دور الأزهر فى العصر العثمانى (أول شيخ للأزهر الشريف سنباطى فى منتصف القرن السادس عشر) بقلم دكتور حسام محمد عبدالمعطى

**منقول للاستفادة
***************

**بروز دور الأزهر فى العصر العثمانى
(أول شيخ للأزهر الشريف سنباطى فى منتصف القرن السادس عشر)



** **برز اسم الشيخ أحمد بن عبد الحق السنباطى كأول شيخ يتولى مشيخة الجامع الأزهر خلال الفترة 1538- 1543م،

**************************************************************************************************************************
بقلم: د. حسام محمد عبد المعطى


المرجع جريدة القاهرة ووكالة الأنباء العمانية(النشرة الثقافية)
*أول شيخ للازهر الشريف

**
***الجزء الأول:دور الأزهر
********************************
**يحتل الأزهر مكانة خاصة فى العالم الإسلامى باعتباره أكبر وأقدم المؤسسات التعليمية التى لا تزال تخرج كبار العلماء لمصر وللعالم الإسلامي، لذلك فقد ذاعت شهرته فى الآفاق وفاقت شهرته غيره من المؤسسات التعليمية والدينية عبر عصور تاريخية طويلة، فقد حافظ على اللغة العربية والهوية الإسلامية الوسطية، فمع انتهاء العصر الفاطمى تراجع دور الأزهر خلال حكم الدولة الأيوبية والمملوكية فلم يهتم السلاطين كثيرا بالأزهر بوصفه رمزا للتشيع فى مصر، لذلك فقد حرص عدد كبير من السلاطين والأمراء خلال العصرين الأيوبى ثم المملوكى على إنشا? مدارس متخصصة فى دراسة العلوم الفقهية المختلفة مثل المدرسة الكاملية والصالحية والظاهرية والبرقوقية، ومدرسة صرغاتمش والمدرسة الجوهرية، والطبرسية والاقبغاوية، وكثر عدد تلك المدارس خلال القرنين السابع والثامن الهجريين على أيدى السلاطين والأمراء المماليك حتى وصل عددها نحو ست وعشرين مدرسة، وكان يتم إنشاء تلك المدارس فى الغالب على قاعدة التخصص الفقهى فقليل منها هو الذى أنشئ على قاعدة التعميم كالمدرسة الصالحية، وكان لوجود تلك المدارس إضافة إلى الحلقات الدراسية بالمساجد الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص وجامع أحمد بن ?ولون والجامع الحاكمى أثر كبير فى سير الدراسة بالجامع الأزهر، فقد نافسته منافسة شديدة واجتذبت إليها الطلاب من كل صوب كما اجتذبت إليها أعلام الأساتذة وكانت هذه المدارس تمتاز عن الأزهر بجدتها ووفرة أوقافها واستئثارها برعاية السلاطين وكبار رجال الحكم، وكانت مناصب التدريس فيها تدر على شاغلها إيرادات جيدة.
ويعد السلطان الأشرف قايتباى أكثر السلاطين المماليك اهتماما بالجامع الأزهر حيث قام بتجديده وإصلاحه وأنشأ المنارة المسماة باسمه وأنشأ به رباعا لسكنى الطلاب ورصد أحباسا خيرية عديدة على العلماء والطلاب به، ودون إصلاحات قايتباى لم يعرف الأزهر اهتماما آخر من السلاطين المماليك بشكل عام، وتشير كل الدلائل إلى أن الأزهر عند نهاية العصر المملوكى لم يكن أهم مؤسسة تعليمية فى مصر، فقد كانت هناك العديد من المدارس التى تعلوه قامة وقيمة مثل المدارس الصالحية وصرغاتمش والطبرسية والأقبغاوية.
والواقع أن أغلب الشواهد التاريخية تشير إلى أن التطور الأكبر للأزهر حدث فى النصف الثانى من القرن السادس عشر، ولكن لماذا حدث ذلك التطور فى مكانة الأزهر إبان هذه الفترة؟
فمع دخول مصر تحت السيادة العثمانية كانت هناك العديد من العوامل التى أدت إلى تراجع أهمية المدارس المملوكية وتزايد أهمية الأزهر التعليمية وهي:
