أحمد شهاب/تعزيز مفهوم الإصلاح السياسي في الكويت

تعزيز مفهوم الإصلاح السياسي




الخميس, 15 مايو 2008


أحمد شهاب



رغم التطورات الكبيرة التي تشهدها الحياة السياسية في الكويت، فمن الواضح أن الحكومة والمجلس لم يضعا بعد إستراتيجية متينة للتعامل مع المستجدات المتسارعة على الساحة الوطنية.. من المفهوم، أن مجلس الأمة يبذل جهودا حثيثة لتحقيق إنجازات نوعية في الساحة مع الحكومة، لكن الطرفين عجزا حتى الآن عن الانتقال للخطوة التالية وهي تنفيذ الانجاز فعليا على أرض الواقع، فلاتزال التنمية في أبعادها الاقتصادية والسياسية والتعليمية والصحية في أدنى مستوياتها، رغم أن الظروف السياسية والاقتصادية تبدو مواتية جدا للنهوض والتغيير، والأوضاع الصحية والتعليمية لا تحتاج إلى أكثر من إعلان خطة عمل مركزة للانتقال بالبلد من مرحلة الفشل والتراجع إلى النجاح والتقدم.
ويعتقد بعض المهتمين بالشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون أن الوفرة المالية التي دخلت على دول الخليج بصورة عامة في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد الارتفاعات المذهلة لأسعار النفط تعد من الفرص التي لن تتكرر كثيرا، وربما لن يكتب لها الاستمرار طويلا، وحسب المعطيات الراهنة فإن الوفرة المالية التي تنعم بها دول الخليج يمكن أن تنتقل بها إلى مصاف الدول المتقدمة لو استثمرت بصورة سليمة، وإذا لم تستثمر بشكل جدي ووفق خطة مدروسة فإنها لن تعود مرة أخرى.

نهضة الكويت
يعلق البعض «نهضة الكويت» على مدى قدرة المجلس والحكومة على التوصل إلى درجة معقولة من التوافق بينهما، فواقع الحال في البلد يميل إلى الربط بين الترهل السياسي والواقع السائد، فالتعثر التنموي ما هو إلا نتاج طبيعي للاحتقان السياسي الحاد والمستمر بين المجلس والحكومة، وكانت إحدى نتائجه الوخيمة عرقلة حركة التنمية في البلد ووأد مشاريع التطوير المالي والإداري، وما يقال عادة في هذا الشأن من الرغبة في تحويل الكويت إلى مركز مالي واقتصادي مهم على مستوى المنطقة، وهو ما دفع بعض العقلاء في البلد إلى بذل مساعٍ حثيثة نحو تحقيق درجة من المصالحة الداخلية بين الطرفين، اقتناعا منهم بأن البلد لا يمكن أن تسير بخطوات ثابتة للأمام في ظل اشتداد الأزمات وتوتر العلاقة بين البرلمان والسلطة، لكن على الرغم من تلك الجهود فليس من المرجح أن تنجح المصالحة الحالية بين الطرفين، لأنها ببساطة لا تنطلق من ثوابت إستراتيجية، وإنما تتحرك وفق خط بياني متعثر غير محدد الوجهة.
خلال السنوات القليلة الماضية قامت الحكومة بخطوات ملموسة لمعالجة الخلل والإشكالات المتعلقة بهذا الموضوع، لعل أبرزها المساعي التي بذلها رئيس الوزراء لرأب الصدع مع المجلس، وتخفيف حالة الاحتقان إما عن طريق تبديل الوزراء، أو من خلال تقديم ما يثبت الرغبة في مد يد التعاون مع المجلس، كذلك تسجل المحاولات العقلانية التي قام بها بعض أعضاء المجلس لوقف العلاقة من التدهور، والوصول إلى نقاط اتفاق وتراضي بين الطرفين، لكن كل تلك الجهود انتهت إلى الفشل الذريع، وحتى الآن فإن الجميع يتساءل عن المخرج الملائم من هذا المأزق، وعن طريق نجاح جهود المصالحة.

