رضا البطاوى
عضو ذهبي
قراءة بكتاب حكم الاستئناف لطلب اللجوء السياسي في دار الكفر
الكتاب تأليف عبد المنعم مصطفى حليمة وهو يدور حول لجوء المسلم لدولة كافرة وهو ما يسمى اللجوء السياسى وفى هذا قال:
" وبعد .فإن بين الفينة والأخرى تطفو على الساحة مسائل ـ تشغل الشباب عن جادة الحق والصواب ، وعن الأوكد والأهم والأولى ـ لاتدري كيف ظهرت ، ومن أين بدأت ، ومن وراءها ،... من هذه المسائل ، مسألتنا هذه التي شغلت عددا كبيرا من الشباب المسلم ـ المكره على الإقامة في ديار المهجر في بلاد الغرب ـ وأقلقت بالهم خوفا على دينهم وإيمانهم ، وهي : هل يعد الاستئناف لطلب اللجوء السياسي ـ بعد رفض الطلب الأول للجوء ـ من التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه بمجرده ، ويخرج من دائرة الإسلام .. ؟!
... أقول : هذه الصورة المسؤول عنها ؛ وهي اضطرار المسلم ـ لينجو بنفسه من التعذيب والقتل ـ إلى طلب اللجوء والأمان في دار الكفر ، أو استئناف الطلب وتكراره في حال تم رفضه في أول مرة ، لا تعد من صور التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه ، ولا تأخذ صفته وحكمه . وما دام طلب اللجوء أو استئناف الطلب وتكراره ـ إذ لا فرق بينهما ـ تم تحت ظروف الاضطرار والإكراه التي أكرهته ابتداء على اللجوء إلى دار الكفر ، فإنه لا إثم عليه ولا حرج إن شاء الله ، وإليك برهان ذلك بشيء من التفصيل "
الرجل أعلن منذ البداية حق المسلم فى الهجرة إلى ديار الكفر خوفا على نفسه من القتل أو التعذيب فى بلده الأصلية ولا أقول بلده المسلم لأنه لا يوجد بلد مسلم فى العالم لأن كل بلاد العالم تحكم بغير حكم الله حتى ولو أعلنوا أنهم يحتكمون إلى الشرع وفى وقت نفسه هم أكفر الناس بدين الله كمن يتوارثون الحكم مدعين أنهم يطبقون الشرع
وقد بين حليمة أن عند تواجد دار الإسلام لا يجوز الهجرة منها فقال:
"... أولا : قبل أن نخوض في تفصيل الإجابة ، لا بد من الإشارة إلى أن المسلم لا يجوز له أن يقيم حرا مختارا في ديار الكفر عند توفر دار الإسلام الذي يأمن فيه على نفسه ودينه ؛ لأن مجرد دخوله وسكناه في ديار الكفر يعني حصول المخالفات الشرعية التي لا يمكن له دفعها ، ولأن ديار الكفر والشرك ليست هي الديار المناسبة لتحقيق سلامة العبادة والدين على الوجه الذي يرضاه ربنا سبحانه وتعالى ، ومن هنا جاءت النصوص الشرعية تحض على وجوب الهجرة من ديار الكفر إلى دار الإسلام كما في قوله تعالى : ( وقل لعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون )
فوسع الله تعالى الأرض ، وشرع الهجرة والضرب فيها لتحقيق سلامة العبادة والتوحيد ، وديار الكفر والشرك ليست هي الأرض المناسبة لذلك كما تقدم وقال تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض . قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) . فلم يعذرهم الله تعالى لأنهم كانوا قادرين على الهجرة ، ودعواهم أنهم كانوا مستضعفين في الأرض هو زعم ـ شدتهم إليه أواصر التراب ورغد العيش ـ لا حقيقة ، وإلا فإن الاستضعاف الحقيقي الصادق يقيل العثرات ، ويرفع التكليف إلى حين تحقق القدرة ، وهذا ظاهر في قوله تعالى : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) .. وفي الحديث فقد صح عن النبي (ص)أنه قال : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، ألا لا تراءى نارهما " . وقال (ص): " برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم " . وقال (ص): " إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه " .."
