كلمات للتذكير قبـــل عـــيـــد الأم! قـــَـبـِّــل قدميها؛ إنها أمــُــك!

كلمات للتذكير قبـــل عـــيـــد الأم!

قـــَـبـِّــل قدميها؛ إنها أمــُــك!


هل نامت أمُّك يوما ما قبل أن تعود أنت من سهرتك مع أصدقائك، فتشاهدك من النافذة وهي تقاوم النعاس، ثم تنادي عليك مُحذرة إياك من الجزء المكسور في سلالم الطابق الثاني، ثم تقول لك بأن العشاء جاهز ولو بعد منتصف الليل، وتكتشف أنتَ أنها تركت لك الخبز الطازج الطري، وتناولت هي عشاءَها من الخبز الجاف الذي لم يقترب منه الوالد وأخواتك؟

الأم هي المخلوق الوحيد التي يمكن أن تضع الطعام في فمها بعدما يلفظه ابنها الصغير، أما الأب فمن المستحيل أن يقوم بهذا العمل الذي سيعتبره غريبا وغير متحضر!

الأم هي المخلوق الوحيد التي تستيقظ قبل الفجر، وتذهب إلى غرفتك لتُغطي الجزء العاري من أصابع قدميك حتى لو كانت الغرفة دافئة، ثم تتأمل وجهك، الجميل أو الدميم، وكأنك أكثر جمالا من يوسف، عليه السلام.

كان اخوتك يخرجون من الغرفة سِراعـًـا وهم يسدّون أنوفهم. وتأتي أمُك، فتعطيك الحقنة الشرجية، وتشم غائطــَــك الأصفر السائل، فلا تتأفف، فبرازُكَ لم يتغير منذ أنْ كنت في بطنها تسعة أشهر. ثم تمسح مؤخرَتــَـك، وتطبع قُبلة على رأسك متمنية لك الشفاء والنومَ الهانيء، فلا تشكرها، ولا تعتذر لها.

كانت ملابسك الداخلية مسؤوليتَها، ورائحتك الكريهة سرًا في بئر أمومتها، وكرامتك قبل أي شيء آخر، فلا يلاحظ اخوتك أو أبوك بللا أو اتساخا، ومع ذلك فلا تشكرها، ولا تعتذر لها؛ ولو مرة واحدة!

كانت تعرف ليلة أول سيجارة اخترق دخانها رئتيك، فتشم رائحتك وهي تُقبّلك، وتصمت. وكانت تعرف مع من كنت، ومن أغراك ببداية التدخين، وتحتفظ لك بسرك دونما حاجة لاستئذانك، فلا تشكرها، ولا تعتذر لها.

في كل مرة كنتَ تحتلم كانت هي الأسرع لاخفاء ملابسك الداخلية، فتجد النظيفة جاهزة قبل أن تذهب إلى المدرسة، وبسذاجتك تظن أنها لم تلاحظ ولو مرة واحدة.
إذا عاتــَــبــتك لأمر ما؛ ارتفع صوتك فوق صوتها، وإذا زجرك والدك.. أطرقت خجلا أو خوفـًـا، ولم تفهم أنْ قوتها في ضعفها، وضعفَ والدك في صرامته؛ ولم تعتذر لها ولو مرة واحدة.

الفنان السعودي محمد عبده حكىَ أنه في طفولة فقر الأسرة كان ينام على السطوح تحت قدمي والدته، وكان يعتبر نومه الهاديء والمسالم ليلة في الجنة، فتحتَ قدميها الأمان كله يسري في جسده وأحلامه.

كانت ست الحبايب قادرة أنْ تستخلص الصدق والكذب من أي حكاية، وتتألم لآلامك، وتحزن لأوجاعك، وتعرف قصص حبك الطفولية والصبيانية والعبيطة، وكانت تلتقط أول نقطة حيض في ملابس ابنتها، وتزيلها قبل اليوم التالي، فحياءُ أختك ينبغي أن لا يتحول إلى خجل أو حديث بين أفراد الأسرة.

كانت أمُك تضع القرش فوق القرش فإذا بهما يتضاعفان، ويظن والدك أنها تأخذ من الحصّالة، لكنها في الواقع تُدبّر من عبقرية ربة بيت تربطها بالسماء حبال غير ظاهرة لا يعرفها أبوك أو كل ذكور عائلتك.

حتى لو كنتَ تختلف معها، وتصيح في البيت، وتتركه لها وأنت غاضب لأنها تركت أخاك يأخذ قميصك الجديد، فسيأتي الوقت الذي تضحك فيه على تفاهتك لأنك كنت تتمسك بتلابيب أي حجج واهية، وبعدما كبرت، وتزوجت، وملأ أولادُك عليك البيت، فأنت، رغم أنفك، تشتاق إليها لترتمي في أحضانها، فهي المخلوق الوحيد الذي تُشعرك أنك قويٌّ بضعفك أمام صدرها.

أتحدىَ من يقول بأن كل أم كانت تفعل هذا؛ سيحاسبها الله يوم القيامة.

لا تصدّقوا من يقول لكم بأن أمهاتكم، محجبات أو سافرات، مؤمنات أو كافرات، عالمات أو جاهلات، ثريات أو فقيرات، سيُحشَرن في نار جهنم، فحسابُ الأم هو التربية والحنان والمحبة وتماسك الأسرة وسعادة أبنائها فإذا التزمت به، سليقة أو فطرة أو أمومة، فابحثوا عنها يوم القيامة في الجنة، ولا تنصتوا للحمقىَ الذين يحدثونكم عن أم ربت أولادها، وملأت بيتها بهجة، وغمرت فلذات أكبادها حنانا، ثم يحاسبها الله.

لن يسأل الله الأم، يوم القيامة، عن دينها، إنما عن بيتها .. بيت السعادة ولو تحت خط الفقر.

غريبٌ أنك الآن لا تتمنىَ أن تُقبــَّــل رأسَها، ويديها، وقدميها، أو تمرّغ وجهك في تراب قبرها، إن كانت قد رحلت!

غريب أنكَ تقرأ كلماتي ولم تسقط دموعك بعد على وجهك!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج

 
أعلى