ثقافة الإصلاح السياسي
يمكن للمصالحة أن تنجح إذا كان الطرفان قد اتخذا قررا نهائيا في مسألة الإصلاح الشامل، أي انطلقا من رؤية سياسية محددة ترتكز على أهداف وطنية تتسم بشيء من الوضوح والتفصيل، وترمي نحو تحقيق إنجاز منظور على المستقبل القريب والمتوسط، ووفق هذه المعطيات يتم التحلق حول طاولة الحوار الوطني لتحريك عجلة الإصلاح السياسي بصفته المدخل الأساسي للإصلاح الشامل.
على أن المعضلة الأساسية تكمن في أن مفهوم الإصلاح السياسي ورغم كل الحراك الذي يدور على المستوى المحلي، وما تشهده الساحة المحلية من تكرار لمفردة الإصلاح في البلاد خلال السنوات الأخيرة، لم يتحول إلى جزء من الثقافة السياسية الكويتية، ناهيك عن التعمق الذي يتصل بتطبيقاته المختلفة من تطور في رسم السياسات العامة للدولة وما يتعلق بسبل اختيار الوزراء، ومستوى أدائهم، وأسس تقييمهم، أو على مستوى أساليب العمل في المؤسسات والإدارات الحكومية.
فمن الواضح أن تطور مفهوم الإصلاح السياسي في الخليج بصورة عامة لا يزال في مراحله البدائية بالمقارنة مع المراحل المتقدمة -نوعا ما- التي قطعتها مجتمعات أخرى في المنطقة رغم أنها لا ترتقي إلى مستوى التطور السياسي والاقتصادي الذي تشهده دول الخليج، فقد ظلت الكويت وجيرانها الخليجيين يتمنعون عن تطوير أدائهم السياسي خشية من تداعيات التطوير، خاصة وان مفهوم الإصلاح والتطوير السياسي استهدف إصلاح نظم الحكم عن طريق الحد من هيمنة النخب الحاكمة، وتعزيز المشاركة الشعبية وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار.
وقد ساهم هذا القلق في انتقال المعركة من كونها معركة فريق مع الإصلاح السياسي وفريق ضده، ونزاع حول ماهية الإصلاح السياسي وأبعاده، إلى معركة تستهدف تقويض مفهوم الإصلاح وتجريده من مضامينه السياسية، وبدلا من الحديث عن الإصلاح الهيكلي تحول الحديث إلى الإصلاح الوظيفي والإداري، حتى أن مطالب النواب وصراعهم انساق بشكل تلقائي خلف هذه المعركة الفرعية، وهي معركة عائمة لا تستطيع أن تحقق أي إنجاز يذكر لسبب بسيط ومنطقي إلى حد كبير، وهو أنها تبقي على اللعبة السياسية دون أي تغيير يذكر.
وببساطة فإن كل المعارك الساخنة التي تدور داخل مجلس الأمة، والمطالب التي ترفعها الجماعات السياسية على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها، إنما تبحث عن حلول ترقيعية للمشكلة الأساسية، وتبتعد بمسافة شاسعة عن الحلول الحقيقية والواقعية، بما يشير إلى درجة تشوش المفاهيم والأولويات في الثقافة السياسية المحلية.
فطريق الإصلاح لا يتم عبر ملاحقة الوزراء وتبديلهم بين عام وآخر، ولا عن طريق نصب حالة من العداء والقطيعة بين المجلس والحكومة، ولا عن طريق رفع راية المعارضة من اجل المعارضة، وإنما يتم من خلال رفع قدرة نواب المجلس والجماعات السياسية على التعاون مع السلطة التنفيذية في سبيل خلق نظام سياسي مفتوح، يمتلك القدرة على التفاعل مع المتغيرات والمستجدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة، وان يكون للحكومة منطق سياسي واضح يبرر أعمالها وقراراتها ويخلق حالة من الرضا والإجماع الوطني حولها.
لقد سئم الناس من توتر العلاقة بين المجلس والحكومة، وإذا كان منظر الصخب والتوتر الذي تشهده قاعة عبدالله السالم يشد نظر الناس ويثير اهتمامهم وإعجابهم في السابق، فإن الشريحة العظمى تتحدث اليوم عن سخطها من تأثير تلك النزاعات على مستقبل بلدهم، والكثير منهم لا يرى فيها سوى رغبة من البعض لتحقيق نقاط سياسية لحصد الأصوات لا أكثر، ولكني بعيدا عن ذلك الرأي فإني أميل إلى القول أن ما يحدث ما هو إلا نتيجة لانحراف مفهوم الإصلاح السياسي عن مضامينه الأساسية، وانشغال النخب السياسية بإصلاحات فرعية وهامشية تؤخر حركة الوصول إلى الهدف.
 
حلو :وردة: يكون عندنا كتاب يتلمسون الواقع بهذي الدقة لكن :confused:واقعنا مافيه نضج سياسي يفهم هالتحاليل الطيبة
 
أعلى