ما قاله حليمه هنا صحيح فيما عدا أن الهجرات الأولى للمسلمين لم تكن إلى دار إسلام فالمدينة عندما هاجر لها المهاجرون الأوائل لم تكن تحكم بحكم الله وإنما كانت خليط متنوع من أصحاب الديانات المختلفة ولم تتحول لدار إسلام إلا بعد هجرة النبى(ص) وإقامته وهو والمسلمون فى منطقة معينة يحكمونها بحكم الله ويدافعون عنها والعجرة الأولى فى كتب التاريخ كانت لدار كفر فلم يكن هناك مسلم فيها سوى الحاكم وهو النجاشى وهو أسلم بعد هجرة المسلمين بها بسنوات وأما بقيتهم فكان معظمهم نصارى وهو ما قاله فى الفقرة التالية:
" أما إذا انعدم للإسلام دارا يأمن فيه المسلم على دينه ونفسه ـ كما هو حال المسلمين في هذا الزمان ـ الدار الذي يجد فيه المسلم الملاذ الآمن عندما تداهمه الخطوب والأخطار من كل حدب وصوب ، فحينها لا حرج عليه إن اضطر أن يهاجر من دار كفر إلى دار كفر آخر أقل كفرا وفتنة على دينه ونفسه وأهله ، كما حصل للصحابة عندما أمرهم النبي (ص)بالهجرة إلى الحبشة حيث فيها ملك لا يظلم عنده أحد ... فهم هاجروا من دار كفر يسود فيه الظلم والبطش والقتل لضعاف المسلمين إلى دار كفر آخر لكن تنتفي فيه مظاهر البطش والظلم السائدة يومئذ في مكة .
... قال ابن حزم في المحلى ( 12/125) : وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه ، ولم يحارب المسلمين ، ولا أعانهم عليهم ، ولم يجد في المسلمين من يجيره ، فهذا لا شيء عليه لأنه مضطر مكره ... وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، كان عازما على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم ، لأن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه ، وهو كان الوالي بعد هشام ، فمن كان هكذا فهو معذور . .
... قلت : الزهري عالم من علماء السلف ، وابن حزم يقول عنه معذور رغم أنه كان سيهاجر من أرض الإسلام إلى أرض الكفر ودار الكفر ليدفع عن نفسه الظلم والقتل . وإذا كان الأمر كذلك فمن باب أولى أن يعذر المسلم عندما يهاجر ـ تحت ظروف الاضطرار والإكراه ـ من دار كفر إلى دار كفر آخر ليدفع عن نفسه القتل والظلم والقهر ، كما هو الحال في مسألتنا هذه ."
قطعا أى بلد يكون حاكمه ظالم أى كافر وإن كان يسمى باسم مسلم ويعلن أنه مسلم فهو بلد كفر طالما أنه لا يطلق حكم الله ومن ثم فالزهرى ودولة الأمويين التى لا وجود لها قرآنيا كانت دولة كفر فى دولة التاريخ هى وكل الدول التى تلتها فى المنطقة
ثم قال:
"... ثانيا : اعلم أنه ليس تحصيل كل حق ثابت لك عن طريق الكفار هو ضرب من ضروب التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه جراءه ، ولمجرد تحصيلك للحق عن طريق الكفار ومحاكمهم ، والدليل على ذلك مارواه البخاري في الأدب المفرد ، عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله (ص)قال : " شهدت مع عمومتي حلف المطيبين ، فما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم " . [ صحيح الأدب المفرد : 441] .
... قال ابن الأثير في النهاية : اجتمع بنو هاشم ، وبنو زهرة ، وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية ، وجعلوا طيبا في جفنة ، وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فسموا المطيبين . انتهى .
... قلت : رغم أن هذا الحلف تتوفر فيه عناصر الحكم والتحاكم من فض للنزاعات بين الظالم والمظلوم ، وأن القائمين على هذه المهمة هم من أكابر المشركين ، فإن النبي (ص)قد أثنى عليه خيرا ، وما أحب أن ينقضه ولو بحمر النعم ، لقيامه على معنى صحيح لا يتعارض مع الشرع ، وهو إنصاف المظلوم من الظالم .... وبالتالي لايجوز لأحد ـ إلا إذا آثر الكفر على الإيمان ـ أن يقول أن النبي (ص)قد أقر التحاكم إلى الطاغوت ؛ لأن القائمين على حلف المطيبين كانوا من الكفار المشركين .... كما لا يجوز أن يعتبره من الأحكام المنسوخة لعدم اكتمال الدين وقتئذ ؛ لأن القضية ـ على زعم القوم ـ إذا كانت من التوحيد ومن لوازمه وشروطه ، فهذا مكتمل ومعلوم من أول يوم نزلت " لا إله إلا الله " على محمد (ص).... وعليه ليس كل فض نزاع بين طرفين ـ وإن سمي تحاكما لغة ـ يجوز أن يعتبر من التحاكم إلى الطاغوت المناقض للتوحيد والذي يكفر صاحبه ... لذا نقول : لا يجوز لأحد أن يشير إلى مسلم ـ في حال غياب المحكمة أو الجهة الإسلامية القادرة على إنصافه من ظالمه واسترداد حقه ـ يسترد حقه المغصوب عن طريق الكفار ، أن يصفه بالكفر لأنه أراد التحاكم إلى الطاغوت ، كما يفعل ذلك بعض الجهلة الملوثين بالغلو في هذا الزمان ..
... يقول صاحب كتاب [ ضوابط التكفير : 174] : ولا يلزم من هذا أن كل من تحاكم إلى المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية لا بد أن يكون كافرأ ، بل قد يضطر المسلم لتخليص حقوقه ونحو ذلك إلى التحاكم إليها مع عدم رضاه عنها ، فلا يكون كافرا بل يكون حكمه حكم المضطر . .
... هذا من وجه ، ومن وجه آخر فقد تضافرت أدلة الشريعة التي تلزم المسلم باختيار أهون الشرين عند إلزامه بأمرين كلاهما شر ، وهذا يتكرر بكثرة في زماننا بسبب غياب دولة الإسلام ، وغياب المحاكم الشرعية التي تحكم المسلمين بالإسلام ، ومثل هذا ـ لاختياره الشر الذي هو أهون الشرين ـ لا يجوز أن يوصف بأنه راض بحكم الطاغوت ، لأنه اختار ما ليس في دين الله ...."
قطعا المسلم المظلوم المضطر للتحاكم إلى الكفار لنيل حقه ليس كافرا لأنه لا يجد حكم الله فى مكان ما فى العالم وبعض من احكام الكفر موافق للإسلام
ثم بين ضوابط التحاكم فقال :
" ولضبط المسألة فإننا نلخص ما تقدم في النقاط التالية :
... 1ـ لا يجوز لمسلم أن يتحاكم إلى الحاكم الكافر عند وجود الحاكم المسلم الذي يستطيع أن يرد له حقه وينصفه من ظالمه .
... 2ـ لا يجوز للمسلم أن يتحاكم إلى الحاكم الكافر فيما يضاهي ويضاد شرع الله إلا وهو مكره ، ولحكم الطاغوت كاره مبغض ، وغير راض به
... 3ـ إذا اغتصب حق المسلم ولم يجد وسيلة لإعادة حقه إلا الحاكم الكافر ، له أن يحصل على حقه عن طريقه . .
... 4ـ نرى من العزيمة والأفضل أن يضحي المسلم ـ وبخاصة إن كان من الخواص والأعلام ـ بحقه إن كان محتملا ، ولا يمتثل أمام الحاكم الكافر ، وهذا أمر نستحسنه ولا نلزم به مجموع الأمة ، للضرر العام المترتب على ذلك ، والمسألة مرتبطة بنوع وحجم الحق المغتصب ، فلا يعقل أن يقال لمن خطف له ولده لا يجوز لك أن تشتكي إلى الشرطي الكافر ـ أو الحاكم الكافر فلا فرق ـ ليسترد إليك ولدك من خاطفيه لأن هذا نوع من التحاكم إلى الطاغوت"
وما قاله هنا كلام صحيح ثم بين المسألة موضوع الكتاب فقال:
"... ثالثا : لكي ندرك هل الاستئناف في طلب اللجوء من التحاكم المكفر أم لا ، لا بد من أن نقف على صفة التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه ، وصفة الاستئناف في طلب اللجوء لنرى هل يحمل هذا على ذاك ، وإليك ذلك .
... قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) .
... قال ابن جرير الطبري : يعني بذلك جل ثناؤه ( ألم تر ) يا محمد بقلبك فتعلم إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب ، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من الكتب ، يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت ، يعني إلى من يعظمونه ، ويصدرون عن قوله ، ويرضون بحكمه من دون حكم الله ، ( وقد أمروا أن يكفروا به ) يقول : وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه ، فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان ، ( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) يعني أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى ، فيضلهم عنها ضلالا بعيدا .... وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلا من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهان ، ليحكم بينهم ورسول الله (ص)بين أظهرهم وقيل أن الكاهن هو أبو بردة الكاهن الأسلمي ، وقيل أن المراد بالطاغوت في هذا الموضع هو اليهودي كعب بن الأشرف . وقد أسند ابن جرير الآثار التي تدل على ذلك فانظرها.
... ثم قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ) يعني بذلك ( وإذا قيل لهم تعالوا ) هلموا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه ، وإلى الرسول ليحكم بيننا ، ( رأيت المنافقين يصدون عنك ) يعني بذلك : يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم ، ويمنعون من المصير إليك كذلك غيرهم . انتهى .
الكتاب تأليف عبد المنعم مصطفى حليمة وهو يدور حول لجوء المسلم لدولة كافرة وهو ما يسمى اللجوء السياسى وفى هذا قال:
" وبعد .فإن بين الفينة والأخرى تطفو على الساحة مسائل ـ تشغل الشباب عن جادة الحق والصواب ، وعن الأوكد والأهم والأولى ـ لاتدري كيف ظهرت ، ومن أين بدأت ، ومن وراءها ،... من هذه المسائل ، مسألتنا هذه التي شغلت عددا كبيرا من الشباب المسلم ـ المكره على الإقامة في ديار المهجر في بلاد الغرب ـ وأقلقت بالهم خوفا على دينهم وإيمانهم ، وهي : هل يعد الاستئناف لطلب اللجوء السياسي ـ بعد رفض الطلب الأول للجوء ـ من التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه بمجرده ، ويخرج من دائرة الإسلام .. ؟!
