المفيد في مهمات التوحيد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

عنوان هذا الموضوع هو مشابه لكتاب نافع يحمل نفس الاسم للشيخ الدكتور عبد القادر محمد عطا صوفي ، وهو كتاب مفيد جداً لطالب العلم ، وهو من أجمع الكتب في بابه ، وتميز بحسن الترتيب والتبويب وسهولة العبارة .

وسيكون هذا الكتاب المرجع الأساسي لهذا الموضوع ، ولكنني لن أنقل منه فقط ، بل سأرجع إلى مصادر أخرى من كتب وأشرطة علماء أهل السنة والجماعة ، ولكن هذا الكتاب سيكون المرجع الأساسي الذي أستقي منه المعلومات ، مع الاختصار والتصرف اليسير الذي لا يخل بالمعنى بإذن الله تعالى .
 
معنى العقيدة في اللغة والاصطلاح

معنى العقيدة لغة

كلمة ( العقيدة ) مأخوذة من ( عقد ) ، ومادة ( عقد ) تدور بين عدة معاني :

1 - الربط والشد بقوة : يُقال : عقد الحبل إذا ربطه وشدّه بقوة .

2 - العهد : يُقال بين هذه القبيلة وتلك القبيلة ( عقد ) ، أي بينهما عهد ، وجمعه : عقود ، ومنه قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ( المائدة : 1 ) ، أي أوفوا بالعهود .

3 - الملازمة : يُقال : عقد قلبه على الشيء ، أي لزمه ، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( الخيل معقودٌ في نواصيها الخير يوم القيامة ) رواه مسلم .

4 - التأكيد : عقد البيع ، إذا أكّده ، ومنه : العقد المكتوب في البيع .

معنى العقيدة اصطلاحاً

العقيدة اصطلاحاً لها أكثر من تعريف :

1 - ( التصديق الجازم الجازم فيما يجب لله عز وجل من الوحدانية والربوبية والإفراد بالعبادة ، والإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ) ، وهذا تعريف الشيخ العلامة صالح الأطرم رحمه الله ، المصدر : الأسئلة والأجوبة في العقيدة ( ص 7 ) .

2 - ( تصميم القلب والاعتقاد الجازم الذي لا يخالطه شكٌّ في المطالب الإلهية والنبوات وأمور المعاد وغيرها مما يجب الإيمان به ) وهذا هو تعريف الشيخ العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله ، المصدر : العقيدة الإسلامية وتاريخها ( ص 5 ) .

3 - ( ما عقد الإنسان قلبه عليه ، ودان لله عز وجل به ) ، وهذا هو تعريف الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله ، المصدر : الأسئلة والأجوبة الأصولية ( ص 23 ) .

س : ما هو الرابط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ؟

ج : الارتباط بينهما ظاهر ، لأن هذا الذي جزم بالشيء ، وصمم عليه ، وقد ألزمه قلبه ، وربطه عليه ، وشدّه بقوة ، بحيث لا يتفلت به أبداً .
 
بيان بعض المسميات التي أطلقت على العقيدة الإسلامية


كلمة ( العقيدة ) أو ( الاعتقاد ) لم ترد في الكتاب والسنة ، وإنْ كانت قد وردت مادتها ، قال الله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيْمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيْمان } [ المائدة : 89 ] ، أي يؤاخذكم إذا حنثتم في الأيْمان التي وثّقتموها وأكدتموها .

ومصطلح ( العقيدة ) لم يستخدمه علماء الأمة في القرون المفضلة .

سؤال : من أول من استخدم مصطلح ( العقيدة ) ؟

الجواب : أول من استخدم هذا المصطلح - فيما أعلم - هو الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله [ ت 327 هـ ] في كتابه ( أصل السنة واعتقاد الدين ) وتلاه الإمام أبو بكر الإسماعيلي [ ت 371 ] في كتابه ( اعتقاد أئمة الحديث ) وتبعه الأئمة كأبي القاسم اللالكائي [ ت 418 هـ ] في كتابه ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ) وأبي عثمان الصابوني [ ت 449 هـ ] في كتابه ( عقيدة السلف أصحاب الحديث ) وأبي بكر البيهقي [ ت 458 هـ ) في كتابه ( الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة ) وقوام السنة الأصبهاني [ ت 535 هـ ] في كتابه ( الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة ) ، وغيرهم .

سؤال : ما هي الثمرة من معرفة المسميات التي أطلقت على العقيدة الإسلامية ؟

الجواب : قال الدكتور ناصر القفاري : ( ومن الوقوف على هذا أسماء هذا العلم - أي العقيدة - : معرفة مصادره الأصلية ) المصدر : أصول الدين عند الأئمة الأربعة ( ص 14 ) .

سؤال : ما هي مسميات العقيدة الإسلامية أو ما هي المصطلحات التي أطلقت عليها ؟

الجواب : التوحيد - أصول الدين - السنة - الفقه الأكبر .

وسآتي على ذكر تفاصيل هذه المسميات في المشاركات القادمة بإذن الله تعالى .
 
مسمى ( التوحيد )

تعريف التوحيد لغة واصطلاحاً

( التوحيد ) في اللغة مصدر من : وحّد يوحد توحيداً ، إذا أفرده وجعله واحداً ، أنظر : لسان العرب لابن منظور ( 3 / 448 ) .

ويُطلق ( الواحد ) على المنفرد بخصائصه عما سواه .

والتوحيد في الإصطلاح : ( إفراد الله بما تفرّد به ، وبما أمر أمر أن يُفرد به ، فنفرده في ملكه وأفعاله ، فلا رب سواه ولا شريك له ، ونفرده في ألوهيته فلا يستحق العبادة إلا هو ، ونفرده في أسمائه وصفاته فلا مثيل له في كماله ولا نظير له ) .

مدى المقارنة بين ( العقيدة ) و ( التوحيد )

عندما نقارن بين ( العقيدة ) و ( التوحيد ) كمُصْطَلَحيْن ، نجد أن ( العقيدة ) لا تشتمل على توحيد الله عز وجل فقط ، بل هي تشمل ( التوحيد ) وزيادة ، فـ ( العقيدة ) يدخل فيها مباحث متعددة : كالرسل ورسالتهم والكتب السماوية والقضاء والقدر واليوم الآخر وكرامات الأولياء والإمامة والصحابة ، بل ويدخل في ذلك أيضاً : الموقف من الفرق الضالة .

سؤال : إذا كان التوحيد لا يشمل كافة مباحث العقيدة بل هو جزء من أجزائه لماذا سمى العلماء علم العقيدة بـ ( التوحيد ) ؟ ولماذا أطلق العلماء ما صنفوه من كتب العقيدة اسم ( التوحيد ) ؟

الجواب : إن تسمية ( العقيدة ) بـ ( التوحيد ) هو من باب تسمية الشيء بأشرف أجزائه ، لأن توحيد الله هو أشرف مباحث ( العقيدة ) ، أما مباحث ( العقيدة ) الأخرى كالإيمان بالرسل والكتب السماوية والملائكة واليوم الآخر والقضاء والقدر ، ومباحث الإمامة والصحابة ، فهي تعتمد عليه ، إذ هو أساسها وجوهرها ، فهي تدخل في ( التوحيد ) بالاستلزام .

الفرق بين ( العقيدة ) و ( التوحيد )

سؤال : ما الفرق بين العقيدة والتوحيد ؟

الجواب : ( العقيدة ) أهم من جهة موضوعها من ( التوحيد ) ، إذ هي تشمل ( التوحيد ) وغيره من المباحث ، فيدخل في ( العقيدة ) أركان الإيمان الستة وكذلك ردود علماء الإسلام على الديانات الأخرى والفرق والتيارات المعاصرة وغيرها بخلاف ( التوحيد ) الذي يقتصر على توحيد الله عز وجل وهو أشرف أجزاء ( العقيدة ) ، ويُلاحظ أن مباحث أركان الإيمان الأخرى تدخل في إطار ( العقيدة ) بالمطابقة ، وتدخل في إطار ( التوحيد ) بالاستلزام ، فيلزم من إيمانك بالله أن تؤمن بباقي أركان الإيمان الستة .

مؤلفات تحت مسمى ( التوحيد )

1 - استخدم الإمام البخاري [ ت 256 هـ ] هذا المصطلح ، فسمى الكتاب الذي خرّج فيه أحاديث العقيدة في ( الجامع الصحيح ) بـ ( كتاب التوحيد ) .

2 - ( كتاب التوحيد ) لأبي العباس أحمد بن عمر بن سُريْج البغدادي [ ت 306 ] .

3 - ( كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل ) لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ( ت 311 هـ ) .

4 - ( كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد ) لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده [ ت 395 هـ ] .

ثم تتابعت الكتب المؤلفة تحت هذا الاسم .
 
مسمى ( أصول الدين )

مصطلح ( أصول الدين ) مركب من : مضاف ، ومضاف إليه ، فهو إذن ( مركب إضافي ) ، ولا يمكن التوصل إلى معنى المركّب إلا بتحليل أجزائه المركب منها ، وهي ( أصول ) و ( دين ) .

أما ( أصول ) : فمفردها أصل ، ومعناه لغة : أصل الشيء ، أو ما يُبتنى عليه غيره ، كأساس المنزل وأصل الشجرة ونحو ذلك ، والأصل اصطلاحاً : ما له فرع ، لأن الفرع لا ينشأ إلا عن أصل .

و ( الدين ) في اللغة : الذل والخضوع ، والمراد به : دين الإسلام ، وطاعة الله وعبادته وتوحيده ، وامتثال المأمور ، واجتناب المحظور ، وكل ما يُتعبد الله عز وجل به .

فتكون ( أصول الدين ) - على هذا - : ( القواعد والأسس التي تصح العبادة بها ، وتحقق بها طاعة الله ورسوله بامتثال المأمور واجتناب المحظور ) ، لأن الاعتقاد هو الأصل الذي ينبني عليه قبول الأعمال وصحتها .

فـ ( أصول الدين ) : هي ما يقوم وينبني عليه الدين ، والدين الإسلامي يقوم على عقيدة التوحيد ، ومن سُمّيَ علم ( التوحيد ) أو علم ( العقيدة ) بـ ( أصول الدين ) .

الحقيقة الشرعية لـ ( أصول الدين )

المفهوم الحق لـ ( أصول الدين ) هي أصول الإيمان الستة المذكورة في قوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله باليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين } [ البقرة : 177 ] ، وقوله تعالى : { إنا كل شيء ٍ خلقناه بقدر } [ القمر : 49 ] ، وهي الواردة في حديث جبريل المشهور : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) رواه مسلم .

سؤال : من هو أول من استخدم مصطلح ( أصول الدين ) ؟

الجواب : لعل أول من استخدم هذا المصطلح لعلم ( العقيدة ) - وإن لم يشتهر وقتها - هو الإمام الشافعي رحمه الله [ ت 204 هـ ] ، حيث قال في مقدمة كتابه ( الفقه الأكبر ) : ( هذا كتابٌ ذكرنا فيه ظواهر المسائل في أصول الدين ، التي لا بد للمكلف من معرفتها والوقوف عليها ) .

مؤلفات في العقيدة تحت مسمى ( أصول الدين )

1 - ( الإبانة عن أصول الديانة ) للإمام أبي الحسن الأشعري [ ت 329 ] ، حيث أبان هذا الإمام عن عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الكتاب .

2 - ( أصل السنة واعتقاد الدين ) للإمام أبي حاتم الرازي [ ت 327 هـ ] .

3 - ( الشرح والإبانة عن أصول الديانة ) للإمام عبيد الله بن محمد بن بطه العُكبري [ 387 هـ ] .

4 - ( أصول الدين ) لعبد القاهر البغدادي [ ت 429 هـ ] وهو أشعري .

ملاحظة : ( العقيدة ) سُمّيت بـ ( أصول الدين ) تمييزاً لها عن الفروع ، وينبغي ألا يخطر على بالك أن الأصول هي التي يُؤخذ ويُعمل بها فقط ويمكن الاستغناء عن الفروع ، فهذا الفهم خطأ ، لأن الدين كله واحد لا يتجزأ ، وقد عاب الله على أهل الكتاب هذه الصفة فيهم فقال : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل ٍ عما تعملون } [ البقرة : 85 ] .
 
مسمى ( السنة )

تعريف ( السنة ) لغة واصطلاحاً

( السنة ) لغة : من سَنَّ يَسِنّ يَسُنُّ ، فهو مسنون ، وسَنَّ الأمر : بيَّنَهُ ، وهي تأتي لعدة معان ، منها :

1 - الطريقة المسلوكة ، سواءً كانت محمودة أو مذمومة ، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم .

2 - السيرة ، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام : سيرته التي كان يتحراها ، فما ثبت عنه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف ، قيل له : ( سنة ) ، يقول ابن الأثير : ( وقد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها ، والأصل منها السيرة والطريقة ) انظر : النهاية في غريب الحديث ( 2 / 409 ) .

3 - العادة ، ومنه قوله تعالى : { سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلاً } [ الإسراء : 77 ] أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم .

أما ( السنة ) عند الأصوليين : فهي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو قرر عليه ، انظر ( مذكرة في أصول الفقه ) للشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ( ص 95 ) .

المناسبة بين مسمى ( السنة ) ومسمى ( العقيدة )

لأهمية وخطورة الاعتقاد التي هي أصل الدين ، أطلق العلماء لفظ ( السنة ) على ما وافق الكتاب والسنة من من قضايا الاعتقاد ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ولفظ السنة في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات ، وإنْ كان كثيرٌ ممن صنّف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات ) انظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( 77 ) .

ولما كانت ( السنة ) مصدراً من مصادر العقيدة - كما سيأتي - وطريقة من طرق إثبات العقيدة الصحيحة ، اعتبر العلماء معنى ( السنة ) : اتباع العقيدة الصحيحة ، وأطلقوا على عقيدة السلف الصالح اسم ( السنة ) ، بسبب اتباعهم لطريقة الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم في ذلك ، يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله : ( السنة : طريقة النبي عليه الصلاة والسلام التي كان عليها هو وأصحابه ، السالمة من الشبهات والشهوات ، ثم صارت في عرف كثير من العلماء من أهل الحديث وغيرهم ، السنة : عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات ، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وكذلك مسائل القدر وفضائل الصحابة ، وصنفوا في هذا العلم تصانيف ، وسَمّوْها كتب السنة ) انظر كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة ( ص 11 - 12 ) .

سؤال : متى ظهر اصطلاح ( السنة ) على ( العقيدة ) ؟

الجواب : ساد اصطلاح ( السنة ) في القرن الثالث الهجري وفي عصر إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله حين ظهرت الفرق وراجت عقائد المبتدعة ، فأخذ العلماء يطلقون اسم ( السنة ) على مسائل العقيدة وأصول الدين تمييزاً لها عن مقولات الفرق .

مؤلفات في العقيدة تحت مسمى ( السنة )

1 - ( السنة ) لابن أبي شيبة [ 235 هـ ] .

2 - ( السنة ) لأحمد بن حنبل [ 241 هـ ] .

3 - ( السنة ) للأثرم أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ البغدادي [ ت 273 هـ ] .

4 - ( السنة ) لأبي علي حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال [ ت 273 هـ ] .

5 - ( السنة ) لأبي داوود سليمان بن الأشعث السجستاني [ ت 275 هـ ] .
 
مسمى ( الفقه الأكبر )

تعريف ( الفقه الأكبر ) لغة واصطلاحاً
( الفقه ) في اللغة : الفهم ، يقول ابن فارس : ( فَقِهَ : الفاء والقاف والهاء أصلٌ واحدٌ صحيحٌ ، يدل على إدراك الشيء والعلم به ، تقول : فَقِهْتُ الحديث أفْقَهُهُ ، وكل علم بشيء ٍ فهو فِقْهْ ، ثم اختص ذلك بعلم الشريعة ، فقيل لكل عالم بالحلال والحرام : فقيه .... ) انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس ( 4 / 242 ) .

ولقد كان الفقه يُطلق في القرون الأولى على العلم بأحكام الشريعة كلها ، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) رواه البخاري ، وكذا دعاؤه لابن عمه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - كان عاماًّ في الدين كله ، لا في مسائل الحلال والحرام فحسب ، في قوله : ( اللهم فقّهه في الدين وعلِّمه التأويل ) رواه البخاري .

والملاحظ أن أن المتأخرين خصوا اسم ( الفقه ) بمعرفة مسائل الحلال والحرام وغيرها .
سبب تسمية ( العقيدة ) بـ ( الفقه الأكبر )
سَمَّى العلماء ( العقيدة ) بـ ( الفقه الأكبر ) مقارنة بفقه الفروع ، فقولنا : ( الفقه الأكبر ) ، يُشْعِر بأن هناك فقهاً آخر ليس بأكبر ، وهو ما أطلِقَ عليه اسم ( الفروع ) .
مؤلفات في العقيدة تحت مسمى ( الفقه الأكبر )
أول من استخدم مصطلح ( الفقه الأكبر ) هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت [ 150 هـ ] ، فقد رُويَ عنه كتابٌ بهذا الاسم ، وهو مشهورٌ عند أصحابه ، بحث فيه بعض مسائل الاعتقاد .

وكذلك يُنسب للإمام الشافعي محمد بن إدريس [ 204 هـ ] كتابٌ باسم ( الفقه الأكبر ) ، عرض فيه مسائل الاعتقاد بالتفصيل .

ملاحظة : قد يظن البعض أن تسمية ( العقيدة ) بـ ( الفقه الأكبر ) ، تعني إهمال الفقه الآخر - مسائل الأحكام والحلال والحرام - ، لأنه أصغر مقارنة ً بالأكبر ، وهذا الفهم غير صحيح ، لأن تسمية ( العقيدة ) بـ ( الفقه الأكبر ) تعني الاهتمام بها والبدء بتصحيحها قبل القيام بأداء الأعمال ، ومعرفة أدلتها التفصيلية لأن دين الإسلام واحد لا يتجزأ ، ولا يمكن الاستغناء عن بعضه ، والاكتفاء بالبعض الآخر .
 

بو حمد

عضو بلاتيني
الشكر موصول لك على هذا الموضوع المهم ..

الاخ منهاج السنه النبويه .. هل تفسير العقيدة متفق عليه بين عامة المسلمين.؟ او على الاقل بين اهل السنه؟؟
 
الشكر موصول لك على هذا الموضوع المهم ..

الاخ منهاج السنه النبويه .. هل تفسير العقيدة متفق عليه بين عامة المسلمين.؟ او على الاقل بين اهل السنه؟؟

إنْ كنتَ تقصد تعريف العقيدة ، فقد مر معنا الاختلاف بين العلماء في التعريف ، وقد ذكرنا ثلاثة تعاريف ، وهذا الاختلاف لا يضر .

وإنْ كنتَ تقصد أصول الاعتقاد وهي أركان الإيمان الستة ، فلا شك أنه حصل اختلافٌ بين الفرق الإسلامية والمنتسبة للإسلام وبين أهل السنة والجماعة ، والمذهب الحق فيها هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة في الجملة متفقون على أصول الاعتقاد ، وهم عقيدة واحدة وهي العقيدة السلفية ويوجد بين علماء أهل السنة اختلاف يسير في بعض فروع مسائل الاعتقاد ، مثل الاختلاف في مسألة ( هل رأى النبي عليه الصلاة والسلام ربه بعينه أو لم يره ؟ ) .
 

بو حمد

عضو بلاتيني
إنْ كنتَ تقصد تعريف العقيدة ، فقد مر معنا الاختلاف بين العلماء في التعريف ، وقد ذكرنا ثلاثة تعاريف ، وهذا الاختلاف لا يضر .

وإنْ كنتَ تقصد أصول الاعتقاد وهي أركان الإيمان الستة ، فلا شك أنه حصل اختلافٌ بين الفرق الإسلامية والمنتسبة للإسلام وبين أهل السنة والجماعة ، والمذهب الحق فيها هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة في الجملة متفقون على أصول الاعتقاد ، وهم عقيدة واحدة وهي العقيدة السلفية ويوجد بين علماء أهل السنة اختلاف يسير في بعض فروع مسائل الاعتقاد ، مثل الاختلاف في مسألة ( هل رأى النبي عليه الصلاة والسلام ربه بعينه أو لم يره ؟ ) .


شكرا لك ..
 

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
جزاكم الله خير أخي الكريم


تابع جزاكم الله خيرا , متابعين معك
 
بعض المسميات التي أطْلِقَتْ على حَمَلَة العقيدة الإسلامية

عرفنا بعض المسميات التي أطْلِقَتْ على علم العقيدة الإسلامية .

وثمة مسميات أطْلِقَتْ على أهل العقيدة الصحيحة و حَمَلَتِها ، وسأذكر بعضها في الوقفات التالية :

مسمى ( أهل السنة والجماعة )

التعريف بـ ( أهل السنة والجماعة )

هذا المسمى يجمع بين وصفين اثنين : ( السنة ) ، و ( الجماعة ) .

وقد تقدم معنى ( السنة ) اللغوي ، وذكرنا أن العلماء يعرّفونها اصطلاحاً بأنها : ما نُقِلَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو وصف أو تقرير .

و ( السنة ) تُطلق على ما يقابل ( البدعة ) ، كقولهم : طلاق السنة كذا ، وطلاق البدعة كذا ، وفلان على سنة ، وفلان على بدعة .

وهاتان الكلمتان : ( السنة ) و ( البدعة ) تُستعملان دائماً ككلمتين متضادتين ، لأن ( السنة ) هي الطريق التي كان عليها النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم ، و ( البدعة ) هي ترك تلك الطريق والانحراف عنها .

وقد ورد في الحديث ذِكْرُ ( السنة ) في مقابل ( البدعة ) : قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( ما أحدث قومٌ بدعة ، إلا رُفِعَ مثلها من السنة ) رواه الإمام أحمد وحسنّه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 13 / 253 ) .

فـ ( السنة ) بهذا المعنى تشمل كل ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين .

أما ( الجماعة ) في اللغة : فهي مأخوذة من الجمع ، وهو ضم الشيء بتقريب بعضه إلى بعض ، قال ابن فارس : ( الجيم والميم والعين أصلٌ واحد ، يدل على تضامِّ الشيء ..... ) انظر : معجم مقاييس اللغة ( 479 ) .

و ( الجماعة ) : العدد الكثير من الناس ، أو القوم المجتمعون على أمر ٍ ما ، أو طائفةٌ يجمعهم غرضٌ واحد ، انظر : لسان العرب لابن منظور ( 8 / 53 – 60 ) .

و ( الجماعة ) شرعاً : ( الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأصحابه رضي الله عنهم ، والتابعون ، وتابعوهم بإحسان ) انظر : مفهوم أهل السنة والجماعة لناصر العقل ( ص 54 ) .

وأهل الشيء : أخص الناس به ، يقول أهل اللغة : أهل الرجل ، أخص الناس به ، وأهل البيت : سُكّانُهُ ، وأهل الإسلام : من يدين به ، وأهل المذهب من يدين به ، انظر : معجم مقاييس اللغة ( 1 / 150 ) .

بإمكاننا بعد أن عرفنا معاني ( أهل ) و ( السنة ) و ( الجماعة ) أن نُعَرّفَ ( أهل السنة والجماعة ) بأنهم : ( المتبعون لمنهج الرسول عليه الصلاة السلام وأصحابه في الأصول والفروع ) انظر : الاعتصام للشاطبي ( 1 / 28 ) وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس ( ص 16 – 17 ) .

وقيل : ( هم من كان على مثل ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه اعتقاداً وقولاً وفعلاً ) ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن الفرقة الناجية فأجاب مرة بأنها ما كانت على مثل ما هو عليه وأصحابه ، وأخرى قال : ( هي الجماعة ) رواه أبو داوود وابن ماجه وغيرهما وصححه الشيخ الألباني في السنة لابن أبي عاصم ( 1 / 42 ) .

وقيل : ( هم الذين اجتمعوا على الأخذ بسنة النبي عليه الصلاة والسلام والعمل بها ظاهراً وباطناً في القول والعمل والاعتقاد ) انظر : رسائل في العقيدة ( ص 53 ) والمجموع الثمين ( 3 / 3 ) كليهما للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .

ملاحظة : لا يُقصد بـ ( الجماعة ) هنا : مجموع الناس وعامتهم ولا أغلبهم ولا سوادهم ما لم يجتمعوا على الحق ، لأن ( الجماعة ) هنا : هي التمسك بالكتاب والسنة ولو كنتَ وحدك ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إنما الجماعة الحق وإنْة كنتَ وحدهم ) ، فلا اعتبار للقلة أو الكثرة في معرفة الحق والباطل ، قال الله تعالى : { وإنْ تتبع أكثر من في الأرض يضلونك عن سبيل الله } [ الأنعام : 116 ] .

يقول عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة [ ت 665 هـ ] : ( وحيث جاء الأمرُ بلزوم الجماعة ، فالمراد به : لزوم الحق واتباعه ، وإنْ كان المتمسك به قليلاً والمخالف كثيراً ، لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ، ولا تنظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم ) انظر : الباعث على إنكار البدع والحوادث ( ص 34 ) .

مسمى ( السلف )

التعريف بـ ( السلف )

( السلف ) في اللغة : جمع سالف ، والسالف : المتقدم ، والسلف : الجماعة المتقدمون .

قال ابن فارس : ( سَلَفَ : السين واللام والفاء أصلٌ يدل على تقدم وسَبْقْ ، من ذلك : السلف الذين مضوا ، والقوم السُّلاَّف : المتقدمون .... ) انظر : معجم مقاييس اللغة ( 3 / 95 ) .

وسَلَفُ كل إنسان : من تقدمه من آبائه وذوي قرابته الذي هم فوقه في السن والفضل ، وأحدهم : سالف ، انظر معالم التنزيل للبغوي ( 4 / 142 ) .

وقيل : من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته ، ولهذا سُمّيَ الصدر الأول من التابعين بـ ( السلف الصالح ) ، هذا عن ( السلف ) في اللغة .

أما ( السلف ) في الاصطلاح : فقد اختلف العلماء في تحديد المراد منهم ، نتيجة اختلافهم في تحديد الزمن الذي يُنسبون إليه ، إلى عدة أقوال :

القول الأول : أنهم الصحابة رضي الله عنهم فقط ، وهو قول عدد ٍ من شُرَّاح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ، انظر : وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ( ص 97 – 98 ) .

القول الثاني : أنهم الصحابة والتابعون ، وممن ذهب إلى هذا أبو حامد الغزالي ، حين قال : ( اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف ، أعني مذهب الصحابة والتابعين ) انظر إلجام العوام عن علم الكلام ( ص 53 ) .

القول الثالث : أنهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين ، أي القرون الثلاثة التي أثبت لها النبي عليه الصلاة والسلام الخيرية بقوله : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) رواه البخاري .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة ابنته زينب رضي الله عنها : ( الحقي بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعون ... ) رواه الإمام أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ( 4 / 4 ) .

ملاحظة : يُلاحظ من هذه الأقوال جميعها أنها تُدخل كل من كان في القرون المفضلة في مسمى ( السلف ) ، ولكن هذا ليس على إطلاقه ، إذ المعروف أن الفرق الضالة ظهرت في القرون الأولى ، فلا يكفي السبق الزمني في تعيين ( السلف ) ، بل لا بد من الموافقة للكتاب والسنة ، فمن خالف رأيه الكتاب والسنة فليس بسلفي ، وإن عاش بين ظهراني الصحابة والتابعين ، انظر : ابن تيمية وقضية التأويل للدكتور الجليند ( ص 52 ) .

ويصح أن يُضاف إلى ( السلف ) كل من كان موافقاً للكتاب والسنة ونهج أولئك السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين وأتباعهم .

قال الإمام السفاريني محدداً مذهب السلف : ( ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، وأعيان التابعين لهم بإحسان رضوان الله عليهم ، وأتباعهم ، وأئمة الدين ممن شُهِدَ لهم بالإمامة ، وعُرِفَ عِظَمُ شأنه في الدين ، وتلقى الناس كلامهم خلفاً عن سالف ، دون من رُمِيَ ببدعة ، أو شُهِرَ بلقب غير مَرْضِيْ ، مثل : الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والمعتزلة والكرامية ونحو هؤلاء ) انظر لوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 1 / 20 ) .

إذن : ليس المراد بـ ( السلف ) أهل القرون المفضلة فحسب ، بل يدخل فيهم كل من وافق الكتاب والسنة ، ونَهَجَ منهج الصحابة رضي الله عنهم .

مفهوم ( الخلف ) عند علماء السلف

( الخلف ) في اللغة : هو من جاء خلف المتقدم ، سواءً أكان تأخره في الزمن أو في الرتبة ، انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ( ص 1042 – 1043 ) .

وإذا أطلقت كلمة ( الخلف ) في مقابل كلمة ( السلف ) ، يُراد بها : ( من رُمِيَ ببدعة ، أو شُهِرَ بلقب غير مَرْضِيْ ) كما تقدمت عبارة الإمام السفاريني في ذلك ، فمن انحرف عن الكتاب والسنة ، وانحرف عن طريقة الصحابة رضي الله عنهم ، فلم يتخذها منهجاً له ، فهو ( خَلَفِيْ ) ، وإنْ عاش بين ظهراني الصحابة .

مسمى ( أهل الحديث )

التعريف بـ ( أهل الحديث )

( الحديث ) في اللغة : ضد القديم ، ويُستعمل في كثير الكلام وقليله ، انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ( ص 214 ) .

وفي في الاصطلاح : ( ما أُثِرَ عن النبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ) انظر : الحديث النبوي للدكتور الصبّاغ ( ص 140 ) .

و ( أهل الحديث ) : هم المنسوبون إليه بسبب اتباعهم له ، فهم كل من جعل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدراً من مصادر التلقي يستفيدون منه عقائد الإسلام ، سواءٌ كانوا علماء حديث أو فقه أو أصول فقه أو سوى ذلك .

يقول الإمام الصابوني رحمه الله [ 449 هـ ] : ( إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة ، حفظ الله أحياءهم ، ورحم أمواتهم ) انظر : عقيدة السلف أصحاب الحديث ( ص 3 – 4 ) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [ 728 هـ ] : ( ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه ، أو كتابته ، أو روايته ، بل نعني بهم : كل من كان أحق بحفظه ومعرفته ، وفهمه ظاهراً وباطناً ، وإتباعه باطناً وظاهراً ، وكذلك أهل القرآن ) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 95 ) .

فـ ( أهل الحديث ) : هم الذين اتبعوا آثار الصحابة رضي الله عنهم ، والتابعين لهم بإحسان ، وكان لهم عناية خاصة بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام : جمعاً ، وحفظاً ، ورواية ً ، وفهماً ، وعملاً في الظاهر والباطن .
 
مصادر العقيدة الإسلامية

العقيدة الإسلامية لها مصدران فقط : كتاب الله عز وجل ، وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وليس للعقيدة مصدر ثالث ، لأن إجماع السلف الصالح لا يكون إلا على الكتاب والسنة ، انظر : الاعتصام للشاطبي ( 2 / 252 ) .

يقول الإمام البيهقي [ 458 هـ ] : ( فأما أهل السنة ، فَمُعَوَّلُهُم فيما يعتقدون : الكتاب والسنة ) انظر : مناقب الإمام الشافعي ( ص 462 ) .

ويقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله : ( للإسلام أصلان فقط : القرآن والسنة الصحيحة ) ويُعَقِّب على ذلك بقوله : ( وإنما حصرنا الأصول في كتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن الأمة مأمورةٌ بهما ) انظر : الدين الخالص ( 3 / 36 ) .

وما على الأمة إلا الاعتصام بما أُمِرَتْ بالاعتصام به ، كتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام ، إذ الاعتصام بهما سببٌ للعصمة من الوقوع في الخطأ والانحراف والزلل ، وسببٌ للعصمة من الوقوع في الاضطراب في فهم العقيدة ، ولأنه يجمع الأمة ولا يُفَرِّقها، يقول الله سبحانه وتعالى : { فمن اتبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى } [ طه : 123 ] .

ولا ريب أن الاعتصام بالكتاب والسنة من أعظم ما منَّ الله به على هذه الأمة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض حديثه عن السلف الصالح : ( وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم : اعتصامهم بالكتاب والسنة ) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 13 / 28 ) .

منزلة العقل ومجالاته في الإسلام

الله عز وجل امتنَّ على الإنسان بنعمة العقل الذي ميّزه به عن سائر الحيوانات ، وهذه النعمة هي التي ترفع صاحبها إلى مستوى التكاليف الشرعية الإلهية ، وتؤهِّلُهُ لإدراكها وفهمها .

وليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني وتكريمه والاعتماد عليه في فهم النصوص كالعقيدة الإسلامية ، ويبدو هذا واضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله ، مدح الله عز وجل فيها العقل ، ورفع من شأنه ، من خلال توجيهه إلى النظر والتفكر والتدبر والتأمل ، انظر : النبوات لابن تيمية ( ص 189 ) .

قال الله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب ٍ أقفالها } [ محمد : 24 ] وقال تعالى : { كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدّبّروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } [ ص : 29 ] .

ولكن لما كان للعقول في إدراكها حدٌّ تنتهي إليه لا تتعداه ، لم يجعل الله لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب ، فلم يجعل لها سبيلاً في إدراك أغلب مسائل الاعتقاد ، إذ لا يمكن للعقول أن تستقل بمعرفتها لولا مجيء الوحي بها وبأدلتها العقلية ، وما على العقول إلا فهمها وتدبرها .

وأيضاً فإن كثيراً من مسائل الاعتقاد لا تُدرك العقولُ حقيقتها وكيفياتها ، ولو فهمتَ أدلتها وتدبرتَها ، كالروح التي في أجسادنا : عَسُرَ على الناس فهم حقيقتها لما لم يشهدوا لها نظيراً ، انظر : تفسير سورة الإخلاص لشيخ الإسلام ابن تيمية ( ص 202 ) .

وكذا صفات ربنا عز وجل ، رغم أننا فهمنا معانيها بعقولنا من اعتبار الغائب بالشاهد ، إلا أن حقيقتها وكيفياتها لا تدركه عقولنا ، لأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف ، والموصوف عز وجل ليس كمثله شيء ، فهو متصفٌ بصفات الكمال التي لا يماثله فيها شيء .

وكذا ما أخبر الله جل جلاله عنه من أمور الآخرة ، كالجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها ، وغير ذلك من المغيبات ، ليست من مدارك العقل ، ولا في متناوله ، مع أن العقل يقر بها ، ولا يُحيلها ، انظر : الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ( ص 44 – 45 ) .

وإذا كان كذلك : فالعقل مطالبٌ بالتسليم للنصوص الشرعية الصحيحة ، ولو لم يفهمها ، أو يدرك الحكمة التي فيها ، فالأمر ورد بقبولها ، والإيمان بها ، فإذا سمعنا شيئاً من أمور الدين وعقلناه وفهمناه ، فمن الله التوفيق ، وله الحمد والشكر على ذلك ، وما لم ندركه أو نفهمه آمنَّا به وصدقناه ، انظر : صون المنطق والكلام للسيوطي ( ص 182 ) .

درء تعارض العقل الصريح والنقل الصحيح

بقي أن نتساءل : هل يتعارض العقل الصحيح الصريح – السليم من الشبهات والأهواء – مع النقل الصحيح الصريح ؟

والجواب : تعارض النص الصحيح الصريح من الكتاب والسنة مع العقل الصحيح الصريح غير متصور أصلاً ، بل هو مستحيل ، فإذا تُوُهِّمَ التعارض بسبب عدم فهم ٍ للنقل ، أو فساد ٍ في العقل ، فإن الوحي مقدَّم ومحكَّم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فيأخذ المسلمون دينهم – من الاعتقادات والعبادات وغير ذلك – من كتاب الله وسنة رسوله وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها ، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح ، فإن ما خالف العقل الصريح فهو باطل ، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل ، ولكن فيه ألفاظٌ قد لا يفهمها بعض الناس ، أو يفهمون منها معنىً باطلاً ، فالآفة منهم ، لا من الكتاب والسنة ) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 490 ) .
 
خصائص العقيدة الإسلامية

الخصائص : جمع خِصِّيصة ، والخِصِّيصة : هي الصفة البارزة المميزة ، فإذا قلنا : خصائص العقيدة ، فمرادنا : صفاتها البارزة التي تنفرد بها ، وتميزها عن بقية العقائد .

وخصائص العقيدة الإسلامية باختصار :

1 – أنها توقيفية .

2 – أنها غيبية .

3 – التكامل والشمول .

4 – أنها وسطية .

من خصائص العقيدة الإسلامية : أنها توقيفية

معنى ( التوقيف ) في اللغة :

( التوقيف ) لغة : مأخوذ من الوقف ، يُقال : وقف الدار إذا حبسها ، والتوقيف في الحج : وقوف الناس في المواقف ، وموقف الرجل : وقوفه في أيِّ مكان حيث كان .

المراد من كون العقيدة توقيفية :

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوقف أمته على مباحث العقيدة ، فلم يترك لهم شيئاً إلا بيَّنه ، فيجب على الأمة أن تقف عند الحدود التي حدَّها وبيَّنها .

ما الذي يلزم من كون العقيدة توقيفية ؟

لقد بيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام العقيدة بالقرآن والسنة ، فما ترك منها شيئاً إلا بيَّنه ، ويلزم من هذا :

1 – أن نحدد مصادر العقيدة بأنها الكتاب والسنة فقط .

2 – أن نلتزم بما جاء في الكتاب والسنة فقط ، فليس لأحد ٍ أن يُحْدِثَ أمراً من أمور الدين ، زاعماً أن هذا الأمر يجب التزامه واعتقاده ، فإن الله عز وجل أكمل الدين ، وانقطع الوحي ، وخُتِمت النبوة ، يقول تعالى : { اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا } [ المائدة : 3 ] ، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو ردّ ) رواه البخاري ، وهذا الحديث قاعدةٌ من قواعد الدين ، وأصلٌ من أصول العقيدة ، انظر : مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة للدكتور ناصر العقل ( ص 39 ) .

3 – أن نلتزم بألفاظ العقيدة الواردة في الكتاب والسنة ، ونتجنّب الألفاظ المحدثة التي أحدثها المبتدعة ، إذ العقيدة توقيفية ، فهي مما لا يعلمه إلا الله .

من خصائص العقيدة الإسلامية : أنها غيبية

معنى ( الغيب ) في اللغة :

( الغيب ) لغة : من غاب غَيْباً وغَيْبَة وغَيْبوبَة وغياباً ، خلاف شَهِدَ وحضر ، يُقال : غابت الشمس إذا غربت استترت عن العين ، و ( الغيب ) : كل ما غاب عنك ، وهو خلاف الشهادة .

المراد من كون العقيدة الإسلامية غيبية :

1 – أنها تبحث في قضايا غيبية لا مجال للعقل في إدراكها ، ومبناها على التسليم والتصديق المطلق بما جاء عن الله عز وجل ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ، ( بعض قضايا العقيدة غيب ) .

2 – أن أهلها يقفون في أمرها على ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهم يؤمنون بالغيب ، وقد وصفهم الله عز وجل في ذلك في قوله : { ألم [1] ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين [2] الذين يؤمنون بالغيب } [ البقرة : 1 – 3 ] ، انظر : مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة للدكتور ناصر العقل ( ص 30 ، 39 ) .

ما الذي يلزم من كون العقيدة غيبية ؟

لما كانت أغلب قضايا العقيدة غيبٌ بالنسبة لنا ، لزمنا كمؤمنين بالغيب :

1 – أن نسلِّم لله عز وجل ولرسول عليه الصلاة والسلام ، والتسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم يتمثل في التسليم بما في الكتاب والسنة .

2 – أن لا نخوض ولا نجادل في العقيدة ونصوصها – لأنها غيبٌ – إلا بقدر البيان وإقامة الحجة ، مع التزام منهج السلف في ذلك ، انظر : الشرح والإبانة لابن بطة العكبري ( ص 123 – 127 ) والشريعة للآجري ( ص 54 – 67 ) .

3 – أن لا نؤوِّل نصوص العقيدة ، ولا نصرفها عن ظاهرها بغير دليل ٍ شرعي ثابت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم .

من خصائص العقيدة الإسلامية : أنها شمولية

معنى ( الشمول ) في اللغة :

يُقال : شَمِلَ الأمرُ القومَ شَمْلاً ، إذا شَمَلَهُم ، واشتمل بالثوب ، إذا أداره على جسده كله حتى لا تخرج منه يده ، واشتمل على كذا ، أي احتواه وتضمَّنه ، انظر : القاموس المحيط للفيروزآبادي ( ص 1319 ) .

المراد من كون العقيدة شمولية :

أنها لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا أتت بإيضاحها ، ووضعت لها نظاماً بأروع إحكام ، وأتقن بيان ، فقد أحاطت وهيمنت على الأحكام ، فقد أحاطت وهيمنت على الأقوال والأعمال والسلوك وكل أمور الحياة ، ولا يتم إيمان العبد إلا عندما يُخْضِعُ كل أمور حياته لهذا الدين .

مظاهر شمولية العقيدة :

لم تُغفِل العقيدة الإسلامية أمراً من أمور الدين والدنيا إلا أتت عليه بالبيان والإيضاح التامّيْن ، فالله عز وجل ما فرَّطَ في الكتاب من شيء ، ورسوله صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لأمته جميع ما يحتاجون إليه ، ومن مظاهر هذه الشمولية :

1 – أنها أعطت الإنسان تصوراً كاملاً عن الكون الذي يحيا فيه .

2 – أنها تناولت جميع القضايا التي بها تستقيم حياة الإنسان .

3 – أنها أحاطت بالإنسان كله من حين ولادته ، حتى وفاته ، بل قبل ولادته ، وبعد وفاته ، قبل أن يتزوج أبوهُ أمَّه , وحتى يستقر في الجنة ، أو يدخل النار – عياذاً بالله – .

انظر : المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للدكتور إبراهيم البريكان ( ص 69 – 72 ) .
 
أعلى