فقه الخلاف بلا خلاف

الفودري

عضو بلاتيني
أحببت نقل هذه المقالة لكم ...

=======================================

موسى محمد هجاد الزهراني


جمعنا الحج هذا العام 1425هـ .. ببعض الأفاضل الأخيار ممن نختلف معهم أحياناً في بعض جوانب طرق الدعوة إلى الله تعالى .. ودارت بيننا مناظرات وكلام ! ، ما لاحظته جلياً بعد نقاشات طويلة بيننا أننا مخطئون كلنا ! .

هذا يتعصب للشيخ فلان و الشيخ فلان .. وهذا كذلك !! وكلُ يحاول أن يقع على جراح الآخر ليشمت بها لا ليعالجها ويداويها ! وأنّى لدعوةٍ هذا حال رجالها أن تنتصر وترتقي ! . لقد استفدت فوائد عظيمة من تلك المناقشات مثل :

1_ أن من تعصب لشخص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغضه الناس وكرهوه مهما كان ذاك الشخص ..إذ كلُ يؤخذ من قوله ويرد إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولست أعني تعصب الصوفية الضلال الذين أوصلوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مقام الألوهية .. أو غلوا فيه غلوّا فاحشاً .. وإنما أعني من تتبع أقواله _ عليه الصلاة والسلام _ وأفعاله وسننه الظاهرة والباطنة وتخلقّ بأخلاقه العظيمة ما أستطاع إلى ذلك سبيلاً ! .

2_ أعظم ما يفتح القلوب للداعية الأخلاق الفاضلة والابتسامة الحانية ! والكلمة اللينة .. هب أنك اختلفت مع إنسانٍ ما ، لكنك بعد اشتداد النزاع .. ابتسمت له وسألته عن أحواله وأحوال بلده ودراسته وعمله .. وخرجتم عن محل نزاع كما يقال .. فإذا ما احتاج أمراً كنت أنت المبادر إلى قضائه .. انظر كيف سيتحول معك من أقصى الشمال إلى أقصى اليمين ! . أشعرة بأنك محبُّ له رغم الخلاف ! وإنكما إنما تريدان الخير كلاكما وأن اختلفت الطرق للوصول إلى هذا الخير ! .

3_ فقه الخلاف لا تكاد تجده لدى كثيرٍ من طلاب العلم اليوم .. ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً ! ، فالخلاف منه ما هو سائغٌ ؛ وهو ما لم يخالف نصاً صريحاً من قرآن أو سنه أو إجماعاً أو قياساً جلياً .. وكان في العمليات .. لأنه الأكثر ! وقد يكون خلافاً في العقيدة أيضاً ويكون سائغاً _ أرجوا أن تكمل القراءة حتى لا تكفرني ! _ مثل :_ خلاف الصحابة رضي الله عنهم في هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أم لا ؟ وهل يرى المنافقون الله يوم القيامة أم لا ؟ أم إن ذلك خاص بالمؤمنين ؟ والخلاف في أم موسى ، ومريم ، والخضر هل هم أنبياء أم لا ؟
والخلاف في تارك الصلاة هل يكفر أم لا ؟ والخلاف في عصمة الأنبياء من الصغائر ! والخلاف في مسائل التكفير لبعض الفرق كالمعتزلة والخوارج والشيعة الرافضة .. بشرط ألا يكون خلافاً في الأصول الثابتة المعروفة ! .

ومن الخلاف ما ليس بسائع .. وهو عكس الأول وهو ما خالف نصاً من القرآن والسنة أو إجماعاً قديماً أو قياساً جلياً غير خفي ! . وأن الخلاف نوعان :_

1_ اختلاف التنوع : وأمثلته كثيرة جداً ومن أشهرها صلاة العصر في بني قريظة ، وهذا النوع من الخلاف هو الواقع بين الدعاة اليوم لكنهم – أو بعضهم - جعلوه خلاف تضاد ! بكل أسف .

2_ اختلاف التضاد : وهذا هو المصيبة ! كاختلافنا مع الإسماعيلية وغيرهم كالجهمية والنصيرية مثلاً .. وغيرهم كثير فهذا خلاف في الأصول الثابتة لا يمكن أن يسوغ بحال .. والكلام في ذلك يطول جداً [1] !

4_ من كان باعثه على النقاش والمناظرة الإخلاص لله تعالى وحب الخير للمخالف وأن يعود إلى الحق .. وأحسن ظنه بالله تعالى وتجرد من حظ نفسه وهذب أخلاقة وتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم .. فإنه في الغالب أن الله تعالى يجري الحق على لسانه ويشرح صدر المخالف له لأن الكلام إذا خرج من القلب وقع في القلب مباشرة ! فليتنا نفقه هذه الأمور ونعييها جيداً .. كما كان أبو حنيفة يقول عندما سأله ابنه حماد : لماذا يا أبي تنهانا عن الاشتغال بالكلام وأنت تتكلم ( أي تجادل على طريقة المتكلمين ) فقال رحمه الله : كنا يا بني نتكلم وكأن على رؤوسنا الطير مخافة أن يزل خصمنا ، وأنتم تناظرون ويود أحدكم لو زلّ صاحبه .

لو عملنا بهذا المبدأ العظيم فإننا حتماً سنكف عن تكفير من لا يستحق التكفير ! ونكون صفاً واحداً في وجه أعداء الإسلام وأعداء العفاف والحجاب ولاسيما في هذه الآونة التي هي من أصعب المراحل التي تمر بها الأمة جميعاً .. لأنه وبكل أسف .. وجد بعض المنتسبين إلى منهج السلف قد جمدوا على انتقاد جماعتين من الجماعات الإسلامية منذ زمن بعيد .. وتركوا الصوفية والإسماعيلية وغيرهم الحبل على الغارب يلعبون في الأمة لعبهم ! بل إنني أقسم بالله أن بعض هؤلاء المنتسبين ، ما إن وقع خلاف بينه وبين شاب من شباب المنهج الحق .. ومن الدعاة إلى الله .. ما كان منه إلا أن عقد صداقة حميمة مع شيخ من شيوخ الطائفة النقشبندية أتباع ( كفتارو)[2] المعروف بانحرافه العقدي ! أنظر إلى التزعزع عند مثل هذا ..وارجع إلى الفقرة (4) اقرأها جيداً.. والمصيبة ضيق العطن والأفق الذي ابتلي به بعض هؤلاء حتى حاربوا فاضلاً من خيار الدعاة ممن يحفظ كتاب الله كاملاً ويحفظ الصحيحين ( وأنا المسؤول عن هذا ) لا لشيء إلا لأنه يلبس العقال ! أهذه دعوة بالله عليكم ؟! فمثل هؤلاء لا يدعون إلا إلى أنفسهم وأهوائهم لا إلى الله تعالى ، وإلا لتجردوا للحق مهما كان قائله .

ثم اختم المقال بالدعاء لي إن اتفقت معي أو الاستغفار لي أن اختلفت معي .. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..


جدة
15/ذي الحجة / 1425هـ


( بتصرف يسير مني )
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى