نقد كتاب مَسْبُوك الذَّهبِ، في فَضْلِ العربِ

رضا البطاوى

عضو ذهبي
نقد كتاب مسبوك الذهب، في فضل العرب، وشرف العلم على شرف النسب
الكتاب تأليف مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي وموضوعه كما قال المؤلف:
"هذه مسائل تستعذب، ودلائل تستغرب، تتعلق بفضل العرب وما حازوه من شرف النسب والحسب، وسميته (مسبوك الذهب، في فضل العرب، وشرف العلم على شرف النسب) "
وفى المقدمة تكلم المؤلف عن الأصل اللغوى لكلمة العرب قال :
"اعلم أرشدك الله أن العرب - بالضم وبالتحريك - خلاف العجم والعجم - بالضم والتحريك - خلاف العرب من أي جنس كان، من ترك وروم وهند وبربر وزنج والعرب العاربة والعرب العرباء الخلص منهم، وعرب متعربة ومستعربة دخلاء بينهم (ويقال العرب العاربة هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان، و هو اللسان القديم، والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل وهي لغة أهل الحجاز وما والاها من البادية)
قال في القاموس : والعرب سكان الأمصار والأعراب منهم سكان البادية وكلام النحاة يخالف كلام القاموس، فإنهم قالوا : أبى سيبويه أن يجعل الأعراب جمع عرب لأن الجمع أعم من المفرد، والعرب يعم الحاضرين والبادين والأعراب خاص بالبادين قيل : بل الأعراب جمع عربي
وقيل : اسم جنس جمعي لا واحد له من لفظه يفرق بينه وبين واحده بياء النسب، مثل روم ورومي، وزنج وزنجي وهذا أظهر "
والكلام ومعانيه فى اللغة هو من اختراعات الكفار لذين أرادوا إبعاد الناس عن معانى الكلمات فى الوحى فمعظم ما قيل فى معانى اللغة يخالف ما ورد من معانيها فى المصحف وكلمة العرب لم ترد فى المصحف وما ورد هو الأعراب ووصف لكتاب واللسان بالعربى
لا يوجد قوم اسمهم العرب فى الوحى لأن الله لا يتعامل مع أصحاب اللغات وإنما يتعامل مع أصحاب الديانات وهم يتكلمون لغات مختلفة ومعنى العربى هو الواضح المفهوم وأما الأعراب فأطلقت على السكان خارج المدينة
ثم تناول المؤلف تاريخ العرب فقال :
"واعلم أن العرب موجودة من قبل إسماعيل لإبراهيم، فإن الله تعالى قد بعث إليهم قبل إسماعيل هودا وصالحا - عليهما السلام - وما قيل من أن إسماعيل أبو العرب فلعل المراد أشرف العرب، أو غالب العرب
ثم رأيت في حديث الترمذي وحسنه عن النبي ( قال : (سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم) و رأيت صاحب (تاريخ الخميس) ذكر ما حاصله : أن أبناء نوح - عليه السلام - ثلاثة: سام وهو أبو العرب، وفارس، والروم ويافث وهو أبو الترك، ويأجوج ومأجوج : (والخز) و الصقالبة وحام وهو أبو السودان من الحبشة والزنج والقبط والأفرنج قال : ومن أولاد سام عراق وكرمان وخراسان وفارس وروم، وباسم كل واحد سميت المملكة التي حل بها قال : و أما ولد ارم بن سام بن نوح فإنهم احتقروا الناس بما أنعم الله عليهم من القوة والبطش واللسان العربي، وكانوا سبعة إخوة، وهم : عاد - وكان أعظمهم قوة وبطشا - ، وثمود، وصحار، ووبار، وطسم، وجديس، وجاسم، وهؤلاء كلهم تفرقوا بجزيرة العرب، وهم العرب السالفة الأولى الذين انقرض غالبهم
قال : وقد فهم الله العربية لعمليق، وطسم، وعاد، وعبيل، وثمود، وجديس
وقال صاحب (تاريخ الملوك التبابعة وملوك حمير " : إن هودا - عليه السلام - بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح هو أبو العرب العاربة وإن ابنه قحطان هو ولي عهده قد لزم طريقته، واقتدى بها وأن يعرب بن قحطان بن هود هو أول من ألهمه الله - تعالى - العربية المحضة، وقال فأبلغ، واختصر فأوجز، وأشتق اسم العربية من اسمه وأن يشجب بن يعرب قام مقامه في النهي والأمر وحاز اليمن والحجاز، وأن سبأ بن يشجب كان ملكا عظيما، وهو أول من سبى السبي غزا ملوك بابل وفارس والروم والشام حتى أتى المغرب، ثم رجع إلى اليمن فبنى السد الذي ذكره الله - تعالى - و اسمه العرم، وقسم الملك بين ولديه حمير وكهلان "
