هل تؤيدون منح الجنسية الكويتية لوافدين؟

هل تؤيدون منح الجنسية الكويتية لوافدين؟
كثير من الناس يعتقدون أنَّ الجنسية شرف؛ والحقيقة أنَّ الولاءَ هو الشرف، وقد يكون الوافدُ عاشقا لوطن غير وطنه الأم ويمنح، ويعطي من جهده وعرقه أكثر مما يفعل ابنُ البلد!
في كل دول العالم هناك وافدون ليسوا زائرين أو سائحين أو مقيمين على سطح المجتمع؛ فإذا تعرض لخطر أو عدوان أو غزو أو أزمة اقتصادية، أداروا ظهرهم، لكنهم التحموا في نسيج المجتمع حتى تظن أن الحمض النووي للوافد ملتصق بتربة الوطن الجديد.
حصلت على الجنسية النرويجية عام 1981 أي بعد وصولي قادما من سويسرا التي قضيت فيها أربع سنوات، وعندما تسلمت جواز سفري النرويجي لم تكن قد مضت ثلاث سنوات ونصف السنة، وأصبحت لي كل الحقوق التي للمواطن النرويجي لا تزيد و.. لا تنقص.
أتفهم تماما طرح هذا السؤال في الكويت الصغيرة، فتعديل التركيبة السكانية كان ينبغي أن يتم منذ خمسين عاما؛ منها وضع شروط اللغة العربية، قراءة وكتابة، واختبارات المواطــَـنة الثقافية، وتنوع جنسيات الوافدين بحيث لا تصطدم مع المجتمع فينتج عن التصادم خليط نشاز مُبهرج فتسير في منطقة يُخيل إليك أنها مقتطعة من كلكُتا أو لاهور أو كراتشي!
ابن خلدون قال في مقدمته إن المغلوبَ يسعى لتقليد الغالب، ولكن التاريخ لا يؤكد دائما على هذا الإكليشيه الخلدوني فقد يؤثر المغلوب على الغالب من حيث لا يدري الطرفان فالصراع يظل قائما على السطح تارة وفي العمق فترات أخرى.
أنا لا أتحدث هنا عن الاستعمار فقط ولكن عن جاليات ضخمة تصبغ البلد المضيف بالذوق والفنون والموسيقى وحتى رائحة الطعام والسلوكيات اليومية.
في الكويت نجح الآلاف من الوافدين في عملية الاندماج الوجداني بدون اللجوء إلى طلب الجنسية الكويتية؛ فانخرطت مقاومة عربية ضد الأقدام الهمجية العراقية منذ فجر الثاني من أغسطس 1990، ولم تمنعهم حقوق منقوصة باعتبارهم وافدين أو مقيمين يقفون في كل عام في صف طويل لتجديد الإقامة، وربما كان السبب يعود إلى الطبيعة اللينة والإنسانية للطبقة الكويتية المثقفة والعادلة، فبين عشية وضحاها أصبحوا أحدَ خطوط الدفاع القوية عن الكويت في مقابل عشرات الآلاف أيضا من الديناريين، أي الذين تحدد مكاسبهم المادية مشاعرهم نحو الكويت، خاصة إذا وقع ظلم عليهم من صاحب العمل.
وكانت النتيجة مشاركة في نهب الكويت خلال الأيام الأولى للغزو العراقي الآثم، فظهرت آلاف السيارات الكويتية المسروقة في عواصم عربية كأن هناك خيطا يربط بين عقل الوافد ونظيره لدىَ عُديّ صدام حسين.
قابلت ضيوفا ووافدين لا تختلف مشاعرهم نحو الكويت عن مشاعر الانتماء نحو وطنهم الأم، والكويت تعرفهم جميعا، خاصة في بلاط صاحبة الجلالة السلطة الرابعة، وكان من الممكن مكافأتهم بُعيد التحرير بجنسية كويتية وكل الامتيازات للكويتي الأصيل، لكن هذا لم يحدث.
