ميزان القروض

القروض في الميزان
كتب:النائب الدكتور جمعان الحربش
لا اعتقد ان السؤال هو لماذا رفضنا المشروع المقدم لاسقاط القروض؟ ولكن السؤال الذي يجب ان يوجه لمن صوت مع هذا المشروع، لًمَ صوت مع هذا المشروع وقد اقسم بالله العظيم ان يحترم الدستور؟! والدستور ينص على ان المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وقبل ذلك اين الالتزام بالامر الرباني: (يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم أو الوالدين والاقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله اولى بهما) (النساء: 135).
والناظر في المشروع المقدم قد يجد ان المقترح الاول يشمل المديونيات الصعبة بقيمة اجمالية تصل الى عشرة مليارات دينار، ثم بعد التعديل نزلت القيمة الى ثمانية مليارات دينار.
والحقيقة انه ضمن هذه المديونيات يتفاوت المدينون تفاوتا هائلا، فمن مقترض الف دينار الى سبعين الفا؟ وصنف لم يسدد من مديونيته شيئا الى صنف قارب على تسديد كامل المديونية؟ وفي اسباب الاقتراض تفاوت فمن مقترض لبناء بيت، الى مقترض لعلاج وسداد دين، الى مقترض لشراء سيارة فارهة، الى مقترض للسياحة الى مقترض للبورصة والمضاربة المالية الى مقترض ادخر قرضه في البنك على امل ان تسقط القروض.
واحوال المقترضين ايضا متفاوتة، فالبعض محدود الدخل اضرت به الاقساط، ولا دخل له غير راتبه، وآخر متوسط الدخل، وآخر موسر وغني لا يعرف كم سيخصم من راتبه.
وخارج فئة المقترضين مواطنون لم يقترضوا، بعضهم لعدم الحاجة، والبعض الآخر اقتصد في معيشته كي لا يطرق ابواب البنوك الربوية المحرمة شرعا.
فجاء المشروع مغفلا هذا التفاوت الهائل، وجمع الجميع في سلة واحدة وطالبنا باسقاط جميع هذه القروض دون النظر في الخلل الهائل الوارد في هذا المشروع.
والاخطر من ذلك تبعات نجاح هذا المشروع، الذي اجزم ان الجميع يعلم يقينا انه غير قابل للنجاح، لأنه غير دستوري كما ذكرت اللجنة التشريعية في مجلس الامة، واكدت وجود خلل دستوري واضح فيه ومستقبله الى النهاية الحتمية في المحكمة الدستورية.
لكن ماذا لو نجح هذا المشروع، ما هي آثاره على المجتمع الكويتي وابنائه، لعل اهم هذه الآثار هو تشجيع المواطنين على الاقبال الهائل على البنوك للاقتراض، ولا ريب ان هذا من التشجيع على المنكر اذ سيوقن الجميع انه بحملة اخرى ستسقط قروضهم، وانهم اخطأوا اول مرة اذ لم يقترضوا ولم يطرقوا ابواب الربا، وفي هذا تشجيع كبير على الربا وهو اشد عند الله من الزنى. وثاني هذه الآثار والتبعات هو الغلاء الفاحش الذي سيعم جميع السلع والخدمات والعقار بسبب زيادة هائلة في السيولة. وثالثها هو عزوف كثير من المواطنين عن سداد مديونياتهم مرة اخرى، لأن من سدد منهم اول مرة لم يستفد شيئا، والذي لم يسدد سقطت عنه مديونيته.
ان تصور الوضع الذي ستؤول اليه الكويت واحوال مواطنيها واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن تصوره بالعقل والمنطق ولا يمكن اقراره في ميزان الشرع لو مر هذا المشروع من اجل تكسب شعبي صريح وواضح. ولا اخفي سرا اننا تعاطفنا مع معاناة المواطنين المستدينين قد توجه بعضنا للموافقة على فكرة اسقاط القروض، ولكن لما رأينا حقيقة المشروع المقدم وتبعاته الاقتصادية واخلاله الواضح بموازين الانصاف بين المواطنين توقفنا. والاهم من ذلك انني اردت ان اعزز هذه القناعة برأي من اثق في دينه وعلمه ولا ازكيه على ربه، وهو فضيلة الشيخ الدكتور (عجيل النشمي)، الذي اطلع على المشروع المقدم واكد انه مخالف للعقل والشرع. ولعل اكثر ما جعل الانسان يتوقف هو قول فضيلته: «فضوح الدنيا خير من فضوح الآخرة».
وان كان البعض يحتج بالمديونيات الصعبة، فنقول له اننا لم نشارك في اسقاطها، وعلى من شارك فيها ان يتحمل مسؤوليتها الاخلاقية والشرعية امام الخلق في الدنيا، وامام الخالق في الآخرة، وهل ارتكاب خطيئة في حق الوطن يبرر ارتكاب خطيئة اخرى في حق ابنائه مرة اخرى.
نعلم ان هناك فئة من اخواننا المواطنين متضررين من القروض، وهم من محدودي الدخل، واعتقد ان من واجبنا الاخلاقي والشرعي ان نمد لهم يد العون، خاصة بعد ارتفاع سعر الفائدة الربوية، وتجاوز اقساط المواطنين نصف الراتب، وتجاوز الفائدة اصل الدين.
واعتقد اننا ان لم نمد لهم يد العون بتقديم مشروع متكامل يعالج اوضاعهم ويقيد البنوك عن الاجحاف بهم وينقلهم الى حياة كريمة، فإننا قصرنا في حقهم، وهذا فعلا ما عملنا من اجله. وانا من انصار الحلف القوي الذي يجمع اغلبية نيابية تحقق فائدة ملموسة بعيدا عن التكسب الشعبي ودغدغت مشاعر المواطنين والتلاعب بآلامهم.
والغريب انني وجدت عجبا من كثير من الاعضاء الذين صوتوا مع المشروع، فقد صرح لي اكثر من نائب منهم ان المشروع المقدم غير مقنع، وانه ظالم لفئات اخرى من المجتمع، وان آثاره مدمرة، وحين سألته لم صوت معه؟ قال: سنحترق سياسيا لو وقفنا ضده. والآخر ممن شتمنا في ساحة الارادة دخل علينا وهو يقول: انتم اصحاب الموقف الرجولي، وهذا يذكرني بالمثل المصري القديم «يشتمني في عرس ويمدحني في خرابة».
ايها الناس: «الكويت ليست شركة نتنازع اسهمها ونصفيها، ثم يذهب كل واحد منا الى بلد آخر، الكويت وطن لا نعرف عنه بديلا ولا نبغي به عوضا، هو ماضينا وحاضرنا ومستقبل ابنائنا، اقسمنا على المحافظة عليه حتى لو ضحينا بأرواحنا وأموالنا وكراسينا.. والعاقبة للتقوى».
 
أعلى