من منابع الفساد و منه يبدأ الإصلاح

الفودري

عضو بلاتيني
لوم النفس و عتابها و تقريعها أمر مر ليس بالهين و لا يتقبله الكثير من الناس ، بل إنه قد تفشت عادة إلقاء اللوم على الغير و التملص من الأخطاء التي ارتكبها الناس أنفسهم ، لا يحبون أن يلقى إليهم ذرة من لوم أو عتاب أو أن ينسب إليهم تقصير و إهمال ، يسعون إلى الملائكية و لن يصلوها ، فيبررون ذلك بشيطنة الآخرين لتكبر بعدها كرة الثلج و ينتقل الحال من الأسوأ إلى قمة الانحدار .


و لهذا الأمر انعكاسه على السياسة ، إن لم نواجه مبكرا أعتقد أننا قد نصل إلى مرحلة حرجة يصعب معها العلاج ، إطرح سؤالا في أحد مجالسنا سواء كانت قاعات أكاديمية ، أو ديوانيات ، أو ندوات او محاضرات ، ما هو سبب الفساد عندنا ؟؟ كل توجه أرضع أتباعه الإجابة ، و فرض وصايته على عقله فقليلا ما نرى من ينطق بالإجابة الصحيحة ، و الحل الواقعي و إن كان بطيئا و يحتاج إلى جهد جماعي ، نسمع من يقول بانه نظام الحكم ، و آخر تراه يهاجم الأسرة الحاكمة ، و صوت يقول بأن رأس الفساد هو عدم جعل منصب رئيس الوزراء بيد الشعب ، و صيحة تقول أنه لا توجد أحزاب فعم الفساد ، و ناس تقول بأن النواب هم من يتلاعب في البلاد و ينسون مصالح العباد ، و آخرون يطالبون بإلغاء مجلس الأمة أساسا ، و غيرها من ( الشماعات ) كثير كثير ...

برأيي أن أمر الإصلاح و الفساد الذي يلعب فيه دورا لا يستهان به هو الشعب ، نعم الشعب ، أنا و أنت و هو و هي، جميعنا ، خصوصا عندنا في الكويت ، و هو الجدير بأن تلقى إليه تهم أسباب الفساد أيضا ، السلطة التشريعية ( كمثال قوي ) عندنا هي عبارة عن خلاصة الشعب ، لم تتشكل إلا من خلال الشعب ، و لم يصل النواب إلى المجلس إلا من خلال الشعب ، فإن كانت النتيجة طيبة ، علمت طيب من اوصله ، و إن كانت النتيجة خبيثة عرفت خبث من أوصله ، فإن كنا نريد الإصلاح لنبدأ من الشعب ...

الديموقراطية ستكون من المعوقات إن كانت غالبية الشعب فسادا ، و ستصعب عملية الإصلاح ، فهي نظام إرضائي يتبع أهواء الأغلبية و لو كان ذلك على حساب العقل و المنطق و الصواب ، و هنا تكبر المهمة و تطول عند المصلحين و ما أقلهم ، فماذا يفعلون في وجه أغلبية ، و لكن هناك أمل أن تزيل قطرات من الماء قسوة الصخور ...

لدينا وقت جيد قبل الانتخابات المقبلة ، إن كنا نزعم أننا نريد الإصلاح فلنبدأ من الآن ، فليعالج الشعب نفسه بنفسه ، و لا يتكل على إصلاحات قمة الهرم و انتظار يقظته ، فقد يطول سبات رأس الهرم ، و ما ضر الشعب فساد الرأس و هو أساس الهرم أصلا ، إن صلح الأساس سيصلح الرأس حتما ، كل واحد منا يبدأ بما يستطيع ، الفرد يصلح عشرة و العشرة تصلح مئة و المئة تصلح ألفا و ستلمس الثمار و لو طال الأمد ، و لكن لا نيأس ...

إن كنا لا نريد تواجد نواب الفساد و التأزيم في المجلس ، فعلينا أن نستهدف من أوصلهم ، من خلال توعيتهم و الحوار المثمر و ترشيدهم و إيقاظ ضمائرهم ، و شيئا فشيئا يخسر النائب الفاسد الأصوات شيئا فشيئا حتى نجده قد اختفى في المجالس القادمة ...

عملية قمع الفساد تذكرني بحديقتنا الجميلة في الحوية قرب الطائف ، أذكر أنني كنت صغيرا و أحببت أن أساعد جدي رحمه في تنظيف المزرعة من الحشائش المضرة و النباتات الشوكية و التي يكثر ظهورها في تلك المنطقة ، كنت أكتفي بقطع مايظهر من النبتة ظنا مني أن هذا يميتها ، و عندما رآني جدي قال : لم تفعل شيئا ، ما زالت الجذور موجودة و ستنبت لك الأشواك مرة أخرى ... إن كنت مجتثا فابدأ من الجذور ...

قال أبو القاسم الشابي أبياتا في هذا المعنى و جاء عبد الرحمن الدوسري أحد علماء الكويت و عدلها فصارت أجمل و أنسب :

إذا الشعب يوما أراد الحياة :: ( و جاء بمقتضيات ) القدر
فلا بد لليل أن ينجلي :: و لا بد للقيد أن ينكسر


إصلاح الفساد يأتي من المجتمع ، و إصلاح المجتمع يأتي منه و إليه يعود ...
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )

و السلام ختام ...


:وردة:
 
أعلى