نقد كتاب البخاري وصحيحه للهرساوى

رضا البطاوى

عضو ذهبي
نقد كتاب البخاري وصحيحه للهرساوى
الكتاب تأليف حسين غيب غلامي الهرساوي وهو من المعاصرين وموضوع الكتاب البخارى وصحيحه وهو قوله:
" وإذ أقف أمام حضرات السادة الاجلاء محاضرا وبإيجاز حول البخاري وكتابه المشهور بالصحيح وسائر كتبه الاخرى فانني أشعر بالاعتزاز والتقدير"
وقد تحدث الهرساوى عن الكتب الموجودة للبخارى خاليا فقال :
" يمكن القول إن كتب البخاري مصنفة في ثلاثة محاور:ـ فقهية ـ رجالية ـ كلامية فالبخاري ألف فيها كتبا عديدة يمكن حصرها في ثمانية عشر كتابا موزعة كما يلي:
ـ أربعة كتب في الفقه والحديث: أحدها صحيح البخاري، والثاني رفع اليدين في الصلاة، فقه القراءة خلف الامام، وكتاب رابع مفقود هو كتاب الهبة، كتبه مستقلا مشتملا على خمسمائة حديث
أما كتبه الرجالية فهي ثلاث كما هو المتوفر لدينا وكتاب آخر في الضعفاء وهو مفقود; فكتبه في الرجال هي: 1 ـ تاريخه الكبير والاوسط 2 ـ تاريخه الصغير والأول مطبوع في مجلدات، والثاني في مجلدين، والثالث طبع بشكل كراس"
ثم تحدث عن كون كتابه خمسة أقسام فقال :
"نستطيع تقسيم حديثنا في مسألة البخاري وبحسب تقسيمه هو إلى خمسة أقسام على الاقل فيما يخص هذه المناسبة، لأننا لو أردنا البحث في زوايا المسألة لاستغرق الوقت أكثر مما هو مخصص فعلا ساعة واحدة لأننا لو بدأنا الحديث مثلا في صحيح البخاري وتناولنا كلمته الاولى وهي: «حدثنا الحميدي» فقط، فربما استغرق منا ذلك سنة بلياليها، لان «حدثنا الحميدي» هي أساس المصائب
وأما الأقسام الخمسة فهي:
الأول: عناوين الصحيح وأبوابه ورجاله وإسناده ورواياته
الثاني: في شخصيته وسيرته الذاتية وموقعه في علم الرجال ومنزلة مروياته
الثالث: معارضة البخاري لفقه أبي حنيفة والأحناف وتناقضه كمحدث مع أهل الرأي، حتى يمكن القول ان كتبه الفقهية جميعا إنما جاءت ردا على أبي حنيفة
الرابع: التأمل ودراسة تاريخ أهل الحديث في القرون الاول والثاني والثالث
الخامس: إخبار اليهود والاسرائيليات التي تغلغلت في أخبار المحدثين خاصة في صحيح البخاري، إذ أننا نجد نفوذ الاسرائيليات في أحاديث الصحيح، حيث يتجلى التفكير اليهودي في تفضيل موسى (ص)على نبينا محمد (ص)، ونقل حكايات لا تليق بمقام الانبياء والرسلهذه خمسة أقسام وزعنا عليها المواضيع "
وقد استهل الكلام بالقسم الأول وهو صحيح البخارى فقال :
"القسم الأول: صحيح البخاري:
فيما يخص القسم الاول الذي يتعلق بصحيح البخاري ينبغي أن نعرف أن مؤلفه صنفه في مدة تتراوح بين ستة عشر إلى ثمانية عشر عاما، زاعما أنه كان يغتسل ويتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يدون كل حديث فيه، وهذا يعني أن كل ما يرد فيه من أحاديث لا يعتورها سهو أو نسيان أو خطأ، فهناك إرادة حرة في جمعه الاحاديث وضبطها على أن هناك مسألة هامة، وهي أن الصحيح لم يكتمل على يد مؤلفه محمد بن إسماعيل البخاري، وإنما اكتمل على يد اثنين من تلامذته: محمد بن يوسف الفربري ومحمد بن ابراهيم المستملي، وهما يصرحان بذلك قائلين إنهما شاهدا في الصحيح أوراقا بيضاء «فأضفنا»، فهذا ما نجده في مقدمة فتح الباري التي فصل فيها ابن حجر ولم يرد على ذلك معترفا بوجود بياض في صحيح البخاري وأنه أضيف إليه
وقال الباجي أيضا: «ومما يدل على صحة القول: أن رواية أبي إسحاق المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشميهني، ورواية أبي زيد المروزي، مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم استنسخوا من أصل واحد; وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما، فأضافه إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث وبه يعلم سبب اختلاف نسخ «الصحيح» وغموض المطابقة بين الترجمة والحديث في بعض المواضع"
الهرساوى هنا لم ينقل ما قيل عن الفربرى والمستملى كاملا و‘نما نقل المعنى واكتفى بكلمة فأضفنا كى بوهم المستمعين والقراء أنهم من كتبوا العديد مما جاء فى الكتاب أى كتبوا من عند أنفسهم بينما الرواية فى فتح البارى تقول:
"قال حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض"
فعبارة فأضفنا بعض ذلك إلى بعض تدل غلى غير ما اراده الهرساوى فهم ضموا الأوراق لبعضها مع نقصها فى عدد من المواضع ومن ثم تبدو بعض المواضع غير مفهومة أو ناقصة مثل باب كذا وليس فيه رواية لأن الكتاب لم يكتمل
وقد بين الهرساوى أن هناك أدلة على أن بعض الكتاب ليس من كتابة البخارى كالرواية التى يوضع فيها اسمه كراوية فقال :
" على أن كثيرا من العلماء المحققين خدموا تراجمه على حدة في كتاب خاصة، كالقاضي ناصر الدين بن المنير والقاضي بدر الدين بن جماعة، ومحمد بن حمامة السلجماسى، في كتاب سماه: «فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة»، ولابي عبدالله البستي كتاب سماه: «ترجمان التراجم»، وصل فيه إلى كتاب «الصيام»، دع عنك ما بينه الشراح» كما أننا نجد روايات يرد فيها محمد بن إسماعيل البخاري كحلقة في سلسلة الرواة والاسناد; بمعنى أن المؤلف يتحول إلى راو للحديث فقط كما هو الحال في كتاب العلم:وهناك مسألة أخرى: هي تعدد نسخ البخاري، إذ يؤكد بعض المحدثين من أهل السنة وجود روايات نسبت إلى الصحيح لا توجد في نسخه الاخرى أكتفي ولضيق الوقت بذكر بعض النماذج:
في استحباب الشرب بكأس النبي (ص)، إذ يورد ابن حجر قول البخاري: رأيت كأس النبي (ص) بالبصرة فشربت منه وهذه ليست موجودة في النسخة التي بين يديه، ويذكر وجودها في نسخة القرطبي وهناك أيضا رواية «زنا قردة في الجاهلية ورجمها»، وقد وردت في نسخ صحيح البخاري بزيادة ونقصان وترى في هذه العبارة: خلو بعض النسخ في عصر الحميدي من هذه الرواية; مع ما نرى في النسخ الموجودة المطبوعة ورودها في كتاب «بدء الخلق» في مناقب الانصار، باب «أيام الجاهلية»
وروى ابن الاثير أيضا: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» وقال: قال الحميدي: في هذا الحديث زيادة مشهورة لم يذكرها البخاري أصلا من طريقي هذا الحديث، ولعلها لم تقع إليه فيهما، أو وقعت فحذفها لغرض قصده في ذلك وأخرجها أبو بكر البرقاني، وأبو بكر الاسماعيلي قبله، وفي هذا الحديث عندهما: أن رسول الله قال: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية; يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» قال أبو مسعود الدمشقي في كتابه: «لم يذكر البخاري هذا الزيادة » وعدم ذكر البخاري الذيل المذكور في حديث عمار في إحدى الاحتمالات عند الحميدي (فحذفها لغرض) وهو أمر يبحث عنه في ترجمة البخاري نفسه وعقيدته ومذهبه وإنما أخرج البخاري حديث «ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» وفي صحة حديث عمار قال ابن عبدالبر: «تواترت الاخبار بذلك وهو من أصح الحديث، وقال ابن دحية: لا مطعن في صحته، ولو كان غير صحيح لرده معاوية»