أولا: تراجع إيرادات هذه المدارس نتيجة لتدنى قيمة العملة، وكذلك تعرض أغلب أوقاف هذه المدارس للخراب، ولم يعط الولاة العثمانيين أو الأمراء المماليك أهمية كبيرة لدعم هذه المدارس التى كانت تحمل أسماء سلاطين أو أمراء من الدولة المملوكية الزائلة.
ثانيا: تراجع الصراع المذهبى بشكل كبير، فقد كانت أغلب هذه المدارس الموجودة فى مصر خلال العصر المملوكى مخصصة للتدريس على قاعدة التخصص المذهبي، فى وقت أتاح فيه هذا التراجع فرصة جيدة للدارسين فى الأزهر لدراسة فقه الأئمة الأربعة، فقد أدى استخدام الدولة العثمانية للمذاهب الأربعة داخل المحاكم إلى رغبة الطلاب والدارسين فى تعلم فقه الأئمة الأربعة، خاصة بعد أن توسعت الدولة فى إنشاء أعداد كبيرة من المحاكم مما كان يتيح للدارسين فرصة جيدة للعمل فى هذه المحاكم، خاصة الفقه الحنفى الذى كان مذهب الدولة الرسمي.
ثالثا: تزايد إيرادات الأزهر وأوقافه بشكل كبير خلال هذه الفترة، فقد وجد الأزهر دعما كبيرا من السلاطين العثمانيين خاصة السلطان سليمان القانوني، وكذلك من الولاة والأمراء مما منحه إيرادات هائلة جعلته يطغى على هذه المدارس التى أصبحت تدريجيا تابعةً له. فقد قررت الدولة العثمانية خلال عصر السلطان سيلمان القانون، وقف جزء كبير من أموال الجزية للعلماء والمشايخ والمجاورين بالأزهر، وكانت مرتباتهم تمنح عن طريق براءات تعطى لهم من ديوان الجوالي، وتراوحت مخصصاتهم فيما بين عشرة أنصاف يوميا للطالب المجاور، وثلاثة عشر نصفا لل?عيد، وثلاثين نصفا يوميا للشيخ والعالم الذى يقوم بالتدريس. وبالإضافة إلى ذلك فقد قرر لهم السلطان سليمان كميات كبيرة من الحبوب العينية كانت تسمى جراية تصرف من الشون السلطانية فى مصر القديمة.
بيد أن التطور المهم فى الخدمات المقدمة لطلاب العلم فى الأزهر كان إيجاد مطبخ دائم يقدم لهم الطعام فى شكل وجبات يومية حيث أدى ذلك إلى تفرغهم الدائم طوال اليوم للدراسة. ومع منتصف القرن السابع عشر كان عدد طلاب الأزهر يصل إلى اثنى عشر ألف طالب.
هكذا تبلورت مكانة الأزهر العلمية والدينية خلال نهاية النصف الأول من القرن السادس عشر، وأدى ذلك إلى رسوخ الأزهر كمؤسسة علمية من أهم المؤسسات الفكرية والتعليمية المتواجدة فى العالم الإسلامي، بل أهمها على الإطلاق خلال هذه الفترة، خاصة فى ظل نظام الأوقاف الذى اتبعه العثمانيون، والذى تم فى إطاره وقف مساحات شاسعة من الأراضى (الرزق الأحباسية) والعقارات على الأزهر، وقد تميزت هذه الأوقاف بالاستمرارية المتزايدة طوال العصر العثماني، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع مكانة الأزهر العلمية والدينية فى أنحاء العالم الإسلامي، وكانت ?ذه الأهمية والمكانة التى احتلها الأزهر تعود فى الواقع إلى العديد من العوامل وهي:
أولا: المكانة المتميزة التى حظيت بها القاهرة باعتبارها أهم مركز ثقافى فى المشرق العربي خلال العصر العثماني، ثانيا: خروج الحجيج المغربى والإفريقى إلى الحرمين الشريفين فى كل عام من القاهرة صحبة قافلة الحج المصري، حيث ساهم الحج بقوة فى تعميق الوحدة الثقافية بين مصر وبلدان المغرب، وذلك بتردد كبار العلماء المغاربة والأفارقة بصفة دورية على الأزهر، ثالثا: تعدد المذاهب الفقهية فى مصر، فقد احتفظت مصر بخاصية المذاهب المتعددة ولم تعرف مذهبا فقهيا واحدا. رابعا: احتفاظ مصر بطوائف عديدة من الأتراك والمغاربة والشوام والأ?ارقة، وكانت هذه الطوائف تتميز باستمرارية التوافد طوال العصر العثماني.
**************************
 
أعلى