هنا ذكر المؤلف أقوال فيمن هو أصل العرب فذكر إسماعيل(ص)وهود(ص) ويعرب بن قحطان وسام وكلها أقوال متناقضة ووجود أولاد بنين لنوح(ص) يناقض أن ذريته الرجال انتهت بموت ابنه الكافر ولم يكن له إلا بنات ولذا فبنو إسرائيل ليسوا من ذريته وإنما ذرية المؤمنين به كما قال تعالى ""وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح"
وبعد هذا بين المؤلف الحقيقة وهى أن ادم(ص) هو أول المتكلمين بالعربية وفسر الأقوال الأخرى فقال:
"واعلم أن ادم - عليه السلام - هو أول من تكلم بالعربية بل بالألسنة كلها بجميع لغاتها، وعلمها أولاده، فلما افترقوا في البلاد وكثروا اقتصر كل قوم على لغة وما روي : أول من تكلم بالعربية إسماعيل، أو يعرب بن قحطان فالمراد من ولد إبراهيم، أو من قبيلته، وعلى هذا فالظاهر أن لغة العرب قديمة، بل وسائر اللغات وأن من كان يتكلم بالعربية من بني ادم قبل الطوفان فهم العرب، أو أن العرب والعجم والروم والترك والحبش أوصاف حادثة بعد الطوفان، وأنه كانت للناس أوصاف وأجناس أخر قبل الطوفان نسخت ونسيت، فإن الطوفان عم أهل الأرض جميعا بحيث لم يبق على وجه الأرض أحد 00ونوح - عليه السلام - هو الأب الثاني للبشر قال تعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين) ثم تناسلوا وكثروا وتكلموا باللغات كلها إما بإلهام من الله - تعالى - كما مر، أو بتلقيها من نوح - عليه السلام - ، وتلقاها أولاده عنه، هذا محل تردد، ولم أر في ذلك نقلا والأقرب تلقيها من نوح - عليه السلام - فإن اللغة لا يحيط بها إلا ملك أو نبي "
وبالقطع ليس المقصود بالذرية هنا الأولاد وإنما الشيعة أى الأتباع المؤمنين به فكل نبى بقى أى نجا معه المؤمنون كما قال تعالى" ثم ننجى رسلنا والذين امنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين"وقال"وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين"
ثم بين معنى الأعراب فقال:
"واعلم أن الأعراب في الأصل اسم لسكان بادية أرض العرب، فإن كل أمة لها حاضرة وبادية، فبادية العرب الأعراب، وبادية الروم الأرمن، وبادية الترك التركمان، وبادية الفرس الأكراد "
وهى كلمة ليس معناها كما قال فهم سكان خارج المدينة أو المدن أيا كانوا لأنه لا يوجد قوم اسمهم العرب إلا أن يكونوا بمعنى المسلمين فاسمهم مأخوذ من تسمية القران بالعربى فيكونون بناء عليه هم العرب بمعنى الواضحين أى المسلمين
وتناول الرجل ما سماه بحدود بلاد العرب فقال:
"وأرض العرب هي : جزيرة العرب التي هي من بحر القلزم شرقي مصر إلى بحر البصرة، ومن أقصى حجر باليمن إلى أوائل الشام
وقال أبو عبيد : جزيرة العرب من عدن إلى ريف العراق طولا، ومن تهامة - بكسر التاء - إلى ما وراءها، إلى أطراف الشام وسميت جزيرة لأن بحر فارس، وبحر الحبش، ودجلة والفرات قد أحاطت بها "
وهو وهم من الأوهام فالدراسات بينت أن العربية كانت موجودة فى مصر الحالية وغيرها ولكن الاختلاف كان فى طرق كتابتها وأما نطقها فكان واحدا مع تعدد اللهجات كما أن هناك مناطق عربية فى إيران رغم إحاطتها من كل لجوانب بمناطق تتكلم الفارسية وهناك بلاد فى أفغانستان ولقوقاز تتكلم العربية فقط مع أن المحيط اللغوى مختلف عنها تماما
ثم تناول الرجل مسألة فضل العرب على العجم فقال:
"إذا تقرر هذا فاعلم أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، كما أن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة، وأما باعتبار أفراد أو أشخاص، فقد يوجد من النساء ما هو أفضل من ألوف من الرجال كمريم وفاطمة وعائشة وقد يوجد من العجم ما هو أفضل من ألوف من العرب كصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وغيرهم فإن كل واحد منهم أفضل من ألوف من العرب بل أفضل من ألوف من قريش وبني العباس والأشراف ويصح أن نقول : إن كل واحد من مثل سلمان و بلال وصهيب لصحبة رسول الله - ( - أفضل من جعفر الصادق وموسى الكاظم، وأفضل من أبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وهل يصح أن يقال إن الواحد من الصحابة أفضل من جميع أمة محمد من غير الصحابة المشتملة على الأقطاب والأنجاب والأبدال والعلماء والشهداء والأولياء؟ الظاهر صحة ذلك وإن كان العقل يأبى ذلك ويستبعده لا سيما في الهيئة الاجتماعية من الفضل والقوة غاية المزية فليتأمل
