتهاء يتم التخلص منهن بالقتل الجماعي، ومن تتمكن من الفرار تذهب إلى منزلها الأسري أو الأبوي فتنتحر، أو تقوم بعمليات استشهادية ضد القوات الفرنسية لتمحو أثرهن، أما في البوادي فقد كانت القوات الفرنسية تقوم بعمليات التمشيط وإلقاء القبض على عدد كبير من النساء والفتيات، ونقلهن إلى المراكز والثكنات العسكرية وإلى المحتشدات والمعتقلات لتعذيبهن واستغلالهن. ويؤكد الدكتور قنطاري على أن هناك شهادات قد يجفّ القلم عن تدوينها ويعجز اللسان عن وصفها والنطق بها، ولا يتصور العقل البشري ما قام به الجيش الفرنسي والأجهزة الأمنية والعملاء، من جرائم ضد الإنسانية. وروى المؤلف قصة الأسيرة الطالبة الفرنسية الآنسة «كوماس»، التي تمّ أسرها وقدمت شهادتها على حسن المعاملة التي لقيتها من قبل المجاهدين، وتعرض بعدها لحياة المعتقلين السياسيين، وأشار في هذا الشأن إلى أن مؤسسة السجن تقوم باستمرار، وبدون إعلام، بعمليات تفتيش المناضلين بشكل عنيف، حتى تطمئنّ من محاولات الفرار، ومن حيازتهم على آلات، وأدوات مختلفة تستعمل في الفرار.أما خلاصة الكتاب التي جاءت في ختامه، فقد كتبها العلاّمة الشيخ محمد الصالح الصديق، الملقب بعمدة المؤلفين الجزائريين، قدم فيها في البدء لمحات عن نضال، وتضحيات وكفاح الشعب الجزائري.


يتبع...
 
نستذكر نضال الشعب الجزائري الحر وجهاده ضد الآستعمار الفرنسي الهمجي ،،
يحدثني ابي انه كان يجوب الشوارع هنا في الكويت مع مجموعه من الشباب يحملو شعارات ضد المستعمر الفرنسي وكانو يجمعو التبرعات للشعب الجزائري المجاهد ،،
رحم الله شهداء الجزائر الذين ارخصو ارواحهم في سبيل حرية وكرامة وطنهم ،،
 

بنت الجزائر

عضو مميز
نستذكر نضال الشعب الجزائري الحر وجهاده ضد الآستعمار الفرنسي الهمجي ،،

ذكرى خالدة مدى لحياة
يحدثني ابي انه كان يجوب الشوارع هنا في الكويت مع مجموعه من الشباب يحملو شعارات ضد المستعمر الفرنسي وكانو يجمعو التبرعات للشعب الجزائري المجاهد ،،

و لا اشك في هذا لان الثورة حضيت بدعم و تعاطف عربي كبير و هذا اكيد تصرف كل عربي حر و مهما كانت الخلافات الا انه وقت الجد لابد ان يلتحم الجميع
فلتحيا العروبة و الاسلام

رحم الله شهداء الجزائر الذين ارخصو ارواحهم في سبيل حرية وكرامة وطنهم ،،

آمين يا رب
كان شعار اي واحد محكوم عليه بالاعدام من فرنسا كان يقول قبل قتله بلحظات اموت انا و لتحيا الجزائر بعدي
اموت انا و يعيش اللي بعدي بكرامة مستقلين

سرني جدا مرورك اخي الفاضل
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

بنت الجزائر

عضو مميز
واضحة بارزة ومتعددة وهذه صور عن بعض النماذج النسائية المناضلة في الثورة التي تعكس شجاعتها و بطولتها من خلال صورة الزوجة المجاهدة و الشهيدة التي ترسم بطولتها وملامحها قصة (فاطمة) التي عاشت حقا ثورة أول نوفمبر بكل ما فيها من أبعاد، وهي تقطن في كوخ منعزل عن أكواخ القرية، حيث تداهمه فرقة من الجيش الفرنسي قصد التفتيش، وتسألها بإلحاح عن زوجها من قِبل أحد الجنود، فتجيب بحدّة : " ابتعد أيها الوحش اللئيم، فإن كان لديك واجب، فهو أن تفتّش البيت، لا أن تسألني أين زوجي، إن زوجي جزائري قبل كل شيء، وهو حر في تأدية واجبه, لم ينتظرها تتم حديثها، وإنّما صفعها بوحشية، ليخرج زوجها من الداخل موجها رصاصه إلى الجنود، فيقتل الجميع، وتدور معركة إثر ذلك، ويُعْتَقل زوج فاطمة مُثخَناً بالجراح، وهو الذي تزوّجها بعد استشهاد زوجها الأول، ليرعى ولده من بعده " (9).