... أقول : هذه الصورة المسؤول عنها ؛ وهي اضطرار المسلم ـ لينجو بنفسه من التعذيب والقتل ـ إلى طلب اللجوء والأمان في دار الكفر ، أو استئناف الطلب وتكراره في حال تم رفضه في أول مرة ، لا تعد من صور التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه ، ولا تأخذ صفته وحكمه . وما دام طلب اللجوء أو استئناف الطلب وتكراره ـ إذ لا فرق بينهما ـ تم تحت ظروف الاضطرار والإكراه التي أكرهته ابتداء على اللجوء إلى دار الكفر ، فإنه لا إثم عليه ولا حرج إن شاء الله ، وإليك برهان ذلك بشيء من التفصيل "
الرجل أعلن منذ البداية حق المسلم فى الهجرة إلى ديار الكفر خوفا على نفسه من القتل أو التعذيب فى بلده الأصلية ولا أقول بلده المسلم لأنه لا يوجد بلد مسلم فى العالم لأن كل بلاد العالم تحكم بغير حكم الله حتى ولو أعلنوا أنهم يحتكمون إلى الشرع وفى وقت نفسه هم أكفر الناس بدين الله كمن يتوارثون الحكم مدعين أنهم يطبقون الشرع
وقد بين حليمة أن عند تواجد دار الإسلام لا يجوز الهجرة منها فقال:
"... أولا : قبل أن نخوض في تفصيل الإجابة ، لا بد من الإشارة إلى أن المسلم لا يجوز له أن يقيم حرا مختارا في ديار الكفر عند توفر دار الإسلام الذي يأمن فيه على نفسه ودينه ؛ لأن مجرد دخوله وسكناه في ديار الكفر يعني حصول المخالفات الشرعية التي لا يمكن له دفعها ، ولأن ديار الكفر والشرك ليست هي الديار المناسبة لتحقيق سلامة العبادة والدين على الوجه الذي يرضاه ربنا سبحانه وتعالى ، ومن هنا جاءت النصوص الشرعية تحض على وجوب الهجرة من ديار الكفر إلى دار الإسلام كما في قوله تعالى : ( وقل لعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون )
فوسع الله تعالى الأرض ، وشرع الهجرة والضرب فيها لتحقيق سلامة العبادة والتوحيد ، وديار الكفر والشرك ليست هي الأرض المناسبة لذلك كما تقدم وقال تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض . قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) . فلم يعذرهم الله تعالى لأنهم كانوا قادرين على الهجرة ، ودعواهم أنهم كانوا مستضعفين في الأرض هو زعم ـ شدتهم إليه أواصر التراب ورغد العيش ـ لا حقيقة ، وإلا فإن الاستضعاف الحقيقي الصادق يقيل العثرات ، ويرفع التكليف إلى حين تحقق القدرة ، وهذا ظاهر في قوله تعالى : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) .. وفي الحديث فقد صح عن النبي (ص)أنه قال : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، ألا لا تراءى نارهما " . وقال (ص): " برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم " . وقال (ص): " إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه " .."
ما قاله حليمه هنا صحيح فيما عدا أن الهجرات الأولى للمسلمين لم تكن إلى دار إسلام فالمدينة عندما هاجر لها المهاجرون الأوائل لم تكن تحكم بحكم الله وإنما كانت خليط متنوع من أصحاب الديانات المختلفة ولم تتحول لدار إسلام إلا بعد هجرة النبى(ص) وإقامته وهو والمسلمون فى منطقة معينة يحكمونها بحكم الله ويدافعون عنها والعجرة الأولى فى كتب التاريخ كانت لدار كفر فلم يكن هناك مسلم فيها سوى الحاكم وهو النجاشى وهو أسلم بعد هجرة المسلمين بها بسنوات وأما بقيتهم فكان معظمهم نصارى وهو ما قاله فى الفقرة التالية:
" أما إذا انعدم للإسلام دارا يأمن فيه المسلم على دينه ونفسه ـ كما هو حال المسلمين في هذا الزمان ـ الدار الذي يجد فيه المسلم الملاذ الآمن عندما تداهمه الخطوب والأخطار من كل حدب وصوب ، فحينها لا حرج عليه إن اضطر أن يهاجر من دار كفر إلى دار كفر آخر أقل كفرا وفتنة على دينه ونفسه وأهله ، كما حصل للصحابة عندما أمرهم النبي (ص)بالهجرة إلى الحبشة حيث فيها ملك لا يظلم عنده أحد ... فهم هاجروا من دار كفر يسود فيه الظلم والبطش والقتل لضعاف المسلمين إلى دار كفر آخر لكن تنتفي فيه مظاهر البطش والظلم السائدة يومئذ في مكة .
... قال ابن حزم في المحلى ( 12/125) : وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه ، ولم يحارب المسلمين ، ولا أعانهم عليهم ، ولم يجد في المسلمين من يجيره ، فهذا لا شيء عليه لأنه مضطر مكره ... وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، كان عازما على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم ، لأن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه ، وهو كان الوالي بعد هشام ، فمن كان هكذا فهو معذور . .
... قلت : الزهري عالم من علماء السلف ، وابن حزم يقول عنه معذور رغم أنه كان سيهاجر من أرض الإسلام إلى أرض الكفر ودار الكفر ليدفع عن نفسه الظلم والقتل . وإذا كان الأمر كذلك فمن باب أولى أن يعذر المسلم عندما يهاجر ـ تحت ظروف الاضطرار والإكراه ـ من دار كفر إلى دار كفر آخر ليدفع عن نفسه القتل والظلم والقهر ، كما هو الحال في مسألتنا هذه ."
قطعا أى بلد يكون حاكمه ظالم أى كافر وإن كان يسمى باسم مسلم ويعلن أنه مسلم فهو بلد كفر طالما أنه لا يطلق حكم الله ومن ثم فالزهرى ودولة الأمويين التى لا وجود لها قرآنيا كانت دولة كفر فى دولة التاريخ هى وكل الدول التى تلتها فى المنطقة
ثم قال:
"... ثانيا : اعلم أنه ليس تحصيل كل حق ثابت لك عن طريق الكفار هو ضرب من ضروب التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه جراءه ، ولمجرد تحصيلك للحق عن طريق الكفار ومحاكمهم ، والدليل على ذلك مارواه البخاري في الأدب المفرد ، عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله (ص)قال : " شهدت مع عمومتي حلف المطيبين ، فما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم " . [ صحيح الأدب المفرد : 441] .
... قال ابن الأثير في النهاية : اجتمع بنو هاشم ، وبنو زهرة ، وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية ، وجعلوا طيبا في جفنة ، وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فسموا المطيبين . انتهى .
... قلت : رغم أن هذا الحلف تتوفر فيه عناصر الحكم والتحاكم من فض للنزاعات بين الظالم والمظلوم ، وأن القائمين على هذه المهمة هم من أكابر المشركين ، فإن النبي (ص)قد أثنى عليه خيرا ، وما أحب أن ينقضه ولو بحمر النعم ، لقيامه على معنى صحيح لا يتعارض مع الشرع ، وهو إنصاف المظلوم من الظالم .... وبالتالي لايجوز لأحد ـ إلا إذا آثر الكفر على الإيمان ـ أن يقول أن النبي (ص)قد أقر التحاكم إلى الطاغوت ؛ لأن القائمين على حلف المطيبين كانوا من الكفار المشركين .... كما لا يجوز أن يعتبره من الأحكام المنسوخة لعدم اكتمال الدين وقتئذ ؛ لأن القضية ـ على زعم القوم ـ إذا كانت من التوحيد ومن لوازمه وشروطه ، فهذا مكتمل ومعلوم من أول يوم نزلت " لا إله إلا الله " على محمد (ص).... وعليه ليس كل فض نزاع بين طرفين ـ وإن سمي تحاكما لغة ـ يجوز أن يعتبر من التحاكم إلى الطاغوت المناقض للتوحيد والذي يكفر صاحبه ... لذا نقول : لا يجوز لأحد أن يشير إلى مسلم ـ في حال غياب المحكمة أو الجهة الإسلامية القادرة على إنصافه من ظالمه واسترداد حقه ـ يسترد حقه المغصوب عن طريق الكفار ، أن يصفه بالكفر لأنه أراد التحاكم إلى الطاغوت ، كما يفعل ذلك بعض الجهلة الملوثين بالغلو في هذا الزمان ..
... يقول صاحب كتاب [ ضوابط التكفير : 174] : ولا يلزم من هذا أن كل من تحاكم إلى المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية لا بد أن يكون كافرأ ، بل قد يضطر المسلم لتخليص حقوقه ونحو ذلك إلى التحاكم إليها مع عدم رضاه عنها ، فلا يكون كافرا بل يكون حكمه حكم المضطر . .
