أنت أنت الله ...

بوسند

عضو ذهبي
هذه المقطوعة الأدبية الراقية من كتاب خواطر نفس للدكتور الأديب منصور فهمي .. و هي عبارة عن لوحة أدبية يرسمها الكاتب بكلماته .. فتتجسد كأنها صورة ماثلة أمام عين البصير ..

قرأتها .. فشعرت بانتعاشة أدبية روحية .. تهز النفس .. و تملأ القلب بالنشوة ..
فأحببت أن تشاركوني فيها ..

أنت أنت الله

إذا ما اتجه الفكر في السموات .. حيث انتشارُ النجومِ في الليل ..

و إذا ما كَلّ البصر فيما لا نهاية له في الآفاق المظلمة ..

و إذا ما خشعت النفس خشعتها من رهبة السكون الشامل ..

فإنك تُشرِف بوجهك الكريم من خلال هذه الآفاق .. و تُسمع صوتك في ذلك السكون .. و تمس بعظمتك النفس الخاشعة المطمئنة ..

حينئذ تبدو الآفاق المظلمة كأنها باسمة مشرقة .. ويتحول السكون إلى نبرات مطربة .. تنبعث من كل صوب ..

و حينئذ تتغنى النفس الخاشعة لتقول : أنت أنت الله


و إذا ما كان المتأمل على شاطئ البحر الخِضَم .. وأرسل الطرف بعيدا .. حينئذ تختلط زرقة السماء بزرقة الماء ..

و حيث تنحدر شمس الأصيل رويدا رويدا كأنها الإبريز المسجور .. لتغيب في هذا المتسع الملح الأجاج ..

و حيث تتهادى الفُلك ذات الشراع الأبيض في حدود الأفق الملون بألوان الشفق .. كأنها طائر يسبح في النعيم ..

إذا ذاك يشعر المتأمل بعظمة واسعة دونها عظمة البحر الواسع ..

و إذ ذاك تَقَر العين باطمئنان الفلك الجاري على أديم الماء الممهد .. و في رعاية الله الصمد ..

حيث تكون مظهر العظمة .. و حيث تطمئن النفس لرؤية ما تطمئن إليه من منظر جميل ..

إذ ذاك يدق الفؤاد بدقات صداها في النفس أنت أنت الله



إذا ما انطلقت السفينة بعيدا بعيدا في البحر اللجي ..
و هبت الزوابع ..
و تسابقت الرياح ..
و تلبد بالسحاب الفضاء ..
و اكفهر وجه السماء ..
و أبرق البرق ..
و أرعد الرعد ..
و كانت ظلمات بعضها فوق بعض ..
و لعبت بالسفينة الأمواج ..
و أجهد البحار جهده ..
و فرّغ الربان حيلته ..
و أشرفت السفينة على الغرق ..
و تربص الموت من كل صوب و حدب ..

إذ ذاك يشق ضياؤك هذه الظلمات و المسالك .. و تحيط رأفتك بهذه الأخطار و المهالك .. و اتصل بحبال نجدتك المكروبين البائسين ..

إذ ذاك يردد القلب و اللسان : أنت أنت الله



و إذا ما اشتد السقم بمن أحاطت به عناية الأطباء .. و سهر الأوفياء .. و نام بين آمال المخلصين و دعوات المحبين ..

ثم ضعفت حيلة الطبيب .. و لم ينفع ولاء الحبيب .. و استحال الرجاء إلى بلاء ..

إذ ذاك تتجلى مستويا على عرش عظمتك .. و النواصي خاشعة .. و النفوس جازعة .. و الأيدي راجفة ..

لتقول : أنا قضيت ..

و يقول الطبيب و القريب و الحبيب : أنت أنت الله


و إذا ماباين الدنيا إنسان و باينته ... إذ ينظر إلى المال فيلقاه فانيا ..

و إلى الجاه فيلقاه ذاويا ..

و إلى الأماني فيلقاها زائلة ..

و إلى الآمال فيجدها باطلة

و إلى الشهوات فيجدها خادعة كاذبة ..

و إلى المسرات فيجدها آفلة غاربة ..

إذ ذاك يستغني عن الجاه و المال .. و تشل في نفسه حركة الآمال ..

وبين جاه يدول .. و أمل يزول ..

لا يملأ فراغ النفس إلا ذكرك .. أنت أنت الله


و إذا ما وقعت العين على زهرة تتفتق في الأكمام .. أو تلاقت العين بعين يملؤها الحسن و الابتسام ..

و إذا أعجب المعجبون بجمال الفجر المتنفس .. و تغريد الطير المتربص ..

و عاود الصدر انشراحه .. و ملأ القلب ارتياحه ..

إذ ذاك يشرق في قلوبنا نورك الجميل ، فنراك .. أنت أنت الله

فيما يمس النفس من مظاهر العظمة .. و مظاهر السعة .. و مظاهر الرحمة .. و مظاهر القدرة و القضاء .. و مظاهر الدوام و البقاء .. و مظاهر الجمال و الجلال ..

اعتاد الناس أن يصفوك بالعظيم .. و الواسع و الرحيم .. و القادر و الدائم .. و الجميل و الجليل .. و أوتار القلوب تردد : أنت أنت الله .. أنت أنت الله
 

وسم*

عضو مخضرم
إذا ما انطلقت السفينة بعيدا بعيدا في البحر اللجي ..
و هبت الزوابع ..
و تسابقت الرياح ..
و تلبد بالسحاب الفضاء ..
و اكفهر وجه السماء ..
و أبرق البرق ..
و أرعد الرعد ..
و كانت ظلمات بعضها فوق بعض ..
و لعبت بالسفينة الأمواج ..
و أجهد البحار جهده ..
و فرّغ الربان حيلته ..
و أشرفت السفينة على الغرق ..
و تربص الموت من كل صوب و حدب ..

إذ ذاك يشق ضياؤك هذه الظلمات و المسالك .. و تحيط رأفتك بهذه الأخطار و المهالك .. و اتصل بحبال نجدتك المكروبين البائسين ..

إذ ذاك يردد القلب و اللسان : أنت أنت الله


يالله فعلا كلام جدا مؤثر خاصة هذه الفقرة التي يقشعر لها البدن بمجرد تخيل المكان والموقف الصعب
مشكور يالغالي على هالاختيار الموفق
 
أعلى