رضا البطاوى
عضو ذهبي
قراءة فى كتاب التكرار لا يعلم الشطار
الكتيب تأليف محمد مختار وقد استهله بمقولة كون تكرار الرسالة عامل مساعد فى الغالب على تغيير السلوك فقال:
"أوضحت بحوث الاتصال المتعلقة بالرسائل التي تهدف إلى إقناع المتلقي بتبني اتجاهات جديدة، أو القيام بالسلوك الذي تحبذه عملية الاتصال الإقناعي .. أن تكرار مضمون الرسالة الاتصالية الإقناعية سيكون في الغالب عاملا مساعدا على تغيير السلوك"
وبالقطع تكرار أى رسالة سواء بالقول أو بالفعل وهو القدوة يؤدى فى غالب الأمور وفى غالبية الأشخاص إلى نتيجة واحدة وهى :
ان التكرار يؤدى لخلق أشخاص مشتبعين لمن يكررون لهم الرسائل وكان هذا ديدن كل الأقوام الكافرة عبر التاريخ فلم يسلم منهم سوى قوم يونس(ص) كما قال تعالى :
"فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما أمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين"
وأما بقية الأقوام فقد أدى التكرار الرسائلى إلى اتباع دين الآباء الكافر ولم بسلم من هذه التكرار سوى قلة قليلة فى كل قوم هم الرسل(ص) ومن اتبعهم وأحيانا كانوا شخص واحد هو لوط(ص) الذى آمن بإبراهيم (ص)كما قال تعالى :
"فآمن له لوط"
ومثل مؤمن يس الوحيد الذى آمن بالرسل الثلاث(ص) كما قال تعالى :
وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون"
وأحيانا كانوا يعدون على أصابع اليد وأحيانا كانوا بالعشرات أو المئات
التأثير الأكبر للتكرار فى القول والفعل كان هو الاقتداء بتلك الرسائل الصادرة من الآباء وهم الكبار فى القوم وفى هذا قال تعالى على ألسنة الأقوام الكافرة:
"بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"
وقال:
"وكذلك ما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"
وقد ضرب الكاتب امثلة على هذا التأثير فقال:
"فخطيب الجمعة مثلا إذا كرر في كل صلاة جمعة الدعوة للمصلين باصطحاب أطفالهم للمساجد حتى يعتادوا الصلاة، مع التنبيه على ألا يسبب الصغار ما يزعج المصلين؛ فإن صحن المسجد سيمتلئ جمعة بعد أخرى بأطفال مهذبين يسكنون حتى تنتهي صلاة الجمعة، ثم يبدأ كل صغير منهم بالتعلق بوالده وهو يسجد، أو يقلده في سجوده ببراءة تزيد من الجو الروحاني الذي يشعر به المصلون.
ولعل استخدام التكرار في الإعلانات التجارية كان الغالب على الرسائل الإقناعية التي يتعرض لها كل منا؛ فحملات الإعلان التي تطلب من المستهلكين شراء نوع بعينه من مساحيق الغسيل أو مشاهدة فيلم سينمائي تلاحق المتلقي للرسالة الإقناعية، والذي يجدها تطرق أذنه وعينيه أيضا في وسائل الاتصال الجماهيري، كالإذاعة أو التلفزيون، أو حتى عند استخدامه للإنترنت، في كل مرة يستخدم إحدى هذه الوسائل للحصول على معلومة أو سماع نشرة الأخبار، أو حتى عند مشاهدته لمسلسل درامي."
وبعد أن ضرب المثلة السابقة تساءل هل التكرار يسبب النجاح باستمراروأجاب على السؤال فقال:
"ولكن هل تكرار رسالة الاتصال الإقناعية تقنية ناجحة في كل الأحوال؟
بمعنى: هل إذا استمر خطيب الجمعة في الإلحاح على المصلين باصطحاب أطفالهم، فإن صحن المسجد سيمتلئ في كل مرة بالأطفال أكثر من المرات السابقة، حتى يصبح الصغار هم الأغلبية في المسجد، وتدريجيا لا يجد آباؤهم مكانا للصلاة؟
وهل إذا استمرت الشركة التي تنتج مسحوقا معينا للغسيل في الإلحاح على المشترين لشراء إنتاجها، فإن مبيعات الشركة ستزداد حتى تصبح غير قادرة على تلبية احتياجات الزبائن؟ هل المسألة بهذه البساطة؟ هل بمجرد التكرار تزيد فاعلية الاتصال وقدرته على الإقناع؟
بالطبع فإن الداعية الماهر هو الذي لا يتورط في الإلحاح على أفراد حقل دعوته بنفس الرسالة الإقناعية الدعوية حتى يمل هؤلاء من الرسالة الاتصالية والقائم بالاتصال نفسه، وحتى فيما يتعلق بالحملات الإعلانية التجارية؛ فإن تحليل نتائج هذه الحملات يشير إلى أنه على الرغم من فوائد استخدام تقنية التكرار؛ فإن هذه التقنية قد تسبب ملل المتلقي وضجره، حتى إنه أحيانا قد يقف موقفا سلبيا من القائم بالاتصال والرسالة، فيتوقف المتلقي عن مشاهدة المسلسل مثلا، أو يتجنب على الأقل الفترة الإعلانية التي تسبقه، وربما يقرر من باب الانتقام الامتناع عن شراء مسحوق الغسيل الذي تنتجه هذه الشركة التي تلح عليه ليل نهار، وتحاصره، وتزعجه في كل وسائل الاتصال."
إذا التكرار الملح لا يفيد فى كل الأحوال لأنه يدفع البعض فى طريق أخر وهو الملل أو الغضب ويخبرنا الرجل أن لحوث الاتصال وصلت إلى ضرورة تنويع الأساليب لايصال الرسالة ومن ثم وجدنا بجانب الاعلانات التجارية لشركات ما أنها تقيم مسابقات وتعطى بعض عملاء الشركة جوائز ووجدنا أنها فى بعض الأحيان تعطى للبعض التقويم السنوى فى شكل ما يسمى النتيجة السنوبة التى تعلق على الحائط أو كشكول ورقى يسمونها أجندة كما وجدنا أنها تعطى منتج أخر من إنتاجها أو من إنتاج شركة صديقة مجانا فوق السلعة الأصلية كما وجدنا أنها تستضيف أشخاص ممن تظن أن الناس يحبونهم ويثقون فى كلامهم ليتكلموا عن تجربتهم مع السلعة بل وجدنا ما هو أكثر وهو استضافة المهرجين وهى تسمية مهذبة لأشخاص يسميهم العامة قلالة الأدب أى أشخاص لم تنجح أسرهم فى تربيتهم لاستعمالهم كلاما نابيا وفظا فى كلامهم للدعاية لأن البعض يتابع هؤلاء المستهزئين من باب القضول أو حتى لأنه مثلهم
وفى هذا قال الكاتب:
"إن بحوث الاتصال تقترح على القائم بالرسالة الإقناعية أن يعمد في كل مرة يكرر فيها رسالته للمتلقي بأن ينوع في هذه الرسالة، ويغير قليلا في أشكال تقديمها، وحتى في القليل من محتواها؛ فالداعية الذي يحاول إقناع أفراد حقل دعوته بالمواظبة على الصلاة في المسجد يستخدم -كرسالة إقناعية- الأدلة الشرعية على وجوب الصلاة بالمسجد، وفي مرة أخرى الأحاديث الشريفة التي تبين فضل صلاة الجماعة، وفي مرة ثالثة يشير إلى أن الأطفال سيكونون أكثر سعادة وهم يصاحبون آباءهم إلى المسجد، وسيكون هذا مشجعا لهم على الصلاة بانتظام في المستقبل، واحترام آبائهم وطاعتهم."
تنويع الأساليب شىء مطلوب فى الدعوة فالدعوة ليست أمرا خاصا بخطباء المساجد وإنما كل مسلم فى الدولة هو داعية بطريقة أو بأخرى كما فى القول المأثور "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"
وضرب الرجل مثلا بنجاح إحدى الدول المتخلفة فى الحد من النسل عن طريق الأفلام فقال:
"وفي إحدى الدول العربية التي تتسم بكثافة السكان، حققت حملات تنظيم الأسرة نجاحا ملحوظا بعد أن قام جهاز التعليم والاتصال التابع لهيئة الاستعلامات هناك بإنتاج عشرات أفلام الدعاية القصيرة التي تحض المتلقين على اتباع وسائل تنظيم الأسرة، وكان مما زاد فاعلية هذه الأفلام هو التنوع الواضح الذي اتسمت به، وتنوع الشخصيات الدرامية التي وظفتها هذه الرسائل الإقناعية والقائمون بالاتصال، ومحتوى كل رسالة، حيث كانت تحض في النهاية على تحقيق هدف إقناعي واحد، هو الحد من الإنجاب.
فتكرار نفس الرسالة هنا مع تنويهات من حيث المحتوى والشكل ساهم في زيادة فاعلية الاتصال الإقناعي، على الرغم من أن حملات تنظيم الأسرة في هذا البلد واجهت في بدايتها صعوبات حقيقية، تمثلت في أنها تهدف إلى تحقيق سلوك إقناعي متصل بأفكار تقوم على التقاليد والعادات الاجتماعية الراسخة .. بل والمرتبطة أحيانا بالدين نفسه، وهو أصعب أنواع الاتصال، والذي يهدف إلى تحقيق تغيير في السلوك من خلال إقناع المتلقي بتبني أنماط سلوكية جديدة."
بالقطع القول بنجاح تلك الدولة نتيجة الدعاية بتنظيم الأسرة عن طريق الأفلام هو ضرب من الوهم فما زالت تلك الدولة وهى مصر تعانى من الزيادة السكانية لأسباب منها أن وسائل منع الحمل الكثير منها فاسد ومن ثم فى كثير من الأسر تم إنجاب عدد من الأطفال رغم استعمال الوسائل المختلفة
الناس اقتنعوا أن زمن إنجاب عدد كبير من الأطفال ليس بسبب الدعاية ولكن اسباب عدة أهمها :
-أنهم اصبحوا موظفين بدلا من فلاحين وسكنوا فى المدن بدلا من القرى ومن ثم نتيجة ضيق السكن وعدم وجود طعام باستمرار فى البيت كما هو الحال فى بيوت الفلاحين التى تكون متسعة وبها طعام مدخر من الغلة والذرة والأرز والبطاطس بحيث إذا لم يوجد مال أكل الكل من الخزين
التحول إذا من المجتمع الزراعى للمجتمع الصناعى والخدمى وهى ظاهرة لا تخص المجتمع فى مصر بل فى كل الدول التى تحول معظم مواطنيها من الفلاحة للصناعة والخدمات
- عدم الثقة فى الحكومات وانها لن تحول فقر الفقراء إلى وضع كريم أدى إلى أن الكثير من الناس من انفسهم أوقفوا الانجاب الكثير حتى لا يجوعوا ويجيعوا أولادهم قليل من الغموض لا يضر وهذا ما يفعله الفقراء فى كل مجتمع كما قص القرآن أنهم يقتلون أولادهم حيث قال:
"ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم"