الوداع يا صديقي

هارون الرشيد

عضو بلاتيني
هل تعلم يا صديقي أني لستُ بخير. هل صدقت ما قلته لك بعد فقدي لها!؟ لقد كذبت عليك عندما قلت أن الحياة لا تتوقف عند أحد، وخدعتك في ثباتي وأنا أستقبل المعزين وأتحدث معهم . يا صديقي: أنا لستُ بخير ولن أكون بخير أبدا. هل سمعت ما قاله ذلك الرجل المسن في عزائه لي؟ لقد كان يكذب، عندما كان يتحدث بثبات عن تجربته في فقده لزوجته قبل عشرون عاما. نعم كان يكذب، فأنا قبل شهر زرته وكنا لوحدنا. كان يحدثني عنها بثبات في البداية، ليفاجئني ببكائه ونحيبه كأنه أم فجعت بموت إبنها. هل سمعته وهو يتحدث عن الصبر! القًوة! الثبات! الأمل! وختم حديثه بالبداية الجديدة! يا صديقي: هل شاهدت تعابير المتواجدين وإعجابهم وتأييدهم له؟ سأستثني صغار السن من ذلك فقط، لكن ذلك المسن والبقية وأنا أحدهم: كاذبون، مخادعون، دجالون. يا صديقي: هل نظرت في عينيه. إنهما منطفئتان تعكسان حال أعماقه. إن ذلك البريق الذي نشاهده في العيون مصدره الأعماق. فكيف للاعماق التي إحتلتها وأنهكتها الذكريات الحزينة القدرة على أن تضيء العيون وتمنحها الحياة!؟ يا صديقي: هل نظرت في عيني؟ أم أنك تعمدت أن تتجنب ذلك؟ هل تذكر حديثي لك في تلك الليلة، عندما قلت لك أن روحي واهنة ومنهكة؟ أنت تذكر ، أنا متأكد من ذلك. لقد أتصلت بك الساعة الثانية بعد الظهر بعدما صعقني الدكتور بمرضها الخبيث وإنتشاره. حينها كنت أنت في المملكة العربية السعودية، وتفاجأت بإتصالك الساعة السابعة من مساء نفس اليوم لتبلغني: أنك في الكويت وترغب في زيارتي لك. لقد قبلت دعوتك من دون تردد. التقيت بك ووجدتك غريبا. نعم كنت غريبا وقتها فقد كنت تتجنب النظر إلي، لماذا !؟ أنا أسألك الآن لماذا لا تجيب!؟ هل تعتقد أني ساذج، غبي، لم أفهم سبب غرابتك؟ لا يا صديقي، لقد حطمتني وقتها، لقد شاهدت وأيقنت ضعفي في غرابة سلوكك. لماذا تغير سلوكك معي من ذلك الحين؟ هل أشفقت علي؟ يا صديقي: أنت من دمرني! إنني لست بخير يا صديقي. لا استطيع النوم ، ولا البكاء، لا حاضر ولا مستقبل لقد هجرتهما وأستوطنت الماضي. نعم ، ماذا لدي في الحاضر أو المستقبل!؟ كل ما لدي هو الماضي. يا صديقي: إين من يناولني الدواء؟ ومن يشاركني الفطور والغداء والعشاء؟ ومن يشاركني الفراش وتتشابك أيدينا حتى ننام؟ تلك عادة إعتدنا عليها لنصف قرن. يا صديقي: لقد فقدت كل شيء؟ هل تعلم ماذا أعني بذلك، أم أنك لا زلت تهرب من مواجهتي؟ ألست صديقي، لماذا لا تقف بجانبي!؟ ألا تسمعني وأنا أصرخ طلبا النجدة من هجوم الذكريات وقسوتها؟ يا صديقي: إن الذكريات تفترسني كل لحظة، فأين أنت. يا صديقي، يا صديقي أرجوك، أتوسل إليك ، أستحلفك بالله وعشرتنا الطويلة أن تساعدني. لم تدرك ولم تصدقني عندما قلت أن لا حاضر لي ولا مستقبل. فها أنا أجلس وحيدا فريسة للذكريات من دون أي سند أو عون أحد. يا صديقي لا حل لي إلا بالمواجهة، نعم المواجهة. إذا لا بد لي من الذهاب للذكريات، وأنا أعلم كيف يكون ذلك. الوداع يا صديقي فأنا سألتقي بالذكريات. تلك الرسالة وجدها إبن ذلك الرجل بعد أنتحاره، فسلمها لصديقه.
 
أعلى