لقد حاولت (ونيسي) تسليط الأضواء على الثورة التحريرية، وإبراز المواقف النضالية المشرّفة، وخاصة تلك التي امتازت بها المرأة الجزائرية بوقوفها إلى جانب الثوار ومساندتهم.

وقصة (فاطمة) هي رمز لكل امرأة جزائرية ناضلت وشاركت مع أخيها الرجل، فنالت أقسى العذاب، وتعرضت لأبشع التنكيل في سجون العدو، فأحداث هذه القصة تجري في قرية (أولاد ناصر) التي اتخذها المجاهدون مكانا يلجأون إليه للراحة بعد قيامهم بالعمليات الفدائية، سواء داخل المدينة أو خارجها، وذات يوم هجم المظلّيون على القرية مما أدخل الرعب في نفوس السّكان، ولما تفوّق جنود الاحتلال على الأكواخ للتفتيش، انفرد ثلاثة جنود وقصدوا كوخا، كان بعيدا عن أكواخ القرية فدخلوه وبدأوا التفتيش، وعندما لم يجدوا ما جاءوا من أجله، حاول أحدهم الاقتراب من (فاطمة) والاعتداء على شرفها، فابتعدت عنه ثم رفعت طفلها وضمّته إلى صدرها، ووقفت في ثبات وكبرياء متحدية قوّتهم، ولما تمادى أحدهم وتطاول عليها، انطلق صوت زوجها المجاهد من المخبأ، واختلط بصوت الرصاص الذي انطلق من رشّاشه. فسقط على إثره الجنود الثلاثة قتلى، مما جعل بقية الجنود يسرعون نحو مصدر الرصاص، فأحاطوا بالكوخ، وراحوا يُمطرونه بالنّار فأصيب المجاهد بجروح، وتمكنوا من إلقاء القبض عليه وحمله إلى المعتقل(10).

وقصة (فاطمة) جسّدت وعكست برؤية ثورية نضال المرأة الجزائرية، وجهادها، وعملها الفدائي، فالمرأة التي أنجبت الأبطال الذين دافعوا عن كرامة الوطن وسيادته، لم تقف مكتوفة اليدين أمام قضية وطنها، بل كانت سبّاقة إلى الجهاد على جميع الأصعدة، مساندة ومساعدة للمجاهدين أينما تواجدوا.

أما صورة الزوجة المجاهدة الشهيدة : فتتمثل في قصة (خَرْفِيَة) المجاهدة التي وقَفت مع
 

بنت الجزائر

عضو مميز
إخوانها المجاهدين، ولم تنعم بزواجها سوى خمسة أشهر، حيث استشهد زوجها (عبد القادر) عندما التحق بالمجاهدين.

إن صورة (خرفية) الشهيدة تتصدر قائمة المجاهدات في المجموعة، وقد منحتها القاصة السِّمات العامة والفردية التي تجعلها نموذجا للوطنية العالية، فهي زوج مجاهد قائد، يستشيرها ويطلب عونها، فكانت أهلا لثقته، وتعلم من أسرار الجهاد والمجاهدين الكثير.

أما عن دور الممرضة في الثورة فيتجسد في قصة (المرأة التي تلد البنادق)، حيث يطلب خطيب (زهية) أن تستقبل في مكان عملها في المستشفى واحدة تدعى (فاطمة)، وتفعل ذلك مدّعِية أنها صديقَتَها جاءت قصد المعالجة، وتطلب (فاطمة) من (زهية) أن تحدّثها على انفراد، وتنتقل الاثنتان إلى غرفة أخرى فتجد أن حمل (فاطمة) إنّما هو من نوع آخر، لقد كان السلاح تحت حزامها، وها هو يُحتضن من قِبل(زهية) أمانة ليتسلمه خطيبها في آخر الدّوام، ، لقد نجحت المهمة التي عبّر من خلالها أبطال القصة عن إيمانهم بالكفاح المسلح أيام الثورة .وهذا مقطع حواري يُجسّد هذه المواقف الثّورية النضالية، يدور بين شخصيّتين نسائيتين في قصة (المرأة التي تلد البنادق):

" هل أنت خائفة؟ لا تخافي يا صغيرتي المسكينة إنها كنز حصلنا عليه ، ولم أدر إلاّ ويداي تُمسكان الأمانة: إنّها باردة صلبة، تجمّدت لها أصابعي، وجفّ لها حلقي، وقُلت لاهثة:
و
لكنني لم أكن أعلم أن الأمانة من هذا النوع، أو أنها بمثل هذا الحجم، وأين لي أن أخبئها؟

- إنّك ستحملينها، تماما، كما حَملتها أنا لمنزل خطيبك هذا المساء عندما تنتهي نوبتك في المساعدة، وحَمَلْتها كما حَمَلَتها صديقتي(فاطمة) أو (عائشة)
أو لست أدري لا يهم، شعرت ساعتها بالقوة والاعتداد بالنفس والسعادة " . إنّ شخصية (زهية) في القصة ليست إلا الوجه الآخر للعفوية التي كانت تدفع الناس تحت ضغط إحساسات ما إلى الاشتراك في الثورة، وهذا ينطبق على النساء كما ينطبق على الرجال.

من خلال هذه النماذج و الصور النضالية، أبرزت(ونيسي) شجاعة المرأة الجزائرية، وكشفت عن المواقف النضالية المشرّفة التي امتازت بها المرأة الجزائرية بوقوفها إلى جانب الثوار والثورة مساندة ومضحية، داخل المعتقلات والسجون التي تظل راسخة في الذاكرة الجماعية.

كما تتجسد في كتابات ونيسي عدة صور قصصية تعكس صورا للثّكل والتّرمل، التي عانت من ويلاتها المرأة الجزائرية أثناء وبعد حرب التحرير:

ففي قصة (
عقيدة وإيمان) تبدو فيها الأم العجوز الثكلى تقف أمام أحد المساجد، وهي تسأل عن ابنها الذي نال شرف الشهادة في معركة المصير وعيناها لا تكفّان عن البكاء.
 
التعديل الأخير:

بنت الجزائر

عضو مميز
أ
ما صورة الأرملة فتجسدها قصة (وردية)؛ هذه المرأة التي جاءت من الريف إلى المدينة بحثا عن عمل لسد رمق صغارها(كمال، سعيد، صليحة)، بعد أن استشهد زوجها في إحدى المعارك في حرب التحرير في بلدة (سيدي عيش)، وها هي في شارع (ديدوش مراد) في الجزائر العاصمة، تنتقل من بيت إلى آخر، تتذكر كيف أن دورية عسكرية قضت على زوجها.

...دخلت إحدى البنايات ثم عادت مهرولة لأنها أبت أن تخدم عند فرنسي، وفي وسط الزحام والسيارات تسقط على إثر حادث اصطدام، ويجتمع الناس ولا يُسمع منها وهي تفارق الحياة غير(أولادي)، يتجلى هذا الموقف الدرامي في هذا المقطع القصصي:

"... ولكن (وردية) لا يظهر أنها سمعت شيئا من كل ذلك، كان لسانها فقط يردد بنَفَس
متقطع:- أولادي...

ويتهاوى رأسها الصغير ليلمس حافة الرصيف النائم الذي كان لا يزال مبلّلا برطوبة الليل الباردة " (13).

من خلال هذه القصة يلاحظ أن الكاتبة أبرزت الدور النضالي للمرأة الرّيفية، فبطلة هذه القصة قد تضاعف دورها بعد استشهاد زوجها، فتحمّلت مسؤولية العمل لإعالة أولادها، وكانت مستعدة لمواجهة كل الصعاب من أجل حياة كريمة وسعيدة لأبنائها.


أما صورة المرأة السجينة فتجسدها ونيسي في قصة (وراء القضبان)عبر ذكريات سجينة

قد أصبحت مسؤولة في مكتبة ثانوية وفي دوامة ذكرياتها أيام الثورة قبل خمسة عشر عاما، يوم أن كانت في سجن (بربروس) (مع زميلات مجاهدات، ثم نُقلن إلى فرنسا، وتتذكر الخالة (وردية) التي قتلت جُنديا فرنسيا ومزقت الآخر بأظافرها، ويخيّل إليهم أنها مجنونة فيتركونها لأقبية السجن.وفي شريط الذكريات تتجلى نفسية السجينات و معاناتهن:

"... لقد كانت ساعة الفجر هي ساعة تنفيذ الإعدام عند الطغاة، وساعة الاستشهاد عندنا، نعم إنه كذلك رغم أن (جميلة) جارتي في الزنزانة المجاورة، ضحِكت مني عندما بدأت أحلل لها الفرق بين هذه وتلك، ساعة الإعدام وساعة الاستشهاد، ضحكت مني وهي تقول: نعم إنه الموت، والموت وحده ولا شيء غيره يا (خديجة).

قلت:- نعم إنه الموت أوافقك .. ولكنه يختلف مناّ إليهم، إنهم يرونه إعداما، ونراه نحن استشهادا " (




 
التعديل الأخير:

بنت الجزائر

عضو مميز
, إذا اتتك مذمتي من ناقص فهي الهادة لي بأني كامل

تعجبني اخلاقك شكرا لك فهي تدل على حسن تربيتك اللهم بارك
سلامي لك يا ابن الاسلام و العروبة
و على فكرة لست مجبرا على الرد و لا احد طلب منك الرد و لا داعي للعصبية منوراء ردك او ابتعد قليلا لانك ستنفجر بعد قليل فلتنفجر بعيداا
 
التعديل الأخير:
أعلى