منـاظـــرة علميـــة . .

الهزبر

عضو مميز
منـاظـــرة علميـــة

أيها القارئ الكريم:
أختم هذه الرسالة بحوار لطيف جرى مع أحد طلبة العلم حول هذه المسألة.
قال لي: أبو هريرة أسلم بعد كبار الصحابة، وروى أكثر منهم، وتقبلون مروياته... إلخ.
فقلت له: كم عدد الأحاديث التي رواها؟ وما موقف علماء الشيعة القدماء منها؟
قال لي: لا يهمني معرفة عددها، ولا يهمني موقف هؤلاء العلماء.. يا سبحان الله!!
قلت له: عدد أحاديث البخاري غير المكررة -أي كل ما فيه من أحاديث عن أبي هريرة وغيره- لا تصل خمسة آلاف حديث.
فلم يصدق، وقال: عجيب.. فقط خمسة آلاف!
فعرفت بأن الرجل لا يعرف كيف اختار البخاري أحاديث الصحيح، وما هي شروطه؟؟
وكم مكث في جمعه وتحريره؟ وما هي مواهب مؤلفه؟؟
فقلت له: يكفي أن الإمام البخاري جامع الصحيح جلس أكثر من ست عشرة سنة في جمعه، وقد اشترط رحمه الله في كل راوي في أسانيد الأحاديث أن يكون من الحفاظ، وأن لا يعرف عنه الكذب، وأن يسند الحديث لمن سمعه منه، واشترط كذلك في كل راوي ثبوت التقائه بشيخه وسماعه منه، وأن يكون الحديث خاليًا من الشذوذ والعلل القادحة.
فقال بصراحة: أنا أنتقد وجود بعض الأحاديث فيه، وذكر الحديث المشهور في غمس الذباب.
فسألته: هل له اطلاع على الصحيح وقراءة فيه؟
فأجاب بالنفي، ولكن من خلال سماعه عن الصحيح.
وقال: بأننا معشر الشيعة نهتم بكتب إخواننا أهل السنة، ونقرأ فيها، خاصة المشايخ ولهم عليها ردود... إلخ.
فقلت له: مئات الملايين من أهل السنة منذ قيام المصنف بجمع الأحاديث وتصنيفها في كتابه، يدعون له على ما بذل من جهد في خدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه- على مر القرون، وقد جعل الله لكتابه هذا القبول، واتفق أهل السنة على صحته، وهذا من نعم الله علينا.
ولكن سؤالي: ما هو الجهد الذي بذلتموه لأجل إخراج أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وتنقيتها من الأحاديث المكذوبة عليه؟!
كذلك عندكم منزلة الأئمة لا تخفى، فهم معصومون، وكلامهم عندكم حجة، فأين جهودكم لتنقية الروايات عنهم؟؟
وأراد الجواب فقلت له: لا تعجل علي.. واصبر.. فأنا وأنت وغيرنا من المثقفين ثقافة شرعية، أو غيرنا من حملة الشهادات وسائر المثقفين إذا قرأ في أهم كتاب عندكم في الروايات -وهو كتاب الكافي- كيف تعرف أنت -وأنت حجة الإسلام- الروايات الصحيحة من الضعيفة؟؟
لاشك أنك تحتاج إلى بحث وتنقيب ودراسة أسانيد.
فقال: نعم، نقوم بدراستها، فأنا أصولي، ويمكن أن أرد الحديث الذي لا يقبله العقل؛ لأنه لا يوجد لدينا كتاب صحيح، بل كل كتبنا خاضعة للنظر والعقل.
قلت: اصبر عليَّ قليلًا.. هل كل رواية تراجعها في الحال أو تقرأ عشرات الصفحات أو خمس روايات أو أكثر ثم تراجع؟؟ ماذا تصنع؟
قال: حسب الحال، وعندنا منهج في التصحيح والتضعيف، وفيه كتاب مؤلفه معاصر في بيان صحيح الكافي للبهبودي، وعندنا اجتهاد، والعلماء لهم ذلك، وكل عالم ينظرها ويجتهد ويحكم بما يراه.
فقلت: على مهلك.. كم تحتاج من الوقت؟ وهل كل طالب حوزة يستطيع ذلك، بل حتى كبار العلماء هل يستطيعون ذلك؟
وبقيت مسألة كبرى: إذا صحت الرواية لديك فكيف تعرف أن الإمام قالها على سبيل التقية، أو قالها على سبيل الحقيقة؟؟
أي: ما هي الضوابط في التفريق بين ما قيل تقية وقيل على الحقيقة؟
هل يعرفها كل عالم؟ وهل هي موجودة مدونة؟ أو كل عالم يجتهد فيها؟؟
فطلب الانصراف ولم يكمل معي الحوار، فقلت له: لا تعجل! فقبل الانصراف أقول لك: ما موقف العلماء والمراجع لديكم من فعل البهبودي؟؟
واسمح لي بهذا المثال: لو أن رجلًا عنده عسل واختلط بعضه بالسم القاتل.. ماذا يصنع؟
هل يمكن أن يستعمل العسل الذي اختلط به السم أو يسعى قبل ذلك لمعرفة العسل الصالح من العسل المسموم؟؟
والحر تكفيه الإشارة.
ثم طلبت منه قبل الانصراف أن يتأمل في سعادة المثقف الشيعي وهو يقرأ في كتاب فيه أقوال الأئمة الذين يعتقد بعضهم أن أقوالهم حجة، وهو يعتقد صحة تلك الأقوال ويطمئن لذلك، هم يجتمعون ويقرءون رسالة كميل كل ليلة جمعة؛ لأجل اعتقادهم صحتها، وهي رسالة لطيفة، واطلعت عليها.
نعم لا بد من النظر في هذه القضية بعين العقل، ولا داعي أن نجعل بيننا وبين القرآن العظيم، وكذلك كلام سيد المرسلين، وكلام الأئمة وسائط، بل علينا أن نقرأ كلامهم مباشرة، ومنه نستفيد.
فقاطعني وقال: في المؤسسات الشيعية الضخمة مشاريع علمية كبرى وسترى النور، منها موسوعة الإمام الحسين عليه السلام، وقد تقع في أكثر من خمسمائة مجلد.
وإن شاء الله سوف يكون فيها تحقيق لأقواله وأفعاله، وإخراج الصحيح منها، وسوف تتبعها خطوات مماثلة.
فقلت: إن شاء الله يتحقق المطلوب.

منقول للفائدة
 
أعلى