والدليل على فضل العرب من وجهين، من المنقول والمعقول: أما النقل : فقد روى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم (والحاكم) عن ابن عمر - رض الله عنه - قال : قال رسول الله :) (إن الله - تعالى - خلق الخلق، فاختار من الخلق بني ادم، واختار من بني ادم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) فهذا النقل صريح في فضل العرب على العجم، وصريح في فضل جنس بني ادم على (جنس) الملائكة، خلافا للمعتزلة ومن وافقهم وروى الترمذي أيضا وحسنه من حديث العباس - رض الله عنه - أن النبي - ( - قال : (إن الله خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا)
وروى الترمذي أيضا وحسنه، قال : جاء العباس إلى رسول الله - ( - وكأنه سمع شيئا فقام النبي - ( - على المنبر فقال : (من أنا؟ فقالوا: أنت رسول الله فقال : (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب) ثم قال : (إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، وخيرهم نفسا) وروى الإمام أحمد هذا الحديث في (المسند) وفيه : فصعد النبي - ( - المنبر فقال: (من أنا؟ " فقالوا: أنت رسول الله فقال : (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خيرفرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خير بيت ، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا) وروى الحافظ ابن تيمية من طرق معروفة إلى محمد بن إسحاق الصاغاني بإسناده إلى ابن عمر عن النبي - ( - وفيه : (ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني ادم، واختار من بني ادم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم)
ففي هذه الأحاديث كلها أخبر رسول الله - ( - أنه تعالى جعل بني ادم فرقتين، والفرقتان العرب والعجم، ثم جعل العرب قبائل فكانت قريش أفضل قبائل العرب، ثم جعل قريشا بيوتا، فكانت بنو هاشم افضل البيوت)
فالأحاديث كلها صريحة بتفضيل العرب على غيرهم وروى الإمام أحمد ومسلم و الترمذي من حديث الأوزاعي، عن شداد، عن واثلة بن الأسقع - رض الله عنه - قال : سمعت رسول الله - ( - يقول : (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) وفي لفظ اخر (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) إلى اخره قال الترمذي : هذا حديث صحيح وهذا الحديث يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، وأنهم أفضل من ولد إسحاق، ومعلوم أن ولد إسحاق الذين هم بنو إسرائيل افضل من العجم لما فيهم من النبوة والكتاب حيث ثبت فضل ولد إسماعيل على بني إسرائيل، فعلى غيرهم بطريق الأولى وقد احتج الشافعية في الكفاءة بهذا، فقالوا: إن العرب طبقات، فلا يكافئ غير قرشي من العرب قرشية، وليس القرشي كفء للهاشمية، للحديث السابق : (إن الله اصطفى) إلى اخره قالوا : وأولاد فاطمة - عليها السلام - لا يكافؤهم غيرهم من بقية بني هاشم، لأن من خصائصه - عليه السلام - أن أولاد بناته ينسبن إليه قالوا: وكذا باقي الأمم فلا يكون من ليس من بني إسرائيل كفء لإسرائيلية ومذهب الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - : أن جميع العرب أكفاء لبعضهم، كما أن جميع العجم أكفاء لبعضهم، واعتبر النسب في الكفاءة لأن العرب تفتخر به واعلم أن الأحاديث الواردة في فضل قريش، ثم في فضل بني هاشم كثيرة جدا وليس هذا موضعها "
 
أعلى