وفي تخريج الزركشي على أحاديث الرافعي ذكر الفاظ هؤلاء المخرجين للحديث، وقيل عن ابن دحية أنه قال: كيف يكون فيها اختلاف، وقد رأينا معاوية نفسه حين لم يقدر على انكاره قال: إنما قتله من أخرجه! ولو كان حديثا فيه شك لرده وأنكره، وقد أجاب علي عن قول معاوية بأن قال: فرسول الله (ص) قتل حمزة حين أخرجه وهذا من علي إلزام لا جواب عنه، انتهى بلفظه"
وقال الزركشي: وقد صنف الحافظ ابن عبدالبر جزءا سماه «الاستظهار في طريق حديث عمار» وقال هذا الحديث من إخبار النبي (ص) بالغيب وأعلام نبوته، وهو من أصح الاحاديث، ثم قال الزركشي: عمارا كان مع علي وقتله أصحاب معاوية وقال ابن الوزير: وأما ترك البخاري لأول الحديث فغير قادح; لان آخره أشد وعيدا من أوله، ولعله ترك أوله تقية من المتعصبين، فقد ثبت في ترجمته أنه امتحن، وذكر ابن حجر أنه مات وكتابه مسودة لم تبيض، ثم قال: ويدل على تقية البخاري في شأن عمار، أنه لم يذكر حديثه هذا في مناقبه وفي صحيحه، وإنما احتال لذكره في مواضع لا ينتبه الطلبة فيها، مثل باب: مسح الغبار في كتاب «الجهاد» والتعاون في بناء المساجد في كتاب «الصلاة» موهما أنه ما أورده إلا للتعريف بهذه الاحكام المعلومة التي لا يهم محصل بايثارها على معرفة الحق من الباطل في فتنة أهل الإسلام، انتهى كلام المصنف في هوامش «التلخيص»
وقد علمنا أن ابن حجر أيضا علم ذلك من البخاري في تغيير مواضيع الكلمات حيث نبه عليها بعض الاحناف في تعريضه عليه: «ومن دأبه في كتبه لا سيما «فتح الباري» أنه يغادر حديثا في باب يكون مؤيدا للحنفية مع علمه به ثم يذكره في غير مظانه لئلا ينتفع به الحنفية» وعلى كل ذلك، قال ابن حجر في «فتح الباري» في الاعتذار للبخاري عن عدم إخراجه (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) ما لفظه: إعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع، وقال إن البخاري لم يذكرها أصلا، وكذا قال أبو مسعود، قال الحميدي: لعلها لم تقع للبخاري، أو وقعت فحذفها
قال ابن حجر: قلت: يظهر لي أن البخاري حذفها عمدا، وذلك لنكتة خفية وهي أن أبا سعيد اعترف انه لم يسمع هذه الزيادة من النبي (ص)فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري; وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه: «فقال أبو سعيد: فحدثني أصحابي، ولم اسمعه من النبي (ص)أنه قال: يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية» ابن سمية وهو عمار وسمية اسم أمه وهذا الاسناد على شرط مسلم
ثم قال: وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك، فعن مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: حدثني من هو خير مني أبو قتادة فذكره، فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي (ص) دون غيره، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الاحاديث، انتهى والعجب من الحافظ ابن حجر في قوله: «إنه حذفها البخاري بعد سماع أبي سعيد لها من النبي (ص) مع قوله: «حدثني أصحابي» وقوله: «حدثني من هو خير مني أبو قتادة» ولا يعلم أنهم يعلون حديثا بكونه لم يشافه النبي (ص) به الصحابي الذي رواه، أو بكون رواية سمعه من صحابي آخر يزكيه ويفضله على نفسه، فقوله: «إن حذفها دال على تبحر البخاري في الاطلاع على علل الاحاديث»!! أعجب، فاي علة أبداها؟ ويلزم على جعل هذه علة أن جميع رواية ابن عباس كلها معلولة، لتصريحهم بأنه لا يبلغ ما سمعه عن النبي (ص) مشافهة عشرين حديثا وكذلك غيره من صغار الصحابة
البقية https://arab-rationalists.yoo7.com/t1129-topic#1345
 
أعلى