... هذا من وجه ، ومن وجه آخر فقد تضافرت أدلة الشريعة التي تلزم المسلم باختيار أهون الشرين عند إلزامه بأمرين كلاهما شر ، وهذا يتكرر بكثرة في زماننا بسبب غياب دولة الإسلام ، وغياب المحاكم الشرعية التي تحكم المسلمين بالإسلام ، ومثل هذا ـ لاختياره الشر الذي هو أهون الشرين ـ لا يجوز أن يوصف بأنه راض بحكم الطاغوت ، لأنه اختار ما ليس في دين الله ...."
قطعا المسلم المظلوم المضطر للتحاكم إلى الكفار لنيل حقه ليس كافرا لأنه لا يجد حكم الله فى مكان ما فى العالم وبعض من احكام الكفر موافق للإسلام
ثم بين ضوابط التحاكم فقال :
" ولضبط المسألة فإننا نلخص ما تقدم في النقاط التالية :
... 1ـ لا يجوز لمسلم أن يتحاكم إلى الحاكم الكافر عند وجود الحاكم المسلم الذي يستطيع أن يرد له حقه وينصفه من ظالمه .
... 2ـ لا يجوز للمسلم أن يتحاكم إلى الحاكم الكافر فيما يضاهي ويضاد شرع الله إلا وهو مكره ، ولحكم الطاغوت كاره مبغض ، وغير راض به
... 3ـ إذا اغتصب حق المسلم ولم يجد وسيلة لإعادة حقه إلا الحاكم الكافر ، له أن يحصل على حقه عن طريقه . .
... 4ـ نرى من العزيمة والأفضل أن يضحي المسلم ـ وبخاصة إن كان من الخواص والأعلام ـ بحقه إن كان محتملا ، ولا يمتثل أمام الحاكم الكافر ، وهذا أمر نستحسنه ولا نلزم به مجموع الأمة ، للضرر العام المترتب على ذلك ، والمسألة مرتبطة بنوع وحجم الحق المغتصب ، فلا يعقل أن يقال لمن خطف له ولده لا يجوز لك أن تشتكي إلى الشرطي الكافر ـ أو الحاكم الكافر فلا فرق ـ ليسترد إليك ولدك من خاطفيه لأن هذا نوع من التحاكم إلى الطاغوت"
وما قاله هنا كلام صحيح ثم بين المسألة موضوع الكتاب فقال:
"... ثالثا : لكي ندرك هل الاستئناف في طلب اللجوء من التحاكم المكفر أم لا ، لا بد من أن نقف على صفة التحاكم إلى الطاغوت الذي يكفر صاحبه ، وصفة الاستئناف في طلب اللجوء لنرى هل يحمل هذا على ذاك ، وإليك ذلك .
... قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) .
... قال ابن جرير الطبري : يعني بذلك جل ثناؤه ( ألم تر ) يا محمد بقلبك فتعلم إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب ، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من الكتب ، يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت ، يعني إلى من يعظمونه ، ويصدرون عن قوله ، ويرضون بحكمه من دون حكم الله ، ( وقد أمروا أن يكفروا به ) يقول : وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه ، فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان ، ( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) يعني أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى ، فيضلهم عنها ضلالا بعيدا .... وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلا من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهان ، ليحكم بينهم ورسول الله (ص)بين أظهرهم وقيل أن الكاهن هو أبو بردة الكاهن الأسلمي ، وقيل أن المراد بالطاغوت في هذا الموضع هو اليهودي كعب بن الأشرف . وقد أسند ابن جرير الآثار التي تدل على ذلك فانظرها.
... ثم قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ) يعني بذلك ( وإذا قيل لهم تعالوا ) هلموا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه ، وإلى الرسول ليحكم بيننا ، ( رأيت المنافقين يصدون عنك ) يعني بذلك : يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم ، ويمنعون من المصير إليك كذلك غيرهم . انتهى .