رسالة الموت إلى الشعب الكويتي!

د. ساجد العبدلي

جاءت وفاة الشيخ سعد، رحمه الله، في ظل هذا الصخب والتوتر، وكأنها رسالة أريد لها أن تأتي لتخمد الأصوات الزاعقة، وتنزع فتائل التوتر وتطفئ الاشتعالات السياسية التي أضرمت هنا وهناك. جاءت وفاته رحمه الله وكأنها رسالة أريد من خلالها أن يقبل الشعب الكويتي على الانتخابات العامة بنفس مستكينة مستذكرة مآل الإنسان.
كنت أعددت العدة لكتابة مقال اليوم على نسق يتماشى مع انعقاد الانتخابات العامة بعد غد، ولكن وفاة الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله، غيرت الحسابات كلها، وقد حق لها أن تتغير فأمام مهابة الموت ورهبته تتضاءل العبارات جميعها وتتقزم الكلمات كلها، وتتيه كل الأفكار ويعلم الإنسان أنه لا حقيقة كحقيقة الموت!
لن أبالغ فأقول بأنه قد كان لوفاة الشيخ سعد وقع المفاجأة علي، فقد كنا نعلم جميعا أن الشيخ على فراش المرض الشديد منذ فترة طويلة، لكن المفاجئ في الأمر، أو سأقول إن ما يستحق التفكر فيه في هذا الحدث، هو أن رحيله قد جاء في هذه الأيام التي كنا نعايش فيها فترة انتخابية تختلف عن كل الفترات المشابهة السابقة. فترة انتخابية سبقها تأزم سياسي شديد بين الحكومة والبرلمان، انتهى باستقالة الحكومة ثم حل البرلمان، ليستحوذ عليها بعد ذلك مشهد يعصف به الصوت العالي والتجريح الشديد من المرشحين تجاه بعضهم بعضا وكذلك تجاه الحكومة، وتتخلله إجراءات حكومية في اتجاهات متعددة بنمط أقسى وأغلظ مما تعودت عليه الكويت وألفه الكويتيون!
جاءت وفاة الشيخ سعد في ظل هذا الصخب والتوتر، وكأنها رسالة أريد لها أن تأتي لتخمد الأصوات الزاعقة، وتخرس الألسنة المزايدة اللاهجة، وتنزع فتائل التوتر وتطفئ الاشتعالات السياسية التي أضرمت هنا وهناك. جاءت وفاته رحمه الله وكأنها رسالة أريد من خلالها أن يقبل الشعب الكويتي على الانتخابات العامة بنفس مستكينة مستذكرة مآل الإنسان في نهاية مطافه في هذه الحياة الفانية، طال عمره أو قصر.
إن الشيخ الذي كان فينا ورحل، هو ابن باني النهضة الديمقراطية للكويت، هو ابن الشيخ عبد الله السالم رحمه الله، أبو الدستور والدولة المدنية، ذاك الرجل الذي علم وتيقن أنه لا نهضة للكويت إلا عبر المسيرة الديمقراطية فأرسى الدستور الذي نتفيأ اليوم في ظله، ونمارس الحرية المحرومة منها كثير من شعوب المنطقة والعالم.
وكأن الشيخ سعد برحيله في هذه الأيام بالذات أراد أن يبث فينا رسالة تحمل قلقه على مستقبل الكويت وأهلها، وقلقه على مسيرتها الديمقراطية، وإنها والله رسالة عظيمة.
كلها ساعات معدودة ونقف جميعاً بعدها في معزل عن عيون الناظرين أمام صناديق الاقتراع لنختار مَن نريد للوصول إلى البرلمان، فلنتذكر أن الله تعالى يرانا، وأنها أمانة وأنها في يوم القيامة خزي وندامة إلا مَن أداها بحقها، وأن الموت أقرب إلينا من لحظ العين، فكم من قريب وعزيز كان بيننا ورحل، وكم من قريب وعزيز بيننا سيرحل، وحين يحين الميعاد فلن ينفع الندم.
الله الله في أمانتكم... الله الله في وطنكم... الله الله في أهل الكويت... وأسأل الله الرحمة لشيخنا الراحل وأن يغفر له ولجميع موتى المسلمين، وأن يعظم أجر أهله وأن يلهمهم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


بالفعل من اجمل ماقرأت
مهما اختلفنا ومهما اطلقنا الاتهامات
تبقى الكويت
ونحن زائلون
 
أعلى