أخطأت الكويت عندما لم تحتضن ضيوفها الأوفياء ضمن مواطنيها الأصلاء، فالكويت كان يمكن أن تصبح دولة العدل بكل المقاييس، ولعلنا نتذكر طلب صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح من مجلس الأمة إصدار تشريع حق التصويت والترشح، فرفض الأعضاء الذكور في المجلس حقوق المرأة وهي المناضلة والمقاومة فأينما ولـّيت وجهك إبان الاحتلال وجدت المرأة الكويتية كأنها خط الدفاع الأول، فأمل الحمد في الظهران ثم القاهرة ثم معرض إكسبو 1992 كوجه مشرف ومناضل وقائدة كتيبة الإعلام الخارجي، وهداية سلطان السالم، رحمها الله، تُهرب الأسلحة في خزان ماء البيت من أجل الدفاع الشعبي، والدكتورة رشا الصباح ترفع اسم الكويت، أكاديميا، وهناك مئات من أسماء النساء اللائي رفض أعضاء مجلس الأمة طلب أميرهم في المرة الأولى لمنحهن حقوقهن، فانسحب الظلم على الجميع.
إن صبغ الكويت بصبغة دينية أثار نعرات طائفية وكانت الكويت المحرَرة قاب قوسين أو أدنى من إعلان نموذج للدولة الإنسانية العادلة، خاصة أن العالم برمته، تقريبا، وقف بجانبها.
إن نقاشات التفضيل والمنّ بالجنسية وتحديد الإقامة وتفنيش وافدين لم تعد مناسبة للكويت العصرية، فدول الجوار تتقدم بخطىَ حثيثة كلما أبعدتْ المزايدين دينيا عن قراراتها المصيرية في الدولة المتحضرة.
لقد آن الوقت الذي تتحقق فيه العدالة الكاملة على كل المستويات، وأنا منذ تعرفت على الكويت عام 1982 أرىَ أن الأمن والأمان والعدل مرتبط بآل الصباح الكرام، ولو تُرك الأمر للقوى الدينية والطائفية لما عرفت الكويت يوما واحدًا من الاستقلالية والحرية والتحضر.
أتمنى أن تبدأ الكويت بمنح جنسيتها لمقيمين على أرضها أثبتوا الولاءَ والمحبة والعمل الدؤوب، وتعاملوا مع الديرة أنها بلدهم الثاني أو حتى الأول.
والإقامة الدائمة حق مشروع لمن قضى عددًا من السنوات بدون مخالفات أخلاقية، واللغة العربية قراءة وكتابة تصبح شرطا أساسيا.
إن تقدم أي دولة مجاورة عن الكويت في مجالات حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة وإبقاء المزايدين دينيا بعيدين عن حقوق الإنسان كان ينبغي أن لا يسبق الكويت، فقد كانت لعشرات الأعوام واحة الديمقراطية إنْ تراجع مجلس الأمة في فترة فإن الديوانيات تتبنىَ الهايدباركيين الكويتيين فهم في ظل حُكم منذ قرنين أو يزيد حاول ما وسعه الجهد أن يستثمر في الإنسان والاستقلال والكرامة، لذا لم تستقر الأقدام العراقية الهمجية لأكثر من سبعة أشهر ليتحقق قَسَم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح والشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، رحمهما الله، في تحرير الكويت بأي ثمن.
الجنسية الكويتية والإقامة الدائمة حقّان لا جدال فيهما، ففي الكويت طوال تاريخها المجيد وافدون أكثر ولاءً لهذه الأرض الطيبة من الكويتيين أنفسهم، وهؤلاء وأبناؤهم وأحفادهم ينبغي أن يصبحوا أصلاء بالعمل وطول الإقامة وسلوكيات التحضر وأخلاقيات الوفاء.
امنحوهم الجنسية الكويتية والإقامة الدائمة والمساواة الكاملة وستضحىَ قوة الكويت مضاعــَـفة بضيوفها عندما يصبحون سكانها الأصليين، فالمحبة تترعرع في الصدر إذا روتها العدالة.
لم تتزحزح قناعاتي اليقينينة في آل الصباح الكرام، وتلك هي رؤيتي لأربعين عاما خلت والحمد لله لم تتراجع قيد شعرة.
وسلام الله على الكويت
محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

أوسلو النرويج
 
أعلى